الخميس، 22 ديسمبر 2016

الادوار القذرة للامم المتحدة والجامعة العربية في نكبة حلب


تجاوز دور منظمة الأمم المتحدة في نكبة حلب الدور التقليدي لها الذي اشتهرت به والمعروف بالإدانة وإبداء القلق، إلى دور التغطية الكاملة للجرائم الفظيعة التي يرتكبها الطيران الروسي والمجازر الوحشية التي تقترفها عصابات نظام الطاغية بشّار ومليشيات إيران الطائفية المتعطشة لسفك الدماء، ومع علمها اليقيني بأنّ جرائم روسيا والنظامين السوري والإيراني في حلب هي جرائم ضد الإنسانية ترقى إلى مستوى جرائم حرب تستوجب المحاسبة والعقاب، إلاّ أنّ الأمم المتحدة لم تُطالب بمحاسبتهم عليها، وإنّما تُطالب فقط بوقفها، وحتى هذه المطالبة تأتي من باب ذر الرماد في العيون، فقال بان كي مون الأمين العام للأمم المتحدة في بيان له إنه: "منذ إعلان الجيش السوري عن القيام بعملية هجومية للسيطرة على شرق حلب قبل يومين، تكرر ورود تقارير عن حدوث قصف جوي باستخدام أسلحة حارقة وقذائف متطورة مثل القنابل الخارقة للتحصينات"، فهويعلم إذاًباستخدام الطيران الروسي والسوري أسلحة غير تقليدية في قصف حلب، ومع ذلك فهو لم يُطالب بمعاقبة روسيا والنظام السوري على هذا القصف غير التقليدي الذي يُعتبر وفقاً لقوانين الأمم المتحدة نفسها جريمة حرب، وكل ما فعله أنّه دعا الدول الكبرى إلى: "بذل جهد أكبر لوضع حد للكابوس في سوريا"، وتساءل: "إلى متى سيسمح جميع من لهم تأثير في النزاع السوري باستمرار هذه الوحشية؟" فهو أكّد على تلقيه "تقارير فظيعة" عن معاناة المدنيين في حلب جراء هذا القصف، وقال: "أصبحت حلب مرادفاً للجحيم، ونحن جميعاً خذلنا شعب سوريا"، وبناءً عليه فهو يعلم قطعياً بوقوع هذه الجرائم الفظيعة في حلب، ولكنه مع ذلك لا يُطالب بالمحاسبة عليها، ويكتفي فقط بالمطالبة ببذل الدول الكبرى لجهود أكبر لإيقافها!
إن ما يؤكد علم الأمم المتحدة بالجناة الذين ارتكبوا هذه المجازر الوحشية هو ما جاء في تقرير مبعوثها دي ميستورا الذي عرضه على مجلس الأمن والذي ورد فيه: "لدينا تقارير وفيديوهات وصور عن استخدام قنابل حارقة تنتج كرات لهب هائلة بدرجة تضيء الظلام الحالك في شرق حلب كما لو كان نهارا"، وأضاف: "إنّ التحري عن العدد الدقيق للغارات الجوية التي يتم معظمها في الليل أمر غير ممكن"، وتابع: "سمعنا عبارة (لا مثيل له) سواء فيما يتعلق بالعدد أو حجم ونوع القصف"، وأوضح: "المدنيون في كل مكان بالمدينة يسألون أنفسهم أي مكان على الأرض في هذه المدينة المعذبة من الممكن أن يكون آمناً"، فدي ميستورا إذاً لديه تقارير مُوثقة بالجرائم ولكن ينقصه فقط عدد الغارات الدقيقة، فالدليل موجود لديه ولكن العقوبة غير واردة عنده، بل إنّه لم يقم حتى بالإدانة، وبدلاً من ذلك فهو يقوم بتخويف الشعب السوري من مغبة الاستمرار في مقاومة النظام، ويتنبأ لهم بالمزيد من النكبات إنْ هم استمروا بالثورة فيقول: "إدلب الوجهة التالية للجيش بعد حلب"، وهو مع علمهاليقيني بقيام الطيران الروسي وطيران النظام بغارات كثيرة استخدم فيها قنابل حارقة مُضيئة لا مثيل لها - كما وصف - يعود وبكل صفاقة ليبرئ روسيا والنظام من ارتكاب تلك المجازر التي وقعت في حلب فيقول: "لا يوجد دليل وفق الأمم المُتحدة على أنّ الجثث في شوارع حلب سقطت بنيران النظام".
وأمّا الجامعة العربية فدورها البائس المعروف في مثل هذه الحالات لم يتغير، ولم يزد عن استخدام أسطوانة التنديد والإدانة المشروخة التي اعتادت على استخدامها، فأدانت الجامعة ما يجري في حلب، وطالبت الأمم المتحدة ومجلس الأمن بالقيام بدورهما في وقف عمليات القتل التي تعرضت لها المدينة، فقال أمينها العام أحمد أبو الغيط: "ندين بشدة عمليات القتل التي تعرّض لها المدنيون في مدينة حلب السورية على مدى الأيام الأخيرة جراء القصف الجوي الوحشي، وما تبعه من عمليات عسكرية شرقي المدينة تكرس انهيار وقف إطلاق النار الذي سبق أن تم التوصل إليه"، وطالب مجلس الأمن الدولي بـ"الاضطلاع بمسؤولياته الأخلاقية والقانونية وإلزام جميع الأطراف ذات الصلة بالعمل على التوصل إلى وقف فوري وحقيقي لإطلاق النار يسمح بإغاثة وإنقاذ آلاف المدنيين الأبرياء"، وتم الاتفاق على عقد اجتماع (غير عادي) لمجلس الجامعة على مستوى وزراء الخارجية يوم الاثنين 19/12 من الشهر الجاري لمناقشة الوضع في حلب!.
هذا أقصى ما تستطيع الجامعة فعله، وهو الإدانة وعقد الاجتماعات ومطالبة المجتمع الدولي، وبذلك تكون الجامعة العربية شريكة فعلية إلى جانب الأمم المتحدة في تغطية الجرائم المنكرة للروس ونظام الطاغية بشار وداعميه من مرتزقة إيران في حلب، فبئست هذه الجامعة الفاشلة التي تعكس بدقة هذا العجز العربي الرسمي، وبئست قراراتها.
إنّ هذه الأدوار القذرة المتكرّرة لمنظمة الأمم المتحدة وللجامعة العربية في تغطية جرائم قوى البغي والعدوان والطغيان في حلب وفي سائر بلدان المسلمين، لا يوقفها إلا قيام دولة الإسلام دولة الخلافة التي ستُنهي وإلى الأبد هذا النظام الدولي الباطل، والذي يمنح الشرعية القانونية لهذه القوى الباطشة بارتكاب الجرائم المستمرة ضد الشعوب المستضعفة، فدولة الإسلام القادمة - بإذن الله لا محالة - هي التي ستستبدل بهذا النظام الدولي الظالم المجرم، نظاماً عادلاً يقوم على أساس أحكام الإسلام، وبها سيُقضى على الأمم المتحدة وهيئاتها، فيتم إلغاء القوانين الوضعية الدولية الباطلة، وتُزال كل ما تُسمّى بمؤسسات المجتمع الدولي العفنة، فيُنتصف للمظلومين، ويُرفع الظلم عنهم، ويُحمل الإسلام بالدعوة والجهاد إلى جميع الشعوب المحرومة، فيعم العدل والإنصاف، ويُنشر الخير في جميع أرجاء المعمورة

السبت، 17 ديسمبر 2016

القمة الخليجية ودور بريطانيا الاستعماري الجديد في الخليج


القمّة الخليجية ودور بريطانيا الإستعماري الجديد في الخليج

انعقدت القمة السابعة والثلاثون لدول مجلس التعاون الخليجي في العاصمة البحرينية المنامة الأسبوع الماضي، وشاركت بريطانيا فيها ليس بوصفها ضيفة شرف وحسب، بل بوصفها شريكاً استراتيجياً مهمّاً لدول الخليج، وكان حضور رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي لافتاً في القمّة لدرجة أنّ حضورها كان طاغياً على جدول أعمالها، ممّا جعلها قمّةً خليجية بريطانية، وليست قمّةً دورية لدول مجلس التعاون الخليجي.
وبالنسبة للبيان الختامي فكان الجانب المُتعلّق منه بدول الخليج باهتاً ومُستنسخاً من بيانات القمم السابقة، ومُصاغاً بعبارات عامّة فضفاضة من مثل :"الدعوة إلى تسريع وتيرة العمل لإنجاز السوق الخليجية المشتركة والاتحاد الجمركي والربط المائي، وغيرها من المشاريع التنموية التكاملية، وصولا إلى الوحدة الاقتصادية الخليجية الكاملة، بما يعزّز مكانة منطقة مجلس التعاون كمركز مالي واستثماري واقتصادي عالمي"، وهو كلام مُكرّر وباهت ولا واقع له.
أمّا المُهم في هذه القمّة فكان ما تعلّق منها بدور بريطانيا الجديد في الخليج، وتمّ إطلاق (الشراكة الإستراتيجية) الكاملة بين دول المجلس وبريطانيا في المجالات السياسية والعسكرية والأمنية والتجارية.
ففي الجانب العسكري والأمني تحدّثت رئيسة الوزراء تيريزا ماي فقالت إنّ: "أمن الخليج الآن هو أمننا، ولذلك فنحن نستثمر هناك. ولا يتعلق الأمر بالقوة العسكرية فقط، إذ ينبغي علينا العمل معا للرد على التهديدات المتنوعة، ولذلك سنتوصل إلى اتفاقات تعاون جديدة ".
وزارت رئيسة ماي فور وصولها إلى البحرين إحدى قطع البحرية البريطانية في الخليج المسمّاة "إتش إم إس أوشن" في قاعدة ميناء خليفة بن سلمان، وتحدثت إلى الجنود عن :"رؤية عالمية للمملكة المتحدة تساهمون جميعكم بدور فعال في تنفيذها"، وذكّرتهم بأن: "منطقة الشرق الأوسط تحتوي على ثلث النفط في العالم، و15% من صادرات الغاز"، وبأنّ: "حماية التدفق التجاري الذي تحظى به المنطقة عبر البحر أمر غاية في الأهمية لضمان استقرار سوق الطاقة، والتأكيد على أن المملكة المتحدة تمتلك أمن الطاقة".
وكانت بريطانيا قد بدأت العام الماضي بناء قاعدة  الجفير البحرية في ميناء سلمان خارج العاصمة البحرينية المنامة، وهي أول قاعدة دائمة لها في الشرق الأوسط منذ أربعة عقود، ومن المتوقع أن تكون الجفير هي القاعدة الأم، وتُصبح مركزاً للقوة البحرية البريطانية بصورة رئيسية، على أن تحتضن قاعدة المنهاد في دبي القوة الجوية البريطانية، بينما تكون القوة البرية وقاعدة التدريب للجنود في سلطنة عمان.
 وهكذا أعلنت بريطانيا عن عزمها ضمان وجود دائم لقواتها المسلحة في المنطقة، فقالت ماي:"إنّ أمن  منطقة الخليج العربي بات أمرا هاما أكثر من أي وقت مضى بالنسبة إلينا"، كما وتعهدت بتخصيص ثلاثة مليارات جنيه إسترليني لتحقيق مشاريع دفاعية في منطقة الخليج، وأعلنت أنّ نفقات بريطانيا على مثل تلك المشاريع في الخليج أكثر من نفقاتها في أي منطقة أخرى من العالم.
وكشفت صحيفة التايمز البريطانية قبل أيام عن أن البحرية الملكية بدأت تتولى القيادة في الخليج بدلاً من الولايات المتحدة، وأشارت الصحيفة إلى أن المدمّرة البحرية البريطانية «اتش. ام. اس. اوشان» تولّت للمرة الأولى عملية القيادة بدلاً عن حاملة الطائرات الأميركية «يو. اس. اي. ايزنهاور» في الخليج والتي غادرت المنطقة، وتستضيف «اتش. ام. اس. اوشان» مركز القيادة لسبع قطع بحرية في المنطقة، منها أميركية وفرنسية، وتغطي عملياتها مساحة ما يقارب 2.5 مليون ميل بحري، ومن جهةٍ أخرى وفي سياقٍ أمني آخر كشفت صحيفة تلغراف عن خطط بريطانية لدعم الإجراءات الأمنية في مطارات دول الخليج، بموازنة تقدر بملايين الدولارات، وذكرت أنه سيتم إرسال خبراء جرائم إلكترونية إلى المنطقة لمساعدة دول الخليج على تعزيز أمنها الإلكتروني.
وخطبت ماي أمام الحاضرين فقالت : "جئت اليوم لأن لدينا تاريخاً حافلاً من المعاهدات السابقة بين بريطانيا ودول الخليج، ونود أن نثبت للعالم بأكمله أن لدينا العديد من الفرص التي سنستغلها معاً"، وأضافت:" أمن الخليج هو أمن بريطانيا أيضاً، والإرهاب الذي يستهدف دول الخليج يستهدف شوارعنا أيضاً ".
والتزمت ماي بالتصدي لما أسمته بالخطر الإيراني فقالت:"إنني مفتوحة العينين حيال التهديد الذي تمثله إيران للخليج والشرق الأوسط على نطاق واسع"، وتعهدت بـــــ"العمل سوياً لردع تصرفات إيران العدوانية في المنطقة سواء كان ذلك في لبنان، اليمن، سورية، أو الخليج"، وبدوره قال وزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون: "عندما ننظر إلى ما يحصل في اليمن، فإن يد إيران ظاهرة بوضوح"، وبذلك تكون بريطانيا قد تبنّت وبشكلٍ علني خطّاً مُتصلباً واضحاً تجاه إيران يختلف تماماً عن الخط الأمريكي والأممي المُتواطئ معها.
وأمّا على المُستوى التجاري والاقتصادي فقد تمّ الإتفاق على تشكيل مجموعة عمل مشتركة لترتيب العلاقات التجارية، ولعقد مؤتمر خليجي بريطاني العام المقبل في لندن، والتوصل إلى ترتيبات للتجارة الحرة مع دول الخليج الست، وذلك في أعقاب تنفيذ خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وقد تمّ الكشف عن قيام الحكومة البريطانية بتهيئة الأرضية لدفع العلاقات الاقتصادية في المستقبل إلى مستويات أعلى، ومنح الشركات البريطانية فرصاً ومشاريع استثمارية مهمة في دول الخليج، تشمل 15 قطاعاً بقيمة 30 مليار جنيه إسترليني على امتداد خمسة أعوام، ووصفت ماي هذه العلاقات المُستقبلية بقولها: "رخاؤكم هو رخاؤنا تماماً مثلما أن أمن الخليج هو أمننا"، كما أكّدت على أن بريطانيا تعمل حاليًا على جعل العاصمة البريطانية لندن "عاصمة للإستثمار الإسلامي"، ونبّهت إلى أنّ :"دول الخليج تعد أكبر مستثمر في بريطانيا، وثاني أكبر سوق تصدير لدى بلادها خارج أوروبا وتبلغ قيمة الاستثمارات الخليجية في بريطانيا 150 مليار جنيه إسترليني، في حين بلغ حجم التجارة الثنائية بين دول مجلس التعاون وبريطانيا العام الماضي أكثر من ثلاثين مليار جنيه إسترليني.
إنّ هذه الاتفاقيات وهذه البيانات وهذه التصريحات لا شك أنّها تؤكّد بأنّ بريطانيا قد عادت إلى المنطقة بوجه استعماري سافر، مُستغلّةً ما قد يبدو أنّه شكل من أشكال الإنكفاء الأميركي بعد فوز ترامب بالرئاسة، ومُستفيدةً من التحرر من قيود الاتحاد الأوروبي بعد خروجها منه، لذلك جاءت ماي لتُعيد ترتيب أوضاع توابعها في الخليج، ولتؤكّد على نفوذها كدولة صاحبة نفوذ عريق فيها، ولتملأ فراغاً استراتيجياً مُتوقّعاً حُدوثه في المنطقة.

الأربعاء، 14 ديسمبر 2016

الغنوشي يحرف الكلم عن مواضعه

                                                                               خبر وتعليق
                                                                الغنوشي يُحرّف الكلم عن مواضعه
الخبر: 
في مؤتمر حوارات المتوسط في روما الذي عُقد برعاية الخارجية الايطالية وبحضور أكثر من خمسين وزير خارجية ما بين ٨/١٢  و١٠/١٢ من الشهر الجاري تحدّث رئيس حزب النهضة التونسي راشد الغنوشي عن موقفه في عديد من القضايا فقال: " ان الارهاب والتطرف لا مكان لهما في الاسلام الاصيل" وزعم أنّ " التفسير المدمر للاسلام لا يمكن أن أن يُهزم إلا من خلال الأفكار الديمقراطية والحرية" وأضاف " التحدي الآن هو جعل الإسلام قوة معتدلة قائمة على التسامح لهذا السبب يجب علينا محاربة التطرف وأعني هنا التفسير غير الصحيح للإسلام، فمفهوم الجهاد يُمكن أن يُفسر بشكلٍ مختلف، والمتطرفين يرون أنها المعركة ضد غير المسلمين، ولكن هذا ليس صحيحاً" وقال بأنّ:" الاسلام طوال تاريخه قد اعترف بحرية العقيدة" وادًّعى أنّ الحضارة الاسلامية في العراق أو دمشق كانت تقوم على أساس تعددية الأديان التي كانت دائماً مكفولة".
التعليق:
إنّه لمن المثير للغرابة أن يتحدّث شخص كالغنوشي الذي يُعتبر رئيساً لحركةٍ إسلامية عن الإسلام بهذا المنطق المُعادي للفكر الإسلامي، وكأنّه شخص لا ينتمي إلى أمة الاسلام، فهو يتحدث من منطلق الفكر الغربي الديمقراطي الذي يُناقض الإسلام في قواعده وأصوله، يتحدث كمستشرق حاقد كل همه الطعن بأحكام وأفكار الإسلام، فقوله مثلاً  إنّ التفسير المدمر للاسلام لا يهزم الا من خلال الأفكار الديمقراطية والحرية على حد زعمه، يحصر مقياس الافكار الصحيح بميزان المفاهيم الغربية المناقضة لمفاهيم الاسلام،  فيجعل من الديمقراطية التي تجعل التشريع للبشر وليس لله هي الأساس والمقياس عنده،  وليس العقيدة الاسلامية التي لم يأتي على ذكرها، ثمّ إنّ قوله بأنّ الحضارة الاسلامية تقوم على أساس تعددية الأديان فهو كذب وتزوير للتاريخ، فالحضارة الاسلامية هي مفاهيم اسلامية منبثقة عن العقيدة الاسلامية، ومقياسها الحلال والحرام ولا مكان للحرية فيها لا من قريب ولا بعيد، فأي تلفيق هذا الذي يقوم به الغنوشي ليسترضي زعماء الكفر في مؤتمراتهم.
والأنكى من ذلك كله أنّ الغنوشي يُفسّر الجهاد تفسيراً عجيباً غريباً يسترضي فيه الكفار، فيدعي أنّ تفسير الجهاد بأنّه ضد غير المسلمين ليس صحيحاً، فهو أولاً لم يستخدم كلمة الكفار حرصاً على مشاعر الحضور الكفار، وثانياً ينفى أن يكون هناك جهاد ضد غير المسلمين، وكأنّه لم يقرأ عشرات النصوص القطعية عن الجهاد ضد الكفار في الكتاب والسنة، أو على الأصح فهو قرأها لكنه لم يجرؤ على ذكرها، فأي تحريف وتلبيس للمفاهيم هذا الذي يفعله الغنوشي؟ وأين هم رجال حركته الإسلامية من هذا الشطط في تناوله للفكر الإسلامي وكأنّه فرع من الفكر الديمقراطي الكافر؟ 
إنّه لعارٌ على الحركة الإسلامية أنْ ينتسب مثل هذا الرجل  إليها، وقد حان الأوان لوضع حدٍ لافتراءاته المُتكررة على الإسلام، وتزلفه للعلمانيين بشكلٍ لم يعُد يُحتمل أو يُطاق.
 

الجمعة، 9 ديسمبر 2016

اضواء على القمة الخليجية البريطانية في البحرين



اجوبة اسئلة حول القمة الخليجية البريطانية



أثر التوجهات ( الشعبوية ) على الوضع الدولي


أثر التوجهات (الشعبوية) على الوضع الدولي
بقلم أحمد الخطواني



برزت في الآونة الأخيرة في الدول الغربية توجهات قومية حادّة تمثّلت في صعود اليمين القومي المتطرف في عدة بلدان أوروبية، وتُوّجت أخيراً بفوز دونالد ترامب في الإنتخابات الرئاسية الأمريكية، ففي بريطانيا أثّر حزب الإستقلال البريطاني بزعامة نايجيل فاراج على نتيجة الاستفتاء الذي تمّ إجراؤه حول بقاء أو خروج بريطانيا من الإتحاد الأوروبي، وكانت النتيجة مفاجئة لبريطانيا ولأوروبا على حدٍ سواء وهي خروج بريطانيا من الاتحاد، وبداية تفكّك أوروبا، وفي فرنسا زادت شعبية الجبهة القومية بزعامة ماري لوبان التي تتبنّى سياسات قومية مُتطرفة، وفي نفس الوقت فاز فرانسوا فيون الذي يُمثّل أقصى اليمين في الإنتخابات التمهيدية لحزب التجمع من أجل الجمهورية على ألان جوبيه الذي يُمثّل تياراً وسطياً في الحزب، في حين تُظهر الاستطلاعات تراجع شعبية الحزب الاشتراكي الحاكم، وهو ما أدّى إلى تنازل الرئيس الفرنسي فرانسوا أولاند عن الترشح للإنتخابات الفرنسية بعد أشهر، وكذلك نجحت أحزاب يمينية مُتطرفة أخرى في عدّة دول أوروبية في الوصول إلى سدة الحكم، ورُبّما ستفوز أحزاب يمينية مُماثلة أخرى في المُستقبل خاصة بعد فوز ترامب في أمريكا.

لقد عزّز فوز دونالد ترامب بالرئاسة من قوة التيار القومي (الشعبوي) في أمريكا وفي العالم، فأضاف إلى هذا التيار رافداً حيوياً بات يُهدّد الوضع الدولي الحالي تهديداً وجودياً، ويؤثّر ُفي طبيعة العلاقات الدولية تأثيراً بيّناً، وقد وصف الفيلسوف والمُنظّر الأمريكي المعروف فرانسيس فوكوياما نجاح ترامب بأنّه نُقطة تحوّل مفصلية للنظام العالمي وليس فقط بالنسبة للسياسة الأمريكية، واعتبر أنّ فوزه في الإنتخابات يُدشن عصراً جديدا من القومية (الشعبوية).

ولعل من أهم الأسباب الإقتصادية لبروز تيار ( الشعبوية ) في العالم الغربي يعود إلى أنّ النُخَب الرأسمالية المُؤثّرة في النظام الرأسمالي في الغرب قد وجدت في نموذج العولمة السائد في العلاقات الدولية منذ عقود بداية انتقال الثقل الإقتصادي من الغرب إلى الشرق، واستفادة دول مثل الصين والدول الصاعدة الأخرى، ودول شرق جنوب آسيا من العولمة أكثر ممّا استفادت منها الدول الغربية، فالعولمة سمحت للصين اكتساح الأسواق العالمية، ومكّنت دولاً صغيرة في اسيا وفي أمريكا اللاتينية من التنافس مع الدول الغربية على تصدير السلع الصناعية إلى أهم وأضخم الأسواق العالمية، فلاحظوا مثلاً أنّ انتقال المصانع ضمن فكرة العولمة إلى البلدان الآسيوية مثل كورية الجنوبية وتايوان وماليزيا واندونيسيا والفلبين وفيتنام وغيرها، أدّى إلى خسارة أمريكا والدول الأوروبية لإمتيازات كثيرة، منها مثلاً تراجع دخل الطبقة الوسطى - وهي التي تُشكّل غالبية السكان في الدول الغربية – في أمريكا وبريطانيا بشكلٍ خطير، فظهر أنّ 80 % من العائلات الأمريكية و70 % من العائلات البريطانية لم يتحسّن دخلها من جرّاء سياسات العولمة، فدخلها إمّا أنّه قد تجمّد أو انخفض.

لذلك مالت أغلبية الناخبين في الدول الغربية إلى مصالحها، واتجهت نحو تأييد الأحزاب ( الشعبوية ) التي تضع المصالح القومية فوق كل اعتبار، والتي عادت إلى تبني بعض السياسات الحمائية في الإقتصاد، وتخلت عن سياسلت العولمة وحرية التجارة.

لذلك لم يكن مفاجئاً أنّ ترامب أعلن أنّه سيقوم في اليوم الأول من استلامه للحكم في العشرين من يناير ( كانون ثاني ) المُقبل بإلغاء مشروع الشراكة عبر الهادي الذي وقّعه الرئيس أوباما مع اثنتي عشرة دولة، وليس غريباً أنْ يُصرّح ترامب بأنّه سيعمل على إعادة المصانع الأمريكية إلى الوطن، وأنّه سيُعيد التفاوض حول اتفاقية النافتا مع كندا والمكسيك، وأنّه سيعمل على تعديل بنود منظمة التجارة العالمية التي سمحت للصين بعد دخولها إليها بزيادة نفوذها الاقتصادي في العالم.

فالسياسات (الشعبوية) التي يتبنّاها ترامب مبنية في أساسها على المنافع الإقتصادية، لذلك نجد ترامب في خطاباته يتجاهل النظام العالمي ويعتبر المؤسسات الدولية مجرد أدوات إنْ لم تستفد منها أمريكا فستقوم بإهمالها وإضعاف عملها، فالنظرة لديه اقتصادية بحتة ولا تعنيه كثيراً مصالح الدول الأخرى، حتى أنّه يريد التراجع عن اتفاقيات البيئة كونها تُقيّد إنتاج المصانع الأمريكية.

وفي السياسات الخارجية فأمريكا في زمن ترامب لا تريد الإنغماس في قضايا الشرق الأوسط والمشاكل الأقليمية، ولا تأبه بحقوق الشعوب، ولا تسأل عن القيم الإنسانية، وليست معنية بإضعاف الأنظمة الدكتاتورية، ولا بنشر الديموقراطية، فالإنكفاء إلى الداخل هو جوهر سياستها، وإعادة الوظائف وتقليل البطالة من أهم أهدافها، وتوظيف الآخرين للقيام بأعمالها الخارجية كما تفعل روسيا في سورية من أهم أسس سياساتها الخارجية، وابتزاز دول الخليج بحجة حمايتها عنصر أساسي في علاقاتها الدولية، ومطالبة حلفائها في حلف الناتو بتقديم المزيد من الأموال والإلتزامات هو قوام استمرار تحالفاتها، فهي لا تُريد القيام بشرطي العالم بإمكانياتها وثرواتها، وإنّما تُريد القيام بإدارة العالم من خلال إمكانيات ومُقدرات الآخرين.

وهذه القواعد الدولية الجديدة التي تُريد إدارة ترامب إدخالها لا شكّ أنّها سوف تتصادم مع السياسات ( الشعبوية ) التي بدأت تنتشر لدى الدول الأخرى سواء الدول الغربية أم غيرها، وهو سيؤدي بالضرورة إلى نشؤ صراعات دولية جديدة، بسبب تضارب المصالح الاقتصادية بين التكتلات والقوى الكبرى، وبسبب بروز ظاهرة التعصب القومي لدى الدول والتي تُنتج بالتبع أنظمة قومية غاضبة ومتنافسة، وهو الأمر الذي يؤدي في النهاية إلى تقويض نظريات حرية التجارة والليبرالية والعولمة، والعودة إلى سياسات العزلة والانكفائية والحمائية، وهذا كُلّه سيؤسّس لنشوب حروب دامية، وانهيار دول ومعسكرات وأحلاف ونشؤ أخرى.

ولن ينتهي هذا الإختلال الدولي إلا بوجود قوة عالمية جديدة تقوم على أسس مُغايرة لا تمت إلى الرأسمالية بصلة، ولا تعود القهقرى إلى السياسات الاشتراكية الفاشلة، والأرجح أنْ تنبع هذه القوة الجديدة من المناطق المقهورة التي تصطلي شعوبها بنيران هذه النظريات الوضعية الفاسدة التي ثبُت إفلاسها، هذه الشعوب التي ما زالت حتى الآن تقبع تحت نير تسلط واستعمار القوى الغربية منذ زمن طويل، وأهمّها الشعوب العربية والإسلامية التي تملك سر خلاص عذابات البشرية، والذي يتمثّل بقوة الإسلام الدولية التي بدأت تتململ وتتحرّك لتجد لها في النهاية المكان الذي يُناسب مُستواها ووزنها، فتملأ الفراغ الناشئ عن تصادم تلك المصالح والمنافع، وتُمهّد لإرساء سياسات جديدة مبْنية على الرحمة والعدل، وإعطاء كل ذي حق حقه.




4 / 12 / 2016

الاثنين، 5 ديسمبر 2016

اختلال الوضع الدولي سببه تغييب الاسلام عن المسرح السياسي





اجوبة اسئلة حول موضوع اختلال الوضع الدولي سببه تغييب الاسلام عن المسرح السياسي




اجوبة اسئلة حول مسلمو الروهينغا بين الابادة والتدمير في ظل صمت دولي وتخاذل حكام المسلمين




مسلمو الروهينغا بين الابادة والتدمير في ظل صمت دولي وتخاذل حكام المسلمين




الخميس، 29 سبتمبر 2016

ماذا وراء تصعيد الهجوم الاعلامي على السعودية ؟



ماذا وراء تصعيد الهجوم الإعلامي الإيراني على السعودية ؟





في مقال لاذع نشرته صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية لوزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف بعنوان (دعونا نخلص العالم من الوهابية) هاجم فيه السعودية بِحدّة ومن دون مُواربة، واتهمها بنشر"آيديولوجية الكراهية والموت"، وقال فيه:"إن المملكة هي السبب في زعزعة استقرار المنطقة وليس إيران"، وأضاف:"إن محاولة السعوديين إرجاع عقارب الساعة للوراء، والعودة إلى الوضع الذي كان قائماً في زمن الرئيس العراقي صدام حسين لن تنجح"، وأكّد أنّ:"النزاع السني- الوهابي هو سبب العنف وليس النزاع السني- الشيعي".
وأهميّة نشر هذا المقال في هذا التوقيت آتيةٌ من جهتين: كونه نُشِر في أهم صحيفة أمريكية وهي صحيفة النيويورك تايمز، وكون ظريف يقف على رأس الدبلوماسية الإيرانية، فهجومه الناري هذا ضد السعودية، واعتبارها السبب في زعزعة أمن المنطقة، ونشر الإضطراب فيها، قد ألقى بظلالٍ قاتمةٍ على العلاقات المُتوتّرة أصلاً بين السعودية وإيران.
وتزامن هذا الهجوم الإيراني الرسمي على السعودية مع صدور قرار من الكونغرس الأمريكي، وبالأغلبية الساحقة، يقضي بإدانة السعودية، وإثبات ضلوعها في أحداث 11 أيلول/سبتمبر عام 2001، فهذا التزامن لم يأت اتفاقاً، فهو أمرٌ مقصود لذاته.
وكانت إيران قد بدأت في تصعيد لهجتها ضدّ السعودية عندما قال مرشدها علي خامنئي في 5 / 9 / 2016 :"إنّ على العالم الإسلامي إعادة التفكير بطريقة جوهرية في طريقة إدارة الحج، معللا ذلك بسبب السلوك القمعي لحكام السعودية تجاه ضيوف الرحمن"، ووصف السعودية بــــــ"الشجرة الملعونة".
وهاجم الخطباء الإيرانيون بدورهم السعودية، فقال آية الله أحمد خاتمي أمام آلاف المصلين:"إنّ آل سعود قد أساؤوا لكل الإيرانيين، ولمن يسعى إلى إحياء الإسلام المحمدي الصحيح"، ووصف حكام السعودية بأنهم "خائنو الحرمين الشريفين"، وهاجم بدوره المرجع الديني الشيعي ناصر مكارم شيرازي السعودية ووصفها بأنّها"مركز الوهابية"، وقال بأنّ هناك فتاوى وكتبا تعتبر الوهابية:"ليست من الإسلام"، وبأنّها تُمثّل:" أكبر الأخطار المحدقة بالعالم الإسلامي والبشرية"، طبقاً لما نقلته عنه وكالة تسنيم الإيرانية.
وردّ مفتي عام السعودية الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ على تصريحات خامنئي متهما إياه بـــ"العداء للإسلام"، والتحدث من منطلق الخلاف مع الطائفة السنية وقال:" إن تهجّم خامنئي على السعودية أمر غير مستغرب، ويجب أن نفهم أن هؤلاء ليسوا مسلمين، فهم أبناء المجوس، وعداؤهم مع المسلمين أمر قديم، وتحديدا مع أهل السنة والجماعة."
أمّا الموقف الأمريكي من هذا التصعيد المتبادل فهو موقف مُشجّع لإيران، ومنحاز لها، فأمريكا على سبيل المثال لا تُدخل الميليشيات الشيعية الطائفية المدعومة من إيران في خانة الإرهاب مهما ارتكبت من أعمال إرهابية وإجرامية، وإنّما تقتصر فقط في إطلاق صفة الإرهاب على المجموعات ( السنيّة )، وتنحاز أمريكا في اليمن لصالح الحوثيين المدعومين من إيران ضدّ رغبة السعوديين، فقد أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) في وقتٍ سابق:"أن دعمها للمملكة العربية السعودية في حرب اليمن أصبح متواضعا بعد تصاعد القتال مجدّداً في الفترة الأخيرة"، وأكّدت أنّ دعمها لها:"ليس شيكاً على بياض"، وذلك وفقاً لما نقلته الــــــ CNN، ومن جهتها كشفت رويترز في تقرير لها أنّ الولايات المتحدة سحبت عسكرييها من خلية استشارية في السعودية، ونقلت قول المتحدث باسم البنتاغون آدم ستامب في بيان له: "إنّ فريق خلية التخطيط المشترك الذي كان في السعودية انتقل إلى البحرين من أجل استفادة أفضل"، وفي الوقت الذي تنتقد فيه أمريكا بشدّة تزايد سقوط القتلى من المدنيين بسبب الغارات السعودية، فإنّها تصْمِت عن ذكر القتلى من السعوديين المدنيين الذين يسقطون بسبب الصواريخ التي يُطلقها الحوثيون على المدن السعودية، وقد نقلت مجلة الإيكونوميست تقريراً خطيراً كتبه مندوبها لدى زيارته للجبهة السعودية الجنوبية، قال فيه:"إنّ صواريخ الحوثيين تضرب في وسط المدينة، حتى إنّ إحداها من نوع (كاتيوشا) سقط على بعد أمتار من مقر الجنرال سعد العليان، قائد هذه المنطقة، ودمر نوافذ مكتبه، ودمّر الواجهة الزجاجية لفندق جديد من المقرر افتتاحه بعد بضعة ايام"، وأكّد التقرير:"إنّ أهالي نجران هجروا منازلهم في المدينة إلى أطرافها الشمالية بحثا عن الأمان، وإنّ أكثر من 7000 مواطن جرى اجلائهم من قراهم الحدودية لتأمينهم في أماكن اخرى".
وقد ازدادت حدّة المعارك شراسةً على الحدود اليمنية السعودية، وهو ما أدّى إلى إحراج السعودية، والضغط عليها، لتُقدّم المزيد من التنازلات للحوثيين، فأمريكا من الواضح أنّها تُمارس بحق السعودية سياسة ابتزاز مكشوفة، فتُلوّح لها بتصعيد المعارك في المناطق الحدودية للسعودية، وبزيادة إطلاق الصواريخ الحوثية على مدنها الجنوبية إذا ما تلكأت في قبول شروطها المجحفة، والتي تمّ تسريبها عبر وسائل الإعلام المختلفة، ومن تلك التسريبات ما نقلته شبكةB B C حيث كشفت عن بنود خطة كيري لليمن، وظهر فيها أنّها لا تعترف بحكومة عبد ربه منصور هادي بصفتها تُمثّل الشرعية، كما تصفها عادةً وسائل الإعلام السعودية، وقد بدت الخُطّة منحازة تماماً للحوثيين، وهي تُقسّم السلطة إلى ثلاثة أثلاث، ثلث لحكومة هادي، وثلث للحوثيين، وثلث لجماعة علي عبد الله صالح.
إنّ أمريكا تستخدم إيران بِحِرَفية سياسية عالية لإبتزاز السعودية، ولجعلها تُسرّع في اتخاذ الخطوات المطلوبة باتجاه تغيير سياساتها القديمة، ولحملها على التخفيف من تحكّم الفكر الوهابي في خطابها الديني، لذلك فهي تُسلّط إيران عليها، وتجعلها تُهاجم بشدة الفكر الوهابي الذي تلتزم به السعودية، ويُحاول الأمير محمد بن سلمان عرّاب أمريكا الجديد داخل السعودية إرضاء أمريكا بكل ما يستطيع في مواجهة المؤسّسة الدينية السعودية القوية، وقد اتخذ إجراءات قاسية جديدة ضد هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في السعودية لإضعافها ثمّ لإلغائها نهائياً.
فأمريكا في الظاهر تُعلن أنّها تقف مع السعودية، لكنّها في الحقيقة تميل لصالح إيران، فمنذ توقيع الإتفاق النووي مع إيران تعمل أمريكا بوضوح على تقوية ميليشيات إيران في سورية والعراق واليمن، وتقف بجانب شيعة البحرين، فتُدافع عنهم بحجة الدفاع عن الحريات، وتمنع السعودية من تقديم المساعدات للفصائل ( السنّية ) التابعة لها في سورية، بينما لا تعترض ولو بكلمة واحدة على نشاط الميليشيات الشيعية الطائفية الإيرانية والعراقية والأفغانية في سورية، في حين تسمح لروسيا بتنسيق عدوانها على ثورة الشام مع إيران وميليشياتها، ولا تُسجَل أي اعتراض على ذلك.
إنّ أمريكا تنحاز كلامياً إلى جانب السعودية بينما تنحاز فعلياً إلى جانب إيران، والدليل على ذلك أنّ ما يُسمّى بالحشد الشعبي التابع لإيران في العراق يتحرك بحرية، بل وأحياناً تُنسّق معه أمريكا عملياتها من الجو، وأنّ الميليشيات التابعة لإيران في سورية لا تعترض أمريكا على وجودها بالرغم من كونها ميليشيات أجنبية من جنسيات غير سورية، وأنّ الحوثيين في اليمن كلما تراجعت قواتهم في الجبهات، وأوشكوا على الهزيمة، تحرّكت أمريكا، وتحرّك معها مبعوثها الأممي، وسارع إلى إنقاذ الحوثيين بإبرام هدن جديدة لإعادة تجميع قواهم، والعودة للقتال من جديد وبكفاءة أكبر، لدرجة أنّ أمريكا قد أوقفت إمدادات السعودية بالقنابل التي تستخدمها ضد الحوثيين المدعومين من إيران.
إنّ النظام في إيران تابع لأمريكا بنفس مستوى تبعية النظام السعودي لها، ولكنّ الفرق بينهما من منظور المصالح الأمريكية أنّ المصالح الحقيقية لأمريكا تتحقّق بشكلٍ أكثر نجاعةً مع إيران، لكونها قدّمت لها - وما تزال - خدمات هائلة من ناحية جيوسياسية في العقود الثلاثة الماضية في أفغانستان والعراق وسورية واليمن ومنطقة الخليج، في حين لم تنظر أمريكا للسعودية إلا بوصفها بقرة حلوب بدأ ضرعها بالجفاف والنضوب.
إنّ سير حكام السعودية وإيران مع المخطّطات الأمريكية لن يُفيد لا إيران ولا السعودية لا في تحقيق مصالح الشعوب، ولا حتى في تحقيق مصالح الحكام في البلدين، فأمريكا عند إنتهاء مصالحها تركل تلك القيادات برجلها، وتبحث عن مصالحها لدى قيادات جديدة، فعمالة القيادتين الإيرانية والسعودية قد حوّل الدولتين إلى خادمتين تابعتين ذليلتين لأمريكا في سياساتها الإقليمية، وإنّ استخدام إيران للشعارات الرنّانة لن يُسعفها في كسب قلوب الجماهير المخدوعة في المدى المنظور، كذلك استخدام السعودية للّعب على الوتر الطائفي لن يُفيدها في تغطية ولائها لأمريكا، وإنّ خيانة هذه القيادات في البلدين سيدفع الشعوب الإسلامية إنْ عاجلاً أم آجلاً للإنتفاضة عليها، والتخلص منها، لأنّ الأمّة لا تُعطي زمام قيادتها للخونة الذين افتُضح أمرهم، وبانت عوراتهم، وظهرت تبعيتهم للغرب بشكلٍ لا لبس فيه.
أعجبنيعرض مزيد من التفاعلات
تعليق

الأحد، 18 سبتمبر 2016

خطبة يوم عرفة وتلبيس المفاهيم على المسلمين


خطبة يوم عرفة وتلبيس المفاهيم على المسلمين



الخبر:

قال الشيخ عبد الرحمن السديس الرئيس العام لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي في خطبة يوم عرفة: "إنّ الأمّة الإسلامية تمرّ بمرحلة تتطلّب منّا تضامناً وتنسيقاً في مواقفنا لمواجهة التحدّيات"، ودعا قادة الأمّة "لتوحيد كلمتهم والابتعاد عن أسباب الفرقة والشتات" وأشاد بـ"الجهود المضاعفة التي بذلها خادم الحرمين في خدمة الحجّاج"، وهاجم ما أسماه بـ(الإرهاب) فقال: "إنّ العالم ابتلي في هذا العصر بآفة (الإرهاب) الذي عمّ شرّه الأمم والأعراق"، وقال بأنّ "الأمّة الإسلامية ابتليت ببعض أبنائها الذين أغوتهم الشياطين فصرفتهم عن منهج الإسلام المعتدل" على حدّ قوله.

التعليق:

إنّ التضليل الذي يقوم به خطباء السلاطين في دولة آل سعود يرمي إلى إبعاد المسلمين عن أفكار وأحكام الإسلام الطبيعية، كالدعوة إلى وحدة المسلمين في كيانٍ واحد، وكالجهاد في سبيل الله، وكتطبيق شرع الله في كل مجالات الحياة، والاستعاضة عنها بالحديث عن الإسلام في العموميات، وبأفكار ضبابية غير واضحة، والابتعاد عن تحديد المفاهيم الصحيحة، وعدم بلورة الخطاب الإسلامي الموجّه إلى الملايين بما يدفعهم للعمل وفقاً للأحكام الشرعية، وغلبة الجمل الإنشائية على الخطاب، وعدم توضيح الأفكار الدعوية في جُملٍ محدّدة الأهداف، والاقتصار على الجمل ذات المعاني الفضفاضة التي تُشتّت الأذهان، وتصرفها عن الفهم الصحيح المُفضي للقيام بالأعمال. ولو أخذنا خطبة الشيخ السديس في يوم عرفة لجموع المسلمين في ذلك الموقف المهيب كمثال على هذا النوع من الخطابات الرسمية المُحبطة لهمم المسلمين، والمشحونة بكل معاني التضليل والتلبيس، لوجدناها مثالاً مقصوداً وبتعمّد لضرب أهم محاور الخطاب الإسلامي الشرعي. فبدلاً من الحديث عن مفهوم الوحدة بين المسلمين ووجوب قيام دولة الإسلام الواحدة التي تجمع الشعوب الإسلامية في دولة الخلافة على منهاج النبوّة نجده يتحدّث بكلام عام عن (التضامن والتنسيق)، وعن (وحدة الكلمة والابتعاد عن الفرقة والشتات)، من دون أنْ يُحدّد الطريقة والآليات التي تؤدي إلى تحقيق ذلك. وبدلاً من مطالبته الحكام بالعمل على نصرة المسلمين المظلومين في كل مكان بالأفعال، والوقوف معهم بالعمل، وتحرير بلدانهم المغتصبة في فلسطين وكشمير والشيشان وغيرها بالجهاد، ومنع الحكام الطغاة من ارتكاب المجازر ضد الشعوب الإسلامية كما يجري في سوريا والعراق وبورما وأفريقيا الوسطى وغيرها بمواجهتهم، ودعم العاملين على إسقاطهم، نجده يُشيد بـ(خادم الحرمين) على جهوده في (خدمة الحجّاج)! وبدلاً من إطلاق الدعوة للجهاد في سبيل الله، وكف أيدي الكفار المستعمرين عن إيذاء المسلمين واحتلال بلادهم، والتدخّل في شؤونهم، نجده يُهاجم فكرة الجهاد بالتدليس والتلبيس وربطها بفكرة (الإرهاب)! وبدلاً من الدعوة الصادقة لتطبيق شرع الله في كل أنظمة الحياة؛ في الحكم والاقتصاد والاجتماع والتعليم وسائر العلاقات، وإقامة حدود الإسلام من خلال إيجاد دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، نجده يدعو إلى ما أسماه بـ(منهج الإسلام المعتدل) الذي تدعو له أمريكا وفرنسا وسائر دول الكفر والاستعمار! هذه هي طريقة تلبيس المفاهيم على العقول التي يستخدمها خطباء السلاطين كمنهاج عمل يسيرون عليه في ضرب مُقوّمات الخطاب الإسلامي، وفي حرف المسلمين عن القيام بالأعمال الشرعية المطلوبة، وفي إبعادهم عن القيام بأي دور سياسي فاعل، وحصر العمل السياسي بالحكام العملاء الذين يتفانون في خدمة أسيادهم والتآمر على شعوبهم.

السبت، 17 سبتمبر 2016

قمة هانجتشو لمجموعة العشرين والمعالجات العقيمة للإقتصاد العالمي

 قمّة هانجتشو لمجموعة العشرين والمعالجات العقيمة للإقتصاد العالمي


انعقدت الدورة الحادية عشرة لقمة مجموعة العشرين في مدينة هانجتشو شرقي الصين يومي 4 و5 سبتمبر/أيلول 2016، وانطلقت فعاليات القمّة تحت عنوان (نحو اقتصاد عالمى مبتكر ومنتعش ومترابط وشامل)، وبحثت القمّة الأزمات الاقتصادية العالمية في ظل تراجع النمو العالمى، وارتفاع نسبة ديون الدول لمستويات عالية، وعالجت القمّة قضية التنمية، ووضعتها في صدارة عمل السياسة الإقتصادية العالمية.
 وحدّدت الصين - رئيسة القمّة - أربع قضايا تمسّ الإقتصاد العالمي وهي: زيادة فعالية وإنتاجية الإدارة الاقتصادية والمالية، والتجارة العالمية والإستثمارات، والتنمية الشاملة والمترابطة، والعوامل الأخرى التي تؤثر على الإقتصاد العالمي، واتفقت الصين وأمريكا وهما اللتان تملكان أكبر اقتصادين في العالم على دعم العولمة بشكل عام، فدعا الرئيس الصيني شي جين بينغ خلال حفل الإفتتاح إلى بناء "إقتصاد عالمي مفتوح" وعدم السماح بإقامة حواجز تجارية، فيما حضّ الرئيس الأميركي باراك أوباما المجتمعين على:"تحفيز النمو الإقتصادي وتعزيز التجارة الحرة وبناء اقتصاد أكثر عدلاً".
وتُمثّل دول مجموعة العشرين ٩٠ % من الإجمالي العالمى ( للإنتاج القومى )، و٨٠ % من نسبة التجارة العالمية، وثلثي سكان العالم، وتأسّست مجموعة العشرين فى العام ١٩٩٩، وتتألف مـن وزراء الماليـة ومحافظى البنوك المركزية، وتهدف المجموعة إلى الجمع بين الأنظمة الاقتصادية للدول الناشئة والدول الصناعية الكبرى لمناقـشة القـضايا الرئيسية المُتعلّقة بالإقتصاد العالمى، وتضم كل من أمريكا وبريطانيا وكندا وألمانيا واستراليا وفرنسا وايطاليا والصين والهند وكوريا الجنوبية وإندونيسيا واليابان والأرجنتين والبرازيل والمكسيك وروسيا وتركيا والسعودية وجنوب أفريقيا بالإضافة إلى الاتحاد الأوروبى.
وجاء في البيان الختامي لقمّة هانجتشو أنّ هذه القوى: "تؤكد مجددًا معارضتها لكل أشكال الحمائية في مجالي التجارة والاستثمار". وقال الرئيس الصيني شي جين بينغ في ختام القمة :"نحن مصممون على تنشيط التجارة كمحرك للنمو، وبناء اقتصاد عالمي منفتح".، وأشار إلى أن المشاركين في المجموعة اتفقوا على:"تحسين الحوكمة العالمية وتطبيق الإصلاحات المالية المختلفة للوقاية من هذه المخاطر"، وأعلن :"أن قادة أكبر الإقتصادات المتقدمة والناهضة اتفقوا على التصدي لتدابير الحماية التجارية، ووضعوا أول إطار عالمي لقواعد الاستثمار المشترك".
حاولت الصين أنْ تلعب دور الساعي إلى إنقاذ الاقتصاد العالمي المتداعي، مُستغلّةً  تحول أنظار دول العالم إليها لمساعدتها في الخروج من الأزمة المالية التي ما زالت آثارها تضرب إقتصاديات غالبية الدول الكبرى منذ نشوب أزمة عام 2008، وأدرك قادة الصين أنّ دولتهم تستحق ان تلعب دوراً عالمياً مهمّاً يناسب مكانتها كأكبر ثاني قوة اقتصادية في العالم، وظهر الرئيس الصيني شي جين بينغ  في القمّة كزعيم عالمي مؤثّر أمام قادة العالم، وأظهر مكانة الصين كدولة قوية وقادرة ومستعدة للعب دورها في قيادة الاقتصاد العالمي بكل ثقة وجدارة.
 ومن المفارقات العجيبة في هذه القمّة أنّ الصين الشيوعية تفوّقت على أمريكا في الترويج لفكرتي تنشيط التجارة الحرّة وإزالة القيود الحمائية، وهما من أسس النظام الرأسمالي في الوقت الذي لا تزال الصين تُصنّف على أنّها دولة اشتراكية.
 لكنّ الصين تعرّضت لإنتقادات لاذعة بسبب سياسات الإغراق التي تتبعها في التصدير، لا سيما سياساتها المتعلّقة بالفولاذ، وطالبتها الدول في المؤتمر بالعمل على خفض الإغراق الذي تعاني منه سوق الفولاذ العالمية، وأشار البيان الختامي لهذه المسألة دون أن يشير إليها بالإسم، فلفت البيان الإنتباه إلى الآثار السلبية على التجارة والعمال بسبب: "الإغراق الصناعي"، وقرّرت المجموعة إقامة منتدى عالمي حول الإغراق في مجال الفولاذ لتقييم جهود الدول في التصدي له.
إلاّ أنّ ضعف الاقتصاد العالمي ألقى بظلاله على تحمس الدول الرأسمالية لحرية التجارة وللعولمة، فقد أقرّ الرئيس الأمريكي باراك أوباما بوجود إخفاقات بسبب سرعة العولمة فقال: " إنّ كثير من مواطنينا محبطون بسبب سرعة العولمة، ويشعرون بأنهم لا يختبرون فوائد التجارة الدولية"، وأضاف: "يجب أن نعمل معاً لتحفيز النموّ الاقتصادي وتعزيز التجارة الحرة وبناء اقتصاد أكثر عدلاً للجميع"، وهذه ااتصريحات تدل على  إخفاق كبير للفكرة التي كانت أمريكا دائماً تحث العالم على اعتمادها، فالكلام عن مشكلة السرعة في العولمة هو في الحقيقة يُعتبر أكبر دليل على فشل الفكرة نفسها، وفشل النظام الرأسمالي الذي أفرزها.
لقد كشفت القمّة عن وجود مشكلة اقتصادية خطيرة يُستعصى حلّها، وهي مشكلة الحماية التجارية، حيث تضع معظم الدول القيود الظاهرة والخفيّة على انسياب التجارة عبر أسواقها، وتستخدم معظم الدول في مجموعة العشرين التكتلات الإقتصادية المنضوية بداخلها لعرقلة حرية التجارة بدلاً من تسهيلها، بالرغم من أنّها تتحدّث دائماً عن حرية التجارة ومحاربة فكرة الحماية، فأفعال الدول في هذه المسألة تُناقض أقوالها، لذلك أصبحت القوى الاقتصادية الكبرى تُحاول وضع قواعد دولية للحوكمة تكون بمثابة القوانين التي تُجبر جميع الدول على عدم اللجؤ إلى استخدام أسلوب الحماية.
لكنّ هذه القواعد التي يُريدون فرضها على الدول لن تُجدي نفعاً بسبب صعوبة فرضها من ناحية عملية، وبسبب عدم رغبة الدول بالتعاطي معها، فالعالم ليس كياناً واحداً، والمصالح الاقتصادية بين الدول غالباً ما تكون مُتضاربة في هذا الموضوع، ووجود القوانين الداخلية للدول يُعيق عمل تلك القواعد التي لا تقف وراءها قوة موحدة تستطيع إلزام الجميع بالامتثال لها، وهكذا تبقى نجاعة أساليب التصدي لتدابير الحماية محدودة، ويغلب عليها الشعارات والخطابات الإنشائية.
وعلى هامش قمّة العشرين حاولت الدول الكبرى الأخرى - غير أمريكا والصين -  التأثير في المؤتمر والدفاع عن مواقفها التي تحفظ مصالحها التي قد تكون مُهدّدة مثل بريطانيا والتي بسبب خروجها من الإتحاد الأوروبي قد تجد نفسها معزولة، لذلك حاولت إظهار نفسها بأنّها قوة اقتصادية لا تعتمد على الإتحاد الأوروبي، فأرسلت عبر المؤتمر إشارات إلى القوى الإقتصادية الكبرى تُشعرها بقوتها التي تجعلها محل ثقة العالم بها، واستخدمت أستراليا للترويج لها، فقال رئيس الوزراء الأسترالي مالكوم ترنبول: أنا ورئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي ملتزمان بالتوصل إلى اتفاق مبكر للتجارة الحرة كي تكون الأسواق مفتوحة على مصراعيها بين أستراليا وبريطانيا عندما تغادر بريطانيا الإتحاد الأوروبي"، وأضاف: "ينبغي أن يتوصلوا إلى اتفاقات للتجارة الحرة ونحن متحمسون وداعمون ونقدم لبريطانيا كل ما يمكننا تقديمه من مساعدة على المستوى الفني".
وأمّا فرنسا وألمانيا وإيطاليا فكان الاتحاد الأوروبي هو لسان حالها في القمّة، ولم تظهر لها مواقف خاصة بها، وعملت كقوة أوروبية إقتصادية مُوحّدة، وأمّا روسيا فغلب عليها النشاط السياسي لعدم كونها قوة اقتصادية فاعلة في المجموعة، وأمّا باقي دول المجموعة الناشئة كالبرازيل وجنوب افريقيا وتركيا واندونيسيا وكورية الجنوبية والمكسيك والسعودية فلم يظهر لها أي دور مُلفت في القمّة، وبدا وكأنّها استسلمت للقوى الكبرى فيها، وقبلت بأنْ تكون قوى تابعة لها في الاقتصاد.

مؤامرة دولية على ثورة الشام


اجوبة اسئلة على مؤامرة دولية على ثورة الشام



الاثنين، 15 أغسطس 2016

اسرار معارك حلب والدروس والعبر المستفادة منها




اجوبة اسئلة حول اسرار معارك حلب والدروس والعبر المستفادة منها



التقارب التركي الإيراني مؤامرة جديدة ضد ثورة الشام


التقارب التركي الإيراني مؤامرة جديدة ضد ثورة الشام




الخبر:
في مؤتمر صحفي عُقد يوم الجمعة 2016/8/12 في العاصمة التركية أنقرة، بين وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو ونظيره الإيراني جواد ظريف تحدّث أوغلو فقال: "إنّ أمن واستقرار إيران من أمن واستقرار تركيا"، ووجه جاويش أوغلو، الشكر إلى إيران "حكومة وشعبا على وقوفها إلى جانب تركيا ضد محاولة الانقلاب الفاشلة، وقال جاويش أوغلو إنه ونظيره الإيراني: "لم يناما طوال الليلة التي شهدت محاولة الانقلاب"، وإن ظريف اتصل به في تلك الليلة "من 4 إلى 5 مرات ليطمئن على الأوضاع في تركيا، كما اتصل به للسبب ذاته عدة مرات في اليوم التالي لمحاولة الانقلاب. وأوضح جاويش أوغلو أنه أجرى مع ظريف تقييماً للقضايا ذات الاهتمام المشترك، وعلى رأسها التعاون في مجال الطاقة، والسياحة، كما شمل التقييم القضايا السياسية في المنطقة، وقال: "تشاطرنا مع الجانب الإيراني مرة أخرى أفكارنا حول سوريا". وسنعمل خلال المرحلة المقبلة على تقييم مثل هذه القضايا في إطار تعاون أوثق. وأضاف: "هناك قضايا نتفق فيها، من قبيل وحدة الأراضي السورية. فيما اختلفت وجهات نظرنا حول بعض القضايا الأخرى، دون أن نقطع قنوات الحوار وتبادل الأفكار، خاصة أننا أكّدنا منذ البداية على أهمية الدور البناء لإيران من أجل التوصل إلى حل دائم في سوريا". من جانبه، قال وزير الخارجية الإيراني ظريف: "لدينا أهداف مشتركة مع تركيا في المحاربة المشتركة للإرهاب والتطرف والتفرقة... ولدينا اختلاف في وجهات النظر في بعض القضايا، إلا أن لدينا وجهات نظر مشتركة بشأن وحدة التراب وضرورة التصدي لداعش وجبهة النصرة وسائر الإرهابيين"، وذلك وفقاً لما نقلته وكالة أنباء (إرنا) الإيرانية الرسمية. وأشاد ظريف الذي زار مقر البرلمان التركي والتقى أيضا الرئيس رجب طيب أردوغان، بمواجهة الأتراك لمحاولة الانقلاب العسكري، قائلا إن: "الشعب التركي صنع مفخرة لشعوب المنطقة بمقاومته أمام الانقلابيين".
التعليق:
لو عدنا قليلاً إلى الوراء وتذكّرنا تصريحات المسؤولين الأتراك المعادية لإيران والمساندة للثورة في سوريا، وتذكّرنا تصريحات تركية أخرى متودّدة للسعودية ومعرّضة بإيران، وقارنّاها بالتصريحات الحالية لأوغلو وظريف والتي تُظهر وكأنّ الدولتين دخلتا في عهدٍ جديد، وفي حلف جديد، لما صدّقنا أنّ هؤلاء السياسيين ممكن أنْ يُغيّروا مواقفهم بمثل هذه السرعة، وأنْ يُبدّلوا أقوالهم كما تُبدّل بعض الزواحف جلودها، فأردوغان الذي كان يُمثّل دور المناصر القوي لثورة الشام بدأ يتنصل من هذا الدور بشكلٍ تدريجي، وأصبح يُهرول إلى روسيا وإلى النظام الإيراني وهما ألدّ خصمين لثورة الشام متودّداً ومطبّعاً ومديراً ظهره للثوار، وكأنّه لا يعرفهم. لكنّ تصريحات أوغلو وظريف هذه التي أكّدت على عمق العلاقة بين النظامين الإقليميين ليست بمستبعدة على السياسيين الواعين لطبيعة الأنظمة العميلة، فهم يُدْركون أنّه عندما يُطلب من مثل هذه الأنظمة التابعة تغيير خطابها السياسي من النقيض إلى النقيض فإنّها تسمع وتُطيع امتثالاً لأولياء نعمتها، وانصياعاً لأوامر أسيادها. فالأمريكان وجدوا أنّ التقارب التركي الإيراني، ومن قبله التقارب التركي الروسي، أمر لا بُدّ منه من أجل مواجهة الثورة السورية التي يتعاظم أمرها، ويستفحل خطرها، وتستعصي على من يرومها، وأنّ إجهاضها والقضاء عليها يحتاج إلى تنسيق أكبر للمواقف التركية والإيرانية، ويتطلّب توحيد جهود الدولتين، وبشكلٍ علني، للعمل على تقويض الثورة بشكلٍ نهائي في سوريا. لكنّ انتصارات حلب الأخيرة قد أثبتت أنّ الثورة التي استطاعت أن تصمد أمام تآمر أمريكا المُتواصل، وقذائف روسيا المميتة، طوال السنوات السابقة، أقوى من أنْ تَطالها مؤامرة الأقزام عليها، وأنّها ستبقى الصخرة الكأداء التي ستتحطّم عليها كل تلك المؤامرات، فهذه ثورة مباركة لا يُمكن تصفيتها، وهي لن تنتهي ولن تتلاشى طالما أنّها تتحرّك بدوافع الإسلام، وحقيقٌ بمثلها أنْ يُثمر ينعها، وأنْ يتمخّض عنها في النهاية دولةٌ إسلامية حقيقية، تحطّ عن كاهل المسلمين ويلات عقودٍ مريرة وسنوات عجاف، ملأتها الهزائم والنكبات والكوارث، وتُعيد لخير أمّةٍ أخرجت للناس، السناء والدين والرفعة والنصر والتمكين في الأرض، وما ذلك على الله بعزيز.

الخميس، 11 أغسطس 2016

معركة حلب وقلب الموازين


معركة حلب وقلب الموازين





تمكّن الثوار في مدينة حلب من كسر الحصار الخانق المضروب على المناطق الشرقية منها منذ قرابة الشهر، وذلك بعد أنْ كان نظام الطاغية بشّار - وبمساعدة من طيران العدو الروسي - قد تمكّن من قطع طريق الكاستيلو، والذي كان طريق الإمدادات الوحيد لتلك المناطق الخاضعة لسيطرة الثوار منذ أربع سنوات.
فقد خاض الثوار أشرس المعارك مع قوات النظام المجرم، ومع مليشيات إيران في الأيام الأولى من شهر آب/أغسطس الجاري، وتمكّنوا من اجتياح معاقله في حرب مصيرية خاطفة، قلبت كل الموازين المعهودة في الحروب، وأسقطت هيبة النظام، وهيبة داعميه، بعد أن سدّدت له ضربات موجعة في الصميم لم تكن تخطر على باله.
لقد تساقطت قلاع النظام الحصينة في حي الراموسة بمدينة حلب الواحدة تلو الأخرى، وفي زمنٍ قياسي، وأسفر هجوم الثوار الصاعق والمفاجئ على منطقة الكليات العسكرية، والثكنات المنيعة فيها، عن سقوط متسارع لكليات التسليح والمدفعية والبيانات، ولكتيبتي الصواريخ والتعيينات، ولمباني وقاعات الضباط، وأخيراً للكلية الفنية الجوية التي كانت آخر معقل عسكري كبير في الحي سقط بأيدي الثوار، وأدّى الهجوم كذلك إلى قتل المئات من ضباط النظام وجنوده ومرتزقته، كما أدّى إلى هروب جماعي للآلاف من أتباعه، مخلفين وراءهم كميات كبيرة من الأسلحة والذخائر والدبابات والمركبات والتجهيزات العسكرية المختلفة، حيزت كلها كغنائم ضخمة للثوار تُغنيهم وتكفيهم لخوض معارك عديدة وكبيرة في المستقبل.
إنّ نجاح الثوار هذا في فك الحصار عن ثلاثمائة ألف إنسان في مناطق حلب الشرقية، يُعتبر إنجازاً فريداً هو الأول من نوعه منذ بداية الثورة، وإنّ تمكنهم من السيطرة على أكبر مجمع عسكري للنظام في شمال سوريا والذي يُمثّل أهم حصون النظام العسكرية على الإطلاق في المنطقة، يُعدّ إنجازاً غير مسبوق للثوار، وهو الأول منذ ثلاثة أعوام، خاصّةً وأنّه طالما استُخدم - وعلى مدى السنوات الأربع الماضية - في شنّ الحملات العسكرية العدوانية ضد السكان في جميع المناطق الشمالية من البلاد.
إنّ هذا الانتصار المظفّر لا يُعتبر انتصاراً على النظام وحسب، بل هو انتصار على أمريكا، دولة الإرهاب والإجرام، وهو انتصار على روسيا المجرمة الحاقدة، وعلى إيران وحزبها في لبنان، وعلى مرتزقتها من مليشيات مُتعدّدة، لأنّها كلّها تُشارك النظام بشكلٍ حقيقي في الحرب.
وهذا الانتصار لم يكن ليتحقق لولا توحّد فصائل الثورة في هذه المعركة، وتوكل المقاتلين فيها على الله سبحانه وتعالى، واعتصامهم بحبله وحده، وقطعهم لحبال أمريكا وأتباعها وأشياعها، وانفكاكهم عن تعليمات وشروط الدول الإقليمية التابعة.
إنّ معركة حلب هذه هي معركة لكل سوريا، بل هي معركة لكل المنطقة، ولكل المسلمين، وهي معركة مصيرية ومفصلية، إنّها معركة حياة أو موت، خاضها الثوار بشجاعة واندفاع واقتدار، وحقّقوا فيها انتصارات غير مسبوقة، وتحوّلوا بعدها إلى مهاجِمين بعد أنْ كانوا مُدافِعين، وأصبحوا مُحاصِرين بعد أنْ كانوا مُحاصَرين.
وأمّا من ناحية سياسية فقد أسقطت هذه المعركة كل التفاهمات الأمريكية والروسية، والتي كان من بينها إعطاء الضوء الأخضر للنظام بالسيطرة الكاملة على كل مدينة حلب، وسحق الثورة فيها، وفرض الحلول الاستسلامية على المفاوضين.
لقد كشفت هذه المعركة - ولكل الناس - حقيقة الموقف الأمريكي الخبيث والصامت من العدوان الروسي الصارخ على المدينة، وقتلهم بالقنابل السامّة والحارقة، وكشفت كذلك حقيقة الموقف الأوروبي المتواطئ مع الموقف الأمريكي، والذي لم يصدر عنه إلا بعض الإدانات الخافتة لرفع العتب، وكشفت أيضاً حقيقة الموقف الأممي المتآمر على أهل حلب، والذي لم يصدر عن أمينه العام حتى مجرد القلق الذي لا يُجيد سوى إبدائه عند وقوع المصائب.
ولإجهاض هذا الانتصار الذي رفع رؤوس المسلمين وأدخل الفرح إلى قلوبهم، فقد بدأ الحديث يكثر عن هدن جديدة، وعن مفاوضات جديدة، بين المعارضة والنظام، وظهرت تسريبات بشأن اتفاق روسي أمريكي يقضي بفرض هدنة شاملة في مدينة حلب خلال الأيام القادمة، بعد أنْ كان الروس قبل هذا الانتصار يُعلنون على الملأ رفضهم لأية هدنة تتعلق بمدينة حلب على وجه الخصوص، وقد قال الرئيس الأمريكي باراك أوباما يوم الجمعة الماضي: "علينا أنْ نجري تقييماً بشأن ما إذا كنّا سنتمكّن من الوصول إلى وقف فعلي للأعمال العدائية أم لا".
إنّ على الثوار والفصائل المقاتلة أنْ لا ينخدعوا هذه المرة بعروض أمريكا وأتباعها كما انخدع كثير منهم بمثلها في السابق، فعليهم أنْ لا يقبلوا بأية هدنة وبأي تفاوض، فكلها مُغريات مُضلّلة تهدف إلى الحفاظ على النظام المُتداعي وفرضه على الثوار، وقبولهم بالهدن من جديد يعني إعطاء النظام جرعة حياة جديدة لإطالة عمره، وقد أثبتت معارك حلب الأخيرة أنّ هذا النظام لم يعد يقوى على تحمّل ضربات الثوار، وأنّه بلغ من الهشاشة مبلغاً جعله يفقد أعظم تحصيناته من دون أدنى مُقاومة، وأنّ مظاهر الإعياء والإرهاق والإجهاد قد بانت عليه، وكشفت عن حجم التآكل في بنيته العسكرية والسياسية والاقتصادية، وكشفت كذلك عن مدى الهزال الذي أصاب حلفاءه من المليشيات الطائفية المرتزقة الذين لم يعودوا يُحسنون سوى فنّ الهروب من ميادين القتال.
إنّنا ننصح إخواننا الثوار، وعموم قيادات الفصائل، أنْ يستمروا في توحيد بنادقهم في قتال نظام الطاغية الإجرامي حتى النهاية، وأنْ لا يلتفتوا بشكلٍ قطعي إلى أي حل سياسي مهما كان، وندعوهم لأنْ يتوجهوا بعد انتصارهم الميمون هذا مجتمعين إلى العاصمة دمشق، فيقتلعوا أصل النظام من جذوره، وهم بعون الله على ذلك قادرون، وأنْ يقيموا دولة الإسلام؛ الخلاف الراشدة على منهاج النبوة، على أنقاضه، والتي بها فقط تتحقّق أهداف الأمّة في النصر و النهضة والوحدة والتحرير.

الجمعة، 29 يوليو 2016

أهداف قمّة أندروز الجوية


أهداف قمّة أندروز الجوية





شهدت قاعدة أندروز الجوية في ولاية ميريلاند الأمريكية يومي الأربعاء والخميس 20-21 من شهر تموز/يوليو الجاري قمّة عسكرية هي الأولى من نوعها، إذ شارك فيها وزراء دفاع ووزراء خارجية وقادة عسكريون لأكثر من ثلاثين دولة عضو في التحالف الدولي العدواني بقيادة الولايات المتحدة، والهدف المعلن لهذه القمّة هو وضع استراتيجية شاملة لدحر تنظيم "الدولة الإسلامية" حسب ادعائهم. ترأس الجانب العسكري التقني في القمّة الجنرالان مارتن ديمبسي رئيس هيئة أركان الجيوش الأمريكية ولويد أوستن رئيس القيادة الأمريكية الوسطى للشرق الأوسط وآسيا الجنوبية، وترأس الجانب العسكري السياسي فيها آشتون كارتر وزير الدفاع وجون كيري وزير الخارجية للولايات المتحدة. شرح آشتون كارتر للمؤتمرين الأهداف الأمريكية للتحالف فقال: "هناك ثلاثة أهداف رئيسية للتحالف وهي: تدمير المعقل الرئيسي لتنظيم داعش (الوَرَم) في العراق وسوريا، ومواجهة ومطاردة عناصره في الأجزاء الأخرى من العالم، ودعم جهود الحكومات المحلية في حماية شعوبها بالتعاون العسكري والأمني والاستخباري"، وأشار إلى توصل وزراء الدفاع في الدول المشاركة إلى اتفاق يتضمّن "إنهاء سيطرة داعش على مدينتي الموصل العراقية والرقّة السورية"، ووضّح أنّ الاستراتيجية الموضوعة لتحقيق هذا الهدف "تستهدف محاصرة عناصر التنظيم في معقلهم في الرقّة في سوريا، وفي الموصل في العراق"، وبيّن أنّ دول التحالف قد وضعت قبل عام خطة الحملة العسكرية في العراق وسوريا تحت قيادة واحدة، وفوّضت الجنرال شون ماكفارلاند قائداً للعمليات، واعتبر أنّه قد حان الوقت الآن لتقديم المزيد من الدعم لهذه الخطة. أمّا جون كيري فحثّ أعضاء التحالف على تعزيز تبادل المعلومات فيما بينها وقال بـأنّ "هناك حاجة لتكثيف الجهود وإزالة القيود الهيكلية للسماح بمزيد من تبادل المعلومات عن التهديدات"، وأضاف: "إنّ اجتماع واشنطن سعى إلى تجاوز الحواجز البيروقراطية لتسهيل تبادل المعلومات الاستخبارية بين الدول الأعضاء بالتحالف"، وخوّف كيري المشاركين من تنظيم الدولة حتى بعد طرده من معاقله فقال: "إنّ تنظيم داعش مرن وواقعي بما فيه الكفاية، وسيقوم بتحويل نفسه من دولة زائفة إلى نوع من الشبكة العالمية غرضها الحقيقي والوحيد قتل أكبر عدد ممكن من الناس في أكثر عدد من الأماكن". وبالنسبة لتمويل الحرب ضدّ التنظيم فإنّ السفيرة الأمريكية في الأمم المتحدة سامانثا باور أبلغت المانحين بأنّه يتعين عليهم أنْ يزيدوا من مساهماتهم المالية على الفور، وقالت: "إنّ الالتزامات التي قُطِعت اليوم يجب الوفاء بها سريعاً وبشكلٍ كامل، ففي كل حملة إنسانية في الآونة الأخيرة شاهدنا كثيراً من المانحين يُبالغون في الوعود ويتقاعسون في التنفيذ". من الواضح ومن خلال تصريحات المسؤولين الأمريكيين في القمّة، أنّ أمريكا تقوم بابتزاز قادة البلاد العربية والإسلامية المشاركة معها في التحالف في كل شيء حتى النخاع، فمن الناحية العسكرية بيّن كارتر للمسؤولين العرب أنّ حماية شعوب دولهم وعروشهم تستلزم التعاون العسكري والأمني والاستخباري الكامل مع أمريكا، وشدّد كيري على ضرورة إزالة القيود الهيكلية للسماح بمزيد من تبادل المعلومات، بحيث لا تبقى أية معلومة - ولو صغيرة - غائبة عن الاستخبارات الأمريكية، وخوّفهم من خطورة تنظيم الدولة على دولهم في المستقبل إنْ لم يتعاونوا معها بشكلٍ كامل، وأمّا السفيرة الأمريكية في الأمم المتحدة فعالجت الجانب المالي للعلاقة بين تلك الدول وأمريكا، فطالبتهم بدفع الأموال عاجلاً وبشكلٍ مباشر لتمويل الحملة التي تقودها أمريكا ضد التنظيم، وحذّرتهم من مغبة التلكؤ في الدفع، ومن العواقب الوخيمة في حال تأخرهم عن السداد. تُريد أمريكا أنْ تُحقّق نوعاً من الإنجازات ضد تنظيم الدولة لِتكون أكثر إقناعاً في ابتزاز الحكام الخانعين أمام شعوبهم، لكنّ هذا التقدّم لا يعني إنهاء التنظيم كُلياً، فهي ما زالت تستفيد منه كثيراً، وما زالت تقود التحالف بحجة وجوده، لذلك فمن غير المُتوقّع أنْ تقضيَ عليه نهائياً، ولو أرادت لفعلت ذلك منذ زمن بعيد، لكنّها تُريد أنْ تُظهر إنجازات ملموسة في دحره. فأي هوانٍ هذا الذي ابْتُلِيت به شعوبنا بسبب هذه الأنظمة التابعة العميلة؟ وأي خيانةٍ يرتكبها هؤلاء الزعماء بحق شعوبهم، وأي بلاهةٍ يتصفون بها؟ فأمريكا تصنع لنا تحالفاً دولياً، وتُقيم في بلادنا القواعد العسكرية، وتقود جيوشنا في حربها المزعومة ضد تنظيم الدولة لسنوات طويلة، يتم تمويلها من أموالنا وثرواتنا، وتُقدّم هذه الدول الهزيلة لأمريكا - بسبب هذا التنظيم - كل المعلومات الاستخبارية مجّاناً، يقع علينا كل هذا الذل وذاك الصّغار بذريعة وفِرية محاربة تنظيم صغير تعجز كل جيوش بلادنا عن محاربته، فتستعين بأمريكا الدولة المُستعمِرة المجرمة كي تقوم بقيادتنا لمحاربته على حساب دماء شعوبنا، وأشلاء أبنائنا، وقوت عيالنا. فلو كان لدى هذه القيادات العميلة قرارٌ مستقلٌ لوفّرت على نفسها كل هذا العناء، ولقامت هي بمعالجة مشاكلها الصغيرة هذه التي تمّ تضخيمها، ومن دون اللجوء إلى أمريكا أو إلى غيرها، فلدينا المال والعتاد والجنود، ولا ينقصنا إلاّ اتخاذ القرارات الحاسمة، لكنّ المسألة أبعد من ذلك، فالمسألة أنّ هؤلاء الحكام هم أجراء للكافر المستعمر، وأنّ أمريكا استغلت وجود مثل هذه التنظيمات، فهوّلت من شأنها، وجاءت بهذه الذريعة إلى منطقتنا بقضّها وقضيضها، لتسيطر عليها سيطرة مطلقة، ولتفرض نفوذها كاملاً فيها، وتمنعها من التحرّر من قبضتها، وتُحبط ثوراتها، وتُبقيها تحت سيطرة عملاء يتبعون لها، فهذه هي العبارة بأبسط وأوجز معانيها. أمّا بالنسبة لوجود دول كبرى إلى جانب أمريكا مثل بريطانيا وفرنسا وألمانيا في التحالف فتلك مسألة أخرى، فهذه الدول تعلم نوايا أمريكا، وتُدرك مرامي سياساتها الخارجية، وهي تدخل معها لتأخذ نصيبها من كعكة النفوذ، وأمريكا تحتاج إليها لِتُمارس دور القيادة العالمية بمشاركتها، ولِتُمْنَح الشرعية الدولية لأعمالها الاستعمارية، لذلك قامت أمريكا بإطلاع هذه الدول على أعمال قمّة أندروز قبل موعد انعقادها، وكشفت لها عن بعض التفاهمات السرّية بينها وبين روسيا، حيث التقى وزير الخارجية الأمريكي جون كيري بوزراء خارجية بريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا والاتحاد الأوروبي في لندن قُبَيْل القمّة، وأطلعهم على جانبٍ من الاستراتيجية الأمريكية في المنطقة، وتقاسم معهم الأدوار، كلٌ بحسب ثقله ونفوذه، وكنّا نحن - كالعادة - أكبر الخاسرين إن لم نكن الخاسرين الوحيدين، لا لشيء إلاّ بسبب نذالة حكّامنا وخسّتهم وخيانتهم وعمالتهم.