الجمعة، 23 ديسمبر 2022

تكالب أمريكا وبريطانيا على افريقيا

تكالب أمريكا وبريطانيا على أفريقيا

الخبر:

تعهدت الولايات المتحدة بتقديم 55 مليار دولار لأفريقيا على مدى السنوات الثلاث المقبلة، مع استعداد الرئيس جو بايدن لاستضافة القمة الأمريكية الأفريقية هذا الأسبوع، وسيقيم بايدن مأدبة عشاء مساء الأربعاء لنحو 50 من الزعماء الأفارقة، ويعلن دعم الولايات المتحدة لانضمام الاتحاد الأفريقي إلى مجموعة العشرين، وسيعين أيضا ممثلا خاصا لتنفيذ الأفكار التي ستناقش خلال القمة، كما تخطط وزارة الخارجية الأمريكية لتعيين السفير جوني كارسون لهذا الدور.
وتزامنا مع هذا النشاط الأمريكي في أفريقيا أعلن وزير الخارجية البريطاني جيمس كليفرلي عن سياسة بلاده الجديدة في أفريقيا ودول الجنوب والشرق وقال: "إن مركز الثقل الجيوسياسي في العالم بدأ ينتقل نحو الجنوب والشرق، وإن حصة أكبر من الاقتصاد العالمي ستتمركز بين أيدي دول في أمريكا اللاتينية وأفريقيا وآسيا"، وقال بأنّ بلاده عازمة على الاستثمار في الدول التي سوف ترسم مستقبل العالم، وسوف تبدي المملكة المتحدة مثابرة استراتيجية ورغبة في الالتزام على المدى الطويل وقال: "أريد لسياستنا الخارجية أن تخطط باستمرار للمستقبل، وتبحث في الأفق، وتتطلع إلى ما بعد 10 سنوات و15 سنة و20 سنة من الآن".

التعليق:

إنّ الدول الاستعمارية لا تنفك عن العمل في البحث عن استراتيجيات جديدة تضمن لها ديمومة استمرار الهيمنة على الدول النامية للاستحواذ على مُقدّراتها وثرواتها، ولتوسيع تجارتها وامتيازاتها، ولبسط نفوذها في كل نواحي الحياة، فأمريكا تُغري هذه الدول بدفع الأموال لها بالمليارات لجذبها إلى تبعيتها، وبريطانيا تسعى مع هذه الدول ولعشرين سنة قادمة لربطها بها باتفاقات وشراكات وتحالفات.
وفيما تتكالب أمريكا وبريطانيا وفرنسا على الاستحواذ على مُقدّرات هذه الدول يغطّ حكام المسلمين في سبات عميق، ويستسلمون للهيمنة الغربية، ولا يفعلون أي شيء للانفصال عن هذه السياسات الغربية الاستعمارية المقيتة.
لقد سئمت الشعوب المُستضعفة من هذه القيادات الخانعة الذليلة التابعة للكافر المستعمر تبعيةً مُطلقة، وبدأت تتلمّس طرق النجاة للتخلص من احتكار تلك القيادات العميلة للسلطة، ولسوف تتمكّن عاجلاً أم آجلاً من الانفلات من قيود سياسات الهيمنة الدولية الجاثمة على صدرها منذ عشرات السنين، ولن يكون بعيداً ذلك اليوم الذي سوف تأخذ قرارها بأيديها، وتعتمد على قوتها الذاتية في إدارة شؤونها الدولية، ومن ثمّ تتخلص من ظلمة هذه الحقبة السوداء، ومن شرورها، تلك الحقبة التي ساد طغيانها وفجورها فشمل غالبية المسلمين، وسوف تتحرّر الشعوب الإسلامية منها بقوة المبدأ الإسلامي لا غير، وسوف تكسر أغلال الاستعمار، وتُحطّم قيوده، وتُزيل عملاءه، وتكنس نفوذه من كافة ديار الإسلام.

العملاء يتوارثون الخيانة جيلا بعد جيل

العملاء يتوارثون الخيانة جيلا بعد جيل

إنّ خونة هذه الأيام من الحكام العملاء قد ورثوا الخيانة من أسلافهم الذين سبقوهم كما يتم توريث السلطان والملك سواء بسواء، وورثوا مع رذيلة الخيانة هذه صفة انعدام الإحساس بالكرامة والهيبة، مع الخنوع والاستسلام لأعداء الدين والأمة، وعلى سبيل المثال فخيانة التطبيع مع كيان يهود جارية في هذه الأيام على قدم وساق وجار معها استمرار التبعية والخضوع لمن يتربص بالمسلمين الدوائر.
ففي البحرين على سبيل المثال يستقبل ملكها بكل وقاحة رئيس كيان يهود لا لهدف سوى الإعلان بافتخار عن تلك الوقاحات، وفي الإمارات يتسابق حكامها العملاء على توقيع الاتفاقيات الثنائية والمتعددة بكل صفاقة مع هذا الكيان الغاصب، وفي مصر لا يدع حكامها مناسبة إلا ويضغطون فيها على فصائل المقاومة في قطاع غزة بشدة لمنعها من الرد على عدوان جيش يهود المتكرر على أهل فلسطين، وكأنّه لا وظيفة لمصر في السياسة الخارجية إلا حفظ أمن كيان يهود، وفي المغرب تعقد حكومتها اتفاقاً مع شركة غاز يهودية للتنقيب عن الغاز في المياه المغربية بعد توقيع الاتفاقيات العسكرية الدفاعية مع جيش كيان يهود، وفي الأردن يوقع حكامه العملاء مع يهود على اتفاقيات الماء والكهرباء...
وفي لبنان يتفق حكامه بمن فيهم زعماء حزب إيران اللبناني على ترسيم الحدود البحرية مع كيان يهود، فيقرون ويعترفون بذلك الترسيم بأنّ فلسطين أصبحت ليهود الغاصبين، وفي سوريا يستسلم نظام الطاغية الجبان بشار الأسد الذي يستأسد على شعبه لنهج كيان يهود الذي يستمر في قصف مواقعه العسكرية من دون أي حراك، وكأنه قضاء لا رادّ له، وفي السودان يتواصل حكامه المنبطحون لأمريكا وبريطانيا بديمومة العمل السياسي والعسكري مع كيان يهود، ويتعاونون معه أمنياً لملاحقة من يسمونهم بالإرهابيين.
والحقيقة إن جريمة التطبيع المتصاعدة هذه مع كيان يهود لم تأتِ من فراغ، فهي ثمرة جهود سياسية ضخمة بدأها الحكام العملاء في الماضي مع كيان يهود بالسر، وآن الأوان لتتحول إلى العلن، وهذه العلاقات الخيانية بين حكام العرب الخونة وبين كيان يهود هي علاقات تاريخية طويلة وليست وليدة هذه الأيام، لكن ما كان يميزها من قبل هو خاصية السرية والكتمان، وأما هذه الأيام فأصبحت مكشوفةً مفضوحة.
ومن هذه الاتصالات الخيانية الخطيرة التي تمّ الكشف عنها حديثاً بعد رفع السرية عنها ما قام به فوزي قاوقجي رئيس ما يسمى بجيش الإنقاذ من إنشاء علاقات خطيرة مع زعماء العصابات الصهيونية سنة 1948 والتي تسبّبت بتدمير قوة المجاهدين في فلسطين وتسليم المناطق الفلسطينية لعصابات الهجاناة الصهيونية من دون قتال، فقد كشفت الوثائق البريطانية والصهيونية التي تم رفع الحظر عنها أن فوزي قاوقجي قد اجتمع بتاريخ 01/04/1948 في قرية عين شمس بشكل سري مع يهوشع بالمون أحد قادة الهاجاناة وأول رئيس للموساد في كيان يهود بعد تأسيسه، وزوده بجميع التفاصيل الاستخبارية عن الوضع العسكري للمقاتلين الفلسطينيين، وأمده بالمعلومات الخاصة بكل الجبهات، خاصة تلك الجبهات التي تعاني من نقص بالسلاح والعتاد، ليسهل معرفتها والقضاء عليها، وللتأكيد على صدق تلك المعلومات دعمها قاوقجي بالبرقيات التي كان يرسلها عبد القادر الحسيني له طالبا منه العتاد، ورصدت الاستخبارات الصهيونية بالفعل تلك المكالمة والبرقيات، وتأكّدت من التزام القاوقجي بالاتفاق المبرم بين الرجلين، وتأكدت أيضاً أنّ الحسيني ورجاله يعانون من مشكلة نفاد الذخائر.
كما كشف قاوقجي في ذلك الاجتماع الخطة العسكرية التي أعدّها المجاهدون لتحرير قرية القسطل ذات الموقع الاستراتيجي، والقضاء على الجيوب الصهيونية في مدينة القدس، وهو ما مكن العصابات الصهيونية من كشف مكامن ضعف المجاهدين، ومنح العصابات الصهيونية الفرصة الذهبية للإيقاع بهم في كمائن قاتلة.
ومعلوم أنه ثابت تاريخياً أنّ عبد القادر الحسيني كان قد طلب من قاوقجي أنْ يرسل له قوات مساندة وسلاحاً وعتاداً فاعتذر قاوقجي وادّعى بأنه لا يملك السلاح مع أنه كانت لديه أسلحة وذخائر مُكدّسة في المخازن.
والغريب فيما ورد في الاجتماع أنّ قاوقجي قد طلب من بالمون القضاء على الحسيني فقال له: "عليكم أن تُعلموهم درساً لا ينسونه"، ووعده بأنّه سيمنع تقديم أية مساعدة عسكرية للفلسطينيين بالرغم من وجود السلاح والعتاد الكثير في مخازنه، كما تعهد له بأنْ تنسحب قواته من بعض المواقع التي يسيطر عليها لتسليمها ليهود من دون قتال.
وتذكر الوثائق أنّ قاوقجي طلب من بالمون لقاء هذه الخدمات أنْ يمنحه نصرا تمثيلياً واحداً يستعين به لإكمال تنفيذ مخططاته، فرفض بالمون طلبه هذا وردّ عليه قائلاً: "نحن اليهود لن نعطيكم شيئاً".
وبعد ثلاثة أيام من ذلك الاجتماع الخطير شنّت القوات الصهيونية هجوماً كبيراً في 04/04/1948 فدمّرت مقر قيادة الحسيني في رام الله، ووقعت معركة القسطل، وسقط الحسيني شهيداً، ودخلت القوات الصهيونية مدينة القدس.
وقد وردت هذه المعلومات في كتاب "حرب من أجل فلسطين" صفحة 86، وهو من تأليف يوجين روجان وآفي شلايم نقلاً عن وثائق بريطانية وصهيونية نُزعت عنها السرية من جامعة كامبردج في المملكة المتحدة، كما كانت قد وردت معلومات من قبل عن لقاء قاوقجي مع بالمون هذا في كتاب آخر بعنوان "يا قدس" لدومنيك لابيد ولاري كولنز.

الثلاثاء، 13 ديسمبر 2022

سر علاقة السعودية بلعبة الجولف

سر علاقة السعودية بلعبة الجولف

قامت السعودية في الآونة الأخيرة باستحداث بطولة رياضية جديدة غير معروفة على مستوى الجماهير، ولا يوجد لها أي حضور شعبي في المنطقة، ألا وهي بطولة الغولف، وقد تكفلت السعودية بدعم هذه اللعبة بكل بذخ، والتزمت بدفع مبلغ 100 مليون دولار بشكل دوري لتمويلها.

وبالتدقيق في هذا الخبر الغريب يتبيّن أنّ سر هذه العلاقة تقف وراءه أصابع رئيس أمريكا السابق دونالد ترامب الذي اعترف صراحة بحاجة منظمته للغولف لملايين الدولارات السعودية في مُقابل حاجة محمد بن سلمان لحمايته من السقوط وهذا ما دفعه لتبني هذه اللعبة المكلفة، فهو إذاً نوع جديد من الابتزاز الأمريكي لحكام آل سعود، وقد قال ترامب ذلك بوضوح: "إنّ كل الأغنياء الذين أعرفهم أموالهم محدودة، ولا يريدون أن يخسروا 100 مليون دولار لبقية حياتهم، وإنّ السعوديين على استعداد للإنفاق في هذا الشأن، ولديها جيوب غير محدودة"، وزعم أنّ: "السعودية تحب الغولف"!

فالسعودية التي استحدثت هذه البطولة التافهة ستنفق الملايين على أحداثها المغمورة التي وصلت إلى الحدث الثالث منذ تأسيسها في تموز/يوليو الماضي، وتُشكّل حلقاتها الكثيرة المُرهقة ما يُسمّى بسلسلة: "Live Golf Invitational" ويُشاركها نادي ترامب المعروف باسم بيد مينيستر
ولم تكتفِ السعودية بتمويلها لهذه البطولة وحسب، بل إنّها قامت أيضاً ومن خلال شركة دار الأركان بتوقيع صفقة مع منظمة ترامب بقيمة 1.6 مليار دولار لبناء مشروع ضخم للعبة الغولف في دولة عُمان يتكون من 3500 وحدة سكنية، وملعب غولف، وفندقين يضمان 450 غرفة، ومنتجع، وتمّ في هذه الصفقة استخدام العلامة التجارية لترامب الذي سيتم منحه أرباحاً مُقابل استخدام اسمه في المشروع.

ويأتي توقيع هذه الصفقة في التوقيت نفسه الذي أعلن فيه ترامب عن ترشحه رسمياً لمنصب الرئيس في انتخابات 2024.

إنّ هذا الإنفاق السخي من محمد بن سلمان لمنظمة ونادي ترامب ما هو في الحقيقة إلا عبارة عن تمويل قام به ابن سلمان لدعم حملة ترامب في الترشح للرئاسة بعد سنتين، إذ أصبحت السعودية بهذا المشروع من أكبر الممولين لحملة انتخابات الحزب الجمهوري، وأصبحت وكأنّها جزء من اللعبة الانتخابية الأمريكية.

وليس غريباً أنْ تقوم الحكومة الأمريكية بعد هذا الإنفاق السعودي السخي على ترامب وحزبه، وعلى الشركات الأمريكية المتعاقدة مع السعودية، ليس غريبا أن تقوم بمنح الحصانة القانونية لمحمد بن سلمان بما يضمن عدم ملاحقته ومساءلته على جريمة قتل الصحفي جمال خاشقجي مستقبلا.
قد يقال إنّ الرئيس الحالي بايدن والحزب الديمقراطي لا يستفيد من هذا التمويل السعودي لترامب وللحزب الجمهوري فلماذا تقبل إذاً إدارة بايدن بمنح الحصانة لابن سلمان، والجواب نجده في طبيعة الانتخابات الأمريكية التي تسمح للممولين بدفع أموالهم لصالح الحزبين الرئيسيين الجمهوري والديمقراطي، فالموضوع ليس ترامب وحزبه، أو بايدن وحزبه، بل الموضوع هو أمريكا بكل أحزابها، فما تدفعه السعودية من أموال ضخمة للعبة الغولف لا يستفيد منها ترامب فقط، بل تستفيد منها الشركات الأمريكية، واللاعبون الأمريكيون، والدولة الأمريكية نفسها، لذلك كانت عملية الابتزاز الأمريكي لابن سلمان تعود بإيرادات مالية ضخمة على الدولة الأمريكية لا مجال لرفضها.
وهكذا يُهدر ابن سلمان أموال المسلمين في مثل هذه الألعاب لا لشيء إلا لأجل تلبية مصالح أمريكا ولا يخدم أحداً في البلد إلا نفسه للحفاظ على منصبه، ولرفع اسمه من القائمة السوداء التي وضعتها أمريكا لملاحقة المطلوبين في ارتكاب جرائم واضحة من الصعب التكتم عليها.
فلو أنّ ابن سلمان استخدم هذه الأموال في بناء المصانع الحقيقية، وفي سد حاجات الناس الضرورية، وفي الاستثمار الجاد في البُنى والمرافق الحيوية لدولته، لو أنه فعل ذلك لتحولت السعودية إلى دولة مستقلة أو حتى دولة عظمى، أو لو أنّها أنفقت مثل هذه الأموال على فقراء المسلمين لما بقي فقير واحد في الأرض.
مّا إنفاقها على ملاعب الغولف والمنتجعات التي يتمتع بها اللاعبون الأجانب فهذا لا يخدم إلا أعداء الأمة، بل ويجعل من النظام السعودي أضحوكة أمام العالم يُضرب بها الأمثال على حجم تبذير وإضاعة الأموال على الآخرين بكل سفاهة وبلاهة.