زيادة قوة طالبان في أفغانستان وباكستان تثير ذعر الأمريكان
توقعت وسائل الإعلام الغربية مطلع هذا العام حلول صيف ٍ ساخن ٍعلى أفغانستان، وقد صح توقعها وزيادة، فالصيف لم يكن ساخناً وحسب، بل كان صيفاً ملتهباً ومشتعلا ًتعدت حرارته من أفغانستان لتصل إلى داخل باكستان نفسها. فلا يكاد يمر يوم في أفغانستان إلا ويُصرع فيه جنود أميركيون أو بريطانيون أو من جنسيات أُخرى مشاركة في احتلال الأراضي الأفغانية، كما لا يكاد يمر يوم في باكستان إلا وتُشن فيه هجمات متنوعة ضد قوافل الاحتلال وعملائه ومصالحه.
لقد كان هذا الشهر- حزيران- هو الأكثر دمويةً على قوات الاحتلال الأطلسية منذ بدء الغزو الأميركي لأفغانستان في العام 2001 . فقد قتل فيه ما يقارب الخمسين جندياً أطلسياً وهو ضعف ما قتل في العراق من جنود أميركيين في نفس هذا الشهر. وفوق ذلك فقد حُرر ما يزيد عن الألف أسير ومعتقل من سجن قندهار وازدادت هجمات مسلحي طالبان بنسبة 40 % مقارنة بالعام الماضي وذلك استناداً لقول القائد العسكري الأميركي في شرق أفغانستان.
وأما في باكستان فقام مقاتلو حركة طالبان الباكستانية بالاستيلاء على محركات وقطع غيار لمروحيات أميركية تزيد قيمتها عن 13 مليون دولار كانت موجودة داخل حاويات محصنة في طريقها من ميناء كراتشي الباكستاني إلى القواعد الأميركية داخل الأراضي الأفغانية. وقاموا أيضاً بحرق وتدمير عشرات الحاويات الأميركية المحملة بالنفط وهي مارة في الأراضي الباكستانية وذلك في إسباقية ٍٍ خطيرةٍ لم تشهدها القوافل الأميركية من قبل.
إن هذه الأحداث الجريئة والمتصاعدة ضد القوات الأطلسية في باكستان وأفغانستان قد أثارت الذعر في قلوب الأميركيين والبريطانيين والغربيين الذين شرعوا في كيل الاتهامات للدولة الباكستانية وفي تحميلها مسؤولية تفاقم الأوضاع الأمنية و التنصل من إخفاقهم في السيطرة على الوضع بالرغم من طول فترة احتلالهم لأفغانستان. فأميركا وحلف الأطلسي من ورائها تريد من باكستان أن تحمي قواتها الغازية وأن تقاتل حركة طالبان نيابة ًعنها فإذا ما عجزت الدولة الباكستانية عن فعل ذلك فإنها تُتهم بالتقصيروبالتواطئ مع حركة طالبان، بل إن مسؤولين أميركيين قالوا بكل وقاحة إن الحكومة الباكستانية فاقدة للوظيفة التي يجب أن تقوم بها.
لقد فقدت الإدارة الأميركية البوصلة في أفغانستان وفي باكستان، فعملاؤها هناك لم يعودوا بقادرين على خدمتها لأن الأوامر الأميركية لهم أ صبحت ثقيلة وغير واقعية وغير قابلة للتطبيق. فأميركا تريد من الجيش الباكستاني والحكومة الباكستانية إعلان الحرب الشاملة على حركة طالبان بشكل فوري وحاسم ودائم وهو ما لا تستطيع الدولة الباكستانية فعله مهما كان ولاء قادتها لأميركا لأن الرأي العام في باكستان يمنعها من القيام به ويوقعها في حالة من الحرج الشديد، إضافة إلى أن قطاعات كبيرة من الجيش الباكستاني غير موالية لعملاء أميركا ولا تستطيع أميركا ولا عملائها التخلص من تلك القطاعات.
ولب المشكلة بالنسبة لأميركا في الباكستان يكمن في أن الشعب الباكستاني تغلب عليه الحمية الإسلامية والعقيدة الإسلامية ولا مكان للروابط القومية أو الوطنية في شؤون حياته، وبالتالي فإن مطالبة حركة طالبان بتطبيق الشريعة الإسلامية تلقى ترحاباً شديداً وإستجابة ًجارفة ً لدى الباكستانيين، في حين أن الكلام المعسول عن الحرية و الديمقراطية تمجه الآذان وجرّبه الناس هناك كثيرا وأدركوا زيفه وبطلانه مبكرا ً ولم يستجب له إلا ّ أصحاب المصالح والفتن والأهواء. ومن هنا كانت المصادمات بين الجيش الباكستاني والحركات الإسلامية غير واسعة وغير جدية ولم تشف صدور الأميركيين، وبالتالي فإن ما يقلقهم بالفعل فشلهم المستمر والذريع في الإيقاع بالجيش في مطب المواجهة الشاملة مع الإسلاميين، حيث ظنوا أن المليارات التي أنفقوها على الباكستان سوف تمكن عميلهم مشرف وغيره من شراء ذمم الجيش لحمله على القتال نيابة عن الأميركيين، لذلك لم يكن غريبا أن يقول القائد الأميركي لحلف الناتو في أفغانستان : " إن الحكومة الباكستانية غير قادرة على القيام بوظيفتها" ، وأن يقول رئيس لجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ الأميركي : " لا يمكن الإعتماد على باكستان لوقف عبور الإرهابيين " .
إن هذا الإنفلات الخطير للأوضاع الأمنية في أفغانستان وباكستان، وعجز الإدارة الأميركية عن معالجتها، وفشل تجربة الحكومة المدنية الجديدة في دعم الخطط الأميركية للسيطرة على البلاد، إن هذا كله ينذر بفقدان أميركا لسيطرتها على أخطر منطقة في العالم وهذا من شأنه أن يكون مقدمة ً لتحول ٍ دولي مخيف لأميركا والغرب قد يبشر بقرب إنبلاج القوة الإسلامية العالمية.
26/6/2008
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق