السبت، 29 ديسمبر 2018

قرار ترامب بالانسحاب المفاجئ من سورية أربك المشهد السياسي


قرار ترامب بالانسحاب المفاجئ من سورية أربك المشهد السياسي




أحدَثَ القرار المُفاجئ للرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالانسحاب من سوريا عاصفةً سياسيةً هوجاء، اجتاحت عواصم صنع القرار الدولية والإقليمية، كما اجتاحت البيت الأبيض نفسه، وتسبّبت في إخراج وزير الدفاع الأمريكي جيم ماتيس من منصبه، وأدّى هذا القرار أيضا إلى التباس مُربك في المشهد السياسي في سوريا، وألقى عليه ظلالاً سياسية غامضة، فزاده تعقيداً فوق تعقيد، وقد نقلت صحيفة (وول ستريت جورنال) الأمريكية عن مصدر مطلع لم تذكر اسمه، وصف القرار بأنّه "خطوة قد تؤدي إلى زعزعة الاستراتيجية الأمريكية بالشرق الأوسط".

وكانترامب قد أعلن يوم الأربعاء الماضي 19/12/2018 رسمياً بدء انسحاب القوات الأمريكية من سوريا بحجة إكمال تصفية تنظيم الدولة فقال: "ألحقنا الهزيمة بتنظيم داعش في سوريا الذي كان السبب الوحيد لوجودنا هناك"، وسيتم سحب هذه القوات في غضون مائة يوم على الأكثر وفقاً لتصريحات البنتاغون.

ولدى أمريكا حوالي 2000 جندي في سوريا يقومون بتدريب وتسليح قوات محلية مرتزقة، يُطلق عليها وحدات حماية الشعب، وقوات سوريا الديمقراطية لمُحاربة تنظيم الدولة، كما وأقامت أمريكا عشرات القواعد العسكرية شرق الفرات، ويقول مسؤول أمني روسي: "إنّ الولايات المتحدة أقامت نحو عشرين قاعدة عسكرية في سوريا على أراض خاضعة لسيطرة الأكراد".

والغريب أنّ أمريكا كانت ولفترة قريبة تُدعّم وتُركّز قواتها في سوريا، فقبل يومين فقط من هذا القرار، وفي 17/12 أعلن المُوفد الأمريكي إلى سوريا جيمس جيفري في واشنطن أنّ "بلاده باقية حتى إلحاق الهزيمة بداعش، والحد من نفوذ إيران"،ثم أمَرَت الإدارةُ الأمريكية السعودية الشهر الماضي بدفع 100 مليون دولار لتمويل مهام قواتها شرقي الفرات، وقال جوزيف دانفورد رئيس هيئة الأركان الأمريكية المشتركة قبل أيام: "إنّ الولايات المتحدة بحاجة لتدريب آلاف المقاتلين المحليين لضمان هزيمة دائمة للمجموعة الإرهابية".

وفجأةً تغيّرت الأحوال، فالحاجة لتدريب القوات ما عادت قائمة، وما كان يُقال عن ضرورة بقاء القوات الأمريكية إلى حين طرد الإيرانيين من سوريا لم تعد ضرورة، فقد اختلفت اللغة السياسية الأمريكية، وتبدّلت بين عشيةٍ وضحاها.

تُرى فما سبب هذا التغيّر في الموقف الأمريكي بهذه السرعة؟ ولماذا لم تعد هناك حاجة لوجود القوات الأمريكية في سوريا مع أنّ الأمور على الأرض لم تتغيّر؟ وما الذي جدّ لاتخاذ هذا القرار المُفاجئ بخروج القوات الأمريكية في غضون شهرين أو ثلاثة على أقصى تقدير؟

فكيف يُصنع القرار الأمريكي؟ ومن الذي يصنعه؟ هل هو الرئيس؟ أم البنتاغون؟ أم الدولة العميقة؟

وللإجابة على هذه التساؤلات لا بدّ من مُلاحظة المُستجدات السياسية التي سبقت اتخاذ القرار، ثمّ ملاحظة المُستجدات التي صاحبته، ثمّ المُستجدات التي تلته، وبالذات ما لها علاقة بتركيا، لا سيما وأنّ تركيا لعبت أهم وأخطر الأدوار في احتواء الثورة، وفي تدجين جبهة النصرة وشبيهاتها، وأنّها ما زالت تملك أهم الأوراق في التعامل مع الشمال السوري، وشرق الفرات.

لقد سبق هذه الخطوة الأمريكية المُفاجئةحديث مُفاجئ لأردوغان عن عملية عسكرية تركية وشيكة شرق الفرات، فقال: "يمكننا أن نبدأ عملياتنا في الأراضي السورية في أي وقت وفقاً لخطتنا الخاصة، والدخول إلى أراضيها من المناطق التي نراها مناسبة على طول الخط الحدودي الذي يمتد لمسافة 500 كيلومتر، وبشكل لا يلحق ضرراً بالجنود الأمريكيين"، ووجّه أردوغان لأمريكا كلاماً صريحاً يُشتمّ منه معرفته بالموقف الأمريكي بشكلٍ مُسبق فقال: "لكوننا شركاء استراتيجيين مع الولايات المتحدة فينبغي على واشنطن أن تقوم بما يلزم، والآن جاء الدور على شرق الفرات".

وكانت المكالمة التلفونية بين أردوغان وترامب ظاهر فيها الاتفاق على إعطاء دور جديد لتركيا في شرق الفرات، فخرج بعدها أردوغان إلى وسائل الإعلام مُفاخراً بأنّ الجيش التركي جاهز "لمُحاربة الإرهابيين من داعش ومن وحدات حماية الشعب"، وأنّه على أهبة الاستعداد للقيام بذلك، لكنّه قال: "إن مكالمته الهاتفية مع ترامب واتصالات الأجهزة الدبلوماسية والأمنية فضلا عن التصريحات الأمريكية دفعت تركيا إلى التريث لفترة عدة أشهر، ولكنها لن تكون مفتوحة"، فكأنّ أردوغان طُلب منه أنْ ينتظر ريثما يتم إخلاء الأمريكيين من مواقعهم ليبدأ بالعمل العسكري.

وليس مُصادفةً أنْ تتزامن هذه الأحداث مع إعلان وزارة الخارجية الأمريكية في اليوم نفسه عن صفقة لبيع تركيا منظومة (باتريوت) للدفاع الجوي والصاروخي بقيمة 3.5 مليار دولار.

فالمسألة إذاً بدأت تتضح أكثر فأكثر، والصورة باتت معالمها تتكامل، فأمريكا قد حسمت أمرها بترك الأمور في شمال سوريا لتركيا على حساب الأكراد، لأنّها رأت أنّها الأقدر على موازنة الروس والإيرانيين في سوريا، فضلاً عن تقليص كلفة نفقات التدخل الأمريكي المُباشر في الخارج، لذلك أدرك الأكراد خطورة قرار الانسحاب الأمريكي من سوريا، فكان له وقع الصدمة على قياداتهمالمُتعاونة مع الأمريكيين والتي وصفت القرار بـ"الخيانة والطعن بالظهر".

فقرار الانسحاب من سوريا الذي تبنّاه ترامب تمّ ترجيحه من قبل المُتنفذين في الإدارة الأمريكية، وتمّ حسم الجدال الذي كان دائراً منذ مُدة في أروقة البيت الأبيض والبنتاغون حول البقاء أو الانسحاب من سوريا، فكان الانسحاب هو الأفضل للمصالح الأمريكية التي يُمكن حمايتها عن طريق وكلاء أمريكا في سوريا، ولا حاجة للتدخل المُباشر.

وشكّل هذا القرار صفعةً للأوروبيين لا سيما الإنجليز والفرنسيين الذين لهم جنود على الأرض إلى جانب الجنود الأمريكيين في سوريا، فقالت بريطانيا إنّ خطر (الإرهابيين) ما زال قائماً في سوريا، ولم يتم بعد القضاء على تنظيم الدولة كما قال ترامب، وأمّا الفرنسيون فأجبروا على البدء في تفكيك قواعدهم انصياعاً للقرار الأمريكي، بعد أنّ عاجلتهم أمريكا يوم الجمعة ببدء تفكيك مُنشآتها العسكرية القريبة من الحدود التركية.

فقرار الانسحاب إذاً هو قرارٌ جدّي، وقد اتُخذ، وابتُدئ بتنفيذه،وردّ ترامب على مُعارضي قراره، ومنهم السيناتور الجمهوري ليندسي غراهامبالقول: "من الصعب التصديق أن غراهام، سيكون ضد الحفاظ على أرواح الجنود والحفاظ على مليارات الدولارات"، وأضاف متسائلا: "لماذا نحارب بالنيابة عن أعدائنا في سوريا بالبقاء، وقتال داعش من أجلهم، روسيا وإيران وغيرهما من السكان المحليين؟".

نصيحة لحركة طالبان من خطورة التفاوض مع الامريكان






السبت، 22 ديسمبر 2018

كيان البحر الأحمر مشروع أمريكي لتكتل مشبوه


كيان البحر الأحمر مشروع أمريكي لتكتل مشبوه





تقدّمت السعودية يوم الأربعاء 12/12/2018 بمشروعٍ مُفاجئ يدعو إلى إنشاء ما يُسمّى بــ (كيان دول البحر الأحمر وخليج عدن)، ويتكون هذا الكيان من سبع دول مُشاطئة للبحر الأحمر، أو قريبة منه، وهي السعودية ومصر والأردن والسودان واليمن وجيبوتي والصومال، ويهدف المشروع - وفقاً للبيان الخِتامي لاجتماع وزراء الدول السبع الذي انعقد في العاصمة السعودية الرياض - إلى تعزيز أوجه التعاون السياسي والاقتصادي والبيئي والأمني لحوض البحر الأحمر وخليج عدن، وإلى منع أي قوى خارجية من لعب أدوار سلبية في هذه المنطقة الاستراتيجية لتحقيق الاستقرار الإقليمي والدولي.
وكان قد تمّ التمهيد لإطلاق هذا المشروع في مصر العام الماضي يومي ١١ و١٢ من شهر كانون الأول/ديسمبر 2017 عندما جاءت وفود هذه الدول السبع إلى القاهرة، وعقدوا اجتماعاً تمهيدياً نوقشت فيه آنذاك إمكانية إطلاق المشروع.
ويمر عبر منطقة البحر الأحمر وخليج عدن 13% من إجمالي التجارة العالمية بما يُقارب 2.4 تريليون دولار، وتربط ممراته المائية بين البحر المتوسط والمحيط الهندي، ويربط من ناحية ثانية بين أوروبا وآسياوأفريقياعبر قناة السويس والبحر الأحمر ومضيق عدن بأقصر الطرق البحرية، وأقلها كلفةً، وأسرعها زمناً، فهذه المنطقة بلا شك تُعد واحدةً من أهم مفاصل التحكم بالتجارة والملاحة العالمية، فضلاً عن موقعها العسكري والاستراتيجي المُسيطر على أهم السواحل القارية.
ومن الدول المُشاطئة للبحر الأحمر، أو القريبة منه والتي لم تُشارك في هذا التكتل دولتا إريتريا التي لها جزر بالبحر الأحمر، وتملك ساحلاً يمتد لمسافة 1150 كيلومتراً يترامى على الضفاف الأفريقية للبحر الأحمر،وإثيوبيا التي لا تطل على أي منافذ بحرية، لكنها الأكبر من حيث عدد السكان والتأثير في منطقة القرن الأفريقي، كما لم يشارك فيه كيان يهود.
من الواضح أنّ هذا التكتل السباعي هو مشروع أمريكي مشبوه، فأهم الدول المؤسّسة والمُموّلة له هي دول تابعة لأمريكا كالسعودية ومصر والسودان، وكذا الصومال التي تُهيمن أمريكا على مُعظمها، وأمّا اليمن فهي وإنْ كانت حكومتها تابعة للإنجليز إلاّ أنّها خاضعة للسعودية، وأمّا الأردن فهي وإن كانت دولة تابعة للإنجليز إلا أنّها مُستفيدة من دخولها في التكتلات الأمريكية، وكذا جيبوتي التي تتبع فرنسا.
هذا من حيث تبعية الدول الفاعلة في التكتل لأمريكا، أمّا من حيث كونه فكرة أمريكية فالدليل عليها أمران:
الأول: أنّ إدارة ترامب دعت دول المنطقة أكثر من مرّة للدخول في تكتلات عسكرية وأمنية كالناتو العربي لمُواجهة ما تُصوره خداعاً كأعداء للمنطقة كإيران.
الثاني: أنّ الإدارة الأمريكية دعت السعودية والدول القادرة أكثر من مرّة للقيام بالتمويل، وبدفع أموال لقاء الحماية، وإنشاء هذا التكتل يعني بالنسبة لأمريكا قيام السعودية ودول المنطقة بتمويل هذا المشروع بتوجيه أمريكي، وشراء المزيد من الأسلحة الأمريكية.
ومن الأهداف الأمريكية الأخرى لهذا التكتل:
1– اعتبار أنإيران هي العدوّ الرئيسي للدول العربية وليس كيان يهود، ومن ثمّ تقبله، وهضمه، في قلب المنطقة العربية والإسلامية.
2– التمهيد لموجة تطبيع جديدة مع كيانيهود تمهيداً للاعتراف به رسمياً، بحجة اشتراكه مع دول التكتل بالمُشاطئة في البحر نفسه، وبحجة قربه من مشاريع السعودية السياحية الضخمة كمدينة نيوم التي أعلن عن إطلاقها العام الماضي بتكلفة خيالية.
3– احتواء القواعد العسكرية الفرنسية والصينية في جيبوتي، وتحويل البحر الأحمر إلى بحيرة أمريكية صرفة، وذلك من خلال التقليل من فاعلية تلك القواعد بسبب انضمام جيبوتي طوعاً أو كرهاً إلى هذا التكتل الأمريكي.
أمّا بالنسبة لإثيوبيا وإريتريا فهما وإن كانتا تابعتين لأمريكا، إلاّ أنّ أمريكا كبريطانيا من قبل تعتبرهما دولتين غير عربيتين ولا مُسلمتين، وبالتالي فلا ينسجم إدخالهما في تكتل ينتمي أعضاؤه إلى الشعوب العربية والإسلامية، وتُفضل أمريكا والغرب عموماً فصل هاتين الدولتين وإبعادهما عن العرب والمُسلمين.
بالإضافة إلى أنّ لإريتريا بعض الجزر الصغيرة في البحر الأحمر مؤجرة لتركيا وقطر وكيان يهود والإمارات، وبالتالي فانضمامها لا ينسجم مع طبيعة التكتل الجديد.
وأمّا إثيوبيا فإنّها تتعاون مع إيران في دعم الحوثيين في اليمن لخدمة المشاريع الأمريكية، وتتهمها السعودية بأنّها مركز لإيران في المنطقة، فواقعها لا يتناسب مع واقع التكتل الذي يغلب عليه الخطاب السعودي المُعادي لإيران.
والخلاصة: إنّ هذا التكتل المشبوه هو مشروع أمريكي يهدف إلى تركيز النفوذ الأمريكي في البحر الأحمر من خلال ملء الدول التابعة لأمريكا الفراغ الجيوسياسي في منطقة البحر الأحمر، فتتناسق دول الإقليم فيما بينها من خلال هذا التكتل لطرد وإضعاف كل نفوذ غير أمريكي في الإقليم، فتقوم هذه الدول بخيْلها ورَجِلها نيابةً عن أمريكا في بسط السيطرة الأمريكية في المنطقة، فتزداد قوة أمريكا على حساب المسلمين، وتحرفهم عن أعدائهم الحقيقيين، وتشطر دولهم إلى أحلاف مُتخاصمين، فتُفرّق الأمّة، وتـشتّت شملها، وتستنزف طاقاتها، وتُبدّد ثرواتها، وتُشغلها فيما لا طائل من بلوغه، ولا نفع في سلوكه.
إنّ المخرج الوحيد من هذه التكتلات العبثية لا يكون إلاّ من خلال توحيد هذه الدول في دولة الإسلام الواحدة، التي تُعيد فرض السيطرة الإسلامية على حوض البحر الأحمر باعتباره حوضاً إسلامياً خالصاً، وبحيرةً إسلامية خالصة، لا مكان فيها لأمريكا ولا لغيرها من دول الكفر، فكل سواحلها وموانئها وجزرها وممراتها المائية هي ملك للأمّة الإسلامية.

الأحد، 16 ديسمبر 2018

مذكرة احتجاج (رسمية) آخر ما تفتقت عنه الدبلوماسية الفلسطينية!



مذكرة احتجاج (رسمية) آخر ما تفتقت عنه الدبلوماسية الفلسطينية!






الخبر

:
أعلن مندوب فلسطين في الأمم المتحدة السفير رياض منصور، عن اقتراب إنجاز مذكرة رسمية احتجاجية على تهديدات الاحتلال لمحمود عباس، واقتحام قبة الصخرة في القدس، والاعتداء على المؤسسات الوطنية، لا سيما وكالة الأنباء الرسمية (وفا)، وفق تصريحات أدلى بها صباح اليوم لإذاعة (صوت فلسطين) الرسمية.
وأوضح منصور أن تلك المذكرة سيتم توجيهها إلى رئيس مجلس الأمن، ومن ثم إلى مجلس الأمن عبر الرئيس، ومنه إلى الأمين العام ورئيسة الجمعية العامة من بعثة فلسطين لدى الأمم المتحدة، لمطالبة المجتمع الدولي بتحمل مسؤولياته إزاء كل ذلك.
 
التعليق:
 
كما هو دأبها مُنذ نشأتها لم تجد سلطة الخيانة الفلسطينية والتنسيق الأمني مع كيان يهود من رد على الصفعات والإهانات التي تتلقاها صباح مساء من جنود الاحتلال سوى تقديم مذكرة احتجاج سخيفة للأمم المتحدة!
 
وبالرغم من تفاهة هذا العمل الدبلوماسي إلا أنّ السلطة تجتهد في إبرازه وكأنّه إنجاز كبير، فالخبر يتحدّث عن قرب إنجاز المذكرة وليس عن تقديمها، وكأنّ إنجازها يحتاج إلى عمل مُضنٍ وشاق، كما تتطلّب وقتاً طويلاً لإتمام العمل على أحسن وجه، فالدبلوماسيون الفلسطينيون (الأفذاذ) عاكفون على صياغته، ويصلون ليلهم بنهارهم من أجل إخراجه في أبهى حُلّة، وأبلغ عبارة!
 
وتوهم سلطة العار المُغفلين ممن يصغون لدجلها بأنّ مذكرة الاحتجاج التي ستفجّرها في وجه الاحتلال هذه المرة تختلف عن سابقاتها من الاحتجاجات الكثيرة الممجوجة، فهي أولاً مذكرة رسمية وليست مُجرد احتجاج عادي كاحتجاجات الجامعة العربية الهزيلة مثلاً، إنّه احتجاج من نوعٍ جديد لم يأت بمثله الأولون، وهي ثانياً مُقدّمة لرئيس مجلس الأمن بعظمته! ولرئيسة الجمعية العامة بقيمة قدرها! في آنٍ واحد، فيا له من عمل دبلوماسي (شاق ومُحنك)!
 
والراجح أنّ الذي دفع السلطة لرفع سقف الاحتجاج ضد الاحتلال، والتوجه نحو المنابر الدولية، ليس دافعه ما يتعرض له أهل فلسطين من اضطهاد وتعسف وقمع وتنكيل يومي لا يتوقف، وإنّما دافعه الحقيقي هو تهديد حياة رئيس السلطة من المستوطنين، فتهديد حياة الرئيس أهم بكثير من حياة شعبه، لأنّه ووفقاً لرؤية الطغاة فالرئيس لا يمكن تعويضه، أمّا الشعب فلا قيمة له!

الاثنين، 26 نوفمبر 2018

الحرب الفكرية على الاسلام ووجوب التصدي لها


الحرب الفكرية على الاسلام ووجوب التصدي لها



تعتبر حرب الأفكار - بالنسبة للعليمين بحقيقة المُجتمعات - أشدّ فتكاً وخطراً من حرب المدافع والصواريخ، لأنّها تستهدف العقول والقلوب، وإذا ما فسدت العقول، وخربت القلوب، فقد سقطت أهم القلاع التي تحمي المُجتمع، وسقطت معها البلاد من غير قتال.
وأعداء المسلمين لن يتوقفوا لحظة عن مُحاربة الإسلام، وعن الاستمرار في شنّ الحرب الفكرية على المُسلمين، ومن يقول بغير ذلك فهو إمّا أحمق جاهل، أو عميلٌ مُنافق، والنصوص الشرعية القطعية تؤكد ذلك، قال تعالى: ﴿يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ﴾، وقال سبحانه: ﴿وَلَن تَرْضَىٰ عَنكَ الْيَهُودُ وَلَا النصارى حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ﴾، وقال: ﴿وَلَتَسْمَعُنَّ من الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ من قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كثيراً﴾، وقال سبحانه: ﴿قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ﴾، فهذا العداء، وهذه الحرب التي يشنّها الكفار على المسلمين، وعلى الإسلام، هي من الحقائق ومن البديهيات.
إنّها حرب شعواء شاملة يشنّها الكفار على الإسلام عقيدة وشريعة ونظام حياة، ويمكن تحديد خمسة محاور رئيسية يستهدفها الكفار أكثر من غيرها، ويُرّكزون فيها عليها، وهي: العقيدة والدولة والشريعة والجهاد والمرأة.
أمّا العقيدة فلأنّها أساس الدولة والفرد والمجتمع، وأساس تكوين العقلية والنفسية، وأساس الدستور والقوانين، وبالمجمل لأنّها أساس كل شيء في حياة المسلمين، واستهدافها بالهجوم لا يُراد منه تبديلها، وإحلال غيرها محلها، فهم أعجز عن مُجرد التفكير بذلك، بل استهدافها يعني فصلها عن الحياة اليومية، وإبعادها عن الحكم وعن السياسة، فهم يريدونها عقيدة روحية لا تتصل بالرابطة التي تربط الناس بها، ولا تؤثر على السياسة والقتال، ولا على العلاقات والأنظمة.
يُريدون أن تكون الرابطة بين المسلمين رابطةً وطنية أو قومية، لا مكان فيها للعقيدة، ويعملون في إطارها على إسقاط النصوص القطعية التي تتحدث عن العقيدة كرابطة أو تجاهلها، كقوله تعالى: ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أولئك سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾، فلا تكون العقيدة أساس الولاء والرعوية والارتباط، وإنّما تكون القومية أو الوطنية هي الأساس، كما ويتم تعطيل النصوص الكثيرة المُتعلقة بهذا الخصوص، كقوله عليه الصلاة والسلام: «ذِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ يَسْعَى بِهَا أَدْنَاهَا، فَمَنْ أَخْفَرَ مُسْلِماً فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ لَا يَقْبَلُ اللهُ مِنْهُ صَرْفاً وَلَا عَدْلاً» (رواه البخاري).
وأمّا الدولة فيريدونها دولة مدنية تجمع كل ساكنيها برباط الأرض التي رسم حدودها الكافر المستعمر بصرف النظر عن الدين، فلا يقبلون بدولة الخلافة التي تُطبق أحكام الإسلام، وتلتزم بالكتاب والسنة، فالذي يحكم الدولة عندهم القوانين الوضعية المأخوذة من القوانين اللاتينية والجرمانية مع تطعيمها برائحة الإسلام، وذلك لكي لا يتحد المسلمون في دولة واحدة، بل يظلون منقسمين ومتشرذمين في دول عاجزة ضعيفة تابعة للكافر المُستعمر لا تقوى على البقاء من دون دعمه.
وقد عرض الكفار على المسلمين في هذه الأثناء ثلاثة نماذج عصرية لشكل وصفة الدولة التي عليهم أنْ يختاروا إحداها، ويقبلوا بها:
1- نموذج دولة الخنوع والانبطاح والتبعية المُطلقة للكفار المُستعمرين، وتُمثّلها السعودية.
2- نموذج دولة المُقاومة والمُمانعة والدجل، وزرع الفتنة المذهبية، ودعم الحكام الطغاة كبشار الأسد، وقهر إرادة الشعوب، وتُمثّلها إيران.
3- نموذج دولة النفاق والتلون التي تتمسك بالعلمانية رسمياً كنظام للدولة، مع السماح بالتدين الفردي، بينما تتلوّن سياسياً بوجوهٍ عدة، وتُمثّلها تركيا.
وأمّا الجهاد في سبيل الله فلا يطيقون سماعه، ويريدون تحويله إلى مُفاوضات واستسلام للدول الكافرة، بل ويعتبرونه إرهاباً وتطرفاً، مع أنّه الطريقة الشرعية الوحيدة لحمل الدعوة الإسلامية، ومع أنّ وجود الأمّة الإسلامية ذاتها يعتمد على وجود الجهاد، ولا عيش للأمة بعزة وبكرامة إلا بالجهاد، وما ترك قوم الجهاد في سبيل الله إلا ذلّوا.
وأمّا الشريعة فيمقتونها ويعتبرونها مصدراً للتأخر ورفض (الحداثة)، ويرون فيها البديل الحقيقي الذي يمنعهم من تسويق قوانينهم الوضعية الفاسدة على المُسلمين، مع أنّها تُمثّل الأحكام الشرعية التي على الأمُة أنْ تلتزم بها في جميع شؤون حياتها، فيتقيد المسلم والدولة بالأحكام الشرعية في كل الأفعال، وهذا هو سبب نيلها حظاً كبيراً من سهامهم المسمومة.
وأمّا المرأة وهي المحور الخامس المُستهدف فيُريدون إفسادها بزخارف الحضارة الغربية الزائفة، لأنّ بإفسادها يتم إفساد المُجتمع بأسره، فهم يُريدون تحويلها إلى مُجرد سلعة مُتاحة للجميع، فتُعرض أمام المُستهلكين في الطرقات، وهي ترقص، وتدبك مع الرجال، ويُسمّون ذلك ثقافةً وتقدّماً! ينشرون العهر والرذيلة في كل زوايا المُجتمع تحت ذريعة تمكين المرأة ومساواتها بالرجل! وتتوّلى الأنظمة الحاكمة العميلة القيام بهذه المُهمّة بكل ما تملك من أدوات للتخريب والإفساد، وبتوجيه وتشجيع مباشر من الدول الكافرة، ومُنظماتها المدنية التي تنتشر في أوساط مُجتمعاتنا بكثرة، ولقد انتشرت ظاهرة رقص النساء والرجال في الميادين العامة والنوادي والساحات في فلسطين والأردن وسائر البلاد الإسلامية بسبب تبني الحكومات الفاجرة لهذه الظواهر المُنحطة.
هذه هي الحرب الفكرية الحقيقية التي يشنّها الكفار باستمرار على الأمة الإسلامية، وهذه هي أهم محاورها، فما هو المطلوب للتصدي لها والوقوف أمامها بصلابة؟
إنّ حمل الشباب للدعوة الإسلامية بالطريقة الصحيحة التي علّمنا إيّاها رسولنا الكريم e كفيل بانتصار شعوب أمّتنا الإسلامية في هذه الحرب، فحمل الدعوة أولاً بالتثقيف المُركز من خلال الدروس والمحاضرات والخطب ومُناقشة الناس في كل الأماكن حول هذه المحاور الخمسة من شأنها أنْ تُحصّن جبهتنا الداخلية، لأنّ ذلك ينتج عنه رأي عام مُنبثق عن وعي عام يكون بمثابة السد المنيع أمام ذلك الغزو الفكري، والمسألة لا تحتاج أكثر من ضخ الأفكار الإسلامية والآراء الإسلامية المصحوبة بالأدلة والقناعات لإيجاد الجو الإسلامي العام الذي يمنع تسلّل الأفكار الأجنبية الدخيلة على مُجتمعاتنا.
وهذا العمل يتطلّب الدخول في صدام فكري وكفاح سياسي مع الأنظمة العميلة المأجورة من قبل التكتل السياسي الإسلامي الواعي الذي يقود عملية التثقيف. وهو الذي يهيّئ هذا العمل أيضاً للاتصال بأهل القوة والحل والعقد لطلب نصرتهم، والمُساهمة كلٌ بحسب قدرته وإمكاناته وظروفه في عملية قلب الأنظمة العميلة، وإقامة دولة الإسلام على أنقاضها، ليكتمل بعد ذلك قيامها بعملية مُواجهة كبرى ضد قوى الكفر المُستعمرة فيُزال نفوذها، وتُلاحق في عقر دارها، وتُحمل دعوة الإسلام إلى كل أصقاع الأرض لإخراج الناس من ظلمات الكفر والجاهلية إلى نور الإسلام وشرعه وعدله.

فكرة انشاء جيش اوروبي مستقل تراوح مكانها



خبر وتعليق

فكرة إنشاء جيش أوروبي مُستقل تُراوح مكانها




الخبر:

رحّب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بفكرة إنشاء جيش أوروبي وهو اقتراح جديد للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون دعا فيه لتمكين أوروبا من مواجهة روسيا والصين وأمريكا على حدٍ سواء، وقال بوتين: "إن فكرة إنشاء جيش أوروبي إيجابية نحو تعزيز عالم متعدد الأقطاب".

وكان ترامب قد علّق على الفكرة بقوله: "إن الرئيس ماكرون اقترح للتو أن تنشئ أوروبا جيشها الخاص لتحمي نفسها من الولايات المتحدة والصين وروسيا"، وأضاف "إنه أمر مهين، لكن ربما يترتب على أوروبا أولا أن تدفع مساهمتها في حلف شمال الأطلسي الذي تموله الولايات المتحدة بشكل كبير".

وفي محاولة لاسترضاء ترامب، قال ماكرون إنه يشاركه الرأي في "أننا بحاجة لتقاسم العبء بشكل أفضل داخل حلف الأطلسي"، وأعلن الإليزيه في تبرير جديد تراجع فرنسا عن الفكرة وأن الجيش الأوروبي الذي اقترح الرئيس الفرنسي إنشاءه لا يستهدف على الإطلاق أمريكا، متحدثا عن "التباس" في تفسير مقترحه.

التعليق:

منذ أكثر من ثلاثين عاماً وأوروبا تُحاول تمرير فكرة إنشاء نواة جيش أوروبي مُنفصل ومُستقل عن حلف شمال الأطلسي، لكنّها لم تنجح في ذلك، ولم تستطع تحقيقه، وفي كل مرة كانت تتراجع عن الفكرة سريعاً، فتارة كانت فرنسا وبريطانيا تتصدران الفكرة، وتارة كانت فرنسا وألمانيا تقومان بالإعلان عن نيتهما تحقيق الفكرة، وتارةً أخرى كانت الدول الأوروبية الكبرى الثلاث تتصدر المشهد مُجتمعة، ولكن الفشل والتراجع كان دائماً هو سيد الموقف فيما يتعلق بهذه الفكرة.

وهذه المرة تصدرت فرنسا الفكرة وأعلن ماكرون بوضوح عن نيته لتطبيقها، وأخذ موافقة الألمان عليها، ودعمته بريطانيا من الخلف، وشجعته روسيا على المضي قدما بتنفيذها، ولكن موقف ترامب الصلب في رفضها حمله على التراجع الفوري عنها.

والسؤال الذي يطرح نفسه هو: لماذا دائما تقوم الدول الأوروبية بطرح الفكرة ثم تتراجع عنها؟

والجواب هو أن أوروبا تطرحها ظنا منها بقدرتها على تنفيذها، ولكن عندما تقوم أمريكا بتهديدها تتراجع عنها، وهذه المرة هدّدها ترامب بدفع ما عليها من أموال، واعتبر أن الفكرة فيها إهانة لأمريكا التي دافعت عن أوروبا في العقود الماضية واعتبرتها جزءا من حلفها، وعملت على جعلها دائما تحت مظلتها الأمنية.

إن تراجع أوروبا عن تأسيس جيش أوروبي موحد، وإنشاء مظلة حماية مستقلة ومنفصلة عن المظلة الأمريكية، معناه أن أوروبا ما زالت تخضع من ناحية الحماية وتمام السيادة لأمريكا، وأنها عاجزة عن حماية نفسها بنفسها، وهذا يعني وجود انتقاص من سيادتها، ووجود ولاء أوروبي مستمر للناتو الذي تقوده أمريكا.

والسبب الرئيس في ذلك الخضوع وذاك الولاء يتمثل بتفرق الأوروبيين وعجزهم عن التوحد، وهو ما يعني استمرار ارتباطهم بالحلف الأمريكي، واستمرار تدخل أمريكا في شؤونهم. فإذا كانت أوروبا بما تملك من قوة اقتصادية هائلة، وبما تتمتع من تفوق علمي وصناعي كبير، عاجزة عن الانعتاق من الطوق الأمريكي، فكيف الحال مع الدول المتخلفة كالدول القائمة في العالم الإسلامي؟!

 إنّ أية نهضة حقيقية تستلزم وجود إرادة حديدية في مواجهة أمريكا، كما يتطلب وجود تصميم جازم لا تردد فيه لإزالة كل أنواع النفوذ الأمريكي من بلاد المسلمين ولو كان يأخذ شكل المصالح المتبادلة مع أمريكا، وهذا لا يتحقق إلا بوجود دولة الإسلام المبدئية التي لا تأبه للمصالح المادية، ولا تُبالي بتقديم التضحيات الجسام مهما عظمت، وذلك من أجل جعل قرارها السيادي خالصاً لمصلحة العقيدة لا تشوبه أي شائبة.

الدولة العميقة وحربها على الاسلام









اجوبة اسئلة: الدولة العميقة وحربها على الاسلام




الأربعاء، 14 نوفمبر 2018

فكرة إنشاء جيش أوروبي مُستقل تُراوح مكانها


فكرة إنشاء جيش أوروبي مُستقل تُراوح مكانها




الخبر:

رحّب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بفكرة إنشاء جيش أوروبي وهو اقتراح جديد للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون دعا فيه لتمكين أوروبا من مواجهة روسيا والصين وأمريكا على حدٍ سواء، وقال بوتين: "إن فكرة إنشاء جيش أوروبي إيجابية نحو تعزيز عالم متعدد الأقطاب".

وكان ترامب قد علّق على الفكرة بقوله: "إن الرئيس ماكرون اقترح للتو أن تنشئ أوروبا جيشها الخاص لتحمي نفسها من الولايات المتحدة والصين وروسيا"، وأضاف "إنه أمر مهين، لكن ربما يترتب على أوروبا أولا أن تدفع مساهمتها في حلف شمال الأطلسي الذي تموله الولايات المتحدة بشكل كبير".

وفي محاولة لاسترضاء ترامب، قال ماكرون إنه يشاركه الرأي في "أننا بحاجة لتقاسم العبء بشكل أفضل داخل حلف الأطلسي"، وأعلن الإليزيه في تبرير جديد تراجع فرنسا عن الفكرة وأن الجيش الأوروبي الذي اقترح الرئيس الفرنسي إنشاءه لا يستهدف على الإطلاق أمريكا، متحدثا عن "التباس" في تفسير مقترحه.

التعليق:

منذ أكثر من ثلاثين عاماً وأوروبا تُحاول تمرير فكرة إنشاء نواة جيش أوروبي مُنفصل ومُستقل عن حلف شمال الأطلسي، لكنّها لم تنجح في ذلك، ولم تستطع تحقيقه، وفي كل مرة كانت تتراجع عن الفكرة سريعاً، فتارة كانت فرنسا وبريطانيا تتصدران الفكرة، وتارة كانت فرنسا وألمانيا تقومان بالإعلان عن نيتهما تحقيق الفكرة، وتارةً أخرى كانت الدول الأوروبية الكبرى الثلاث تتصدر المشهد مُجتمعة، ولكن الفشل والتراجع كان دائماً هو سيد الموقف فيما يتعلق بهذه الفكرة.

وهذه المرة تصدرت فرنسا الفكرة وأعلن ماكرون بوضوح عن نيته لتطبيقها، وأخذ موافقة الألمان عليها، ودعمته بريطانيا من الخلف، وشجعته روسيا على المضي قدما بتنفيذها، ولكن موقف ترامب الصلب في رفضها حمله على التراجع الفوري عنها.

والسؤال الذي يطرح نفسه هو: لماذا دائما تقوم الدول الأوروبية بطرح الفكرة ثم تتراجع عنها؟

والجواب هو أن أوروبا تطرحها ظنا منها بقدرتها على تنفيذها، ولكن عندما تقوم أمريكا بتهديدها تتراجع عنها، وهذه المرة هدّدها ترامب بدفع ما عليها من أموال، واعتبر أن الفكرة فيها إهانة لأمريكا التي دافعت عن أوروبا في العقود الماضية واعتبرتها جزءا من حلفها، وعملت على جعلها دائما تحت مظلتها الأمنية.

إن تراجع أوروبا عن تأسيس جيش أوروبي موحد، وإنشاء مظلة حماية مستقلة ومنفصلة عن المظلة الأمريكية، معناه أن أوروبا ما زالت تخضع من ناحية الحماية وتمام السيادة لأمريكا، وأنها عاجزة عن حماية نفسها بنفسها، وهذا يعني وجود انتقاص من سيادتها، ووجود ولاء أوروبي مستمر للناتو الذي تقوده أمريكا.

والسبب الرئيس في ذلك الخضوع وذاك الولاء يتمثل بتفرق الأوروبيين وعجزهم عن التوحد، وهو ما يعني استمرار ارتباطهم بالحلف الأمريكي، واستمرار تدخل أمريكا في شؤونهم. فإذا كانت أوروبا بما تملك من قوة اقتصادية هائلة، وبما تتمتع من تفوق علمي وصناعي كبير، عاجزة عن الانعتاق من الطوق الأمريكي، فكيف الحال مع الدول المتخلفة كالدول القائمة في العالم الإسلامي؟!

 إنّ أية نهضة حقيقية تستلزم وجود إرادة حديدية في مواجهة أمريكا، كما يتطلب وجود تصميم جازم لا تردد فيه لإزالة كل أنواع النفوذ الأمريكي من بلاد المسلمين ولو كان يأخذ شكل المصالح المتبادلة مع أمريكا، وهذا لا يتحقق إلا بوجود دولة الإسلام المبدئية التي لا تأبه للمصالح المادية، ولا تُبالي بتقديم التضحيات الجسام مهما عظمت، وذلك من أجل جعل قرارها السيادي خالصاً لمصلحة العقيدة لا تشوبه أي شائبة.

الأربعاء، 7 نوفمبر 2018

موجة تطبيع خليجية خيانية جديدة مع كيان يهود


موجة تطبيع خليجية خيانية جديدة مع كيان يهود




تتسابق دويلات الخليج في مسيرة التطبيع الخيانية مع كيان يهود؛ ففي أواخر شهر تشرين الأول/أكتوبر الفائت استقبل قابوس سلطان عُمان بشكلٍ مُفاجئ وبدون مُقدّمات رئيس حكومة كيان يهود بنيامين نتنياهو، وبعد سويعات عدة من ذلك الاستقبال، استقبلت بدورها دولة قطر وفداً رياضياً يهودياً للجمباز، ثمّ بعد أقل من أربع وعشرين ساعة استقبلت أبو ظبي وزيرة الرياضة اليهودية ميري ريغيف على رأس وفد رياضي للجودو، وتمّ في جميع هذه الزيارات المقبوحة، رفع علمكيان يهود وعزف النشيد الرسمي لكيان يهود في عواصم الدول الخليجية الثلاث، وأعقب ذلك بأيام زيارتان قام بهما وزيرا الاتصالات والنقل في كيان يهود لكلٍ من دبي ومسقط لحضور مؤتمرين دوليين أقيما في عُمان والإمارات.
لا يشك أحد من السياسيين بأنّ هذه الدويلات الخليجية العميلة المُصطنعة مُنخرطة في أعمال التطبيع الخيانية مع كيان يهود مُنذ زمنٍ بعيد، فهي ليست جديدة، ولكنّ الجديد فيها هو هذه النقلة النوعية الوقحة في مُستوى التطبيع، إذ أصبحت أعمال التطبيع الجديدة تختلف عن سابقاتها بكونها علنية ورسمية ومُباشرة ومن دون حاجة لأي تبرير أو تأويل!!
أمّا بخصوص زيارة نتنياهو لعُمان فلا بُدّ من ربطها بما سبقها وما تلاها من زيارات وتحركات، فقد سبقها زيارة رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس لعُمان قبيل زيارة نتنياهو لها بسويعات، وكان عباس قد أظهر في تصريحاته الأخيرة تلهفاً واشتياقاً للعودة للمفاوضات العلنية أو السرية مع كيان يهود ومن دون أية شروط، ودافعه في ذلك حسده وبغضه لرعاية المُخابرات المصرية لمُفاوضات غير مُباشرة بين كيان يهود وحركة حماس، وخوفه من فقدان أهميته لدى أمريكا وكيان يهود، وشعوره بخطر مُنافسة حركة حماس لسلطته، لذلك راح يُوسّط سماسرة الإنجليز كسلطان عُمان لمساعدته في إقناع كيان يهود للتفاوض معه نكايةً بحماس، وليس لحل المشكلة الفلسطينية التي يدرك هو أنّه لا يوجد في الأفق أي حل لها.
وما يدل على هذا الفهم تصريح مسؤولين عُمانيين بأنّ السلطة هي من طلبت من عُمان التوسط لدى نتنياهو للعودة إلى التفاوض مع سلطة عباس، وتحريك ما يُسمّى بالعملية السلمية، وما يؤكد ذلك أيضاً التقاء يوسف بن علوي وزير خارجية عُمان بمحمود عباس بعد زيارة نتنياهو لمسقط وإطلاعه على نتيجة المحادثات.
وأمّا استقبال قطر لوفد الجمباز اليهودي فسببه المباشر هو سماح كيان يهود لقطر بإدخال الوقود إلى قطاع غزة دعماً لحركة حماس، وتخفيفاً للحصار الخانق الذي فرضته سلطة عباس على القطاع، فالتطبيع العلني هو الثمن الذي قدّمته قطر لكيان يهود مُقابل إدخال الوقود عبر المعابر التي يسيطر عليها، بالإضافة إلى تأهيل حماس للعب دور سياسي مُعترف به دولياً.
وأمّا استقبال أبو ظبي لوزيرة الرياضة اليهودية المعروفة بعدائها الشديد للإسلام فهو نوع من التنافس الرخيص مع قطر على التقرّب من كيان يهود، وأن تكون للإمارات حظوة عند يهود أكثر من الحظوة التي تتمتّع بها قطر!
إنّ تحرك هذه الدويلات الخليجية التابعة سياسياً لبريطانيا في موضوع التطبيع لا شك بأنّه يخدم السياسات البريطانية في الشرق الأوسط، والتي تسعى من خلال هذا التطبيع لأن يكون لها دور مُهم إلى جانب الدول التابعة لأمريكا في قضايا المنطقة المهمة.
لكنّ دولة الإسلام الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة القادمة قريباً بإذن الله تعالى لن تدع مجالاً لأمريكا وبريطانيا وكيان يهود وجميع الدول الاستعمارية بأنّ يكون لهم أي دورٍ في أي بُقعةٍ من بقاع العالم الإسلامي، وذلك باستئصال الوسط السياسي العميل لهذه الدول المُستعمرة، وإسقاط هذه الأنظمة العميلة، وكنس النفوذ الأجنبي من بلاد المسلمين كنساً نهائياً إلى غير رجعة، ﴿وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَن يَكُونَ قَرِيبًا﴾.

الاثنين، 5 نوفمبر 2018

الموقف الاوروبي من مقتل خاشقجي أربك الادارة الأمريكية


الموقف الأوروبي من مقتل خاشقجي أرْبَك الإدارة الأمريكية



أثارت حادثة اغتيال جمال خاشقجي داخل القنصلية السعودية في إسطنبول اهتماماً كبيراً من قبل الدول الأوروبية، وتحوّل هذا الاهتمام إلى فرصةٍ ثمينةٍ لأوروبا لزعزعة النفوذ الأمريكي في السعودية، ولإثبات دورها في منطقة الشرق الأوسط، فاستغل الأوروبيون الحادثة إلى أبعد حد، وراحت الصحف الأوروبية تنفخ في وسائل إعلامها رأياً عاماً كاسحاً يُطالب بمعاقبة السعودية على جريمتها، ويرفض التستر على الجريمة، ويُركّز على تحميل القيادة السعودية المسؤولية عنها، فطالبت كل من بريطانيا وفرنسا وألمانيا السعودية بإجابات "مفصلة وفورية" عن مقتل خاشقجي، وتوالت ردود الفعل الأوروبية المندّدة بشدّة بالرواية السعودية بشأن ما جرى، وتعالت الأصوات داخل أوروبا للمطالبة بالمزيد من التحرك لاتخاذ مواقف أكثر صرامة تجاه السعودية، فكانت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل أسرع القادة الأوروبيين تحركاً في هذا الشأن، فأوقفت كل صادرات السلاح الألمانية للسعودية، وأكّدت رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي أنها أبلغت الملك سلمان بأن تفسير السعودية لمقتل خاشقجي "يفتقد المصداقية"، وكانت ماي قد أكّدت من قبل أمام مجلس العموم البريطاني بأنّ حكومتها ستمتنع عن المشاركة في منتدى "دافوس الصحراء" بالسعودية، وأعلن عدد من أقطاب التجارة والإعلام البريطانيين انسحابهم من المُنتدى احتجاجاً على مقتل خاشقجي، وعلى رأسهم الملياردير البريطاني ريتشارد برانسون الذي علّق كل نشاطاته التجارية مع السعودية، بما في ذلك استثمارات بقيمة مليار دولار في شركة فيرجين أتلانتيك، ولعلّ هذا الانسحاب البريطاني المُبكر من المُنتدى كان الدافع لسائر الدول الأخرى لمُقاطعته، واتخذ وزير الخارجية البريطاني جيريمي هانت تدابير ضد المشتبه بهم لمنعهم من دخول بريطانيا، وقال: "العالم ما زال في انتظار الأجوبة بشأن مقتل جمال خاشقجي".
وأمّا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون فقد عبّر في اتصال له مع الملك سلمان عن غضبه الشديد إزاء مقتل خاشقجي، وقالت الرئاسة الفرنسية في بيان لها إنّ ماكرون دعا إلى كشف ملابسات القضية كاملة، ونقلت قوله إن باريس "لن تتردد في تنفيذ عقوبات دولية على المسؤولين عن مقتل خاشقجي عبر التنسيق مع الشركاء".
فالدول الأوروبية الثلاث الكبرى بريطانيا وفرنسا وألمانيا كانت ومُنذ بداية ظهور الجريمة قد طالبت بــ"رد تفصيلي وكامل" عليها، وشدّد البيان الصادر بعد اجتماعها على "ضرورة وجود تحقيق موثوق لكشف حقيقة ما حدث، وتحديد المسؤولين عن اختفاء خاشقجي ومحاسبتهم".
وأمّا على مُستوى الاتحاد الأوروبي فقد حذّر رئيس المجلس الأوروبي دونالد توسك دول الاتحاد الأوروبي من مغبة السقوط فيما أسماه بــ"دائرة النفاق" في ملف مقتل خاشقجي، مؤكدا أنه يتوقع من دول الاتحاد ومؤسساته تجنب أي "لعبة مُريبة"، في إشارة منه إلى مخاوفه من تغليب المصالح الاقتصادية على المصالح الحقيقية، وتحدّث توسك لأعضاء المجلس الأوروبي فقال: "إنّ أي مجاملات في الحديث عن هذه القضية يمثل مصدر خزي لنا"، وأضاف: "ليس دوري أن أتحدث عن أولئك الذين يريدون حماية مصالحهم، لكني أعرف شيئاً واحداً، وهو أن المصلحة الأوروبية الوحيدة هي كشف ملابسات هذه القضية بغض النظر عن المسؤولين عنها ومن يقف وراءهم"، كما دعت مسودة قرار للبرلمان الأوروبي إلى إجراء "تحقيق دولي ومحايد في قضية خاشقجي"، وطالبت بــ"التعليق الفوري لعضوية السعودية في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة"، وبإنشاء "لائحة خاشقجي" التي تتضمن كل المتورطين في الجريمة لفرض عقوبات عليهم، وقالت رئيسة المفوضية الأوروبية فيدريكا موغريني إنّ "قتل صحفي واحد هو اعتداء على حرية التعبير وهجوم علينا جميعا".
واتخذت أيضاً دول أوروبية أصغر حجماً مواقف مُتشددة نسبياً من السعودية، فسحبت التشيك أحد دبلوماسييها من الرياض بعدما استدعت السفير السعودي لديها، واستدعت الخارجية الدنماركية السفير السعودي لديها، وألغت هولندا كل أنشطتها الحكومية المشتركة مع السعودية، وتسعى النمسا التي تتولى حالياً رئاسة الاتحاد الأوروبي لوقف كافة صادرات الأسلحة من الاتحاد الأوروبي للسعودية.
وأمّا في مجال الصحافة الأوروبية وخاصّةً البريطانية فقد اتخذت من مقتل خاشقجي قضيتها الأولى، وأصبحت الشغل الشاغل لها في الفترة الأخيرة، وركّزت هجومها على شخص محمد بن سلمان تحديداً، وحمّلته المسؤولية الكاملة، وطالبت بإزاحته عن ولاية العهد.
وعلى سبيل المثال لا الحصر فالنموذج التالي من جريدة التايمز البريطانية هو مُجرد نموذج صحفي واحد من فيض صحفي هائل عجّت به الصحافة البريطانية والأوروبية يدل على هذا المعنى، فقد عنونت صحيفة التايمز اللندنية افتتاحيتها بـ"الأمير المزعج" وقالت: "إن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان أضحى مركز الدراما التي تشكل خطورة بأن تتصاعد لتصبح أزمة جيوسياسية"، وأضافت: "إن تسريبات وسائل الإعلام التركية لا تترك أي شك بأن محمد بن سلمان أمر بقتل الصحفي السعودي المعارض جمال خاشقجي"، وختمت بالقول: "إن المخرج من هذه الأزمة يتمثل بتنحي ولي العهد السعودي من منصبه"، وتحت عنوان "هل ينجو ولي العهد السعودي؟" كتب ريتشارد سبينسر في التايمز يقول: "إن الأضواء تتسلط على دولة واحدة ورجل واحد في حادث خاشقجي، فالدولة هي السعودية حليفة الولايات المتحدة وبريطانيا، والرجل هو ولي العهد السعودي محمد بن سلمان".
وهكذا يحتدم الصراع بين أمريكا التي تُحاول التستر على الجريمة التي تحوم فيها كل الشبهات على رجلها الأوّل في السعودية، بل وفي الشرق الأوسط كله، محمد بن سلمان، وبين بريطانيا وأوروبا التي تسعى بكل قوة لإضعاف النفوذ الأمريكي في السعودية من خلال الإطاحة بابن سلمان أو إضعاف نفوذه.
وتُحاول أمريكا جاهدةً صدّ الحملة الإعلامية الأوروبية الشعواء ضد ابن سلمان، من خلال الدفاع عنه بكل الطرق والأساليب المُتاحة، فتارةً تجعل صحفها تتماشى مع الموجة الإعلامية الأوروبية، وتارةً تتهم أشخاصاً (مارقين) دون تحديد بضلوعهم في الجريمة، وطوراً تدّعي بأنّ الجريمة تُعتبر أكبر جريمة في التاريخ يتم التستر عليها، ولكنّها لا تُوضّح من يقف وراءها، وتارةً تقول بأنّها ستعمل على كشف مُرتكبيها ومُعاقبتهم، ولكنّها في كل الأحوال لا تتهم ابن سلمان، ولا تُريد إدخاله في دائرة الاتهام بأي شكلٍ من الأشكال.
فالمسألة إذاً ليست موضوع شخص ابن سلمان، وإنْ كان محل الصراع، ولا المسألة تتعلّق بالاعتداء على حرية الصحافة والصحفيين كما يشيعون، بل المسألة في حقيقتها تتمثّل في صراع وتطاحن على النفوذ في أهم وأخطر منطقة في العالم مُغلف بجريمة اغتيال.

دويلات الخليج تتسابق في التطبيع العلني مع كيان يهود




اجبة اسئلة : دويلات الخليج تتسابق في التطبيع العلني مع كيان يهود

*



الاثنين، 15 أكتوبر 2018

تعاون استخباراتي إجباري تركي مع الاستخبارات الأمريكية والبريطانية والفرنسية


تعاون استخباراتي إجباري تركي مع الاستخبارات الأمريكية والبريطانية والفرنسية



الخبر:
نقل مُراسل الجزيرة في إسطنبول عن مصدر أمني تركي أنّ "المُخابرات التركية زوّدت نظيراتها في دول غربية أخرى مثل بريطانيا وفرنسا بنتائج التحقيق التي تُثبت مقتل جمال خاشقجي بعد دخوله القنصلية السعودية في إسطنبول في الثاني من تشرين الأول/أكتوبر الجاري".
وذكرت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية أنّ "أنقرة أبلغت واشنطن أنّ لديها تسجيلات تؤكد قتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي وتقطيع جُثته داخل قنصلية بلاده في إسطنبول".
التعليق:
لا أريد التحدث في هذا التعليق عن حيثيات مقتل خاشقجي في القنصلية السعودية في إسطنبول، ولا عن أسباب ودوافع القتل، ولا عن مواقف الدول الكبرى منه، ولا عن مظنّة تواطؤ بعض الدول الإقليمية مع الموقف السعودي في قتله، وإنّما أريد التحدث عن جانب آخر في هذا الموضوع وهو التعاون الأمني الإجباري بين تركيا والدول الغربية الكبرى وهي أمريكا وبريطانيا وفرنسا.
فالسؤال الذي يتبادر إلى الذهن هو: لماذا تقوم الاستخبارات التركية بتزويد أجهزة الاستخبارات الأمريكية والبريطانية والفرنسية بالمعلومات المُتعلقة بمقتل خاشقجي؟
ومعلوم أنّ العلاقات الدبلوماسية الظاهرية بين تركيا وأمريكا في هذه الأيام تشهد توتراً شديداً لأسباب عديدة منها: موضوع القس الأمريكي، ومسألة دعم أمريكا للأكراد المُناوئين لتركيا، وسبب انهيار سعر صرف الليرة التركية وتحميل أمريكا المسؤولية في ذلك، وموضوع نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، وقرار أمريكا بقطع التمويل عن الأونروا... وكل هذه الأسباب كفيلة بتردي العلاقات الدبلوماسية بين الدولتين، ولا ينسجم معها وجود تعاون أمني بينهما، فضلاً عن تسليم تركيا لأمريكا تسجيلات تتعلق بمقتل خاشقجي في القنصلية السعودية بإسطنبول!
فمنطق الأمور بناءً على هذه المُعطيات على الأقل يستلزم عدم قيام تركيا بإطلاع أمريكا على أيّة معلومات استخباراتية، ولكن الدولة التركية لم تكتف بتسليم أمريكا تلك المعلومات، وإنّما سلّمتها أيضاً لبريطانيا وفرنسا، علماً بأنّ علاقاتها سيئة جداً مع فرنسا لكونها تقف موقفاً صلباً وعدائياً ضد تركيا في مسألة الدخول إلى الاتحاد الأوروبي، ولأنّها تتمادى في هجومها على رموز الإسلام، وكذلك علاقاتها مع بريطانيا فإنّها تشوبها الريبة بسبب صلات الأخيرة بالوسط السياسي والعسكري التركي المُعارض لأردوغان ونظام حكمه.
فلماذا إذاً تتعاون تركيا استخباراتياً مع هذه الدول الغربية الاستعمارية الثلاث تحديداً، بينما حليفتها روسيا في سوريا لا يرد لها ذكر في هذا الموضوع؟! ثمّ لماذا أصلاً تتعاون الدولة التركية مع هذه الدول الغربية العدوة للمسلمين ولتركيا؟!
والجواب على هذه التساؤلات يكمن في أنّ مثل هذا التعاون هو مفروض على كل الدول التابعة كجميع الدول العربية، وهو مفروض أيضاً على كل الدول التي تدور في فلك الدول الكبرى كتركيا، ولا تستطيع تركيا كما لا تستطيع جميع الدول التابعة رفض التعاون مع الغرب، لأنّها جميعها دولٌ تخضع للنفوذ الغربي خضوعاً تاماً، فهي ليست دولاً مُستقلة، ولأنّ تركيا على وجه الخصوص هي دولة خاضعة للنفوذ الغربي منذ تأسيسها على يد المُجرم العميل هادم الخلافة مُصطفى كمال وما تزال، وهي محسوبة على الغرب.
فلو كانت تركيا حقاً دولة مُستقلة فلماذا قامت بتزويد الدول الغربية الثلاث الكبرى حصراً بالمعلومات الاستخباراتية، فما الذي يُجبرها على فعل ذلك؟ مع أنّها دول تعتبرها تركيا دولاً مُعادية للأمّة؟
إنّ هذا ليؤكد على أنّ تركيا ما زالت دولة خادمة للغرب، وأنّ ما يصدر عنها من هجوم إعلامي على أمريكا، وعلى الدول الغربية لا يزيد عن كونه مفرقعات إعلامية.