الأربعاء، 22 مايو 2019

دلالات التصعيد الأمريكي ضد إيران


دلالات التصعيد الأمريكي ضد إيران





أرسلت أمريكا مؤخراً تعزيزات عسكرية لافتة للنظر إلى منطقة الخليج تضمّنت حاملة طائرات وقاذفات من طراز (بي-52) وصواريخ باتريوت، وطائرات وأسلحة مختلفة، في استعراض واضح للقوة، وفي ظل ادعاءات أمريكية متزايدة بوجود تهديدات إيرانية للقوات والمصالح الأمريكية في المنطقة، وفي ظل أحاديث عن خطورة إيران على الغرب، وعن تنامي قدراتها العسكرية، وتصويرها بأنّها دولة قوية تُريد ابتلاع منطقة الخليج، وفرض هيمنتها عليها.

وفي المقابل تصدر عن إيران تصريحات عنترية لمسؤولين عسكريين وسياسيين تتحدث عن قوة إيران الجبارة، وعن قدرتها الرهيبة على إزالة كيان يهود، وقدرتها الخارقة على تقويض أمن الخليج في حال تعرضها لأي اعتداء.

وجاء في تقريرِ لصحيفة نيويورك تايمز الأمريكية عزم الإدارة الأمريكية على إرسال أكثر من 120 ألف جندي أمريكي إلى المنطقة ضمن استعدادات أمريكية في المنطقة تحسبا لأي (فعل إيراني) يُهدّد المصالح الأمريكية، وإن كان تمّ نفي الخبر فيما بعد رسمياً.

وأوجد هذا الحشد الأمريكي توتراً بالغاً في المنطقة، وأشغلها عن بحث قضايا أكثر أهمية، كما وأدّى إلى بروز تخمينات كثيرة بخصوص إمكانية قيام أمريكا بضرب إيران ضربة سريعة موجعة.

إنّ هذه الطريقة في شيطنة إيران ليست جديدة على الإدارات الأمريكية المتعاقبة، وإدارة ترامب ليست هي الأولى في سلوك هذا الطريق، وإن كانت الأكثر فعالية في لعب هذا الدور الخبيث لابتزاز الدول الأخرى، والتعامل معها على قاعدة دفع الأموال مقابل الحماية، فتتم شيطنة إيران لتقوم بهذا الدور الخبيث كما هو مرسوم.

ومنذ مجيء ترامب إلى الحكم لم يكتفِ بالانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران، بل اتخذ قراراً بفرض حزمة عقوبات أمريكية شديدة على إيران، وكذلك فرض عقوبات على الدول والشركات التي تتعامل معها، لا سيما الدول والشركات الأوروبية التي لم تلتزم بتنفيذ تلك العقوبات.

ومن ناحية نظرية رفضت أوروبا العقوبات الأمريكية على إيران، فقد صدر بيان مشترك للدول الأوروبية على لسان فيدريكا موغيريني رئيسة مفوضية الاتحاد الأوروبييرفض فيه العقوبات الأمريكية جملة وتفصيلاً، ويُطالب بإيجاد حل مُناسب للواقع السياسي الجديد الذي أفرزته عقوبات أمريكا، والتي شعرت أوروبا معها بحرجٍ شديد، فهي من جهة لا تستطيع دفع العقوبات الأمريكية عن شركاتها، ومن جهةٍ ثانية فهي لا تستطيع التضحية بمصالحها الكبيرة داخل إيران.

لذلك كانت العقوبات الأمريكية ما هي في الواقع سوى عقوبات ضدّ الأوروبيين وليست ضدّ إيران، لأنّ إيران اعتادت على مثل هذه العقوبات منذ أربعين عاماً، ورُبما بفضل تلك العقوبات استطاعت إيران أنْ تُطوّر شيئا من قدراتها الصناعية في المجالات العسكرية والاقتصادية، والاعتماد على نفسها بشكلٍ أفضل من الدول الأخرى غير المعاقبة.

وهناك دلالة أخرى يُمكن فهمها من هذا التصعيد الأمريكي ضد إيران، وهي أنّ السعودية وعدداً من الدول الخليجية الأخرى وافقت مؤخراً - وتحت ذريعة هذه الفزّاعة الإيرانية - على طلب أمريكا بإعادة انتشار قواتها العسكرية في مياه الخليج، وعلى أراضي دول خليجية، فقد نقلت مصادر لقناة الجزيرة أنّ إعادة الانتشار هذه جاءت بناء على اتفاقات ثنائية بين واشنطن والدول الخليجية، وذكرت وسائل إعلام أمريكية أن اجتماعاً عُقد مؤخراً في مقر القيادة المركزية للقوات البحرية الأمريكية في البحرين، ضمّ رؤساء القوات البحرية الأمريكية، وكبار القادة العسكريين في دول مجلس التعاون الخليجي، وأكد الاجتماع على وجود التعاون والالتزام المتبادل بضمان أمن واستقرار الملاحة البحرية خاصة مع تزايد حدة التوتر العسكري بين إيران وأمريكا.

وبذلك تتمكّن أمريكا بتلك العقوبات من ضرب المصالح المنافسة الأوروبية في إيران، وتسعى كذلك لإعادة تموضع قواتها في منطقة الخليج بطريقة أفضل، وتستمر أيضاً في استنزاف ثروات وأموال دول الخليج بحجة حمايتها، والدفاع عنها من خطر الدولة الإيرانية، وفي الوقت نفسه تعمل هذه العقوبات على شيطنة إيران، واعتبارها الدولة الأولى في معاداة الدول العربية، وفي المقابل يُعتبر كيان يهود دولة مسالمة مطلوب من الدول القائمة في البلاد الإسلامية التصالح معها والتطبيع معها في أسرع وقت ممكن.

التاسع عشر من ايار ذكرى سنوية لتقديس مصطفى كمال




اجوبة اسئلة : التاسع عشر من ايار الذكرى السنوية لتقديس مصطفى كمال في تركيا




الأربعاء، 15 مايو 2019

محمود عباس مُتمسّك بالقرارات الدولية بالرغم من إدراكه لعقمها



محمود عباس متمسّك بالقرارات الدولية بالرغم من إدراكه لعقمها





الخبر:

أكّد رئيس سلطة رام الله محمود عباس على تمسكه بقرارات الشرعية الدولية، ورفض مقترحات إدارة ترامب التي وصفها بـ "صفقة العصر" التي تجاوزت كل الشرعيات الدولية، ورفض فكرة السلام الاقتصادي، وقال بأنّه "لا سلام اقتصادي مُنفصل عن المسار السياسي، فالأجدر أن يتحقّق السلام على أساس قرارات الشرعية"، وأضاف بأنّه وردّاً على قرارات الإدارة الأمريكية الأخيرة ضد الفلسطينيين فإنّ "القيادة الفلسطينية قامت باتخاذ قرار بإرسال وفود لكل عواصم العالم لشرح الموقف الفلسطيني، وخطورة الإجراءات (الإسرائيلية)، والقرارات الأمريكية على مُجمل العملية السياسية"، وتابع: "كل ما نريده هو تطبيق قرارات الشرعية الدولية وصولاً لإقامة دولتنا الفلسطينية المُستقلة وعاصمتها القدس الشرقية".

التعليق:

إنّ محمود عباس الذي يُشدّد على أهمية القرارات الدولية، ويتمسّك بها إلى درجة التقديس، هو نفسه يُقِرُّ بأنّ "هناك 725 قراراً في الجمعية العامة للأمم المُتحدة، و86 قراراً في مجلس الأمن الدولي تتعلّق بالقضية الفلسطينية لم يُنفّذ أي قرار منها لأنّها تدعو لإنهاء الاحتلال، ... ووقوف الولايات المتحدة الأمريكية بشكلِ صارخ إلى جانب (إسرائيل)، ورفضها تنفيذ قرارات الشرعية الدولية".

فما دام محمود عباس وزمرته يُدركون تماماً عقم تلك القرارات الدولية، ويُشاهدون دوماً وقوف أمريكا ضد تنفيذها، ويُتابعون مُنذ زمن إبطال الإدارات الأمريكية المُتعاقبة لعشرات القرارات الصادرة عن المؤسّسات الدولية، فلماذا إذاً ما زالوا يتمسكون بها؟ ولماذا يُراهنون عليها بعد كل ما عانوه منها؟ ولماذا أضاعوا أكثر من عشرين عاماً في مُفاوضات عبثية تستند إليها برعاية أمريكا التي يعلمون علم اليقين أنُها هي التي تقف وراء تعطيل تنفيذها؟

فأي مهزلة هذه التي يقومون بها؟ وأي كذبة هذه التي يُخادعون بها شعبهم؟

ثمّ إنّهم بعد كل هذا الخداع والغش واللف والدوران السياسي يعودون إلى اللعبة السقيمة نفسها، فيُرسلون الوفود إلى عواصم العالم ليشرحوا لهم موقفهم المُخزي من قضية ليسوا هم أصلاً على مستواها، فيتحوّلون إلى مُهرجين سياسيين، ويظهرون كمسخرة أمام العالم، يُمارسون عبثهم السياسي باستمرار وكأنّ العالم يجهل حقيقتهم التي فضحتها ألاعيبهم التي تُظهر دوماً أنّهم مُستسلمون لعدوهم، يعترفون به، ويُدافعون عن أمنه، ويُنسّقون أمنياً معه ضد شعبهم.

إنّ قيادةً تنازلت عن ثلاثة أرباع فلسطين ليهود مجاناً لا يجب أنْ تتوقع أنْ يمنحها عدوّها السابق دولة على الربع الباقي من فلسطين، فالذي هان عليه التنازل حتى عن شبرِ واحدِ من أرضه، فضلاً عن مُعظمها، يهون على عدوّه أنْ لا يمنحه أي شيء، لأنّ الذي ضيّع حقوق شعبه لا يستحق أخذ أي حق من غريمه.

فالذي يخون أمّته، يُفرّط في وطنه وشرفه، ويحتقره عدوّه، ولا يستحق دولة ولا حكماً ولا سلطانا، وطريق التحرير لم يكن في يومِ من الأيام يأتي من خلال الالتزام بالقرارات الدولية التي لا يحترمها ويخضع لها إلا الضعفاء، والجبناء، والعملاء، وليس طريقها المفاوضات العبثية الصبيانية، بل طريق التحرير الحقيقي لا يكون إلا بالقتال واللقاء في ساحات الوغى، والجهاد في سبيل الله، ولا يوجد طريق غيره.

الأربعاء، 8 مايو 2019

من ينتصر لأهل غزة والمسلمين المستضعفين في كل مكان؟







أجوبة أسئلة : من ينتصر لأهل غزة والمسلمين المستضعفين في كل مكان؟



حراك الجزائر بدون قيادة - ايجابيات وسلبيات -


حراك الجزائر بدون قيادة - ايجابيات وسلبيات -



بخلاف ما جرى في السودان حيث تمكّنت ما تُسمّى بقوى إعلان الحريّة والتغيير من فرض نفسها على الحراك السوداني، وركوب موجة الانتفاضة، وهو ما أهّلها للتحدث باسمه، والتفاوض مع قيادة الجيش السوداني على تقاسم السلطة، وعلى تشكيل حكومة مدنية، فإن الحراك في الجزائر ما زال من دون قيادة، وبلا رأس، وما زال سقف المطالب الشعبية مُرتفعاً، وهو ما يجعل هذا الحراك أشدّ تعقيداً، وأكثر استعصاءً.
وعدم وجود قيادة للحراك حتى الآن هو عنصر إيجابي، لأنّ التسرع في الوثوق بالقيادة يكشف عن وجود اختراق من مدسوسين يتعاملون مع النظام البائد، ومع الدول الأجنبية، فالمسألة تحتاج إلى نظر وإلى وقت وتمحيص.
وبفضل التريث في الاختيار استطاع الحراك في الجزائر تحقيق أهداف كبيرة وكثيرة، وليس آخرها توقيف واعتقال كل من الرئيس الفعلي السابق للبلاد سعيد بوتفليقة شقيق الرئيس المستقيل، والجنرال محمد مدين المُلقب بالجنرال توفيق الذي كان يُعتبر صانعاً للملوك، ونظيره الذي خلفه من بعده الجنرال بشير طرطاق، بتهم التآمر على الجيش وعلى الحراك الشعبي.
وبفضل هذا التريث، وبسبب عدم قبول قيادات مُتطفلة، فالنظام السابق ما زال يتهاوى، ويتساقط رموزه، ويلفهم الخزي والهوان، لدرجة أنّ الأمين العام الجديد للحزب الحاكم - جبهة التحرير الوطني - محمد جميعي قد اعترف بفشل القيادة السابقة للحزب، وطلب الصفح من الجزائريين، وقد أكّد على أنّ الحزب كان مُختطفاً من جهة عملت على تحريض الشعب عبر خطابات التهريج والسلوكيات البهلوانية فقال وهو يُعبّر عن حالة الصغار التي آل إليها حزبه: "باسمي الخاص وباسم كل مُناضلي الحزب العتيد نطلب الصفح من فخامة الشعب الجزائري عن كل تقصير أو تصرف طائش أو تصريح غير مسؤول".
إنّ شباب الجزائر وهم الوقود الحقيقي للحراك الذي تفجّر في 22/2 الماضي، لم تنطلِ عليهم ألاعيب الساسة المُتسلقين، ولم ينساقوا لأحاديث السياسة التقليدية، ولم يُخدعوا بمعسول كلام القيادات البالية، فقد أظهروا إرادة جادة في التغيير الشامل، وجعلوا على رأس مطالبهم إسقاط النظام بكل أركانه ورموزه.
فما فتئت المسيرات تتعاظم، والتظاهرات تنتشر وتتوسع في كل المحافظات، وما زال المُحتجون يملؤون الشوارع، ويرفعون شعارات من مثل "لن نتوقف حتى ترحل العصابة" و"ترحلوا يعني ترحلوا".
إنّ عدم اتفاقهم على قيادة لا يعني رفضهم لمبايعة قائد، بل يعني عدم ثقتهم بما يُعرض عليهم من قيادات وقادة.
إنّ ما يجعل طريقهم يسير بشكلٍ أفضل نحو تحقيق أهدافهم قبل اختيارهم للقيادة، وقبل توافقهم على القائد، هو اتفاقهم على المشروع السياسي الواضح، فالمشروع هو الفكرة، والفكرة هي النواة الصلبة في كل عمل سياسي، وبما أنّهم مسلمون يعتقدون بعقيدة لا إله إلا الله محمد رسول الله، فعليهم أنْ يختاروا الإسلام مشروعاً وهدفاً وغايةً، إذا أرادوا النجاح والفلاح.
فالمشروع السياسي الإسلامي هو الوحيد الذي إن اختاروه سيؤدي إلى تحقيق غاياتهم وطموحهم، وما سواه يجعلهم يدورون في حلقة مُفرغة تنتهي بهم إلى اليأس والدوران حول أنفسهم.
وهذا المشروع السياسي هو نظام شامل للحياة مُستند إلى القاعدة الفكرية الإسلامية، ولا يتجسد إلا عبر دولة الإسلام الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة.

الأحد، 5 مايو 2019

الحقد الصليبي يتغذى من الفكر العلماني


الحقد الصليبي يتغذى من الفكر العلماني




تُعرّف العلمانية بأنّها فصل الدين عن الدولة، أي فصله عن السياسة وعن الحياة، فهي لا دينية المنشأ والتوجّه، فتُنكر أي دور للدين في القوانين العامة، وفي الأحكام التشريعية التي تُنظّم شؤون المجتمع، ويُفسّرون تطورها اعتماداً على ما ينسبونه لقول المسيح عليه السلام: "أعطِ ما لقيصر لقيصر وما لله لله".
لكنّ هذا الفصل الصارم للدين عن الحياة هو فصل يتعلّق بالأنظمة والقوانين والتشريعات فقط، ولا يتعلّق بالثقافة والموروثات الفلسفية، فالروح الصليبية الحاقدة في الثقافة والحضارة الغربية للشعوب النصرانية مُتغلغلة في أعماق ثقافتهم تماماً، كتغلغل الثقافة الوثنية اليونانية والرومانية في الحضارة والثقافة الغربية.
والقرآن الكريم يؤكد هذه الحقيقة، قال تعالى: ﴿وَلَن تَرْضَىٰ عَنكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَىٰ حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ﴾،وقال: ﴿قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ﴾، وقال سبحانه: ﴿قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ ‏مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ﴾، وقال سبحانه: ﴿وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّىٰ يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾، فهذه الآيات الكريمة تُبيّن لنا حقيقة النظرة الحاقدة الصليبية المزروعة في أعماق عقلية النصارى تجاه المسلمين، وهي موجودة لديهم بغض النظر عن المبدأ الذي يعتنقونه سواء أكان اشتراكياً أم رأسمالياً، أم حتى كانوا بلا مبدأ، فهذا الحقد الصليبي الذي تتميّز به عقلياتهم هو في الواقع جزء من ثقافتهم العامّة، وتكوينهم الفلسفي، وهو عنصر مُشترك لجميع أفرادهم.
ولهذا كان الصراع بين الإسلام وبين النصرانية صراعاً فكرياً دائمياً، سواء أكان ذلك قبل أنْ يعتنق النصارى الرأسمالية، أو بعد أنْ اعتنقوها، فالحقد الصليبي عندهم قائم ودائم ومُمتد إلى أنْ يرث الله الأرض وما عليها، وهو لا يتوقف ولا ينقطع إلا بدخولهم في ذمة المسلمين، أو دخولهم في الإسلام.
والتاريخ والحاضر كلاهما يشهدان على هذه الحقيقة، وهي أنّ الحقد الصليبي ضدّ الإسلام إنّما هو جزء من ثقافة النصارى قبل ظهور العلمانية، وبعد ظهورها، فالحملات الصليبية الأربع عشرة، وما صاحبها من قتل وذبح للمسلمين، كقتل سبعين ألفاً من المسلمين في بيت المقدس حتى خاضت الخيول في دمائهم بفتوى من بابا الفاتيكان هو أمرٌ ثابتٌ ومعروف، ومحاكم التفتيش في الأندلس والفلبين وما جرى فيها من إيقاع أشنع صنوف التعذيب بحق المُسلمين ما زالت آثارها شاهدة على وحشيتها.
وفي العصر الحديث لو استعرضنا بعض الأحداث الصليبية الحاقدة التي تمّ توثيقها للتأكيد على مصداقية ما نقول من مثل:
قول اللورد ألنبي القائد العسكري البريطاني الذي قال عند احتلال قواته لمدينة القدس: "الآن انتهت الحروب الصليبية"، ووقوف الجنرال الفرنسي عندما احتلت قواته مدينة دمشق أمام قبر صلاح الدين وركله له وقوله:"قم يا صلاح الدين ها نحن قد عُدنا"، وإعلان الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن عن شنّه "حرباً صليبية" على العراق، وزرع الدول النصرانية كيان يهود في فلسطين ليكون خنجراً صليبياً مسموماً في خاصرة المسلمين، وإعلان ترامب عن منح هضبة الجولان لكيان يهود، وتصريحات وزير الخارجية الأمريكي الحالي جورج بومبيو من أنّ الرئيس الأمريكي ترامب قد يكون: "هديةً من الربّ لإنقاذ اليهود"، و(تقوية تيّار اليمين المسيحي) في أمريكا ليكون عنصراً فاعلاً ومؤثّراً في دعم كيان يهود، ونقل ترامب السفارة الأمريكية إلى مدينة القدس، وتشجيع السفير الأمريكي لدى كيان يهود المستوطنين على الاستيطان في الضفة الغربية، وقتل أمريكا المستمر للمسلمين المدنيين بقصفهم بالطائرات في الصومال وأفغانستان والعراق وسوريا واليمن وغيرها من بلاد المسلمين، وارتكابها المجازر تلو المجازر بحق الأبرياء بذريعة محاربة ما يُسمّى (بالإرهاب)، والتي كان آخرها إحراق قنابل طائراتها لقرية الباغوز في منطقة دير الزور، والتي قصفت فيها الطائرات الأمريكية الناس بقنابل الفوسفور، وقتلت ثلاثة آلاف طفل وامرأة وعجوز في ثلاثة أيام فقط، وتناثرت فيها جثث الضحايا إلى أشلاء مُمزّقة ومُحترقة.
إنّ هذه مُجرد عيّنات من مجازر الصليبيين ضد المسلمين في الماضي والحاضر، وهي تعكس الثقافة النصرانية المحشوة بالحقد الصليبي المُتوارث عبر الأجيال.
ومن الأمثلة السياسية على وجود الحقد الصليبي لدى الغربيين النصارى رفض إدخال تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، واعتراف السياسيين الأوروبيين بأنّ أوروبا هي نادٍ للدول النصرانية فقط.
إنّ العلمانية اليوم هي الامتداد الثقافي الطبيعي للنصرانية الصليبية، ولسان حال العلمانيين الغربيين يقول ما ردّده زعماء الاستعمار العسكري الفرنسي في الجزائر بأنّ: "أوروبا لن تنتصر على المسلمين ما داموا يقرؤون القرآن ويتكلمون العربية، لذلك كان واجباً علينا إزالة القرآن من الوجود، واقتلاع اللغة العربية من الألسن".
والعلمانية اليوم ليست مُعادية للإسلام بشدة وحسب، بل هي أيضاً مُصدّرةً للمسلمين كل أنواع الرذائل والفواحش، ومنها الشذوذ الجنسي الذي باتوا يعترفون به حتى في الكنائس، وارتكاسهم إلى مُستوى البهيمية، وهو ما تأنف حتى عن فعله الحيوانات.
فالفكر العلماني اليوم حقيقةً هو الذي يُغذي العقول الغربية بالعداء الصليبي، وهو الذي يُشجّع الحملات التبشيرية والتنصيرية، وهو الذي يُساند الوثنيين ضد المسلمين في قارتي آسيا وأفريقيا، وهو الذي يتحالف مع بقايا الشيوعيين ضد المسلمين كما حصل مع ما يُسمّى بقوات سوريا الديمقراطية التي تدعمها القوات الأمريكية بكل أنواع الدعم.
وإنّ العلمانيين العرب لهم أشدّ سوءاً وبؤساً من العلمانيين الغربيين، وذلك لكونهم مُجرد أذناب للعلمانيين النصارى، ولأنّهم يُعادون شعوبهم الإسلامية، تأسياً بمعاداة أسيادهم من علمانيي أمريكا وأوروبا للمسلمين، ولكونهم انسلخوا من الثقافة الإسلامية وهي ثقافة شعوبهم، وارتموا في أحضان أعداء الأمّة.