تخفيض سعر الدولار مؤامرة أمريكية
بالرغم من اهتزاز مكانة الدولار إلا أنه يبقى العملة الأولى في العالم كونه مدعوم باقتصاد دولة عملاقة ذات إنتاجية هائلة ولها سطوة على التجارة العالمية، وتشارك في تكتلات اقتصادية كبيرة، وبالتالي فمهما أصيب الاقتصاد الأمريكي من نكسات فيبقى الدولار عملة هذا الاقتصاد يشكل ثلثي احتياطات النقد الأجنبي في العالم، وتبقى 80% من مبادلات صرف العملات الأجنبية مقومة بالدولار(الجزيرة –المعرفة- 28/10/2007).
وبناء عليه فإن أي تذبذب في سعر الدولار ينعكس أوتوماتيكياً على أسعار السلع والخدمات، ويؤثر تلقائياً على قيم العملات في معظم أنحاء العالم.
إن ما جرى للاقتصاد الأمريكي في الآونة الأخيرة يؤكد على أنه دخل مرحلة الترهل، وأصبح يعاني من ضعف حقيقي ولم يستطع اللحاق باقتصاديات الدول النشطة، واعتمد بشكل كبير على الهيمنة السياسية والتسلط العسكري ليستمر في صدارة اقتصاديات العالم.
وقد اعترف رئيس مجلس الاحتياط الفدرالي (البنك المركزي الأمريكي) بن برنانكي الأربعاء 2/4/2008م بأن "الركود في أمريكا وارد وتقديراتنا حالياً تشير إلى أن هناك تحسن طفيف لكن بشكل عام ربما يحصل تقلص مع نهاية النصف الأول من العام الجاري"(CNN في 4/4/2008م).
وتتمثل أبرز علامات الضعف في أداء الاقتصاد الأمريكي في النقاط التالية:-
1- إنخفاض معدلات النمو والتي قاربت في الأعوام الأخيرة درجة الصفر، بينما ترتفع تلك المعدلات في دول مثل الصين والهند إلى حدود التسعة بالمائة.
2- وجود عجز مزمن في الميزان التجاري والذي يقدر بنسبة 5% من الناتج الإجمالي للولايات المتحدة، وقد بلغ فائض الصين التجاري مع أمريكا نهاية العام 2006م (232.5 مليار) دولار، وفائض اليابان مع أمريكا بلغ في نفس العام (76.8 مليار) دولار. والمحصلة فإن عجز الميزان التجاري الأمريكي وصل إلى (832 مليار) دولار(CNN في 4/4/2008م). وقد بلغ العجز في شهر آذار -وحده- من عام 2007م على سبيل المثال إلى حوالي (64 مليار) دولار(CNN في 4/4/2008م).
3- الإنفاق الهائل علي حربي العراق وأفغانستان والتي تبلغ في العام الواحد قرابة ألـ(600 مليار) دولار وهذا ما جعل العجز في الموازنة الحكومية السنوية يصل إلى حدود ألـ(210 مليار) دولار(CNN في 4/4/2008م).
4- ارتفاع نسب البطالة في أمريكا بشكل غير مسبوق، فآخر الأرقام تقول إن أكثر من (232 ألفاً) قد دخلوا سوق البطالة في الأشهر الثلاثة الأولى من العام الجاري 2008م. (CNN في 4/4/2008م).
5- ضعف الإنتاج خاصة في الحقل الصناعي والذي تناقصت نسب العمالة فيه إلى حدود 8% في العام 2006م، بينما كانت النسبة في العام 1996م تصل إلى حدود 11%(CNN في 4/4/2008م)، وقد شهد هذا العام فقدان (51 ألف) وظيفة في قطاع الإنشاءات وَ(48 ألف) وظيفة في قطاع التصنيع(CNN في 4/4/2008م).
6- التركيز على اقتصاد البورصات، والربويات، وعدم الاهتمام بالاقتصاد الحقيقي، مما جعل المضاربين والمرابين يجمعون معظم الثروة بأيديهم، بينما لا تحظى المشاريع الحيوية بتمويل كاف.
7- بروز أزمة الرهن العقاري وكساد بيع الشقق في الولايات المتحدة ما أدَّى إلى موجة قوية من الانكماش التي اجتاحت البنوك وصناديق الإقراض، ليس في أمريكا نفسها وإنما تعداها إلى أوروبا وآسيا.
قال بن برنانكي عن هذه الأزمة: "إن أزمة الديون العقارية الأمريكية جاءت أكبر بكثير مما كان متوقعاً لها ولا سيما بعدما فقد الكثير من أصحاب الشقق السكنية في الولايات المتحدة قيمتها هذه السنة بسبب أزمة التسليفات العقارية"، وأوضح بأنه: "قد تم اللجوء إلى خفض أسعار الفائدة لإعادة إنعاش الاقتصاد لكن مثل هذه الخطوة عادة ما تضعف قيمة العملة بسبب انخفاض العوائد على الاستثمارات المقومة بها"، وأضاف: "إن التضخم الذي زادت أرقامه عن التوقعات أدَّى إلى تراجع الوظائف بنحو 4000 وظيفة خلال شهر آب 2007م الماضي"(الجزيرة –المعرفة- 28/10/2007).
إن عجز المقترضين عن سداد قيمة قروض الرهن العقاري بسبب رفع سعر الفائدة أدَّى إلى حدوث اضطرابات بالأسواق المالية الأمريكية، انتقل عدواها إلى الأسواق المالية الأوروبية والآسيوية. ويبدو أن أمريكا قد جرت المستثمرين الأجانب إلى قطاع العقارات في العام 2002م بنسب فائدة قليلة مما جعل هذا القطاع يزدهر، ثم بعد ذلك رفعت نسب الفائدة في الأعوام 2004م وما بعدها في هذا القطاع مما تسبب في انهيار أسعار الشقق وعجز المالكين عن الدفع وإفلاس بعض البنوك المقرضة للأموال وهذا تسبب في خسارة الأوروبيين والآسيويين الذين استثمروا أموالهم في هذا القطاع أكثر من خسارة الأمريكيين أنفسهم.
إزاء هذه المشاكل الحقيقية في الاقتصاد الأمريكي وجدت الإدارة الأمريكية نفسها مضطرة لمعالجة هذه المشاكل بالصدمة ليكون العلاج جذرياً فاستخدمت ورقة الدولار –سلاحها المفضل في الأزمات- وقامت بتخفيضه بشكل حاد وبتتابع، وعمدت إلى أسلوب تخفيض الفائدة بطريقة منهجية ثابتة.
إن التلاعب في نسب الفائدة الأمريكية أربك الأسواق المالية، فبعد أن تبنت أمريكا رفع الفائدة 17 مرة في ولاية بوش الأولى بمعدل 1/4 نقطة في كل مرة ليصل المعدل الإجمالي لنسبة الفائدة إلى 5.25% بدأت الإدارة الأمريكية في ولاية بوش الثانية بتخفيض النسبة بنصف نقطة لتعود إلى حدود 4.75% في العام 2007م(منتديات أخبار مكتوب10/1/2007).
ثم فاجأت الإدارة الأمريكية العالم بتخفيضات جديدة وحادة لنسبة الفائدة وفي فترة زمنية قصيرة، حيث قامت الإدارة الأمريكية بتخفيض نسبة الفائدة ست مرات كان آخرها في شهر آذار الماضي بـِ 3/4 نقطة لتصل النسبة حالياً إلى 2.25% فقط.
إن هذه المنهجية المتناقضة في التعامل مع نسبة الفائدة قد أدَّت إلى فقدان الثقة في سعر صرف الدولار، وهذا ما أدّى إلى انهياره وفقدان أكثر من 30% من قيمته مقابل العملات الصعبة.
فقد تراجع سعر صرف الدولار تجاه اليورو منذ صدور اليورو عام 99 وحتى نهاية 2006م بنسبة 31.1%، وتراجع سعر صرفه إزاء الجنيه الإسترليني حتى أيلول عام 2007م بنسبة 35.5%، وتراجع أمام الين حتى عام 2007م 20%(الجزيرة –المعرفة- 28/10/2007). وهكذا أصبح الانخفاض في سعر صرف الدولار منهجاً ثابتاً تبنته الإدارة الأمريكية بوصفه الحل الأمثل والوحيد لمعالجة المشاكل الاقتصادية.
إن نتيجة هذه السياسة أدّت إلى تحسن ملموس في أداء الاقتصاد الأمريكي. وفي دراسة لشركة (KPMG) التي نشرتها ألـ CNN وصدرت في نهاية آذار الماضي جاء فيها:
* إن الولايات المتحدة تقدمت على فرنسا وبريطانيا في مجال التصدير.
* إن الولايات المتحدة تقدمت في قائمة الدول الأكثر ملائمة لتأسيس الأعمال.
* أصبحت الولايات المتحدة في المرتبة الأولى بين صانعي السيارات بعدما كانت في المرتبة السادسة قبل عامين.
وقال مارك ماكدونالد مدير الشركة: "إن أمريكا أصبحت أكثر منافسة لاجتذاب الأعمال من أي وقت مضى بسبب تراجع الدولار"، وأضاف: "إن ضعف الدولار يزيد من جاذبية أمريكا ويجعلها مكاناً أفضل للقيام بالأعمال"(CNN 6/4/2008).
إن سياسة تخفيض الدولار هذه قد ألحق خسائر بمعظم دول العالم فالأردن خسر 2 مليار دولار العامين السابقين بسبب ارتباط عملته بالدولار، ودول الخليج تخسر 20 مليار دولار سنوياً(وكالة الأخبار الإسلامية نبأ 6/12/2007)، والصين واليابان ودول جنوب شرق آسيا خسرت الكثير بسبب انخفاض الدولار بتآكل احتياطاتها الدولارية الضخمة.
إن هذه السياسة أدَّت أيضاً إلى ارتفاع الأسعار في معظم دول العالم بسبب انخفاض القوة الشرائية لتلك العملات المعتمدة على الدولار، وأدَّى انخفاض الدولار أيضاً إلى انخفاض نسبة النمو في معظم دول العالم. وعلى سبيل المثال فإن النمو في دول الاتحاد الأوروبي قد تراجع بمعدل 0.6 نقطة عندما أصبح اليورو يساوي 1.30 من الدولار(وكالة الأخبار الإسلامية نبأ 6/12/2007)، وهناك عامل آخر مهم في ارتفاع الأسعار في البلدان الفقيرة إلى جانب انخفاض الدولار وهو ارتفاع سعر القمح الذي من أسبابه:
1- انضمام دول ذات كثافة سكانية عالية كالصين والهند وباكستان وبنغلادش إلى الدول المشترية للقمح في الأسواق العالمية بعد أن كانت مكتفية ذاتياً في إنتاجه.
2- إشاعة فكرة أن استيراد القمح أرخص من زراعته، وأن شراءه يوفر كميات كبيرة من المياه العذبة وهذا ما حمل دولاً تابعة لأمريكا كمصر إلى أن تضائل المساحات المزروعة فيها بالقمح، حيث انخفضت في مصر المساحة من 3.1 مليون فدان عام 2006م إلى 2.2 مليون فدان عام 2007مhttp://www.kfrelshikh.com/main/main_page.asp?NewsID=3910.
3- إشاعة فكرة أن القمح إلى جانب الذرة وفول الصويا أصبح مكوناً رئيسياً من مكونات الوقود العضوي الذي يخلط مع البنزين لاستخدامه في الطاقة وهو ما أدّى إلى رفع سعره لعدم استخدامه في الغذاء فقط.
ولهذه الأسباب ارتفعت أسعار القمح في البورصات العالمية من 346 دولار للطن في أيلول من العام 2007م ليصل إلى 430 دولار للطن في نهاية نفس العام http://www.kfrelshikh.com/main/main_page.asp?NewsID=3910.
أما بالنسبة لأوروبا فإنها قد استفادت من انخفاض قيمة الدولار وانخفاض نسبة الفائدة الأمريكية في اجتذاب رؤوس الأموال من الدول الغنية والنفطية ومن الأثرياء في الدول الفقيرة كونها حافظت على سعر صرف ثابت لليورو وعلى نسبة فائدة عالية تشجع هؤلاء على إيداع أموالهم فيها.
يقول رئيس المفوضية الأوروبية رومانو برودي: "إن ارتفاع قيمة اليورو إلى المعدل الذي وصلت إليه في 26/6/2007م كان بسبب توقف تدفق الرساميل الأجنبية إلى الولايات المتحدة"، وأضاف: "إن الزيادة جاءت أسرع مما كان متوقعاً"(منتديات تداول-11/7/2002 تحت عنوان" إفلاس الشركات الكبرى يدمر فرص انتعاش الاقتصاد الاميركي ").
وهكذا يمكن القول إن تخفيض سعر الدولار بهذه الطريقة المنهجية الفجة هي مؤامرة أمريكية لمعالجة مشاكل الاقتصاد الأمريكي بصرف النظر عن إيذاء الآخرين والتسبب لهم بموجات من الغلاء الفاحش في أسعار السلع الضرورية وغير الضرورية ما جعل بعض الشعوب تعاني من الفقر المدقع وتشرف على حافة السقوط في المجاعات.
فالذي يهم أمريكا هو زيادة صادراتها من خلال الدولار الرخيص وتقليل مديونيتها ومعالجة العجز في ميزانها التجاري وفي موازنتها الحكومية ولو كان على حساب الآخرين.
فبدلاً أن يكون العلاج بزيادة الإنتاج وبذل الجهود الحقيقية في منافسة الدول المنتجة التي تبذل طاقات هائلة في طريق التقدم الصناعي وتحسين إنتاجها بعرق أبنائها والتفاني في تطوير اقتصادها، تلجأ أمريكا إلى التلاعب بأسعار صرف الدولار لتربك العالم بتحويل احتياطياته الدولارية إلى نصف قيمتها وتسرق مدخراتها بأسهل الطرق وأكثرها ابتزازاً ولصوصية.
إن أمريكا وجدت أنها لا يمكن أن تستمر في الحفاظ على اقتصاد قوي وعملة قوية في آنٍ واحد، لذلك كان لا بد لها من التخلي عن قوة أحدهما فاختارت -مجبرة- التخلي عن قوة عملتها للحفاظ على قوة اقتصادها، ولكنها اختارت ذلك من خلال التآمر على العالم واللعب بورقتها الرابحة وهو دولارها الذي غزت به سوق العملات العالمية.
ليس من المتوقع بعد هذه اللعبة الأمريكية القذرة أن يحافظ الدولار على مكانته السابقة، وفي المستقبل غير البعيد سوف يخلي الدولار مكانه لليورو، ولن يعود له ذلك البريق الذي استمر في الخمسين سنة الماضية.
ولكن مع ذلك سيبقى الاقتصاد الأمريكي هو الاقتصاد الديناميكي الأكثر فاعلية من أي اقتصاد عالمي آخر نظراً للهيمنة الأمريكية السياسية والعسكرية وسيبقى الدولار عملة مركزية لا غنى للعالم عنها.
بالرغم من اهتزاز مكانة الدولار إلا أنه يبقى العملة الأولى في العالم كونه مدعوم باقتصاد دولة عملاقة ذات إنتاجية هائلة ولها سطوة على التجارة العالمية، وتشارك في تكتلات اقتصادية كبيرة، وبالتالي فمهما أصيب الاقتصاد الأمريكي من نكسات فيبقى الدولار عملة هذا الاقتصاد يشكل ثلثي احتياطات النقد الأجنبي في العالم، وتبقى 80% من مبادلات صرف العملات الأجنبية مقومة بالدولار(الجزيرة –المعرفة- 28/10/2007).
وبناء عليه فإن أي تذبذب في سعر الدولار ينعكس أوتوماتيكياً على أسعار السلع والخدمات، ويؤثر تلقائياً على قيم العملات في معظم أنحاء العالم.
إن ما جرى للاقتصاد الأمريكي في الآونة الأخيرة يؤكد على أنه دخل مرحلة الترهل، وأصبح يعاني من ضعف حقيقي ولم يستطع اللحاق باقتصاديات الدول النشطة، واعتمد بشكل كبير على الهيمنة السياسية والتسلط العسكري ليستمر في صدارة اقتصاديات العالم.
وقد اعترف رئيس مجلس الاحتياط الفدرالي (البنك المركزي الأمريكي) بن برنانكي الأربعاء 2/4/2008م بأن "الركود في أمريكا وارد وتقديراتنا حالياً تشير إلى أن هناك تحسن طفيف لكن بشكل عام ربما يحصل تقلص مع نهاية النصف الأول من العام الجاري"(CNN في 4/4/2008م).
وتتمثل أبرز علامات الضعف في أداء الاقتصاد الأمريكي في النقاط التالية:-
1- إنخفاض معدلات النمو والتي قاربت في الأعوام الأخيرة درجة الصفر، بينما ترتفع تلك المعدلات في دول مثل الصين والهند إلى حدود التسعة بالمائة.
2- وجود عجز مزمن في الميزان التجاري والذي يقدر بنسبة 5% من الناتج الإجمالي للولايات المتحدة، وقد بلغ فائض الصين التجاري مع أمريكا نهاية العام 2006م (232.5 مليار) دولار، وفائض اليابان مع أمريكا بلغ في نفس العام (76.8 مليار) دولار. والمحصلة فإن عجز الميزان التجاري الأمريكي وصل إلى (832 مليار) دولار(CNN في 4/4/2008م). وقد بلغ العجز في شهر آذار -وحده- من عام 2007م على سبيل المثال إلى حوالي (64 مليار) دولار(CNN في 4/4/2008م).
3- الإنفاق الهائل علي حربي العراق وأفغانستان والتي تبلغ في العام الواحد قرابة ألـ(600 مليار) دولار وهذا ما جعل العجز في الموازنة الحكومية السنوية يصل إلى حدود ألـ(210 مليار) دولار(CNN في 4/4/2008م).
4- ارتفاع نسب البطالة في أمريكا بشكل غير مسبوق، فآخر الأرقام تقول إن أكثر من (232 ألفاً) قد دخلوا سوق البطالة في الأشهر الثلاثة الأولى من العام الجاري 2008م. (CNN في 4/4/2008م).
5- ضعف الإنتاج خاصة في الحقل الصناعي والذي تناقصت نسب العمالة فيه إلى حدود 8% في العام 2006م، بينما كانت النسبة في العام 1996م تصل إلى حدود 11%(CNN في 4/4/2008م)، وقد شهد هذا العام فقدان (51 ألف) وظيفة في قطاع الإنشاءات وَ(48 ألف) وظيفة في قطاع التصنيع(CNN في 4/4/2008م).
6- التركيز على اقتصاد البورصات، والربويات، وعدم الاهتمام بالاقتصاد الحقيقي، مما جعل المضاربين والمرابين يجمعون معظم الثروة بأيديهم، بينما لا تحظى المشاريع الحيوية بتمويل كاف.
7- بروز أزمة الرهن العقاري وكساد بيع الشقق في الولايات المتحدة ما أدَّى إلى موجة قوية من الانكماش التي اجتاحت البنوك وصناديق الإقراض، ليس في أمريكا نفسها وإنما تعداها إلى أوروبا وآسيا.
قال بن برنانكي عن هذه الأزمة: "إن أزمة الديون العقارية الأمريكية جاءت أكبر بكثير مما كان متوقعاً لها ولا سيما بعدما فقد الكثير من أصحاب الشقق السكنية في الولايات المتحدة قيمتها هذه السنة بسبب أزمة التسليفات العقارية"، وأوضح بأنه: "قد تم اللجوء إلى خفض أسعار الفائدة لإعادة إنعاش الاقتصاد لكن مثل هذه الخطوة عادة ما تضعف قيمة العملة بسبب انخفاض العوائد على الاستثمارات المقومة بها"، وأضاف: "إن التضخم الذي زادت أرقامه عن التوقعات أدَّى إلى تراجع الوظائف بنحو 4000 وظيفة خلال شهر آب 2007م الماضي"(الجزيرة –المعرفة- 28/10/2007).
إن عجز المقترضين عن سداد قيمة قروض الرهن العقاري بسبب رفع سعر الفائدة أدَّى إلى حدوث اضطرابات بالأسواق المالية الأمريكية، انتقل عدواها إلى الأسواق المالية الأوروبية والآسيوية. ويبدو أن أمريكا قد جرت المستثمرين الأجانب إلى قطاع العقارات في العام 2002م بنسب فائدة قليلة مما جعل هذا القطاع يزدهر، ثم بعد ذلك رفعت نسب الفائدة في الأعوام 2004م وما بعدها في هذا القطاع مما تسبب في انهيار أسعار الشقق وعجز المالكين عن الدفع وإفلاس بعض البنوك المقرضة للأموال وهذا تسبب في خسارة الأوروبيين والآسيويين الذين استثمروا أموالهم في هذا القطاع أكثر من خسارة الأمريكيين أنفسهم.
إزاء هذه المشاكل الحقيقية في الاقتصاد الأمريكي وجدت الإدارة الأمريكية نفسها مضطرة لمعالجة هذه المشاكل بالصدمة ليكون العلاج جذرياً فاستخدمت ورقة الدولار –سلاحها المفضل في الأزمات- وقامت بتخفيضه بشكل حاد وبتتابع، وعمدت إلى أسلوب تخفيض الفائدة بطريقة منهجية ثابتة.
إن التلاعب في نسب الفائدة الأمريكية أربك الأسواق المالية، فبعد أن تبنت أمريكا رفع الفائدة 17 مرة في ولاية بوش الأولى بمعدل 1/4 نقطة في كل مرة ليصل المعدل الإجمالي لنسبة الفائدة إلى 5.25% بدأت الإدارة الأمريكية في ولاية بوش الثانية بتخفيض النسبة بنصف نقطة لتعود إلى حدود 4.75% في العام 2007م(منتديات أخبار مكتوب10/1/2007).
ثم فاجأت الإدارة الأمريكية العالم بتخفيضات جديدة وحادة لنسبة الفائدة وفي فترة زمنية قصيرة، حيث قامت الإدارة الأمريكية بتخفيض نسبة الفائدة ست مرات كان آخرها في شهر آذار الماضي بـِ 3/4 نقطة لتصل النسبة حالياً إلى 2.25% فقط.
إن هذه المنهجية المتناقضة في التعامل مع نسبة الفائدة قد أدَّت إلى فقدان الثقة في سعر صرف الدولار، وهذا ما أدّى إلى انهياره وفقدان أكثر من 30% من قيمته مقابل العملات الصعبة.
فقد تراجع سعر صرف الدولار تجاه اليورو منذ صدور اليورو عام 99 وحتى نهاية 2006م بنسبة 31.1%، وتراجع سعر صرفه إزاء الجنيه الإسترليني حتى أيلول عام 2007م بنسبة 35.5%، وتراجع أمام الين حتى عام 2007م 20%(الجزيرة –المعرفة- 28/10/2007). وهكذا أصبح الانخفاض في سعر صرف الدولار منهجاً ثابتاً تبنته الإدارة الأمريكية بوصفه الحل الأمثل والوحيد لمعالجة المشاكل الاقتصادية.
إن نتيجة هذه السياسة أدّت إلى تحسن ملموس في أداء الاقتصاد الأمريكي. وفي دراسة لشركة (KPMG) التي نشرتها ألـ CNN وصدرت في نهاية آذار الماضي جاء فيها:
* إن الولايات المتحدة تقدمت على فرنسا وبريطانيا في مجال التصدير.
* إن الولايات المتحدة تقدمت في قائمة الدول الأكثر ملائمة لتأسيس الأعمال.
* أصبحت الولايات المتحدة في المرتبة الأولى بين صانعي السيارات بعدما كانت في المرتبة السادسة قبل عامين.
وقال مارك ماكدونالد مدير الشركة: "إن أمريكا أصبحت أكثر منافسة لاجتذاب الأعمال من أي وقت مضى بسبب تراجع الدولار"، وأضاف: "إن ضعف الدولار يزيد من جاذبية أمريكا ويجعلها مكاناً أفضل للقيام بالأعمال"(CNN 6/4/2008).
إن سياسة تخفيض الدولار هذه قد ألحق خسائر بمعظم دول العالم فالأردن خسر 2 مليار دولار العامين السابقين بسبب ارتباط عملته بالدولار، ودول الخليج تخسر 20 مليار دولار سنوياً(وكالة الأخبار الإسلامية نبأ 6/12/2007)، والصين واليابان ودول جنوب شرق آسيا خسرت الكثير بسبب انخفاض الدولار بتآكل احتياطاتها الدولارية الضخمة.
إن هذه السياسة أدَّت أيضاً إلى ارتفاع الأسعار في معظم دول العالم بسبب انخفاض القوة الشرائية لتلك العملات المعتمدة على الدولار، وأدَّى انخفاض الدولار أيضاً إلى انخفاض نسبة النمو في معظم دول العالم. وعلى سبيل المثال فإن النمو في دول الاتحاد الأوروبي قد تراجع بمعدل 0.6 نقطة عندما أصبح اليورو يساوي 1.30 من الدولار(وكالة الأخبار الإسلامية نبأ 6/12/2007)، وهناك عامل آخر مهم في ارتفاع الأسعار في البلدان الفقيرة إلى جانب انخفاض الدولار وهو ارتفاع سعر القمح الذي من أسبابه:
1- انضمام دول ذات كثافة سكانية عالية كالصين والهند وباكستان وبنغلادش إلى الدول المشترية للقمح في الأسواق العالمية بعد أن كانت مكتفية ذاتياً في إنتاجه.
2- إشاعة فكرة أن استيراد القمح أرخص من زراعته، وأن شراءه يوفر كميات كبيرة من المياه العذبة وهذا ما حمل دولاً تابعة لأمريكا كمصر إلى أن تضائل المساحات المزروعة فيها بالقمح، حيث انخفضت في مصر المساحة من 3.1 مليون فدان عام 2006م إلى 2.2 مليون فدان عام 2007مhttp://www.kfrelshikh.com/main/main_page.asp?NewsID=3910.
3- إشاعة فكرة أن القمح إلى جانب الذرة وفول الصويا أصبح مكوناً رئيسياً من مكونات الوقود العضوي الذي يخلط مع البنزين لاستخدامه في الطاقة وهو ما أدّى إلى رفع سعره لعدم استخدامه في الغذاء فقط.
ولهذه الأسباب ارتفعت أسعار القمح في البورصات العالمية من 346 دولار للطن في أيلول من العام 2007م ليصل إلى 430 دولار للطن في نهاية نفس العام http://www.kfrelshikh.com/main/main_page.asp?NewsID=3910.
أما بالنسبة لأوروبا فإنها قد استفادت من انخفاض قيمة الدولار وانخفاض نسبة الفائدة الأمريكية في اجتذاب رؤوس الأموال من الدول الغنية والنفطية ومن الأثرياء في الدول الفقيرة كونها حافظت على سعر صرف ثابت لليورو وعلى نسبة فائدة عالية تشجع هؤلاء على إيداع أموالهم فيها.
يقول رئيس المفوضية الأوروبية رومانو برودي: "إن ارتفاع قيمة اليورو إلى المعدل الذي وصلت إليه في 26/6/2007م كان بسبب توقف تدفق الرساميل الأجنبية إلى الولايات المتحدة"، وأضاف: "إن الزيادة جاءت أسرع مما كان متوقعاً"(منتديات تداول-11/7/2002 تحت عنوان" إفلاس الشركات الكبرى يدمر فرص انتعاش الاقتصاد الاميركي ").
وهكذا يمكن القول إن تخفيض سعر الدولار بهذه الطريقة المنهجية الفجة هي مؤامرة أمريكية لمعالجة مشاكل الاقتصاد الأمريكي بصرف النظر عن إيذاء الآخرين والتسبب لهم بموجات من الغلاء الفاحش في أسعار السلع الضرورية وغير الضرورية ما جعل بعض الشعوب تعاني من الفقر المدقع وتشرف على حافة السقوط في المجاعات.
فالذي يهم أمريكا هو زيادة صادراتها من خلال الدولار الرخيص وتقليل مديونيتها ومعالجة العجز في ميزانها التجاري وفي موازنتها الحكومية ولو كان على حساب الآخرين.
فبدلاً أن يكون العلاج بزيادة الإنتاج وبذل الجهود الحقيقية في منافسة الدول المنتجة التي تبذل طاقات هائلة في طريق التقدم الصناعي وتحسين إنتاجها بعرق أبنائها والتفاني في تطوير اقتصادها، تلجأ أمريكا إلى التلاعب بأسعار صرف الدولار لتربك العالم بتحويل احتياطياته الدولارية إلى نصف قيمتها وتسرق مدخراتها بأسهل الطرق وأكثرها ابتزازاً ولصوصية.
إن أمريكا وجدت أنها لا يمكن أن تستمر في الحفاظ على اقتصاد قوي وعملة قوية في آنٍ واحد، لذلك كان لا بد لها من التخلي عن قوة أحدهما فاختارت -مجبرة- التخلي عن قوة عملتها للحفاظ على قوة اقتصادها، ولكنها اختارت ذلك من خلال التآمر على العالم واللعب بورقتها الرابحة وهو دولارها الذي غزت به سوق العملات العالمية.
ليس من المتوقع بعد هذه اللعبة الأمريكية القذرة أن يحافظ الدولار على مكانته السابقة، وفي المستقبل غير البعيد سوف يخلي الدولار مكانه لليورو، ولن يعود له ذلك البريق الذي استمر في الخمسين سنة الماضية.
ولكن مع ذلك سيبقى الاقتصاد الأمريكي هو الاقتصاد الديناميكي الأكثر فاعلية من أي اقتصاد عالمي آخر نظراً للهيمنة الأمريكية السياسية والعسكرية وسيبقى الدولار عملة مركزية لا غنى للعالم عنها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق