الخميس، 31 أغسطس 2023

أبعاد صفقة أمريكا مع ايران

أبعاد صفقة أمريكا مع إيران
تمّ إبرام صفقة غريبة بين أمريكا وايران بوساطة قطرية أفرج بموجبها عن خمسة مواطنين امريكيين مقابل الافراج عن ستة مليارات دولار أمريكي من الأموال الإيرانية المُجمّدة في بنوك كوريا الجنوبية بسبب العقوبات الامريكية.
ووجه الغرابة في الصفقة كون المبلغ ضخم جداً ولا يتناسب مع قيمة الفدية المدفوعة لاطلاق سراح المساجين المُفرج عنهم والذين هم ليسوا من الأمريكيين الاصليين من وجهة نظر الساسة الأمريكيين المُتنفذين، فهم على أية حال ايرانيين ولسوا أمريكيين.
وأصرّت إدارة بايدن على تمرير الصفقة بالرغم من اعتراض دولة يهود الشديد عليها واعتراض اللوبي اليهودي في أمريكا واعتراض الكونغرس الامريكي على تلك الصفقة.
ولأنّ إدارة بايدن لا تستطيع تمرير الصفقة في الكونغرس بصورة قانونية قامت بتمريرها خلال استخدام صلاحيات الرئيس وذلك بتمرير صفقة وتفاهمات، وهذا يدل على مدى اهمية هذه الصفقة بالنسبة للإدارة الامريكية، وأهمية إيران وحكومتها بالنسبة للسياسين الأمريكيين الفاعلين.
وادّعت الادارة الأمريكية أنّ الصفقة ضرورية لها للأسباب التالية:
1 – اندراجها تحت استراتيجية الردع والضغط والديبلوماسية التي تنتهجها إدارة بايدن.
2 – كونها تُساهم في احتواء الصين وإفشال روسيا في أوكرانيا.
3 – الضغط على إيران لوقف بيع طائراتها المسيرة إلى روسيا.
4 – تخفيف حدة التوترمع ايران وإحياء محادثات اوسع نطاقاً معها حول برنامجها النووي.
وهذ المُبررات التي قدّمتها امريكا لتمرير الصفقة لا تُسهم إلا في تحسين وضع ايران الاقتصادي والسياسي ورفع مكانتها اقليمياً، وهو ما يتناسب مع كون ايران تسير في فلك أمريكا، وتُلبي الاحتياجات الأمريكية وتُساهم في زيادة النفوذ الامريكي في المنطقة، لذلك فأمريكا معنية بمساعدتها ورفع العقوبات عنها بمنحها المليارات من الدولارات لحاجتها الشديدة إليها لتخفيف أزمتها الاقتصادية الخانقة، ولتمكينها من القيام بلعب دورها المرسوم لها في المنطقة لخدمة المصالح الأمريكية على احسن وجه.
ولإكمال المسرحية بين أمريكا وإيران عبر هذه الصفقة قامت الحكومة الايرانية بإطلاق بادرة حسن نية من جانبها تتعلق بتخفيض نسبة تخصيب اليورانيوم دون الستين بالمائة، وبالمُقابل وعدت امريكا بعدم فرض عقوبات جديدة على ايران.
ودافعت الخارجية الأمريكية امام مُنتقديها عن الصفقة بأنّ المبالغ المُفرج عنها هي أموال إيرانية مُستحقة لها من بيع النفط لكوريا الجنوبية، ورفضت الافصاح عن تفاصيل عملية إتمام صفقة تبادل السجناء مع ايران بحجة انّها ما زالت جارية.
وأمّا بالنسبة لكوريا الجنوبية فاستفادت هي الأخرى من الصفقة باعتبارها تابع مهم لأمريكا في الشرق الأقصى فكوفئت بمليار دولار امريكي جراء خفض قيمة عملتها أمام الدولار الأمريكي لأنّ اصل الصفقة سبعة مليارات فخسرت ايران ملياراً منها بسبب فرق العملة ذهب لصالح كوريا الجنوبية.
ولعل من أهم دلالات هذه الصفقة ضعف تأثير كيان يهود على إدارة بايدن، وتأكيد أهمية الدور الايراني في المنطقة بالنسبة لأمريكا، فهو دور لا غنى عنه بالنسبة لأمريكا في منطقة الشرق الأوسط.
ويُفهم من هذه الصفقة انّ امريكا لا زالت اللاعب المُهيمن في العالم، فهي وحدها التي تُقُرّر فرض العقوبات على الدول وهي لوحدها التي تُقرّر رفع العقوبات عن الدول كما يحلو لها.
وهذه الصفقة أيضاً كشفت دور ايران المشبوه في التعاون مع أمريكا، وأظهرت أنُ الصراخ الاعلامي والسباب والتلاعن بين الدولتين هو مجرد طنين أجوف لا يؤثر في طبيعة العلاقات المصلحية بينهما.
إنّ الطريق الوحيد الصحيح في التعامل مع امريكا هو عدم التعاون معها تحت اي ظرف من الظروف، فهي دولة عدوة حاقدة ضد المسلمين، بل هي الدولة الأولى في العالم التي تُحارب الاسلام وتتآمر على المسلمين مع جميع أعداء الأمة الاسلامية، وتنتهك حُرُماتهم، لذلك يجب اتخاذ استراتيجية الحرب الفعلية معها، وعدم الانحناء لها مطلقاً كما يفعل حكام العمالة والخيانة معها هذه الايام، ويجب رفض التفاهم معها بأي أسلوب من الاساليب، ولأي سبب من الاسباب.

الأربعاء، 16 أغسطس 2023

انقلاب النيجر وكنس الوجود الفرنسي من افريقيا

إنقلاب النيجر وكنس الوجود الفرنسي من افريقيا
 
تأتي أهمية الانقلاب الذي وقع في النيجر في السادس والعشرين من شهر يوليو- تموز الماضي من كونه وقع في إحدى أهم المُستعمرات الفرنسية المُتبقّية لفرنسا في أفريقيا، فمساحة النيجر تبلغ مليون ومائتي كيلو متر مربع، وعدد سكانها يبلغ خمسة وعشرون مليون نسمة، يُشكّل المُسلمون منهم نسبة 99.3 % من السكان.
تعتمد فرنسا في تشغيل محطاتها النووية التي تُزوّدها بـ 35 % من احتياجاتها من الكهرباء على يورانيوم النيجر، بينما تعتمد سائر الدول الأوروبية في طاقتها الكهربائية على يورانيوم النيجر بنسبة 25 % من احتياجاتها.
وتمتلك النيجر بالإضافة إلى اليورانيوم الكثير من الثروات الأخرى ومنها النفط والذهب، لكنّه وبالرغم من كل هذه الثروات فإنّ النيجر وبسبب الاستعمار الفرنسي الشرس تُعتبر أفقر دولة في العالم حيث الفقر فيها مُدقعاً، فدخل إثنان من كل خمسة من سكان النيجرلا يتجاوز الـ 2 دولار يومياً.
وفي النيجر توجد قاعدة عسكرية جوية وأرضية لفرنسا بداخلها 1500 جندي فرنسي، وفيها أيضاً قاعدة عسكرية أخرى لأمريكا تحتوي على أكبر عدد من الطائرات المُسيّرة وبداخلها 1100 جندي أمريكي.
وخرج من بين هذه القواعد والحشود العسكرية الفرنسية والأمريكية الضخمة بضعة من جنود الحرس الرئاسي بقيادة عبد الرحمن تشياني في انقلاب مُفاجئ بقيادة ضباط تدربوا في السابق على أيدي القوات الأمريكية، فأطاحوا بحكومة محمد بازوم المُنتخبة، واستولوا بسهولة على السلطة، فيما وقف الجيش النيجري مُتفرّجاً إزاء الانقلابيين من الحرس الرئاسي لا يُحرّك ساكناً، ثمّ ما لبث الانقلابيون أن سيطروا على الجيش نفسه، وأجروا فيه تغييرات شاملة، وضعوا بموجبها رجالهم في المناصب المهمة التي تتحكم بمفاصل الجيش، فعيّنوا موسى سالاو برمو رئيساً للأركان وهو رجل معروف بصلاته المتينة بالأمريكان، حيث حارب معهم الجماعات الاسلامية في منطقة الساحل وجنوب الصحراء لمدة طويلة. 
فما كان هذا الانقلاب لينجح قط في النيجر لولا تواطؤ أمريكا مع الانقلابيين، وما كانت فرنسا لتقف مكتوفة الأيدي أمام الانقلابيين لولا الوجود العسكري الأمريكي القوي في النيجر، لا سيما وجود القاعدة الأمريكية المُضادة والمُوازنة للقاعدة الفرنسية فيها.
لقد دخلت أمريكا عسكرياً إلى القارة الافريقية في العام 2008 من خلال قوتها العسكرية المُخصّصة لافريقيا والمُسمّاة ( أفريكوم )، ثمّ شرعت بتمويل عمليات تدريب وتسليح الجيوش الافريقية في المستعمرات الفرنسية تحت ذريعة مُحاربة الارهاب، ومُنذ دخول (أفريكوم ) إلى افريقيا وقع أحد عشر انقلاباً في عدة دول افريقية على يد قوات عسكرية درّبتها أمريكا بشكلٍ خاص.
وتقول أمريكا بأنّها أنفقت مُنذ العام 2012 ما قيمته 500 مليون دولارعلى النيجر لوحدها، فزوّدتها بالمعدات ودرّبت جنودها، وأنشأت علاقات عمل وعمالة مع ضباط جيشها، وتبيّن أنّ النيجر كانت أكثر دولة افريقية من المستعمرات الفرنسية السابقة التي تلقّت مساعدات أمريكية عسكرية، فأمريكا استثمرت في النيجر الكثير من الأموال لأهميتها البالغة، وتنافست أمريكا مع فرنسا على النيجر في عدة انقلابات غير حاسمة إلى أن بلغت انقلاباتها النهاية مع هذا الانقلاب الأخير الذي يبدو أنّه كان حاسماً في طرد فرنسا من النيجر.
والناظر في تصريحات الطرفين تجاه الانقلاب يجد التصادم جليّاً بين فرنسا وأمريكا إزاءه، وذلك من خلال اللغة التي تتحدّث بها كلاً من الدولتين، ففرنسا تُصرّ على إعادة الرئيس المخلوع محمد بازوم إلى سدة الحكم، ولا تقبل الاعتراف بسلطة الانقلابيين الجديدة في النيجر، بينما أمريكا تتعاون مع الانقلابيين صراحةً وتُنادي بضرورة الحل الديبلوماسي، وتختار( الواقعية ) كلغة سياسية للتعامل مع الانقلابيين، وهذا يعني من ناحيةٍ عملية الاعتراف بانقلابهم، ومنحهم الوقت الكافي لتثبيت سلطتهم.
فأنتوني بلينكن وزير الخارجية الأمريكي يقول في حديثٍ له مع الاذاعة الفرنسية:
" الديبلوماسية هي السبيل الأفضل لحل هذا الوضع "، وأمّا المُتحدّث باسم الخارجية الأمريكية فيقول:" لا نزال نتأمّل، لكنّنا أيضاً واقعيون جداً بالنسبة لنجاح المسار الديبلوماسي"، وبعد أنْ التقت فكتوريا نولاند مبعوثة وزارة الخارجية الأمريكية بقادة الانقلاب، ومنهم رئيس الأركان الجديد العميد موسى سالاو برمو وقالت:" لقد أجريت معهم محادثات صريحة وصعبة وإنّنا ننظر بواقعية"، وأمّا رئيس الأركان الامريكي فكان من قبل قد صرّح بأنّه يتوقع أنّ الانقلابيين لن يتراجعوا، وهذا يعني من ناحية عملية أنّ أمريكا هي التي لن تتراجع عن هذا الانقلاب.
وعلى عكس الرئيس المخلوع بازوم الذي أظهر تأييداً شديداً لفرنسا واعتبرها شريكاً أمنياً واقتصادياً استراتيجياً لبلاده، أظهرالانقلابيون الجدد كراهيةً شديدةً لفرنسا، وألغى المجلس العسكري الجديد بقيادة عبد الرحمن تياني خمس اتفاقيات عسكرية معها، واتخذ سياسات انفصالية عن فرنسا تؤدي في النهاية إلى خروج الفزنسيين نهائياً من النيجر.
وانقلاب النيجر هذا هو الثالث على التوالي الذي تُدبّره أمريكا بعد انقلابي بوركينا فاسو ومالي في غضون أقل من عامين في منطقة غرب افريقيا، وهو سيفضي في النهاية إلى كنس النفوذ الفرنسي من جميع مُستعمراتها السابقة في افريقيا.
لعل هذه الانقلابات ستؤدي إلى خلق طبقة سياسية جديدة واعية ومُخلصة في افريقيا تنقلب على الأمريكان أيضاً، وتنجح في كنس نفوذهم، وكنس جميع النفوذ الأجنبي عموماً من افريقيا، وتُفضي - بمشيئة الله سبحانه وتعالى - إلى قيام دولة اسلامية حقيقية هي دولة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة

الثلاثاء، 15 أغسطس 2023

لبنان يمنع والسعودية تسمح بعرض فيلم للأطفال يروج للشذوذ الجنسي

لبنان يمنع والسعودية تسمح بعرض فيلم للأطفال يُروّج للشذوذ الجنسي

الخبر:

أعلنت وزارة الثقافة اللبنانية الأربعاء 09/08/2023 أنّها ستعمل على منع عرض فيلم "باربي" في لبنان لأنّه يُروّج للشذوذ الجنسي ويُشكّك بضرورة الزواج وبناء الأسرة، وقال وزير الثقافة اللبناني محمد وسام المرتضى في بيان إنّ: "فيلم باربي يُروّج للشذوذ والتحوّل الجنسي ويُسوّق لرفض وصاية الأب وإضعاف دور الأم، ويُشكّك بضرورة الزواج، وبناء الأسرة، ويُخالف بمحتواه الآداب والقيم لا سيما قيمة الأسرة ويُخالف المبادئ الأخلاقية والإيمانية التي تُشكّل الحصن الحصين للمجتمع اللبناني"، واعتبر: "أنّ عرضه في لبنان سيكون له نتائج وخيمة لا سيما على الأطفال والناشئة".
والفيلم أمريكي تخطت إيراداته في الغرب حاجز المليار دولار منذ بدء عرضه في دور السينما في 21/07/2023.
ورفضت عدة دول عرضه منها الكويت، أمّا السعودية والإمارات فوافقتا على عرضه في الصالات بعد إحداث بعض التعديلات عليه بما يتوافق مع معايير المحتوى الإعلامي في الدولتين وتمّ عرضه فعلياً.
 
التعليق:

إنّه لأمر مُريب أنْ تسمح السعودية بعرض أفلام تحتوي على مفاهيم الشذوذ، وهي بلاد الحرمين الشريفين، وإنّ إدخال بعض التعديلات على الفيلم لا يُغيّر فحواه المُنحرف، ولا يُبدّل الغاية الفاسدة التي يرمي إليها مُنتجوه الأمريكان الذين يُريدون تصدير شذوذهم إلى المسلمين عبر صناعة أفلام الأطفال.
لقد كان موقف وزير الثقافة اللبناني الذي لم ينطلق في رفضه لعرض الفيلم من مُنطلق إسلامي، أقرب إلى المعايير الشرعية من موقف السعودية التي ضربت بتلك المعايير عرض الحائط.
وإنّه لموقف مُخجل جداً أن تُعرض ثقافة الشذوذ على أطفالنا في بلاد الحرمين، لا سيما وأنْ تكون الدولة هي راعية هذه الثقافة المُنحرفة.
أين هم علماء المسلمين في السعودية الذين يتوجب عليهم إبراز الأحكام الشرعية المُتعلّقة بالرؤية الإسلامية في عرض أي مادة إعلامية للناس بشكل عام وللأطفال بشكل خاص؟! وأين هو الواجب الذي عليهم أنْ يُظهروه بشكلٍ دائمي وهو الأمر بالمعروف والنهي عن المُنكر لا سيما ببلاد نجد والحجاز؟!
أم أنّ شغلهم الشاغل هذه الأيام بات يتركّز في إثارة معارك فكرية عقيمة، وجدالات كلامية نظرية أقرب ما تكون سفسطات فلسفية مع مُخالفيهم فلا تغني ولا تسمن من جوع، ويضيعون أوقات الناس بجدالات حول أفكار ميتة لعلماء الكلام في القرن الرابع الهجري فيريدون إحياءها من جديد؟!!

الأربعاء، 9 أغسطس 2023

تداعيات الغاء قانون حجة المعقولة على كيان يهود

تداعيات إلغاء قانون ( حجة المعقولية ) على كيان يهود



صادق الكنيست ( المجلس التشريعي ) في كيان يهود على إلغاء ما يُسمّى بقانون حجة المعقولية بتصويت كانت نتيجته أربعة وستين صوتاً مُقابل صفر من الأصوات للمُعارضة التي قاطعت عملية التصويت احتجاجاً على طرح هذا القانون المُتعلّق بتغييرات في الجهاز القضائي على التصويت، علماً بأنّ الكنيست مؤلف من مائة وعشرين مقعداً.
ومعنى حجة المعقولية عندهم هو منح قضاة المحكمة العيا صلاحية النظر في قرارات الحكومة والكنيست وإبطالها أو تمريرها بناءاً على مُوافقتها أو عدم مُوافقتها للصالح العام.
وبعنى آخر فإنّ ضابط إبطال القرارات أو تمريرها هو ما يراه قضاة المحكمة العليا وفقاً لأفهامهم وأمزجتهم، فلا يوجد قواعد دستورية ثابتة تُعتبر مرجعاً لهم في اتخاذ قراراتهم القضائية المُهمة سوى رؤيتهم الشخصية بأنّها تتوافق مع الصالح العام أو تتعارض معه.
وكلمة المعقولية في القانون جاءت من لفظ المعقول، أي ما يُعقل، وما يُوافق العقل، والعقول التي تُحدّد معقولية القرارات هي عقول قضاة المحكمة العليا وليس عقول غيرهم من المُشرعين أو النّواب أو السياسيين، وهذا ما يمنح القضاة صلاحية عليا تجعل السلطة القضائية فوق السلطتان الأخريان وهما التنفيذية والتشريعية.
ويعتقد زعماء المُعارضة أنّ هذه الصلاحيات الكبيرة للسلطة القضائية تجعلها تقوم بدور المُوازن بين السلطات وهو الأمر الذي سارت عليه دولة يهود مُنذ تأسيسها، وأنّ سحب هذه الصلاحية منها سيُحوّل الدولة إلى ما يُشبه الدول الدكتاتورية التي لا ديمقراطية فيها، بينما ترى الحكومة وداعميها من اليمينيين أنّ هذه الصلاحية المُطلقة الممنوحة للمحكمة العليا مُبالغ فيها، وأنّه قد حان الأوان للقيام بإصلاحات عميقة في الجهاز القضائي، ومن أهم هذه الإصلاحات إلغاء قانون حجة المعقولية هذا، وأنّ إلغاءه لا يُعتبر مسّاً بالديمقراطية بل هو مُتوافق معها تماماً. 
وبإلغاء هذا القانون تستطيع الحكومة تمرير القوانين بدون إزعاج من المحكمة العليا، كما تستطيع القيام بتعيينات وزراء وموظفين كبار في الدولة من دون اعتراض المحكمة عليهم، كما اعترضت على تعيين الوزير أرييه درعي ممّا اضطره للاستقالة.
وتُجادل المُعارضة بأنّ إلغاء قانون المعقولية يحرم الجمهور من معرفة القوانين التي يتم تمريرها من قبل الكنيست وذلك لعدم وجود اعتراض من المحكمة عليها بسبب عدم سماع المُواطن بها، والذي كان يعتمد على المحكمة في إشهارها والسماع بها.
وقامت المُعارضة باحتجاجات واسعة واندلعت المُظاهرات والمُواجهات ضدّ الحكومة، وضغطت بكل قواها لمنع الحكومة من عرض القانون على التصويت لكنّ الحكومة ثبتت على موقفها، وصمّمت على المُضي قُدُماً في الإلغاء.
 وجنّدت المُعارضة آلاف الطيارين وجنود الاحتياط الذين امتنعوا عن أداء الخدمة للضغط على الحكومة بمنع تمرير قانون إلغاء حجة المعقولية ولكنّ الحكومة، لم تكترث بانشقاقهم ونجحت من ثمّ في تمريره.
وتدخلت امريكا في هذا الموضوع فطلب الرئيس الأمريكي بايدن من نتنياهو عدم المُضي قُدُماً في تشريع القانون، ولمّح له من خلال الصحافة بفرض عقوبات على كيان يهود إن هي مرّرته، لكنّ نتنياهو ظل يتحدى بايدن وواجه الضغوط الأمريكية بكل قوة ورفض الانصياع لها.
وقالت المُعارضة بأنّ إلغاء قانون حجة المعقولية سيدمّر الدولة ويُقوض أركانها لكنّ الحكومة رفضت هذه الادعاءات واستمرت في نهجها، وأثبتت بأنّه لا شيء سيحصل للدولة بعد إلغاء ذلك القانون.
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا : ما هو سر هذه القوة التي يمتلكها نتنياهو فجعلته يُواجه المُعارضة الواسعة في الداخل، ويواجه أمريكا  في الخارج في نفس الوقت، ويصمد في مسعاه، ويُغيّر بعض هذه القوانين المُثيرة للجدل؟
ربما يكمن الجواب في النقاط التالية:
1 – التفاف غالبية الرأي العام حوله من خلال التفاف تيارات اليمين حول قيادته، ووقوفها صفاً واحداً مؤيداً للتغييرات التي تمّ تمريرها في الكنيست ضمن ما يُسمونه بإصلاح قوانين القضاء التي عفا عليها الزمن – حسب وصفهم -.
2 – كونه يمتلك غالبية برلمانية مُريحة تسمح له بتعديل القوانين في نظامٍ برلماني يعتمد على الأغلبية في تمرير القوانين. 
3 – تأكدّه من أنّه إنْ لم يقم بمثل هذه التعديلات في النظام القضائي فسيتم تفكك ائتلافه ومن ثمّ إسقاطه ومُحاكمته.
4 – إدراكه أنّ إدارة بايدن تقف مع المُعارضة وتدعمها بصورة واضحه ضد طموحاته، فكان أفضل سبيل يتم السير به هو رفض الانصياع لأمريكا.
5 – كل ما سبق يجعل نتنياهو مُصمّماً على إسقاط قانون حجة المعقولية لئلا يتم إسقاطه شخصياً، فهو لا يمتلك خيارات أخرى للبقاء في سدة الحكم غير تمرير مثل هذه القوانين.
لكنّ صنيعه قد هذا أحدث شرخاً حقيقياً في جسم الدولة يصعب جسره، إلا أنّ هذا الشرخ مهما اتسع فلا يودي بالدولة ولا يُغيًر من نظامها ولا يُحوّلها إلى دولة تُشبه الدول التي يحكمها ويتحكم بها أفراد كالدول البوليسية في بلادنا العربية، لأنّ الحكام عندهم يأتون إلى السلطة بصناديق الاقتراع وليس باستخدام العسكر.
على انّ هذه الدولة السرطانية المسخ المسماة ( اسرائيل ) تبقى جزءاً لا يتجزّأ من منظومة الدول الغربية التي تمّ زرعها في قلب العالم الاسلامي لتعيث بداخله فساداً، ولتحول دون وحدته وقوته، ولا يُمكن إزالتها من الوجود إلا بوجود دولة الخلافة الاسلامية القائمة قريباً بإذن الله تعالى، والتي تستطيع بكل تأكيد استئصالها من جذورها بأقل الجهود وأبسط التكاليف وما ذلك على الله بعزيز.

الأربعاء، 2 أغسطس 2023

تضعضع قيادة بوتين ومستقبل فاغنر

تضعضع قيادة بوتين ومستقبل فاغنر

لقد كشفت مُحاولة التمرد التي قامت بها مجموعة فاغنر في روسيا مدى ضعف القيادة الروسية، وعرّت حقيقة فقدانها لسطوة الحكم التي كانت تتّسمّ بها من قبل، وأظهرت هشاشة قبضة بوتين ( الحديدية ) على السلطة، وأفسحت المجال لنشؤ تكتلات سياسية عسكرية داخلية في المستقبل تتصارع فيما بينها، وقد تعصف بحقبة الاستقرار التي تميّزت بها روسيا مُنذ مطلع هذا القرن.

ولعلّ السماح بوجود شركات أمنية خاصة تعمل بنوع من الاستقلالية عن الجيش وبالذات شركة فاغنر لعل ذلك هو الذي أحدث هذا الشرخ في القيادة الروسية، وهو الذي فتح شهية الجنرالات للصراع على السلطة، وتطلعهم للاستحواذ على المناصب الكبرى.

ومُنذ تأسيسها في سنة 2014 على يد يفغيني بريجوزين وشركة فاغنر تشق طريقها لتكون بمثابة الجيش الضخم المستقل المُوازي للجيش الروسي الرسمي، وامتلكت فاغنر بهذا الجيش الجديد قيادة قوية صلبة، وإدارات مُتماسكة مُستقلة، وعلاقات مُعقّدة ومُتشعبة، وأعمال سياسية دولية واسعة، وهو ما أكسبها شعبية كاسحة، وصلاحيات بعيدة عن أعين القيادة الروسية.

أصبح لفاغنر أذرعاً طويلة خارج روسيا ساهمت في مد النفوذ الروسي بشكلٍ كبير، خاصةً في افريقيا على حساب النفوذ الفرنسي الذي بدا ينحسر ويضعف في مُستعمراته السابقة، واعتبرت فاغنر في هذه المرحلة يد روسيا الضاربة في الخارج.

وتعاظمت قوة فاغنر المالية وحصلت على الأموال الكثيرة، وأصبح لديها اكثر من مائة شركة مالية خاصة تعمل لخدمتها، ولجني الأموال لصالحها، فعلى سبيل المثال تجني لها شركة إفرو بوليس 25 % من أرباح عدد من الحقول النفطية في إفريقيا.

ولفاغنر مناجم ذهب وحقوق قطع الأشجار في دولة افريقيا الوسطى، وتأخذ من حكومة مالي 10.8 ملايين دولار شهرياً لقاء قتالها للاسلاميين الثائرين على الدولة، وفي السودان تعمل فاغنر في تعدين الذهب دعماً لقوات الدعم السريع، وفي ليبيا تدفع لها دولة الامارات رواتب 1200 جندياً من مُرتزقتها لدعم المُنشق عميل أمريكا خليفة حفتر.

فهي كشركة أمنية عسكرية تعمل في سوريا وفنزويلا وعدة دول افريقية مثل ليبيا والسودان ومالي وافريقيا الوسطى وبوركينا فاسو وموزمبيق ومدغشقر، وتتقاضى أموالاً ، وتجني أرباحاً عبر أعمال مُرتزقتها في دعم الحكومات الهشة في تلك الدول.

وبسبب نجاحها الملحوظ في افريقيا استدعاها الرئيس الروسي بوتين للمساعدة في القتال ضد الأوكرانيين، وتمّ منحها مُقابل ذلك 2 مليار دولار في سنةٍ واحدة، وأحرزت تقدماً في جبهة باخموت لم ينجح الجيش الروسي نفسه في تحقيق مثله.

 وهذا النجاح الملموس في ساحة القتال أكسب فاغنر مكانةً مرموقة في قلوب الروس، وأوجد احتراماً لدى العسكريين منهم بشكلٍ خاص، وزادت كاريزما قائدها بريجوزين ممّا جعله يتفاخر على أقرانه في الجيش، فأصبح يتدخل في الشؤون الخاصة للجنرالات، وينتقدهم، ويُحاسبهم خارج الاطار التقليدي المعروف.

ثمّ صارت له أطماع واضحة في الزعامة، وفي تسلق السلطة، وبدأ يُشكّل خطراً على زعامة بوتين نفسه، فضلاً عن زعامة وزير الدفاع ورئيس الأركان.

أحسّت القيادة الروسية بتعاظم خطر فاغنر ورئيسها، فاتخذت اجراءاً حاسماً في/ 15  06 حيث طلبت وزارة الدفاع الروسية من جميع المجموعات العسكرية والشركات الأمنية التي تُقاتل إلى جانب الجيش الروسي في أوكرانيا بالتوقيع على عقود جديدة مع الجيش، تخضع بموجبها تلك الكيانات لشروط جديدة تجعلها تتبع أوامر قادة الجيش مُباشرة وذلك ابتداءاً من مطلع شهر- تموز -.

وهذا يعني فقدان فاكنر لاستقلاليتها وانصياعها لوزير الدفاع الروسي ورئيس أركانه، وهما من ألدّ خصوم بريجوزين، فرفضت فاكنر التوقيع، وقامت بتحدي الدولة، وحاولت الانقلاب على القيادة الروسية، فسيطرت على أكبر قاعدة عسكرية روسية في روستوف، واتجهت قوات فاكنر نحو موسكو ووصلت على بعد 200 كيلو مترا فقط من موسكو، ولكنّ المحاولة توقفت عندما أدرك رئيسها بريجوزين عدم انحياز الجيش له بما يكفي، فأوقف الانقلاب، وقبل بوساطة رئيس روسيا البيضاء ألكسندر لوكاشينكو، ووافق على تسليم أسلحة فاغنر الثقيلة للجيش، واكتفى بالعفو الرئاسي بحقه وحق عناصره الصادر عن بوتين، ومن ثمّ توزعت قواته بين التسريح في البيوت أو الالتحاق بالجيش أو الخروج إلى روسيا البيضاء.

إنّه وإن فشلت مُحاولة بريجوزين في تحدي زعامة الرئيس بوتين لكنّها نجحت في إضعاف مكانة الرئيس في عيون مواطنيه، وفي إظهار مدى هزال القيادة الروسية، وفي تبدّد تلك الهالة المُصطنعة التي كانت تُحيط بالرئيس.

وإنّ فشل المُحاولة الانقلابية تلك لا يعني أنّ بوتين سيطر على فاغنر سيطرة مُطلقة، فما يزال لفاغنر شبكة واسعة من المجاميع المالية والعسكرية في الخارج ما زالت خاضعة لبريجوزين الذي رفض إخضاعها للرئيس بوتين، والذي ما زال يتمسك بقيادتها شخصياً.

لكن من الواضح أنّ مجموعة فاغنر بفشل انقلابها قد ضعفت، وضعفت معها الدولة الروسية نفسها بسبب ازدواج القيادة، وبسبب عدم قدرة الدولة الروسية على فرض سيطرتها الكاملة عليها.

ونخلص من ذلك كله إلى أنّ روسيا كدولة كبرى قد ضعفت وتضعضع موقفها، وأنّ انخراطها بحرب أوكرانيا طويلة المدى ستزيد في إرهاقها، وإنّ فشلها في استخدام مجموعة فاغنر في الحرب معها وخروجها من المعركة قد فاقم من وضعها.

وهذا الضعف في قوة الدولة الروسية سيؤدي إلى إنزالها عن مستوى الدولة الثانية في الموقف الدولي، وربما تحويلها من دولة عالمية إلى دولة اقليمية.

وما أصاب روسيا من وهن حالياً سيصيب غيرها من الدول الكبرى في المستقبل، خاصة وأنّ الجيوش النظامية في غالبية الدول الكبرى قد فقدت شهيتها للقتال، وانعدمت لديها الدافعية لخوض المعارك، وباتت تعتمد على المتعاقدين من المرتزقة في القتال نيابةً عنها.

وهذا يُبشّر بإذن الله سبحانه وتعالى بقرب قيام دولة الاسلام التي يمتلك جيشها عقيدة قتالية روحية، تجعله يمتلك قدرة غير محدودة في الهجوم على الأعداء، وفي دحر جيوشهم المُتآكلة، وتحقيق الانتصارات العظيمة عليهم.