الجمعة، 20 ديسمبر 2019

حلف الناتو وسبعون عاماً من الظلم والبغي والعدوان


حلف الناتو وسبعون عاماً من الظلم والبغي والعدوان






انعقدت قمة دول حلف الناتو في العاصمة البريطانية لندن في 04/12/2019م بمناسبة مرور سبعين عاماً على تأسيس حلف شمال الأطلسي المعروف اختصاراً بحلف الناتو، وأُنشئ الحلف في العام 1949م من دول شمال المحيط الأطلسي وهي أمريكا وكندا ومُعظم دول أوروبا الغربية الرأسمالية بالإضافة إلى تركيا لمواجهة خطر تعاظم قوة روسيا التي تحولت آنذاك إلى الاتحاد السوفيتي، والذي صار يتوسع في شرق أوروبا بسرعةٍ قياسية، ويُطبّق فيها الشيوعية، ثمّ ما لبث الاتحاد السوفيتي أنْ أنشأ حلفاً للدول الشيوعية التابعة له، وجعل من العاصمة البولندية وارسو مقراً له في العام 1955م، وضمّ إليه دول شرق أوروبا التي فُرضت عليها الشيوعية بالقوة، وأصبح العالم بعد الحرب العالمية الثانية مُنقسماً بين مُعسكرين، أحدهما رأسمالي يُمثّله حلف الناتو بقيادة أمريكا، والآخر شيوعي يُمثّله حلف وارسو بقيادة الاتحاد السوفيتي.
وفي العام 1991م اندثر الاتحاد السوفيتي، وتحولت روسيا عن الشيوعية إلى الرأسمالية، وانفرط عقد حلف وارسو ولم يعد له وجود، وزال خطر الشيوعية، وانتفى وجود أي تهديد عسكري ضد دول حلف الناتو، ولم يعُد هناك أي مُبرّر لاستمرار وجود الحلف، وكان المفروض حلّ الحلف، وإنهاء حالة المعسكرات الدولية.
لكنّ أمريكا والدول الغربية بدلاً من إلغاء الحلف استحدثت عدوّاً جديداً لها وهو الإسلام، واتخذته مُبرّراً لبقاء الحلف، وظهر ذلك في تصريح للأمين العام للحلف ويلي كلايس بُعيد سقوط حلف وارسو، والذي اعتبر فيه أنّ الإسلام حلّ محل الشيوعية في مُعاداة الغرب، وقال بأنّ الأصولية الإسلامية باتت أعظم خطر يُواجه الغرب، وتحدّث كذلك قادة غربيون عديدون بهذا المعنى ومنهم هنري كيسنجر.
وهكذا تحوّل عداء الغرب إلى الإسلام تحولاً تلقائياً بعد سقوط الشيوعية، وهو وإن كان موجوداً قبل ذلك، لكنّه أخذ صورة التحالف العسكري والمواثيق الدولية، وما تدخلات الحلف في البوسنة والهرسك وكوسوفا والعراق وأفغانستان وليبيا إلا تأكيد على دوره الاستعماري المعادي للمسلمين.
فأصبح الحلف بعد العام 1991م صليبياً مُعادياً للإسلام بشكلٍ واضح ومُباشر، وتوسّع الحلف بعد ذلك على هذا الأساس، فانضمت إليه دول أوروبا الشرقية التي كانت تابعةً للاتحاد السوفيتي البائد كرومانيا وبلغاريا وبولندا والتشيك والمجر وغيرها من دول أوروبا الشرقية، وبلغ عدد الدول المنضوية فيه اليوم تسعاً وعشرين دولة وما زال قابلاً للزيادة.
ولا يوجد بين أقطاب الحلف ومؤسّسيه اختلاف على مُحاربة الإسلام، ولكن يوجد بينهم اختلاف على طريقة قيادة الحلف وحجم الإنفاق فيه، فأمريكا تُريد من الدول الأوروبية زيادة نسبة مُساهماتها المالية في الحلف، بينما تسعى فرنسا لتتبوأ مكانة قيادية عليا إلى جانب أمريكا وبريطانيا فيه، وتُهدّد بالخروج منه وتشكيل نُواة جيش أوروبي ليكون بمثابة البديل عن الحلف، وهي قد انسحبت منه بالفعل في العام 1969م أيام ديغول ثمّ عادت إليه فيما بعد.
وقُبيل انعقاد قمّة الحلف الأخيرة في لندن جرت مُشاحنات ومُناكفات بين الرئيس الفرنسي ماكرون والرئيس الأمريكي ترامب، فقال ماكرون مُعرّضاً بالدور الأمريكي في قيادة الحلف: "إنّ دول الحلف لم تعد تتعاون في القضايا السياسية، والحلف اليوم يمرّ في حالة موت سريري أو دماغي، وإنّ أمريكا تتعامل بفتور تجاه التزاماتها في الحلف"، فردّ عليه ترامب بعنف قائلاً: "إنّ الحلف يؤدي مُهمّة عظيمة، وإنّ أمريكا في أوروبا لحمايتها منذ الحروب العالمية الأولى والثانية، ولا تريد شيئاً منها سوى دفع الأموال التي عليها، وإنّ تصريحات ماكرون مُقرفة، وفيها إهانة كبيرة للحلف، وإنّ فرنسا هي أكبر المُستفيدين من الحلف، ولن تنجح الدول الأوروبية في إنشاء جيش أوروبي بديل عن الناتو".
ثمّ انبرى الرئيس التركي أردوغان مُدافعاً عن الحلف ومُهاجماً ماكرون فقال: "يبدو أنّ ماكرون هو الميّت دماغياً وليس الحلف"، والغريب أنّ أردوغان في رده هذا على ماكرون يتناسى كونه رئيس بلد مسلم مُستهدف هو نفسه من الحلف الذي هو رئيس لدولة عضو فيه، فأمريكا والدول الغربية تستغل قوة تركيا وأراضيها ذات الموقع الاستراتيجي المهم لدعم أهداف الحلف المعادية للإسلام، فالطائرات الأمريكية تشن الكثير من غاراتها ضد أبناء المسلمين من قواعد لها على الأراضي التركية، فلو كان أردوغان يملك قرار بلاده لانسحب من هذا الحلف المعادي للإسلام والمسلمين فوراً ومن دون تأخير، وكم من المجازر التي ارتكبها الحلف في العراق وأفغانستان وفي غيرها من بلاد المسلمين بدم بارد، ولا ننسى جريمة الصرب البربرية التي قلّ نظيرها في التاريخ عندما قتلوا في سربرنيتشيا 8000 مُسلم في عدة أيام برعاية قوات الحلف الهولندية.
إنّ وجود حلف الناتو اليوم هو بحد ذاته جريمة بحق البشرية، وليس بحق المسلمين وحسب، فهو تكتل عسكري مُتغطرس لدول استعمارية قوية لا تحتاج إلى حلف، وهو يقوم على أساس من الظلم والاستقواء على الشعوب الضعيفة، ويُمارس البغي والعدوان والحفاظ على الاستعمار بصورٍ جديدة، لذلك كان لزاماً على دولة الإسلام المقبلة أنْ تعمل فوراً على تفكيك الحلف، ومنع قيام أحلاف عسكرية ابتداء، لأنّ قيامها يعني استمرار عسكرة العالم، ويعني فرض قانون غاب عالمي دائم يُسيطر فيه الأقوياء على المستضعفين.
إنّ نشر الهداية بين الناس لا يكون إلا بقيام دولة العدل التي تُعامل جميع الشعوب بالقوانين والأنظمة العادلة نفسها التي تتعامل هي بها، وهذه الدولة جُرّبت لمدة زادت عن الألف عام، ولم يشْكُ أحد من رعاياها أزمة هوية، ولا شعر أحد داخلها بالظلم والتحيّز. إنّ هذه الدولة هي أمل العالم، إنّها دولة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة التي تحمل العدل إلى البشرية جمعاء.

السبت، 14 ديسمبر 2019

ترامب يُقرّر نيابةً عن يهود أنّ اليهودية قومية وديانة


ترامب يُقرّر نيابةً عن يهود أنّ اليهودية قومية وديانة




الخبر:

وقّع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يوم الأربعاء 2019/12/11 على أمر تنفيذي وهو مرسوم رئاسي أعاد فيه تعريف اليهودية على أنّها: "قومية وديانة" وليست ديانة فقط، وقال خلال حفل أقيم في البيت الأبيض بمناسبة عيد الأنوار اليهودي: "هذه هي رسالتنا إلى الجامعات،إذا كنتم ترغبون في الاستفادة من المبالغ الضخمة التي تتلقونها كل عام من الحكومة الفدرالية، عليكم أن ترفضوا معاداة السامية"، وأوضّح أنّ "المرسوم ينطبق على المعاهد التي تتاجر بالكراهية المعادية للسامية"، وقال: "سأقف دائما مع صديقتنا وحليفتنا العزيزة دولة إسرائيل".
وسيكون لهذا المرسوم أثر قانوني محدود يتعلّق بابتزاز المؤسسات الأكاديمية التي تُناهض كيان يهود، إذ سيسمح المرسوم للحكومة الأمريكية بمنع حركة المقاطعة التي تنتشر في بعض الجامعات الامريكية ضد دولة يهود بسبب مُعاملتها العنصرية للفلسطينيين فيتم سحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها.
التعليق:
إنّ مثل هذه المراسيم التي يُصدرها الرئيس الأمريكي تهدف بالدرجة الأولى إلى كسب أصوات اليهود الأمريكيين في الانتخابات الأمريكية، وهي ليست تشريعات صادرة عن الكونغرس، فالجانب القانوني فيها محدود، ولا يُلزم القضاء بالالتزام بها كقوانين رسمية للدولة.
لكنّ أهم دلالة لها أنّ الرئيس الأمريكي أصبح هو الذي يُقرّر طبيعة العلاقة بين اليهود وديانتهم نيابةً عن اليهود أنفسهم، فهو يُتاجر علانيةً بالديانة اليهودية لتحقيق أهداف انتخابية، وهذه المُتاجرة باليهود واليهودية ليست بالأمر الجديد، فهي إرث استعماري قديم ورثته أمريكا عن بريطانيا في استخدام الورقة اليهودية سياسياً لتحقيق الأهداف السياسية الغربية بعيدة المدى، ومُحاربة المُسلمين باليهود، لإبقاء المسلمين في حالةٍ من التمزق والتراجع، والحيلولة دون نهضتهم ووحدتهم، ومنع إقامة خلافتهم، باستمرار إشغالهم بالصراع مع اليهود بدلاً من الصراع مع أمريكا والدول الاستعمارية الكبرى التي زرعت كيان يهود في فلسطين.
فالمرسوم الرئاسي الأمريكي الجديد باعتبار اليهودية قومية هو امتداد طبيعي لوعد بلفور، وفيه دلالة سياسية واضحة على استمرار تسخير اليهود واستخدامهم في تحقيق المصالح الأمريكية والغربية، واستمرار الزجّ بهم في أتون الصراع الكبير مع الأمّة الاسلامية، والتلاعب بمصيرهم، والمُقامرة بمُستقبلهم.
إنّ قيام دولة الاسلام في المُستقبل القريب هي مسألة وقت، وإنّ صحوة الأمة الإسلامية من كبوتها أمرٌ بات يُدركه أعداء الإسلام جيداً، ولم يعُد ينطلي على المُسلمين تكرار تعمية الحقائق، وتعمد قلب المفاهيم، فالإسلام حقيقةً هو خيار المسلمين الأوحد، وليس القوميات والوطنيات، وفكرة القومية اليهودية فكرة استعمارية قديمة هدفها حرف الصراع الإسلامي الاستعماري عن مساره، وتحويله عن جانبه المبدئي، واختزاله بالطابع القومي أو الوطني، أي أنّ هدفه الحقيقي هو إبعاد الإسلام عن ساحة الصراع، لإبقاء المسلمين في حالة ضعف، ولاستمرار تفوق أعدائهم عليهم.
لذلك كان لزاماً على اليهود أنْ يدركوا جيداً انّ تحويل اليهودية إلى قومية سيؤدي في المُستقبل إلى فنائهم وزوالهم خدمةً للغرب المُستعمر، وإنّ من مصلحتهم أنْ لا يُعرّفوا كقومية وإنّما يُعرّفوا كدين، وذلك كما كانوا مُنذ آلاف السنين، لأنّ النظر إليهم باعتبارهم قومية فيه مقتل مُحقّق لهم إن عاجلاً أو آجلاً، وإنّ المسلمين لن يغفروا لهم سيرهم وتواطؤهم مع الغرب الرأسمالي المُستعمر ضدهم، وعليهم أنْ يُدركوا أنّ الغرب قد استخدمهم شر استخدام، وما زال يستخدمهم، وأنّ المستقبل للإسلام، وسيهزم الجمع الرأسمالي الاستعماري قطعاً أمام المُسلمين، وسيُولون الدبر.
والمسلمون اليوم باتوا يدركون حقيقة أنّه بالإسلام فقط يُمكن أنْ تنهض الأمة، وأنّ به وحده يُمكن أنْ تستعيد هُويتها وعزتها وكرامتها وانتصارها.

القمة الخماسية في ماليزيا : آمال عريضة ونتائج مخيبة


اجوبة اسئلة : القمة الخماسية في ماليزيا : آمال عريضة ونتائج مخيبة


الجمعة، 6 ديسمبر 2019

حلف الناتو ... سبعون عاما من العدوان والاستكبار




اجوبة اسئلة : حلف الناتو ... سبعون عاما من العدوان والاستعمار


روسيا تحولت إلى عصا أمريكية غليظة لجلد الشعوب


روسيا تحولت إلى عصا أمريكية غليظة لجلد الشعوب




تزايدت في الآونة الأخيرة حالات التدخل العسكري الروسي في بلدان إسلامية مضطربة، وفي بلدان أخرى غير إسلامية، وظهرت أنشطة مُريبة لشركة أمنية روسية تُسمّى "فاغنر" في دول عدة، منها سوريا وليبيا والسودان وأوكرانيا وأفريقيا الوسطى وموزمبيق؛ ففي 19/9/2019م انتشر فيديو إجرامي مُروّع على وسائل التواصل يظهر فيه عناصر من "فاغنر" يقومون باستجواب جندي سوري فرّ من الخدمة العسكرية بأساليب وحشية فظيعة، حيث قاموا بقطع رأسه، وتقطيع أطرافه، وتعليق جثته بالمقلوب، ثمّ حرقوا جثته، ولعبوا برأسه كرة قدم، ولم تُنكر الحكومة الروسية الحادث لكنّها قالت بأنّها غير مسؤولة عن تصرفات شركة "فاغنر" بحجة أنّها شركة خاصة.
ومن المعروف لدى المراقبين أنّ شركة "فاغنر" أسّسها شخص روسي مُقرب من الرئيس الروسي بوتين، وتقوم بأعمال مُساندة للجيش الروسي في الدول التي تعمل فيها، وتتولّى القيام بالمهمّات القذرة التي لا تقوم بها الجيوش الرسمية.
ويبدو أنّ شركة "فاغنر" هي امتداد حقيقي لشركة "بلاك ووتر" الأمريكية التي توقفت أعمالها بعد افتضاح أمرها، وإثارة الضجة حول علاقة أعمالها الإجرامية بالدولة الأمريكية، ومن ثمّ مُساءلة الكونغرس للحكومة عن مدى مشروعية وجودها، ممّا اضطرّها إلى التوقف عن العمل، وتوريثه إلى شركات أخرى كشركة "فاغنر" الروسية التي تولت المهام نفسها التي كانت تقوم بها شركة "بلاك ووتر".
إنّ شركة "فاغنر" الروسية قد أثبتت قدرتها على القيام بالأعمال الأمنية القذرة في أماكن عدة، وفي هذه الأثناء تُقاتل عناصرها المرتزقة إلى جانب قوات عميل أمريكا القوي في ليبيا خليفة حفتر في محيط العاصمة الليبية طرابلس الغرب ضد قوات السرّاج المُوالي لأوروبا، وذلك بعد أنْ عجزت قوات حفتر عن اختراق دفاعات المليشيات الموالية للسرّاج، وقال مسؤولون ليبيون من طرابلس الغرب تعليقاً على أعمال "فاغنر": "إنّ ليبيا تتعرض لغزو روسي"، وإن الحكومة الروسية نفسها تقوم بأعمال غير قانونية في ليبيا كطباعة 11 مليار دينار ليبي لصالح حفتر ليشتري السلاح من روسيا.
وتقوم الحكومة الروسية بتغطية مُعظم جرائم شركة "فاغنر"، كما تقوم بتخطيط وتحديد أماكن عملها، وتأذن لعناصرها بالدخول إلى مناطق خاضعة للجيش الروسي نفسه، وأمّا أمريكا فتغض الطرف عن أعمالها غير القانونية لأنّها تُحقّق لها مصالحها، وواضح أنّ كل تدخلات روسيا العسكرية وتدخلات "فاغنر" كانت لصالح عملاء أمريكا مثل بشار الأسد وخليفة حفتر.
فروسيا التي تملك مقعداً دائماً في مجلس الأمن، وتملك حق النقض الفيتو تستطيع التملص من ضغوط المجتمع الدولي على جرائمها وجرائم شركاتها الأمنية مثل شركة "فاغنر"، وتملك جيشاً قوياً يؤهلها للتدخل في مناطق الصراع وحسم المعارك لصالح الجانب الذي تتدخّل لمساعدته، ولا يوجد في نظامها السياسي شفافية وهيئات ومرجعيات دستورية وقانونية لمحاسبتها على همجيتها ووحشيتها في خوض الحروب، وقتل المدنيين، وتهجير الملايين، كما تفعل في سوريا، فنظام الحكم فيها فردي مُستبد ولا قيمة فيه للمُحاسبة والمساءلة، وهو من هذه الجهة شبيه بالأنظمة العسكرية الدكتاتورية.
ومعلوم أنّ روسيا تدخلت في سوريا بعد اجتماع الرئيس الأمريكي السابق أوباما بالرئيس الروسي بوتين في أيلول من العام 2015، وكان لتدخلها الأثر الأكبر في بقاء نظام بشار الأسد بعد أنْ كان على وشك السقوط.
لقد وجدت أمريكا في روسيا ضالتها، فهي تملك القوة الحاسمة التي تمنع سقوط الطغاة، وفي مقدورها كسر حدة الثورات المقلقة لأمريكا، لذلك استغلتها أمريكا، ووظّفت قوّتها في أماكن الصراع المختلفة لخدمة مصالحها، مُقابل شيء من الفتات وبعض القواعد العسكرية.
وما أفاد أمريكا في استخدام روسيا وتحقيقها لسياساتها الخارجية وجود صفتين تمتاز بهما روسيا يؤهلانها للتدخل في الصراعات القائمة في المنطقة؛ أما الصفة الأولى فهي توافقها مع أمريكا في مُحاربة الإسلام تحت مُسمّى مُحاربة (الإرهاب)، وأما الصفة الثانية فهي طمعها في الحفاظ على موقعها في الموقف الدولي، ورضاها بالقيام بتأمين مصالح الدولة الأولى لقاء إبقاء وجودها الفاعل في المجتمع الدولي، وكون روسيا دولة رأسمالية فلا يضيرها أنْ تقوم بهذه الأدوار القذرة ضدّ الشعوب طمعاً بالبقاء إلى جانب أمريكا في المسرح الدولي.
إنّ روسيا دولة عدوة مُجرمة أعلنت الحرب على الإسلام والمسلمين في الشيشان من قبل، وهي لا تختلف في عدائها عن أمريكا، لذلك لا يجوز التهاون في إنشاء العلاقات معها كما تفعل بعض الحركات الإسلامية! كما لا يصح إقحامها في قضايا الأمة، ومن يفعل ذلك تحت أية حجة من الحجج فقد ارتكب جريمةً لا تُغتفر، وفوق ذلك فروسيا اليوم دولة صديقة حميمة لدولة يهود، تُنسّق معها أمنياً في أجواء سوريا، وتمنع أي عمل عسكري يستهدف مواقع دولة يهود في فلسطين المحتلة، ولقد اجتمع رئيس وزراء كيان يهود نتنياهو ببوتين عشرات المرات في السنوات القليلة الماضية لتوحيد الأهداف بين الدولتين، كما أنّ حقد روسيا الصليبي واضح في الأعمال العسكرية التي يقوم بها الجيش الروسي في سوريا، فالبطريرك الأرثوذكسي ظهرت له صور في قاعدة حميميم السورية وهو يُضفي البصمة الصليبية على معارك الجيش الروسي في سوريا.
لقد تحوّلت روسيا بالفعل إلى عصا غليظة بيد أمريكا تجلد بها ظهور المسلمين، وتكسر حدة ثوراتهم، وتدعم طغاتهم، وتلغي إرادة التغيير لديهم، وتبيد خضراءهم، وتُشرّد ملايينهم، وتُشتّت شملهم...
لكنّ المسلمين لن يستسلموا أبداً، ولن يخضعوا، وسيظلون صابرين صامدين بإيمانهم وجهادهم حتى يستأصلوا شأفة عدوهم من الروس والأمريكان ومن والاهم.