الأربعاء، 29 يونيو 2016

بيان باهت لقمة "منظمة شنغهاي للتعاون" في طشقند



بيان باهت لقمة " منظمة شنغهاي للتعاون " في طشقند





استضافت العاصمة الأوزبيكية طشقند، يومي 23 و24 حزيران/يونيو الجاري اجتماعَ قمةٍ لرؤساء الدول الأعضاء في منظمة شنغهاي للتعاون، وجاء في البيان الذي وقّع عليه زعماء روسيا والصين وكازاخستان وقرغيزستان وطاجيكستان وأوزبيكستان: "تؤكد الدول الأعضاء في منظمة شنغهاي على ضرورة الحفاظ على وحدة سوريا وسيادتها وسلامة أراضيها، كما أنها تؤكد أن التسوية السياسية للأزمة لا بديل عنها، ومن شأنها أن تسمح للشعب السوري بتقرير مستقبله بنفسه". وجدّدت الدول الست تمسكها "بتعزيز الدور التنسيقي المحوري للأمم المتحدة في العلاقات الدولية، وتعزيز دور مجلس الأمن الدولي في إحلال السلام الدولي"، خاصة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وأعرب زعماء الدول الأعضاء في منظمة شنغهاي في بيانهم عن قناعتهم بـ "استحالة محاربة الإرهاب بصورة فعالة إلاّ بتضافر الجهود الدولية"، وأكّدوا "على أهمية وضع مقاربات سياسية مشتركة في محاربة الإرهاب، وإقامة التعاون مع المنظمات الدولية والإقليمية والدول التي تتمتع بصفة المراقب أو الشريك في الحوار مع منظمة شنغهاي، ومع الدول الأخرى، من أجل توفير الظروف الملائمة لتوسيع التعاون في محاربة الإرهاب"، وبالنسبة لمشكلة أوكرانيا فقد جاء في البيان الختامي للقمّة أنّ "الدول الأعضاء في منظمة شنغهاي أكّدت على أهمية تسوية الأزمة في أوكرانيا بالوسائل السياسية وعلى أساس تنفيذ اتفاقات مينسك التي تعود إلى 12 شباط/فبراير عام 2015 بنزاهة". وبالنسبة للقضية الأفغانية فقد أكّد البيان على "أهمية إحلال السلام والاستقرار في أفغانستان في أقرب وقت، باعتبار أن ذلك سيمثل عاملاً مهما لتعزيز الأمن في المنطقة"، وشدّد على دعمه "لتسوية النزاع الأفغاني الداخلي عبر مواصلة عملية المصالحة الوطنية الشاملة"، وجدّدت الدول الست مطالبتها في البيان على ضرورة "حظر نشر الأسلحة في الفضاء" في إشارة إلى نشر منظومات الصواريخ الأمريكية في دول أوروبا الشرقية. هذه هي أهم النقاط التي وردت في بيان منظمة شنغهاي للتعاون في قمتها الأخيرة التي عُقدت في العاصمة الأوزبيكية طشقند، والمدقّق في هذه النقاط يجدها نقاطاً عامّة فضفاضة، صيغت بعبارات إعلامية القصد منها تأكيد وجهتي نظر روسيا والصين في المسائل السياسية. فالتركيز على (وحدة سوريا وسيادتها، واعتماد التسوية السياسية التي يُقرّرها الشعب السوري) فهذه ديباجة روسية تُردّدها باستمرار وسائل الإعلام الروسية لتغطية العدوان الروسي ضد سوريا، وأمّا المطالبة(بتعزيز الدور التنسيقي المحوري للأمم المتحدة في العلاقات الدولية، وتعزيز دور مجلس الأمن الدولي في إحلال السلام) في دول الشرق الأوسط، فهذه ديباجة صينية تستخدمها الصين عادةً في وسائل إعلامها للتأكيد على عدم حل المشاكل الدولية خارج دوائر الأمم المتحدة، وبالتالي عدم إشراكها بالحل، فهي تُريد أن تكون آلية حل المشاكل الدولية تمر دوماً عبر مجلس الأمن ليكون لها دور فيها. وأمّا نقطة مكافحة (الإرهاب) فهي مطلب روسي صيني دولي مشترك، وهو كلام عام تؤيده روسيا والصين كلتاهما، وفيه مزايدة واضحة على أمريكا صاحبة الفكرة الأصلية، فهم يتبارزون في معاداة الإسلام، ويتنافسون في محاربة المسلمين في كل مكان. وأمّا النقطة المتعلقة بأوكرانيا فواضح أنّها صياغة روسية بامتياز، فهي تشرح وجهة النظر الروسية من المشكلة الأوكرانية. وأمّا النقطة المتعلقة بأفغانستان فهي عديمة القيمة، لأنّ مفاتيح حل القضية الأفغانية بيد أمريكا وليس بيد روسيا أو الصين. وأمّا نقطة حظر نشر الأسلحة في الفضاء فجاءت بمثابة شكوى روسية صينية مقدمة لأمريكا، تناشدانها فيها بالحد من نشر منظومات الصواريخ الأمريكية المتطورة المضادة للصواريخ الباليستية في الأراضي الأوروبية المحاذية لروسيا. هذا هو البيان الذي خرجت به القمّة، وواضح فيه سيطرة روسيا والصين على منظمة شنغهاي للتعاون، وواضح فيه أيضاً محدودية دورها الإقليمي، وقلة تأثيرها العالمي. إنّ منظمة شنغهاي للتعاون هي منظمة إقليمية آسيوية تُسيطر عليها روسيا والصين، واللغتان الرسميتان المعتمدتان فيها هما: الروسية والصينية فقط. وتضم المنظمة ست دول آسيوية متجاورة وهي: روسيا والصين وكازاخستان وقرغيزستان وطاجيكستان وأوزبيكستان، وكانت هذه الدول باستثناء أوزبيكستان قد أسّست المنظمة تحت اسم (خماسي شنغهاي) في العام 1996، وقد سُميت هذه الاتفاقية باسم «شنغهاي» نسبة إلى مدينة شنغهاي الصينية التي تمّ فيها اجتماع الدول الخمس المؤسّسة، وتوقيع الاتفاقية الأولى، وقد ضمّ الاجتماع آنذاك كلاً من: روسيا والصين وكازاخستان وقرغيزستان وطاجيكستان، وبعد دخول أوزبيكستان فيها سنة 2001 أصبحت تُسمّى منظمة شنغهاي للتعاون. وأمّا الدول غير الأعضاء فيها والتي تُشارك في أعمال المنظمة، فهي منغوليا والهند وإيران وباكستان وأفغانستان بصفة مراقب، وبيلاروس (روسيا البيضاء) وتركيا بصفة الشريك في الحوار. وقد تقرّر قبول انضمام الهند وباكستان للمنظمة في العام المقبل 2017، كما تقرّر تحويل بيلاروس (روسيا البيضاء) من شريك في الحوار إلى عضو مراقب في المنظمة، أمّا إيران فلم تُقبل كعضو دائم فيها، وقيل بأنّ المنظّمة سوف تستمر في النظر في طلبها الانضمام للمنظمة، وقالت الصين بأنّ الأولوية لعمل المنظمة في الفترة المقبلة هي لاستيعاب الهند والباكستان أولاً وليس إيران، وأما تركيا فتمّ تجاهلها تماماً بسبب تردي علاقاتها مع روسيا، ولم تحضر الاجتماع الأخير الذي انعقد في العاصمة الأوزبيكية طشقند. والراجح أنّ توسيع المنظمة وإدخال أعضاء جُدد إليها سيؤدي على الأغلب إلى إضعافها، خاصة إذا كان هؤلاء الأعضاء يتبعون لدول كبرى استعمارية كالهند وباكستان المواليتين لأمريكا. وأمّا أهم الأهداف المعلنة للمنظمة فهي مواجهة (الإرهاب) و(التطرّف الديني)، ومحاربة تجارة المخدرات وتهريبها عبر حدود دولها، وحسن الجوار ما بين الدول الأعضاء، وتطوير التعاون بينها في السياسة والتجارة والاقتصاد والعلوم والتكنولوجيا والثقافة، وفي شؤون التربية والطاقة والنقل والسياحة وحماية البيئة، والعمل على توفير السلام والأمن والاستقرار في المنطقة، والعمل على تطوير وتقدّم الأفكار للوصول إلى نظام سياسي واقتصادي عالمي ديمقراطي، عادل وعقلاني متوازن. إنّ هذه الأهداف المسطرة للمنظمة هي أهداف تقليدية، تتبناها منظمة إقليمية تُشبه منظمات إقليمية كثيرة منتشرة في العالم، تُعالج المشاكل الروتينية لدول الإقليم الحدودية والتجارية والسياسية والأمنية. وبما أنّ روسيا والصين هما دولتان كبريان فمن الطبيعي أنْ تتشاطرا السيطرة على دول المنظمة، وتُحاولا استغلال قيادتهما لمنطقة وسط آسيا لبسط أكبر قدر من السيادة، وللحيلولة دون تغلغل النفوذ الأمريكي إليها، خاصة في دول آسيا الوسطى الأربع وهي: أوزبيكستان وطاجيكستان وقرغيزستان وكازاخستان. تُحاول روسيا الاستفادة من قوة الصين الاقتصادية الضخمة لتمويل المشاريع الكبرى التي تعجز هي عن القيام بها في منطقة آسيا الوسطى، كمشاريع النقل والمجمعات الصناعية المشتركة، وتُحاول الصين الاستفادة من الموارد والثروات الكامنة في دول المنطقة، وتأمين مواد الطاقة، والتي هي في أمسّ الحاجة لها بأفضل الأسعار، فتعاونهما محصور في تلك المنطقة ولا يتعدّاها، لأنّ مصالحهما في مناطق أخرى في العالم لا تتشابك كمصالحهما فيها، فالصين لا تتشارك مع روسيا مثلاً في منطقة بحر الصين الجنوبي، وروسيا لا تتشارك مع الصين في منطقة أوروبا الشرقية، ومسائل الاقتصاد والتجارة تشترك فيها الصين مع أمريكا أكثر منها مع روسيا، وهكذا نجد أنّ منظمة شنغهاي للتعاون هي في واقعها منظمة إقليمية تُعالج مشاكل آسيا الوسطى ولا تتعداها، ومن غير الوارد أن تتحوّل هذه المنظمة إلى منظمة دولية، أو أنْ تُشكّل حلفاً دولياً مشتركاً يُقابل حلف الناتو مثلاً، وبالتالي فهي منظمة محدودة التأثير في المسرح العالمي، ومسقوفة بحدود المنطقة الجغرافية التي ينتمي إليها أعضاؤها. وأمّا دول آسيا الوسطى الأعضاء فيها فهي دول هشّة، تقودها حكومات لا دينية معادية للإسلام، وممقوتة من شعوبها، وهي تبحث عن الأمان والاستقرار، وتتطلّع للحفاظ على استمرار عروش حكامها أطول مدة زمنية، وترنو إلى العيش في ظل دول كبرى تمنحها الحماية والأمن بشكل دائم خوفاً من موجات التمدد الإسلامي العنيفة التي تجتاح تلك المنطقة وتُهدّد وجودها. 

الأربعاء، 22 يونيو 2016

أجوبة أسئلة حول تزلف حركات إسلامية للغرب يصيبها في مقتل



تزلف حركات اسلامية للغرب يصيبها في مقتل
















أهداف زيارة محمد بن سلمان لأمريكا



أهداف زيارة محمد بن سلمان لأمريكا



في زيارته المطوّلة للولايات المتحدة قام ولي ولي العهد السعودي وزير الدفاع محمد بن الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز بجولات عديدة في المدن الأمريكية، قابل فيها عدد من كبار مسؤولي الإدارة الأميركية وأرباب المال والأعمال، فالتقى بوزير الخارجية جون كيري، وقابل وزير الدفاع أشتون كارتر، واجتمع برئيس مجلس النواب الأميركي بول راين، والتقى بعدد كبير من قادة وأعضاء الكونغرس من الحزبين الجمهوري والديمقراطي، والتقى أيضاً  بكل من مدير الاستخبارات الوطنية القومية جايمس كلابر ورئيس وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إي) جون برينان.
وأجرى كذلك عدة لقاءات مع المسؤولين الأمريكيين الإقتصاديين، من رجال أعمال وممثلين لمؤسسات ولشركات أميركية، ومع مسؤولين في غرفة التجارة والصناعة، وكان بصحبتهم مجموعة من الوزراء، والتقى كذلك مع مجلس الاقتصاد الوطني في إدارة أوباما وتمّ مناقشة خطته للإصلاح الاقتصادي المسمّاة رؤية 2030، وعُقد الاجتماع بحضور وزير الخزانة الأمريكي جاك لو ووزير الطاقة إرنست مونيز ووزيرة التجارة بيني بريتزكر، واجتمع أيضاً مع رئيس الغرفة التجارية الأمريكية توماس دونهيو.
 وكانت الزيارة الأهم لابن سلمان زيارته لولاية كاليفونيا على الساحل الغربي للولايات المتحدة، حيث تقبع فيها كبريات الشركات الالكترونية في وادي السيليكون (سيليكون فالي)، وحيث تنتج فيها التكنولوجيا الحديثة، والتي تُعتبر قاعدة اساسية للإقتصاد الاميركي، بل ربما تُعتبر عماد قوة الولايات المتحدة نفسها، وعنوان تقدّمها، وعقد ابن سلمان عدة  لقاءات مع عدد من رؤساء تلك الشركات.
وفي ختام الزيارة استقبله الرئيس الأميركي باراك أوباما  في المكتب البيضاوي بالبيت الأبيض كما يُستقبل قادة الدول، وذلك على خلاف العادة التي لا يُستقبل بها أي مسؤول دون الرؤساء في المكتب، وذلك في إشارة إلى الحفاوة التي قوبل بها محمد بن سلمان ومعاملته معاملة رؤساء الدول.
  وليس المهم ما طُرِح في اللقاء بينهما، ولكنّ المهم من هو الشخص الذي مثّل السعودية في هذا اللقاء، وقد تمّ بحث أمور مكرّرة تم بحثها من قبل مع الملك وولي عهده، من مثل العلاقات الثنائية التاريخية المتميزة بين البلدين، والتزام الولايات المتحدة الأميركية بمواصلة التعاون مع المملكة لما فيه مصلحة البلدين، والعمل مع المملكة لدعم أمن واستقرار منطقة الشرق الأوسط، والتحديات التي تواجهها المنطقة، لكن الأهم من كل هذه الموضوعات بحث رؤية ابن سلمان الاقتصادية والتنموية للمملكة 2030، والتي رحّب الرئيس أوباما بها، وبالبرامج الاقتصادية التي تشهدها السعودية المبنية عليها، وبتعزيز التعاون معها في خططها المستقبلية.
وأشاد وزير الخارجية السعودي عادل الجبير - الذي قام في الزيارة بدور الناطق باسم ابن سلمان - باللقاء ووصفه بالايجابي، ومن جهته قال البيت الأبيض إن الرئيس أوباما ناقش مع الأمير محمد بن سلمان مواضيع تتعلق بسبل دعم العراقيين في قتالهم ضد تنظيم داعش، وأهمية تحقيق انتقال سياسي في سورية لا يكون نظام بشار الأسد جزءا منه.
في خضم هذه اللقاءات التي أجراها مع المسؤولين الأمريكيين والتي أظهرته كزعيم مؤثر في دولة إقليمية غنية وكبيرة، ركّز ابن سلمان على أهمية الحلف الأمريكي السعودي فقال:"أنا اليوم في بلد حليف لنا، في وقت حساس جدا، في منطقة نحن نعيش فيها اليوم مخاطر كثيرة جدا، سواء من عدم استقرار بعض الدول، أو التدخل في شؤون بعض الدول، أو الإرهاب".
 إنّ هذه الزيارة هي الثالثة لابن سلمان لأمريكا خلال عام واحد، فالاولى كانت بصحبة ولي العهد محمد بن نايف، والثانية كانت بصحبة والده الملك سلمان، وهذه الزيارة الحالية يقوم بها ابن سلمان بمفرده على رأس وفد رسمي كبير، فالزيارة الأولى كانت بقيادة محمد بن نايف، والزيارة الثانية كانت بمرافقة والده الملك، وأمّا هذه الزيارة فكانت خاصةً به، بلا وصي ولا شريك.
أراد محمد بن سلمان بزيارته هذه أنّ يُكرّس زعامته المطلقة للسعودية، وأنّه هو الملك المقبل للملكة، وأنّه هو الذي سيخلف والده المسنّ، وأنّ ولي العهد محمد بن نايف لم يعد ينافسه على زعامة البلاد، خاصة بعد أنْ كسر احتكار الأخير في علاقته الأمنية المتميزة مع أمريكا، وذلك بمناقشتة للامور الأمنية والاستخباراتية، وباجتماعة مع رؤساء الأمن والمخابرات الأمريكيين بصحبة رئيس الإستخبارات السعودية العامة خالد الحميدان التابع له.
دأبت أمريكا في السابق بالتعامل مع محمد بن نايف في ملف الأمن والإرهاب طيلة الخمس عشرة سنة الماضية باعتباره المسؤول الأول عن هذا الملف، وبوصفه فيما بعد أصبح الوريث التقليدي للملك سلمان كونه بات ولياً أول للعهد، إلاّ أنّ هذه الزيارة لابن سلمان لأمريكا تمّ فيها انتزاع صلاحيات ابن نايف ومنحها له، وتمّ بذلك تعزيز حضوره الشخصي باعتباره رجل السعودية الأول في الاتصال بين الرياض وواشنطن، وتمّ بالتالي تهميش مكانة ابن نايف برضا منه وإقرار، وهذا هو أهم أهداف هذه الزيارة.
والهدف الثاني المهم  للزيارة كان اقتصادياً بحتاً، فسعى ابن سلمان من خلال زيارته هذه لنيل رضا الأمريكيين، وذلك من خلال منحهم حزمة ضخمة من الاستثمارات المباشرة في السندات الحكومية، وحزمة أخرى تتعلق بالإستثمارات الخاصة في الشركات الأمريكية، وقد رحّب البيت الأبيض :"بتعهد السعودية بالإصلاح الاقتصادي وأكّدعلى رغبة الولايات المتحدة بأن تكون شريكا أساسيا في مساعدة السعودية على تطبيق برنامجها الطموح للإصلاح الاقتصادي"، والبرنامج المقصود هنا هو ذلك البرنامج الذي  يُطلِق يد القطاع الخاص في السعودية، والعمل بآليات السوق، وخفض العمالة، وتقليل الإنفاق الاجتماعي التي تُقدّمه الدولة السعودية للأفراد، وتقليل الدعم الحكومي بكافة أشكاله، والأهم من ذلك كله خصخصة المؤسسات الاقتصادية الحكومية بما فيها خصخصة شركة (آرامكو) للنفط، وطرح أسهمها في البورصة للشراء، وهي الشركة التي توصف بأنّها الأكبر على مستوى العالم، والتي تنتج حوالي 13% من إجمالي احتياج العالم من النفط، وهذا البرنامج السعودي الذي يتبنّاه ابن سلمان والمدعوم أمريكياً، يكشف عن مدى تغوّل دوره الخادم للاقتصاد الرأسمالي الأمريكي، ويُظهر مدى زيادة نفوذه في السعودية، والذي أصبح يُوازي - إن لم يكن يفوق -  نفوذ الملك نفسه، فضلاً عن نفوذ ولي العهد محمد بن نايف.

لقد كان لافتا في الزيارة لقاء ابن سلمان مع كبار المستثمرين في السوق المالي الأمريكي العملاق (وول ستريت)، واجتماعه بمدراء كبريات الشركات في (وادي السيلكون)، وهو ما يدل على أنّ قادة أمريكا من الرأسماليين الكبار، ومن أرباب الصناعة والمال الأمريكيين قد ساهموا بأنفسهم في مباركة ابن سلمان، وفي اختيارهم له، ووضعه على رأس الدولة السعودية، وفي اعتماده - من ثمّ - كزعيم محلي لأهم دول الشرق الأوسط يخدم المصالح الأمريكية بتفاني، وبكل ما أوتي من عزم واقتدار.

الأربعاء، 15 يونيو 2016

للأمن نصيب الأسد في ميزانية السلطة الفلسطينية


للأمن نصيب الأسد في ميزانية السلطة الفلسطينية  





   


  الخبر: 

  كشفت بيانات الموازنة السنوية الصادرة عن وزارة مالية حكومة رام الله للعام الماضي أن ميزانية الأمن والنظام في السلطة الفلسطينية، تعادل ميزانيات الصحة والزراعة والتعليم مجتمعة.   وحسب البيانات التي نشرتها صحيفة القدس المحلية على موقعها الإلكتروني، فإن موازنة الأمن وصلت إلى نحو مليار دولار أمريكي، بما يعادل ميزانيات الوزارات الثلاث المذكورة.   وبلغت ميزانية وزارة الزراعة قرابة الـ30 مليون دولار أمريكي، و633 مليون دولار أمريكي نفقات وزارة التربية والتعليم، وقرابة الـ 341 مليون دولار نفقات وزارة الصحة.   وتوزعت ميزانية وزارة الداخلية والأمن بين رواتب وأجور بقيمة وصلت إلى 804 مليون دولار، أي بنسبة 80٪، فيما توزعت بقية النفقات على مساهمات اجتماعية وسلع وخدمات، ونفقات تطويرية ورأسمالية.   ويبلغ عدد منتسبي أجهزة أمن السلطة الفلسطينية قرابة 70 ألف عنصر، موزعين بين أجهزة الأمن الوطني، والاستخبارات العسكرية، والدفاع المدني، والشرطة الفلسطينية، والأمن الوقائي، والمخابرات العامة، وحرس الرئاسة.  


 التعليق:  


 إنّ موازنة السلطة الفلسطينية للعام الحالي 2016 والتي تتولى إعدادها حكومة الحمد الله والبالغة 4.25 مليارات دولار، حظي قطاع الأمن لوحده منها بما نسبته 28% من الموازنة، وهو أمرٌ غير معهود في كل موازنات دول العالم، فلا يُعقل أنْ يُنفق على الأمن لوحده أكثر من الإنفاق على التعليم والصحة والزراعة (الغذاء) مجتمعين، وهو إنْ دلّ على شيء فإنّما يدل على أنّ هذه السلطة لم تأتِ في الأصل إلاّ للحفاظ على الأمن، فهذا هو دورها الوظيفي المرسوم لها منذ تأسيسها.   فما هو يا تُرى سر هذه المبالغة في مسألة الأمن وهذا التضخم في ميزانيتها؟، ولماذا متوسط الأجر الشهري للعاملين في القطاع الأمني يفوق نظيره في القطاع المدني كما يقول الخبير الاقتصادي د.نصر عبد الكريم لصحيفة فلسطين، ولماذا تتضخّم فاتورة الرواتب والعلاوات والامتيازات ومجالات الإنفاق خاصة النثريات واستخدام المركبات والمحروقات والاتصالات المتعلقة بالأجهزة الأمنية؟   ولماذا الحرص على جعل أي تغيير في مركبات الميزانية ينحصر بيد أصحاب القرار الذين يتحكمون في إعداد الموازنة، وهم الفئة المعينة المعروفة التي تحرص دائماً على بقاء الامتيازات التي يتمتعون بها واستمراريتها؟   إنّ الأجوبة على هذه التساؤلات لا تحتاج إلى كبير عناء، لأنّها مسألة متعلّقة بأمن دولة يهود، فأمن السلطة من أمنها، وبقاء السلطة مرهون بالحفاظ على أمن هذه الدولة، وأمن كل ما يتصل بأمنها.   لذلك ليس غريباً أنْ تستميت قيادة السلطة من أجل حماية كيان يهود، واستمرار التنسيق الأمني معه، وملاحقة المطلوبين من أهل فلسطين لأجهزة أمن يهود، واعتقالهم، أو تسليمهم للاحتلال.   فهذه السلطة - في حقيقتها - لا تزيد عن كونها مجرّد ذراع أمني لدولة يهود، وإدارة مدنية لجيش الاحتلال، فهي لا تملك مشروع دولة، ولا حتى مشروع حكم ذاتي. 

السباق نحو مدينة سرت يعكس سخونة الصراع الدولي على ليبيا



السباق نحو مدينة سرت يعكس سخونة الصراع الدولي على ليبيا





سيطر تنظيم الدولة الإسلامية على مدينة سرت منذ أيار/مايو من العام الماضي 2015، وهي المدينة التي كانت تُعتبر المعقل الرئيسي لطاغية ليبيا السابق معمر القذافي، وذلك بعد انسحاب الكتيبة 166 التابعة لقوات (فجر ليبيا) السابقة، والتي انحلّت فيما بعد، وأصبحت الآن جزءاً من قوات حكومة الوفاق الوطني برئاسة فايز السراج. وتقع المدينة في وسط ليبيا تقريباً، بين المنطقة الشرقية التي تتبع لنفوذ الفريق المتقاعد خليفة حفتر رجل أمريكا العسكري المدعوم مباشرةً من نظام السيسي في مصر، وبين المنطقة الغربية لليبيا، والتي هي منطقة نفوذ تابعة لحكومة التوافق برئاسة فايز السراج المدعومة عالمياً من أوروبا، والمدعومة إقليمياً من دولتي تونس والجزائر بشكل مباشر. أشعلت مدينة سرت سباقاً محموماً بين النفوذين، وكان خليفة حفتر هو السبّاق في الإعلان عن إطلاق ما سُمّي بعملية تحرير سرت، بعد زعمه استكمال تحرير مدينتي بنغازي وأجدابيا شرقي البلاد، إلاّ أنّه لم يقم بأية أعمال جادّة على الأرض ضدّ التنظيم. ولكن بعد إعلان حفتر هذا اعتبرت حكومة الوفاق التي يرأسها فايز السرّاج، ويدعمها المبعوث الأممي مارتن كوبلر الإعلان غير شرعي باعتبار أنّ: "القيادة العليا للجيش الليبي هي من صلاحيات رئيس المجلس الرئاسي وحكومة الوفاق برئاسة السراج"، فالتقطت حكومة السراج الكرة من حفتر، وقامت بوصفها تمثل القيادة العليا للجيش من ناحية شرعية - بحسب تقديرها - بالإعلان من جهتها عن بدء تحرير مدينة سرت من أيدي تنظيم الدولة، وأعلنت من فورها عن إنشاء غرفة عمليات مشتركة تتكون أغلب قياداتها من مدينة مصراتة - التي تُعتبرُ الحاضنة الرئيسية لحكومة السرّاج - ومنهم (العميد طيار مفتاح عبجة، والعقيد ركن سالم جحا، والعقيد إبراهيم فلغوش، والعقيد محمد عجاج) وذلك بعد ساعات فقط من إعلان حفتر بدء عمليات قواته تحرير المدينة، أدّى إعلان السرّاج المفاجئ هذا إلى استهجان واستنكار القيادات المحسوبة على حفتر، وذلك على لسان رئيس مجلس النواب في طبرق عقيلة صالح، والذي وصف تشكيل الغرفة العسكرية من قبل المجلس الرئاسي وحكومة السرّاج بالتعديات الجسيمة، وبمخالفة القوانين الليبية، وهدّد بأنّ: "مدينة سرت ومحيطها الجغرافي منطقة عسكرية مغلقة، ويُعتبر أي تشكيل مسلح موجود فيها لا يتبع لقيادة حفتر بأنّه تشكيلٌ خارجٌ عن القانون". لكنّ المفاجأة أربكت جماعة حفتر وباتوا عاجزين عن فعل شيء، ولم يملكوا القيام بأي ردّة فعل على الأرض، واكتفوا بالشجب والاستنكار. كان ظنّ خليفة حفتر المدعوم من قبل عملاء أمريكا في غير محلّه بأنّ جماعة السرّاج لن يُقدموا على دخول سرت، وكان ينوي هو إدخال قواته إليها، والتغلّب على تنظيم الدولة، ومن ثمّ يتم تتويجه بطلاً شعبياً، وقائداً لا يُشقّ له غبار بعد الاستيلاء على المدينة، وإخراج تنظيم الدولة منها، وهو ما قد يؤهله فيما بعد للسيطرة على كامل الأراضي الليبية، ولكنّ فايز السرّاج كان أذكى منه فسبقه في ذلك، وأدرك لعبة حفتر، وفهم مغزى وأهمية السيطرة على المدينة، فدخل معه في لعبة سباق مستميت للسيطرة عليها، وإعلان قصب السبق بالقضاء على تنظيم الدولة فيها، ومحاربة (الإرهاب) في ليبيا، وذلك لنيل الحظوة عند سيدهم (المجتمع الدولي) الذي لا همّ له في هذه الأيام إلا محاربة الإسلام والمسلمين تحت شعار محاربة الإرهاب والتطرف. وبسرعة البرق قام السرّاج - بإسنادٍ أوروبي - بتجهيز القوات بسرعة خاطفة، وأخذ تكليفاً من المجلس الرئاسي المسؤول عن الحكومة التوافقية، وجمّع أغلب القوات من مدينة مصراتة بالأساس، وبالتعاون مع بعض المليشيات من مدن أخرى في الغرب الليبي مثل زليتن وجنزور، وشرع في محاربة تنظيم الدولة، ومحاولة طرده من سرت، وتمّ إطلاق اسم (البنيان المرصوص) على العملية، بينما أسقط بيد خليفة حفتر، ولم يفعل شيئاً سوى الإعلان، وبقي يلعب دور المتفرج في وقت كان عليه الإمساك بزمام الأمور. واشتبكت قوات السرّاج بالفعل مع قوات التنظيم، وخاضت معها حرب شوارع، وحقّقت تقدماً ملحوظاً، وتوغلت في المدينة، وسيطرت على المطار، وكانت قبل ذلك وبسرعة خاطفة قد سيطرت على بلدتي النوفلية وبن جواد، وتقدمت على نحوٍ مفاجئ باتجاه منطقة هراوة القريبة من سرت. وفي خضم الأحداث المتسارعة ألقى السرّاج خطاباً قال فيه: "إن الحكومة قرّرت بداية اتصالاتها بتنسيق مع جميع القيادات العسكرية بالتراب الليبي لوضع الترتيبات اللازمة لمباشرة عملية تحرير سرت"، معتبرًا أنه قد "آن الآوان لاجتثات داعش من كل أنحاء البلاد"، وأن الحرب القادمة ستكون "باسم ليبيا والولاء للوطن فقط"، في إشارة إلى مسؤوليته عن كل القطعات العسكرية الليبية بما فيها تلك التي يُسيطر عليها حفتر. إنّ مُجريات الأحداث في ليبيا تميل لصالح كفّة السرّاج على حساب حفتر، فمحور الأحداث الرئيسية أصبح السرّاج هو بطلها، ومبعوث الأمم المتحدة إلى ليبيا مارتن كوبلر والذي كان يُغازل حفتر في السابق، ويُراعي المصالح الأمريكية بدرجة أكبر، انقلب عليه، ومال أكثر نحو المصالح الأوروبية فقال: "إن المأزق السياسي في الشرق الليبي مرتبط بعدم منح برلمان طبرق الثقة لحكومة الوفاق الوطني المنبثقة عن اتفاق الصخيرات، وإنّ أقلية تمنع الأغلبية من المصادقة على التشكيلة الوزارية التي طرحها رئيس المجلس الرئاسي فايز السراج"، وتحدّث عن افتعال جماعة حفتر لمواقف وأحداث تمنع التصويت في البرلمان، كقطع الكهرباء وتخويف البرلمانيين، وقال بأنّه طلب لقاء خليفة حفتر لمعرفة مطالبه قبل الاعتراف بحكومة الوفاق، ولكن الأخير رفض بحجة ضيق الوقت، وكان مجلس النواب الخاضع لحفتر في طبرق قد أخفق في الانعقاد بالنصاب الكامل خلال الفترة الماضية - عشر مرات - بسبب عرقلة حفتر لعمله، وفشل في عقد أي جلسة قانونية لمنح الثقة لحكومة الوفاق بحجة عدم اكتمال النصاب القانوني. وأمّا مواقف الدول المهمّة التي لها تأثير في ليبيا فنرى أنّ بريطانيا مثلاً تدعم بكل قوّتها حكومة السرّاج، فهي التي دبّرت ترتيب اتفاق الصخيرات في 17/12/2015، واستصدرت قراراً دولياً باعتماده، وجمعت سفارتها في تونس الأموال لدعم ما نتج عنه من مجلس رئاسي أعلى للدولة، وما أفرزه من حكومة (توافقية) تنفيذية برئاسة السراج، وحلّت حكومة المؤتمر السابق، ودمجتها في حكومة السرّاج، وأشركت معها إيطاليا والاتحاد الأوروبي لدعم كل ما تمخّض عن اتفاق الصخيرات من قرارات، وأكّد السفير البريطاني لدى ليبيا بيتر ميليت أكثر من مرّة على دعم بلاده للسرّاج فقال إن بلاده: "تدعم المؤسسات التي نتجت عن الاتفاق السياسي الليبي في الصخيرات، وهي المجلس الرئاسي وحكومة الوفاق ومجلس النواب"، وأضاف: "إنّ بريطانيا لا ترفض الشرق الليبي وتراه جزءا أساسيا من ليبيا"، ووقفت إيطاليا بقوةٍ إلى جانب بريطانيا في دعمها لحكومة السرّاج، وتعاملت مع المشكلة بوصفها الدولة المستعمرة السابقة لليبيا، وبوصفها من أكبر الدول المستثمرة فيها، فقال وزير خارجيتها جنتيلوني أمام البرلمان الإيطالي: "لنكن واضحين، لترسيخ حكومة فايز السراج من الضروري أن يتمكن من التحرك للتصدي للإرهاب"، وأضاف: "يجب تعديل الحظر للسماح باتخاذ تدابير لمكافحة الإرهاب، فعلينا القيام بذلك لمصلحة الحكومة الشرعية"، موضحاً أنّ: "على حكومة الوفاق أن تستفيد أيضاً من الموارد النفطية". وأمّا دول الجوار الإقليمية وخاصّةً تونس والجزائر فقد وقفت بكل قواها إلى جانب حكومة السرّاج، فتونس كانت الحاضنة التي تأسّست فيها الحكومة، وانطلقت منها نحو ليبيا، وأمّا الجزائر فلا تعترف أصلاً بأي حكومة سواها، وتعتبرها هي الحكومة الشرعية الوحيدة في ليبيا، قال الوزير الجزائري للشؤون المغاربية عبد القادر مساهل: "إن بلاده مع الحل السياسي في ليبيا منذ اليوم الأول للأزمة، مؤكدا رفض عسكرة الأزمة"، مضيفا: "أن الجزائر تدعم اتفاق الصخيرات المغربية، الذي أفضى إلى حكومة الوفاق"، وقال: "إن المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق برئاسة السراج أصبح الممثل الوحيد والشرعي للشعب الليبي، ونحن مع طرابلس عاصمة الدولة الموحدة وهي كذلك اليوم، وموقفنا واضح، ونأمل في أن يقوم المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق بترتيب الأوضاع في ليبيا". وهكذا يبدو أنّ ورقة سرت على الأغلب ستكون هي الورقة التي ستحسم الصراع في ليبيا لصالح حكومة السرّاج وداعميها الأوروبيين، وبالذات بريطانيا وإيطاليا، وإذا ما تمّ تخليص مدينة سرت من أيدي تنظيم الدولة، وهو أمرٌ وارد، فسيُعتبرُ ذلك انتصاراً معنوياً وسياسياً كبيراً لها، خاصة وأن الدعم الدولي الظاهري يرتكز في جزءٍ كبيرٍ منه على رغبة القوى الغربية الكبرى في اعتماد شريك ليبي قوي ينجح في اختبار سرت هذا، والذي إنْ حصلت عليه حكومة السرّاج فسيليه - على الأغلب - بسط الحكومة لنفوذها على رقعة كبيرة من الأراضي الليبية، بدءاً من منطقة الهلال النفطي الغنية (خليج السدرة) وانتهاءً بالمنطقة الغربية التي يُسيطر عليها حفتر، وسيتمخّض عن هذا الاختبار وبشكلٍ مؤكد قطع الطريق أمام تمدّد قوات حفتر، وقد يترتب على ذلك لاحقاً سقوط أسطورة حفتر التي روّجتها له وسائل الإعلام المدفوعة أمريكياً بوصفه الشخص الوحيد القادر على مواجهات ما يصفونها بـ (المليشيات الارهابية الإسلامية والتنظيمات المتطرفة). وفي الوقت الذي تنضم فيه القوى السياسية والمليشيات المتفرّقة في غرب ليبيا إلى حكومة السرّاج، نجد أنّ الانقسامات بدأت تغلب على حكومة حفتر في المنطقة الشرقية، ونجد أنّ بعض الكتائب التابعة لحفتر أعلنت انضمامها إلى حكومة السرّاج، بل وأصبحت تتعالى بعض الأصوات المحسوبة على حفتر للانضمام إلى حكومة السرّاج، وذلك بعد أنْ كانت حكومة السرّاج تشقّ طريقها بصعوبة باحثةً عن داعمين لها في منطقة نفوذ حفتر، وبعد أنْ أعياها العجز لمدة طويلة عن إحداث أية اختراقات كبيرة فيها. لقد استُخدم تنظيم الدولة في الأساس من قبل أمريكا وعميلها حفتر لتبرير قيادته للجيش باعتباره الزعيم العسكري الجدير بمهمة قيادة البلاد، ولتخليصها من (تنظيم الدولة والإرهاب)، وبوصفه القادر على محاربة التنظيم، وكانت قد ظهرت في السابق بعض المؤشرات على حدوث نوع من تغاضي قوات حفتر عن توسع التنظيم في منطقة سرت، وبدا التلكؤ وعدم الجدية واضحين لدى تلك القوات بمقاتلته، وكان السلاح يتدفق إلى خليج (الخبطة) بمنطقة (الفتايح) التي تتمركز فيها قوات التنظيم، وينتقل منها إلى سرت، بينما لم تقم قوات حفتر بمنع وصول السلاح إليها رغم قدرتها على ذلك، فلم تقم بقصف تمركزات التنظيم بمدينة درنة وهي معسكرات مكشوفة يسهل استهدافها بالطيران، وبدلاً من ذلك كانت قوات حفتر تقصف المجموعات التي كانت تحارب تنظيم الدولة، فيما تسمح بمرور العناصر التابعة للتنظيم، وتنقل أفراده ومعداته بحرية وسهولة في المناطق المختلفة التي تنقّل فيها، بالرغم من أنّها كانت مكشوفة لمسافة أكثر من 800 كم، وذلك وفقاً لما ذكره بعض المراقبين. فأمريكا وحفتر مكّنا تنظيم الدولة من السيطرة على مدينة سرت وبعض المناطق لاتخاذ ذلك ذريعة لفرض سيسي جديد في ليبيا بدعوى وجود تنظيم الدولة الذي لا يملك أحد إلحاق الهزيمة به إلاّ رجل عسكري صاحب خبرة كحفتر، لكنّ حفتر لم يُحسن التعامل مع المستجدات السياسية، وغلب عليه الجمود السياسي، ولم يُطوّر خطابه السياسي بما يتناسب مع تطور الأحداث، وتأخّر في الهجوم على مدينة سرت، ومن ناحيةٍ سياسية ظلّ يُردّد نفس المطالب والشروط غير المقنعة، وأهمها أنّ قواته لا يمكن لها على الإطلاق أن تنضم إلى حكومة الوفاق الوطني برئاسة السرّاج المدعومة من الأمم المتحدة بحجة وجود مليشيات فيها، ودعا باستمرار إلى حل جميع (المليشيات) المتحالفة مع الحكومة، واعتمد فقط على دعم الموقف المصري المباشر لقواته، وهو ما جعل الداعين له يبتعدون عنه، ومنهم مارتن كوبلر المبعوث الأممي الخاص لليبيا الذي شدّد على أن رئيس المجلس الرئاسي فائز السراج هو القائد الأعلى للجيش الليبي، ودعا جميع الفرقاء بما فيهم جماعة حفتر للاتفاق على ذلك. وبلغ الأمر بكوبلر أنّه وصف - في حوارٍ له مع جريدة (دو ديمانش) الفرنسية - الجيش الذي يقوده خليفة حفتر بأنّه مجرّد: "قوات نظامية تضم عناصر موالية للقذافي ومرتزقة من السودان وتشاد، ومن بعض القوى القبلية"، واعتبر أن ذلك لا يكفي لهزيمة تنظيم الدولة، لكنّه ومع ذلك راعى وضعه السياسي، وأكّد على الدور المهم الذي على حفتر أنْ يلعبه في إعادة بناء الجيش الليبي. لقد استُغّلّ وجود تنظيم الدولة أسوأ استغلال في ليبيا، فمُكّن من السيطرة على بعض المناطق لتبرير أخذه قيادة الجيش والدولة في ليبيا، ولعبت أمريكا وأوروبا على نفس الوتر، وتسابق عملاؤهما في محاربته، والانتصار عليه، من أجل إثبات أحقّيتهما في قيادة البلاد، وكانت دماءُ الليبيين تُهراق من أجل تحقيق هذه الأهداف الخبيثة، ومن أجل تمكين عملاء القوى الاستعمارية الكبرى من السيطرة على مُقدّرات البلاد. إنّ المعارك التي تدور رحاها الآن في مدينة سرت ضد تنظيم الدولة ربّما ستكون في المستقبل القريب حاسمةً في الصراع الدولي المحتدم على ليبيا بين أمريكا وأوروبا، ولعلّها ستُحدّد مِنَ العملاء مَنْ هو المؤهل لقيادة ليبيا في المستقبل، ومن يصلح أكثر لخدمة المشروع الاستعماري الغربي.

المستجدات العسكرية والسياسية في سورية

المستجدات العسكرية والسياسية في سورية





تتغيّر المعطيات السياسية والعسكرية في سوريا بصورةٍ متسارعة، فبينما خفتت تماماً الأصوات المنادية بإعلان الهدن واستئناف المفاوضات، ارتفعت بالمقابل وتيرة الأعمال العسكرية، وتمّ تدشين تحالفات قتالية جديدة، وأُعْلِنَ عن وجود تدخلات عسكرية خارجية لم تكن موجودة من قبل. فبالنسبة لمفاوضات جنيف، لم يَعُدْ أحد يُعوّل عليها سوى جماعة الائتلاف والهيئة العليا للمفاوضات، الذين ما زالوا يعيشون في ظلال الأحداث، ولم يرتفعوا إلى مستواها، والذين لا عمل لهم سوى مناشدة أمريكا والمجتمع الدولي بالضغط على النظام لتطبيق القرارات الدولية، والراجح أنّ المفاوضات بين النظام وهذه المعارضة الذليلة لم يعد لها مكان في هذه الأيام، فقد صرّحالأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون الخميس الماضي بأنّ: "محادثات السلام السورية لن تكون مثمرة في ظل المناخ الحالي"، وأيّد تصريحات دي ميستورا التي أكّد فيها بأنّ الوقت لم ينضج بعد لعقد جولة مباحثات ثالثة، وقال بأنّنا: "لا نريد مباحثات لأجل المباحثات فقط"، وحتى على مستوى إدخال المواد الإنسانية إلى داريّا والمدن المحاصرة الأخرى فقد قام النظام بعرقلة إدخالها، وألقى عشرات البراميل المتفجرة على المناطق التي حاولت الأمم المتحدة إدخال المواد إليها، وتجاهلت القوى الدولية الكبرى - كعادتها - هذه الجرائم الجديدة ضد المحصورين من النساء والأطفال والعاجزين المدنيين التي يقترفها النظام المجرم ضدهم، ولا ذنب لهم سوى أنّهم ينتظرون قدوم تلك المساعدات إليهم منذ سنوات. وهكذا فقد هيمنت لغة قعقعة السلاح على لغة محادثات السلام، وسادت التحركات العسكرية على المشهد السوري بشكل عام، ونشطت القوى الدولية والإقليمية في التحضير لجولات جديدة من المعارك على كل الجبهات، بدلاً من التحضير لجولات جديدة من المفاوضات. فبالنسبة للتحالف الروسي الإيراني المعلن مع نظام الطاغية بشّار فقد عقد وزراء دفاع كل من إيران وروسيا وسوريا الخميس الماضي محادثات عسكرية في طهران لبحث ما أسموه تكثيف المواجهات مع (الجماعات الإرهابية) في سوريا، وكأنّهم أسّسوا لمجلس حرب موحّد، ولغرفة عمليات مشتركة، وقال وزير الدفاع الإيراني الجنرال حسين دهقان: "إنه عازم مع نظيريه الروسي والسوري على خوض معركة حاسمة ضد الجماعات الإرهابية"، وادّعى أنّ "هذا الهدف يمكن تحقيقه من خلال عرقلة أو منع هذه المجموعات من تلقي الدعم السياسي أو الأسلحة التي تسمح لها بشن عمليات على نطاق أوسع"، وأضاف في ختام المحادثات أن "مكافحة الإرهاب يجب أن تتم على أساس برنامج مشترك وأولويات محددة"، وقال بأنّ نتائج تلك المحادثات يجب أن تظهر في الأيام المقبلة. وخرج بيان وزارة الدفاع الروسية لِيُركّز هو الآخر على تعزيز التعاون بين وزارات الدفاع في البلدان الثلاثة فيما يتعلق بالمعركة ضد ما أسماه "تنظيم الدولة الإسلامية وجبهة النصرة الإرهابية"، وقال وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف بأنّ "هناك الكثير من العمل الذي ما زال علينا القيام به لدعم النظام السوري". فلغة التصعيد العسكري واضحة جداً في هذه التصريحات، وخاصّة ما صدر منها على لسان المسؤولين الإيرانيين المتحمّسين أكثر من غيرهم في دعم نظام الطاغية، والذين احتضنوا الاجتماع في طهران. وقد تُوّجت التهديدات العسكرية من قبل وزراء الدفاع الثلاثة الروسي والإيراني والسوري، باستحداث منصب جديد من قبل إيران لمحاربة الثورة في سوريا، وتمثّل بتعيين علي شمخاني - وهو رئيس مجلس الأمن القومي الإيراني - كمنسق أعلى للسياسات العسكرية في سوريا، واجتمع على الفور بُعيْد تعيينه في هذا المنصب بوزراء دفاع سوريا وروسيا، وبحث معهما التطورات الميدانية في سوريا و(الحرب على الإرهاب). ومن أهم الأهداف العسكرية التي تسعى روسيا وإيران لتحقيقها من خلال التنسيق الذي تمّ بينهما في طهران مع وزير دفاع المجرم بشّار الأسد هي تأمين المناطق الشمالية من سوريا وإبعاد خطر هجمات الثوار على المعقل الرئيس للنظام في اللاذقية ومحيطها، بما يشمل مناطق حلب وحمص وحماة. وأمّا من جهة أمريكا، التي تنظم عمل تلك الدول في سوريا، فإنّها ركّزت في أعمالها العسكرية على دعم ما يُسمّى بقوات سوريا الديمقراطية التي يغلب على مُكوّناتها وحدات حماية الشعب الكردية، وأمريكا لا تُخفي علاقتها بها تكويناً وتدريباً وتمويلاً وتوجيهاً، وقامت طائراتها بمئات الغارات الجوية ضد تنظيم الدولة في مناطق الرقة ومنبج وريف حلب الشرقي، وساهم مستشاروها وعسكريوها على الأرض في تدريب وتوجيه مقاتلي تلك القوات التي حقّقت نجاحات محسوسة على الأرض، فأمريكا يبدو أنّها قد أصبحت تُعوّل عليها أكثر من غيرها، وكأنّها قد وجدت ضالتها فيها، وتقول الأنباء إنّ قوات سوريا الديمقراطية تُواصل تقدمها فى ريف منبج، على حساب تنظيم الدولة، وباتت تفرض سيطرتها على المزيد من القرى حول مدينة منبج، والتي بلغ عددها منذ بدء العمليات إلى نحو 100 قرية، ووصلت إلى مسافة 16كم غرب مدينة منبج، وأصبحت تُطوّق المدينة من كل جهاتها، وهي تهدف الآن للوصول إلى طريق الباب - الراعي الاستراتيجي، وبلدة قباسين في ريف حلب الشمالي الشرقي، ويُساعدها في تقدّمها الغارات المكثفة التي تشنّها الطائرات الأمريكية ضد مواقع التنظيم، وكانت في البداية تزحف باتجاه مدينة الرقة من ريفها الشمالي، ولكنّ أمريكا قامت بتحويل مسارها إلى منبج لضرورات عسكرية. وساعد دخول (قوات سوريا الديمقراطية) إلى منبج في فك الحصار عن مدينة مارع ومنع سقوطها بأيدي تنظيم الدولة، وحال بالتالي دون سقوط مدينة إعزاز والتي تُعتبر المعقل الأخير لفصائل المعارضة شمال حلب والتي تتصل ببوابة السلامة الحدودية وهي المعبر الوحيد لدعمهم اللوجستي من جهة تركيا. وكان عبور تلك القوات ضفة نهر الفرات من الشرق للغرب يُعتبر في السابق خطاً أحمرَ بالنسبة لتركيا لا يجوز تجاوزه بحال، لكن تركيا تجاهلت خطوطها الحمراء امتثالاً للرغبة الأمريكية. وأمّا قوات نظام الطاغية بشّار فقد استفادت من تقدم (قوات سوريا الديمقراطية) في المنطقة وتمكنت بعد تثبيت سيطرتها على مفرق الطبقة - الرصافة - أثريا، من التقدم والتوسع نحو الشرق باتجاه منطقة الرصافة، ونحو الجنوب باتجاه مطار الطبقة العسكري. ودخلت فرنسا هي الأخرى على الخط من باب حب الظهور، وإظهار نوع من التعاون مع أمريكا في سوريا، فذكر مصدر مقرب من وزير الدفاع الفرنسي "أن جنوداً فرنسيين يقدمون المشورة في سوريالقوات سوريا الديمقراطية الكردية العربيةالتي تحارب تنظيم الدولة الإسلامية"، وصرح هذا المصدر أن هجوم منبج كان مدعوما بشكل واضح من بعض الدول بينها فرنسا، وكان وزير الدفاع الفرنسي جان ايف لودريان ألمح من قبل إلى وجود جنود فرنسيين مع جنود أمريكيين إلى جانب قوات سوريا الديمقراطية في الهجوم في منبج بمحافظة حلب. إنّ هذه التطورات العسكرية تُشير إلى رغبة أمريكا في إدخال لاعبين جُدد على الساحة السورية، وذلك من أجل خلط المزيد من الأوراق، بُغية إضعاف موقف الثوار، وحمل المفاوضين في جنيف على تقديم تنازلات جديدة، وأهمها الاعتراف بدور النظام في أي حل سياسي مستقبلي يمكن التوصل إليه.

الأربعاء، 1 يونيو 2016

قراءة في البيان الختامي لقمة مجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى


قراءة في البيان الختامي لقمة مجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى




انتهت أعمال قمة مجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى التي انعقدت يومي الخميس والجمعة 26 و27 أيار (مايو) في مدينتي إيسي وشيما اليابانيتين الواقعتين في شبه جزيرة كي على بعد 300 كم جنوب غرب العاصمة اليابانية طوكيو، وتداولت القمّة كعادتها أبرز المواضيع الاقتصادية والسياسية العالمية المطروحة على بساط البحث، من مثل تطوير الاقتصاد والتجارة، وزيادة النمو، وكيفية الخروج من حالة الركود، والتوتر السائد بين الدول المشاطئة لبحر الصين الشرقي، واحتمال خروج بريطانيا من مجموعة دول الاتحاد الأوروبي، وتدفق المهاجرين بسبب النزاعات والحروب، واتفاقية باريس للمناخ.
وتصدّرت جدول أعمالها المخاطر والمصاعب الاقتصادية الحالية التي تعصف بالاقتصاد العالمي، ومن أهمّها ضعف النمو العالمي، والتقلّبات في أسعار العملات، والركود في الاقتصادات الناشئة، وانخفاض أسعار البترول، وتراجع حجم التجارة العالمية.
وهذه القمة هي الثانية والأربعون التي تعقدها المجموعة منذ نشأتها، وكانت تشكّلت مجموعة الدول الصناعية تلك في العام 1976، وتألفت من الولايات المتحدة الأمريكية واليابان وألمانيا وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا وكندا، وهي أغنى دول العالم وأعلاها دخلاً وأكثرها تطوراً.
وتُسمّى المجموعة باسم مجموعة السبع (G7) ، ووجدت في الأصل من أجل مكافحة الأزمة الاقتصادية التي شهدها العالم في سبعينات القرن الماضي، وكانت أول ما تأسّست مؤلفة من خمس دول فقط، وهي أمريكا وألمانيا وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا، ولم تكن تُوصف حينئذ بالكبرى، وأضيف لها هذا الوصف بعد أنْ انضمت إليها اليابان وكندا فيما بعد.
وفي العام 1998 أصبح اسمها مجموعة الثماني الكبرى (G8) وذلك بعد انضمام روسيا إليها، وذلك مكافأةً لها على تخليها عن الشيوعية وتبنيها للرأسمالية، لكن وفي العام 2014 أخرجت روسيا منها بسبب ضمّها لشبه جزيرة القرم إلى أراضيها بعد اندلاع المشكلة الأوكرانية، فعادت المجموعة من ثمّ إلى سابق عهدها مكونةً من سبع دول.
وسنستعرض أهم ما عالجته القمّة الحالية وهو ما جاء في بيانها الختامي ونبين الرأي الصحيح تجاهه:
فمشكلة ضعف النمو العالمي - وهي المشكلة الأبرز التي طُرِحت في القمّة - فقد كان الحل لها عندهم يتمثّل في (استخدام كافة أدوات السياسة الاقتصادية والمالية والميزانية والهيكلية فرادى ومجتمعين لزيادة معدلات النمو، ودفع الإصلاحات الهيكلية في مجتمعاتهم لتحفيز النمو وطاقات الإنتاج من خلال رفع التحديات الهيكلية)، وهذا الكلام الإنشائي العام الوارد في البيان يُترجم على أرض الواقع بدفع الدولة والشركات والقطاع الخاص بكل ما أوتوا من قوة لزيادة الإنتاج، ولدفع الناس وتشجيعهم على زيادة الاستهلاك، وإنفاق معظم ما يملكون من أموال، من أجل إنعاش الوضع الاقتصادي الذي يتسّم حالياً بالركود، وبالتالي زيادة معدلات النمو باعتباره المقياس الأهم في النظام الرأسمالي للحالة الاقتصادية للدولة.
إنّ هذا الحل لا شكّ أنّه حلٌ خاطئ، لأنّه لم يُعالج مشكلة توزيع الثروة على الناس وهي المشكلة الأهم، فطالما أنّ المال سيبقى متداولاً بين أيدي القلة فقط، فلا يمكن معالجة المشكلة الاقتصادية مهما بذلوا من جهود لزيادة الإنتاج، ولأنّ تصريف فائض الإنتاج لن يتحقّق مطلقاً بسبب عدم وجود الأموال لدى معظم المستهلكين، ومن هنا كانت دعوتهم إلى تغيير هياكل وأنماط القوى المنتجة، ودعمهم لخصخصة المزيد من المؤسّسات العامة لن تُفيد في تحسين النمو للقضاء على حالة الركود المزمنة التي تسود الدول، ولأنّ المستفيدين دائماً وفي ظل هذه الحلول الترقيعية سيبقون حفنة قليلة من الأثرياء، بينما ستبقى غالبية الناس من الشرائح الفقيرة والضعيفة التي لا حظّ لها من الثروة إلا القليل، فهذه العلاجات الرأسمالية هي علاجات تسكينية غير ناجعة، ستبقي الأوضاع الاقتصادية تدور في حلقةٍ مفرغة، وستبقى المشكلة قائمة كما كانت منذ عشرات السنين من دون حل، طالما بقي النظام الرأسمالي هو النظام السائد في العالم.
أمّا بالنسبة لحرب العملات فقد خرج قادة دول المجموعة بحلٍ وسط كعادة الدول الرأسمالية في إخراج الحلول الوسط، وهو حلٌ يُرضي الطرفين الأمريكي والياباني نسبياً، فاليابان التي اضطرت حكومتها للتدخل، وتخفيض سعر صرف عملتها، لتحسين بيع منتجاتها التي أصبحت مرتفعة الأسعار، ولتحسين قدرتها التنافسية، وعارضتها أمريكا بشدّة والتي ترفض بشكلٍ مبدئي تدخل الحكومات في قيم أسعار عملاتها، والتي تضغط دائماً على كل دول العالم لتترك أسعار عملاتها تتحكم بها آليات السوق، فكان الحل الوسط بينهما هو السماح بتدخل جزئي من الحكومات لمنع ارتفاع كبير وحاد في أسعار العملات، أمّا إنْ كان الارتفاع قليلاً فيكون مقبولاً ولا تتدخل الحكومات في منعه.
ومشكلة أسعار العملات هذه لنْ تُحلّ أبداً بشكلٍ جذري ما دامت العملات غير مُغطاة بموجودات ثابتة ذات مصداقية واضحة كالذهب والفضة، وستبقى أمريكا هي المستفيدة الأولى من ناحية نقدية كون عملتها هي الغطاء النقدي لسائر عملات دول العالم، ومعلومٌ أنّ أمريكا في الأصل هي التي خلقت هذه المشكلة، وذلك عندما فكّت الارتباط في العام 1971 بين الدولار وبين الذهب، وهو ما أدّى إلى نشوب حروب العملات في العالم، وأدّى بالتالي إلى زعزعة الاستقرار النقدي العالمي الذي كان قائماً من قبل على أساس الذهب والفضة، وأصبح بعد ذلك التاريخ عُرْضةً للانهيارات المفاجئة، وصار في مهب الريح.
أمّا بقية المسائل المطروحة في القمّة فهي أقل أهمية، وجاءت الحلول لها تتماشى مع تحقيق مصالح هذه الدول السبع الكبرى ليس إلا، وذلك كمشكلة معاقبة روسيا على احتلالها لشبه جزيرة القرم، وما يترتب عليها من استمرار تهميشها واستبعادها عن المشاركة في المجموعة، وكمشكلة احتمال تصويت البريطانيين في الثالث والعشرين من حزيران (يونيو) لصالح خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وما قد يترتب عليه من إلحاق ضعف سياسي واقتصادي بأوروبا، لذلك دعا بيان المجموعة لاستمرار بقاء بريطانيا في الاتحاد، من أجل بقاء الاتحاد قوياً من ناحية اقتصادية وسياسية، وهو ما يعني تدخل مجموعة السبع بشكلٍ سافر في قرار الشعب البريطاني بالتأثير عليه، وكمشكلة النزاع على السيادة في بحر الصين الجنوبي والشرقي، وهي مشكلة سياسية بحتة وليست اقتصادية، ومن ثمّ فإنّ عرض حلّها بالطرق السلمية كان بمثابة تدخّل سافر في شؤون تلك المنطقة لا يحق للمجموعة أصلاً التدخّل بها، وكمشكلة اللاجئين والمهجرين والنازحين خاصّةً مشكلة لاجئي سوريا وتدفقهم على أوروبا، وحلّها عن طريق جمع الأموال لتوطينهم في المناطق التي لجأوا إليها، وهذا الحل يعني الحفاظ على الأوضاع المأساوية في سوريا على ما هي عليه، وعدم تمكين الثورة في سوريا من الإطاحة بنظام الطاغية بشّار، وإبقاء الشعوب في حالةٍ يُرثى لها من العيش، واعتبار مشكلتهم مشكلة مساعدات إنسانية، وليست مشكلة سياسية، وكمشكلة اتفاقية المناخ والإعلان عن بدء سريانها نهاية هذا العام، مع ما صاحبها من ابتزازات من الدول الكبرى للدول الأخرى، وتحميل الدول الصغرى عبء تلويث البيئة بنفس القدر التي تُلوّثها الدول الصناعية الكبرى، وكذلك الابتزازات بين الدول الكبرى فيما بينها والمتعلّقة باستخدامات مصادر الطاقة المُلوّثة، وحجمها، ونوعها، ومدّة استخدامها.
هذا من حيث المشاكل التي تعرّضت القمّة الأخيرة لمجموعة السبع لها وبطلان الحلول التي وضعتها لها، أمّا من حيث وجود المجموعة نفسها ابتداء فهذه مسألة أخرى يجب توضيحها.
إنّ مجموعة الدول السبع الكبرى بتكتلها هذا فإنّها تُنصّب نفسها وكأنّها مسؤولةٌ عن الشؤون الاقتصادية العالمية التي لا تعنيها، وتُكرّس بالتالي هيمنتها الدائمة على الاقتصاد العالمي من غير وجه حق، فهي بذلك التكتل تقوم بصنع المشكلات، ثمّ تضع الحلول، وكأنّ العالم بجميع دوله راضٍ بقيادتها الدائمة له، موافقٌ على سيطرتها الجبرية على مقدّراته، ممتنٌّ لها على معالجاتها لمشاكله، وشاكرٌ لها على قيامها بهذا الدور، مع أنّ دول العالم لم تطلب منها القيام بهذا الدور، ولا فوّضتها إنشاء هذا التكتل، بل هي التي فرضت نفسها على العالم من دون أنْ تُشاورها، ومن دون إذنٍ منها.
إنّه لمن العسف الكبير والظلم الشديد أنْ تتحكّم سبع دول فقط في مصائرِ أكثر من تسعين دولة، فالصين على سبيل المثال هي الآن القوة الاقتصادية الثانية في العالم ولم يتم إشراكها في هذا التكتل، والبرازيل تملك قوة اقتصادية تفوق قوة إيطاليا وكندا ولم يُعرض عليها الدخول في المجموعة.
وبعد أنْ بلغ التعسف الاقتصادي بسبب هذه المجموعة الاقتصادية مداه، فقد حان الأوان لتغيير هذه الوضعية الدولية الجائرة، لكنّ هذا التغيير سوف لن يكون إلا بقدوم دولةٍ تتبنّى مبدأً مغايراً للمبدأ الرأسمالي، وحيث إنّه لا يوجد سوى الإسلام بوصفه مبدأً يمتلك رؤيةً اقتصاديةً مغايرة، فإنّ التغيير في المنظومة الاقتصادية العالمية لن يحصل إلا بقيام دولة الإسلام؛ دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة التي بمقدورها وضع حدٍ لهذا العبث الرأسمالي بمقدّرات وثروات الشعوب والأمم المغلوبة على أمرها.