الثلاثاء، 14 نوفمبر 2017

امريكا تُسخّر روسيا لخدمتها في القضايا الدولية



أمريكا تُسخّر روسيا لخدمتها في القضايا الدولية





الخبر:

أجرى الرئيسان الروسي والأمريكي عددا من اللقاءات القصيرة على هامش قمة آبيك التي انعقدت في مدينة دانانغ الفيتنامية يومي 10 و11 تشرين الثاني/نوفمبر الجاري، وأكّد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على دور روسيا الكبير في حل كثير من المشاكل العالمية، وعلى أهمية إقامة علاقات جيدة بين موسكو وواشنطن، وأشار إلى أن الاتفاق الأمريكي الروسي حول سوريا سينقذ عددا كبيرا من الأرواح.

وقال ترامب: "التقيت الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي حضر اجتماعات قمة آبيك وأجرينا محادثة جيدة حول سوريا، وأعوّل على دعمه ودعم الصين في إيجاد تسوية مشتركة للأزمة الكورية الشمالية الخطيرة، فهناك تقدم".

وشدّد ترامب على ضرورة تحسين العلاقات مع روسيا لحل المشاكل الدولية: "متى يفهم كل هؤلاء الحاقدين والأغبياء أن التمتع بعلاقات طيبة مع روسيا شيء جيد وليس سيئا!... أريد حلولا في كوريا الشمالية وسوريا وأوكرانيا والقضاء على (الإرهاب)، ويمكن لروسيا أن تساعد كثيرا في ذلك!"

التعليق:

إنّ تعليقات ترامب بعد اجتماعه بالرئيس الروسي بوتين في فيتنام تدل بوضوح على الرؤية الأمريكية الانتهازية للدور الروسي المُفترض في العلاقات الدولية، فأمريكا وبحسب تصريحات ترامب هذه تريد تسخير روسيا لخدمتها في عديد من القضايا الدولية من مثل كوريا الشمالية وأوكرانيا وسوريا وفي مجال محاربة الإسلام، ويصف ترامب مُعارضيه الذين يرفضون وجود علاقات تعاون مع روسيا بالأغبياء، ويُبيّن لهم بكلام صريح وواضح أنّ دور روسيا في هذه العلاقات هو مجرد دور مساعد لأمريكا في الشؤون الدولية، وليس دوراً ندّياً مُنافساً لها، فقوله: "ويمكن لروسيا أن تساعد كثيرا في ذلك"، يؤكد نظرة أمريكا الفوقية مع روسيا، وأنّ أمريكا لا ترى في روسيا دولة مكافئة لها وإنّما ترى فيها دولةً خادمة.

ثمّ إنّنا لم نسمع من وسائل الإعلام أية تعليقات روسية تعترض على ما قاله ترامب، أو تُوضّح الموقف الروسي من تصريحاته، وهو ما يعني موافقة روسيا الضمنية على هذا الدور الذي فصّلته لها إدارة ترامب.

ولعل ما يجري في سوريا من تنسيق روسي واضح مع أمريكا لفرض الحل الأمريكي فيها يُترجم عملياً هذه السياسة ويضعها موضع التطبيق.

إنّ هذا الدور الروسي المساعد لأمريكا في العلاقات الدولية، يضع العالم أمام وضع دولي شاذ تقوم فيه الدولة الأولى بأعمال بلطجة دولية، فيما نجد من الدول الكبرى كروسيا من يُعينها في قيامها بهذه الأعمال القذرة بدلاً من التصدي لها، بينما تقف سائر الدول الكبرى الأخرى موقف المُتفرّج.

إنّ استمرار هذا الوضع الدولي المعوج على هذا النحو والمُتمثّل في تحكم أمريكا بمفاصله الرئيسية، وعدم وجود قوة دولية أخرى رادعة لها يعني أنّ العالم اليوم في أمس الحاجة لبروز قوة الإسلام الدولية التي بمقدورها كسر هذه الهيمنة الأمريكية الدولية، وتغيير المعادلات الدولية بشكلٍ جذري لصالح البشرية جمعاء.

الأربعاء، 8 نوفمبر 2017

خطاب خامنئي والعداء اللفظي المصطنع ضد واشنطن



خطاب خامنئي والعداء اللفظي المصطنع ضد واشنطن




في خطابه مطلع الشهر الجاري للتلفزيون الإيراني شنّ مرشد الثورة الإيرانية آية الله علي خامنئي هجوماً لفظياً كاسحاً على أمريكا ووصفها بأنّها: "العدو الأول لأمتنا"، وقال بأنّ إيران "لن تذعن لضغوط واشنطن بشأن الاتفاق النووي"، ووصف تصريحات الرئيس الأمريكي بــ "الغبية ضد شعبنا"، وأنّها "تظهر عمق العداء الأمريكي لأمتنا الإيرانية برمتها"، وأكّد على أنّ إيران "لن تقبل أبدا ترهيبهم بشأن الاتفاق النووي"، وأنّ "الأمريكيين يستخدمون كل الشرور لتدمير نتائج المحادثات النووية"، وقال بأنّ "أي تراجع تبديه إيران سيزيد من فجاجة ووقاحة أمريكا، والمقاومة هي الخيار الوحيد" على حد قوله.
ليس غريباً أنْ تتكرّر لهجة القيادة الإيرانية بمثل هذا الأسلوب الناري ضد أمريكا، على مدى نيفٍ وثلاثين عاماً الماضية من عمر الثورة الإيرانية؛ لأنّه قد ثبت أنّ هذا الأسلوب اللفظي المُضلّل هو الأفعل في خداع الجماهير بمواقف الدولة الإيرانية المُعادية للأمّة الإسلامية والمُتواطئة مع مواقف أعدائها.
فمثلاً نجد أنّ المواقف الرسمية الإيرانية المُخزية ضد ثورة الشام واصطفافها مع جزّار سوريا بشّار الأسد لا يُمكن تفسيرها على أنّها مواقف مقبولة إلاّ بافتعال فبركة سياسية ضد أمريكا، والادعاء بأنّ إيران تُقاوم استكبارها وشرورها، وكذلك دعمها المُباشر لمليشيات مُرتزقة طائفية في سوريا والعراق وغيرها، ومُشاركتها الفعّالة لروسيا وأمريكا في مُحاربة الإسلام تحت مُسمّى مُحاربة (الإرهاب)، ووقوفها إلى جانب الأرمن ضد المسلمين في أذربيجان، ومُحاولتها مع السعودية إثارة النعرات الطائفية بين السُنّة والشيعة في العالم الإسلامي، ودعمها لنظامي الحكم العميليْن في أفغانستان والعراق اللذين صنعتهما أمريكا على عينٍ بصيرة بعد احتلالها للبلدين، وغيرها من المواقف السياسية البائسة التي لا يمكن تسويقها على العوام إلاّ بالتذرع بمُعاداة أمريكا، وخداع الجماهير بتلك الذرائع الكاذبة، لكسب مشاعر المُسلمين الذين بطبيعتهم يبغضون سياسات أمريكا الاستعمارية العُدوانية.
لقد تأسست الجمهورية (الإسلامية) في إيران على يد الخميني أصلاً بتخطيط وتدبيرٍ من أمريكا، وقد أثبتت الوثائق الأمريكية والبريطانية المُفرج عنها هذه الحقيقة، وقد ثبت بالفعل وجود علاقة للخميني بأمريكا قبل القيام بثورته بست عشرة سنة، فذكرت الـ(BBC) أن الخميني كان أبلغ الرئيس الأمريكي الأسبق جون كيندي أثناء وجوده تحت الإقامة الجبرية في طهران في العام 1963، يدعو فيها الإدارة الأمريكية إلى عدم تفسير هجومه على سياسة الشاه بأنه يُعادي واشنطن، وأكّد على أنه "ليس ضد المصالح الأمريكية في إيران، ويعتبر الوجود الأمريكي ضرورياً لمعادلة التوازن للنفوذ السوفياتي وربما البريطاني، ويؤمن بضرورة التعاون المقرب بين الإسلام وبقية الأديان في العالم وخاصة المسيحية"، وتوضح وثيقة نشرتها (سي آي إيه) "أنّ الخميني تبادل رسائل سرية مع كيندي بعد أشهر من الإفراج عنه من السجن في إيران مطلع تشرين الثاني (نوفمبر) العام 1963 طالب خلالها بألا يُفسّر هجومه اللفظي بطريقة خاطئة، لأنه يحمي المصالح الأمريكية في إيران"، كما كشفت (وثائق سرية) لـ CIA عنوجود محادثات سرية جرت بين الخميني والإدارة الأمريكية قبيل تسلمه إدارة البلاد في العام 1979 بعد الإطاحة بحكم الشاه محمد رضا بهلوي، وأشارت تلك الوثائق إلى تعهد الخميني بــ "المحافظة على مصالح واشنطن واستقرار المنطقة مقابل فسح الطريق له لتولي مسؤولية البلاد"، وكشفت تلك الوثائق أنّ الخميني وبعد العودة إلى إيران بعد قضاء 15 عاما في المنفى في باريس، بعث برسالة شخصية أولى إلى البيت الأبيض يؤكد فيها رغبته في إقامة علاقة صداقة مع أمريكا.
وكانت أمريكا تُخطّط للإطاحة بشاه إيران عميل بريطانيا العريقمنذ أيام مُصدّق عام 1953 لكنّها لم تنجح في ذلك إلا في العام 1979عن طريق ثورة الخميني، وذكرت الوثائق الأمريكية الجديدة والتي رفعت وكالة المخابرات الأمريكية (CIA) السرية عنها "أنّ الرئيس الأمريكي السابق جيمي كارتر كان من كبار الداعمين لفكرة استبدال نظام الشاه"، وكشفت الوثائق عمّا جرىقبل الثورة الخمينية بأيام قليلة حيث انعقد مؤتمر غواديلوب في كانون الثاني/يناير 1979 وكانت الثورة الإيرانية من محاوره الرئيسية، ووفقاً لرواية (BBC) الفارسية فإن كارتر وفي اجتماع غير معلن لمجلس الأمن في واشنطن أخبر نظراءه الأوروبيين عن قرار نهاية حكم محمد رضا بهلوي ولزوم مغادرته إيران.
وحسب محضر الاجتماع السري فإنّ الرئيس الأمريكي اتخذ القرار النهائي قبل لحظات من السفر إلى غواديلوب في الثالث من كانون الثاني/يناير في اجتماع غير رسمي مع كبار مستشاريه، وذكرت الرواية أن كارتر كان قد تلقى برقية عاجلة من السفير الأمريكي في طهران ويليام ساليوان يخبره بأنّه "حان وقت اللحظة التاريخية"، أيإسقاط الشاه، وأنّ وزير الخارجية الأمريكي الأسبق سايروس فانس ورئيس (CIA) آنذاك ترنر تمكّنا من إقناع الرئيس "بضرورة رحيل الشاه من إيران"، وفي النهاية تقرّر أن يطلب كارتر من الشاه بشكل غير مباشر مغادرة إيران، ووفق الوثيقة المذكورة فإنّمساعد الرئيس الأمريكي وولتر مونديل قال حينها: "يجب تشجيع الشاه على الرحيل بطريقة لا يعرف أنّ أمريكا وراءها"، لذلك لم يقُل الشاه قولته المشهورة "هكذا أخرجتني أمريكا وألقتني كالفأر الميّت" من فراغ.
وبعد نجاح ثورة الخميني دعمت أمريكا إيران في حربها ضد العراق تحت ستار ما يُعرف بسياسة الاحتواء المزدوج، ثمّ تعاونت إيران مع أمريكا في احتلاها لأفغانستان والعراق، وإسقاط حركة طالبان وصدّام حسين من الحكم، وتحدّث أكثر من مسؤول إيراني ومنهم رافسنجاني وأبطحي بفخر ووقاحة عن مُساعدة إيران لأمريكا في احتلالها لأفغانستان والعراق، وتعاونت إيران كذلك بعد الاحتلال مع أمريكا في مسائل داخلية تتعلّق بالعراق، فقالمحمد حسين عادلي السفير الإيراني في بريطانيا لرويترز بصراحة: "إنّ إيران تعاونت عن كثب مع الولايات المتحدة لكسب التأييد بين السكان العراقيين للانتخابات"، وأضاف: "إنّ طهران مستعدة للعمل مرة أخرى مع الولايات المتحدة لضمان الاستقرار في الشرق الأوسط حينما تتلاقى مصالحهما"، لذلك لم يكن غريباً أنْ تُسلّم أمريكا العراق لإيران على طبقٍ من فضة بعد انسحاب قواتها من العراق لوثوقها بمواقف عملائها في إيران، كما لم يكن غريباً أنْ تكون حكومات كرازاي وأشرف غاني صنيعتي أمريكا في أفغانستان من أكثر الحكومات قرباً لإيران.
هذا هو التاريخ الحقيقي لإيران ما بعد ثورة الخميني، ومُعادلته: تعاون فعلي وعملي وحقيقي مع أمريكا في الإقليم، وتعادٍ لفظي مُضلل ومُصطنع لتغطية ذلك التعاون.

الجمعة، 3 نوفمبر 2017

جولة تيليرسون واستراتيجية الهيمنة




جولة تيليرسون واستراتيجية الهيمنة






أنهى وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون جولة خارجية شملت عدة دول عربية وآسيوية ترجم من خلالها السياسات الخارجية الأمريكية التي اعتمدتها إدارة ترامب لمستقبل هذه الدول كان عُنوانها التدخل السافر في تلك الدول وفرض أجندتها عليها.
ومن تتبع المواقف والتصريحات التي أدلى بها تيلرسون في زيارته يمكن أنْ نستشف استراتيجية هيمنة واضحة تُباشرها أمريكا في الدول التي زارها.
فبالنسبة للأزمة الخليجية تبيّن أنّ الموقف الأمريكي بخصوصها يهدف إلى إطالتها وإشغال المنطقة بها لمدة غير محدودة بهدف ابتزاز تلك الدول بشكلٍ عام، وإضعاف تأثير نفوذ دولة قطر بشكلٍ خاص، وإشغالها بنفسها، وعدم تمكينها من التشويش على السياسات الأمريكية بتوجيه بريطانيا لها، لا سيما في مناطق الصراع الساخنة في المنطقة كليبيا ودارفور بالسودان وغيرهما.
فالمهم بالنسبة لأمريكا هو استمرار تعاون جميع هذه الدول في محاربة الإسلام وليس مهماً عندها استمرار الأزمة فيما بينها، فقال تيلرسون في ختام جولته: "إنّ جميع شركاء بلاده في الخليج يبذلون جهودا متجددة في مجال مكافحة (الإرهاب)"، وشدّد على: "ضرورة توسيع هذه الجهود عبر التعاون والتنسيق بشكل أكبر، فضلا عن تبادل المعلومات بين جميع الشركاء".
وكان تيلرسون قبيل الزيارة قد عبّر في مقابلة مع وكالة بلومبيرغ الأمريكية عن تشاؤمه بشأن قرب حل الأزمة، وحمّل دول الحصار الأربع وهي (السعودية والإمارات والبحرين ومصر) مسؤولية استمرارها، فقال: "إنّ الأمر الآن متوقّف على الدول الأربع، قطر كانت واضحة جداً بهذا الشأن، إنّها مستعدة للحوار"،وقالت المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية هيذر نويرت: "إن تيلرسون سيشجع الدول على الجلوس للتحاور"، ثمّ عقّبت بقولها: "لا يمكننا إجبارهم على شيء لا يريدون فعله".
وعندما وصل تيلرسون السعودية أكّد على موقفه المُسبق هذافقال بأنّه: "لم يلحظ بعد اجتماعاته في الرياض وجود أي مؤشر قوي على أن الأطراف مستعدة للدخول في حوار لحل الأزمة الخليجية، وأنّ واشنطن لا يمكنها فرض حوار على أشخاص ليسوا مستعدين له"، وادّعى أنّ واشنطن لا تستطيع فرض حل للأزمة.
وبالإضافة إلى تعطيل المُصالحة سعى تيلرسون لتحقيق أمرين مُهمّين آخرين هما:
أولاً: ضخ أموال سعودية للعراق لمُساعدته في إعادة الإعمار بعد الانتهاء من قتال تنظيم الدولة، وذلك عبر آلية تشكيل مجلس تنسيق سياسي سعودي عراقي لمتابعة تطبيق السياسات الأمريكية، فقد حثّ تيلرسون السعودية بالفعل على تقديم المساعدة في إعادة إعمار العراق، فقال: "إنّ العراقيين يريدون اقتصادا آمنا ومستقرا ويريدون تطوير قدرات بلادهم لتلبية احتياجات مواطنيهم"، ورعى تيلرسون بنفسه لقاء الملك سلمان برئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي في الرياض، وشارك الثلاثة في أول جلسة لمجلس التنسيق السعودي العراقي الجديد، وأعلنت السعودية على إثر تأسيس هذا المجلس عن خطط تشييد طرق برية جديدة بجنوب العراق لتسهيل حركة البضائع عبر الحدود، كما بدأت شركات سعودية تعمل بمجالات البتروكيميائيات والزراعة للاستثمار بالعراق.
ثانياً: دعا تيلرسون المليشيات العراقية المدعومة من إيران للعودة إلى ديارها، ومغادرة الأجانب البلاد وترك العراقيين يعيدون بناء بلدهم، وذلك في سعي منه لإبقاء حالة التوتر في العلاقات السعودية الإيرانية لتحقيق أقصى قدر من المصالح الأمريكية المستديمة في الخليج، والمُتمثّلة في استمرار جعل إيران فزّاعة دائمة لدول الخليج، ولتحذير الأوروبيين من جهة أخرى من الاستثمار في إيران، فقد أوردت صحيفة نيويورك تايمز أن تيلرسون حذّر الأوروبيين من الاستثمار في قطاعات إيرانية محددة، في الوقت الذي بدأت فيه واشنطن بالتلويح بفكرة الانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني، وإعادة فرض العقوبات على إيران، وبمعنى آخر إعادة فرضها على الدول الأوروبية.
وبالرغم من أنّه هاجم المليشيات التي تدعمها إيران ودعاها للعودة إلى ديارها، وبالرغم من أنّه حرّض ضد إيران إلا أنّ تيلرسون اعترف بصراحة بدورها المحوري في المنطقة فقال: "يجب أن نكون واقعيين وندرك ونقر بأن العراق له حدود طويلة جدا مع إيران، وهناك علاقات بينهما ترجع إلى قرون، ولن نعمل على قطع كل العلاقات بين هاتين الدولتين، هناك علاقات مشروعة، اقتصادية وتجارية وأشياء مثل ذلك، يجب أن تستمر"، وهذا هو الموقف الأمريكي الحقيقي من إيران وهو تعاون العراق معها على نطاق واسع لخدمة استراتيجية أمريكا في المنطقة، بينما تصريحاته المغايِرة ما هي إلا لذر الرماد في العيون.
وأمّا بخصوص المشكلة الكردية فأعاد تيلرسون طرح الرؤية الأمريكية المعروفة فقال: "الولايات المتحدة مستعدة لمساعدة بغداد وأربيل لرسم مسار إيجابي لعراق فيدرالي موحد وديمقراطي بالوسائل السلمية، أدعو الطرفين إلى تجنب الاشتباكات بين القوات العراقية والبيشمركة، وأدعو رئيس الوزراء حيدر العبادي لقبول دعوة أربيل للحوار بناء على الدستور العراقي"، والحوار الذي يقصده هنا هو ذلك الحوار الذي يفضي إلى قيام دولة عراقية فدرالية وفقاً للدستور العراقي الذي وضعته أمريكا.
وفي أفغانستان التقى وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون بالرئيس الأفغاني أشرف غاني وبرئيس وزرائه عبد الله عبد الله وطمأنهما بأنّ إدارة ترامب لن تتخلى عن حماية نظامي حكمهما من هجمات حركة طالبان، وأنّ القوات الأمريكية ستبقى في أفغانستان، وأنّها لن تتخلّى عن عملائها، فقال: "من الواضح أنّ علينا مواصلة القتال ضد حركة طالبان وضد آخرين لكي يدركوا أنهم لن يحققوا أبدا انتصارا عسكريا".
وفي المحطّة الباكستانية التقى تيلرسون رئيس الوزراء شاهد خاقان عباسي وقائد الجيش الجنرال قمر جاويد باجوا، وأكّدت السفارة الأمريكية في إسلام أباد في بيان لها أنّ: "وزير الخارجية كرّر رسالة الرئيس ترامب أنه يتعين على باكستان زيادة جهودها للقضاء على (الإرهابيين) الذين يعيثون فسادا في البلاد"، وكان الرئيس الأمريكي ترامب قد اتهم الدولة الباكستانية بأنها تمنح ملاذا (للإرهابيين)،وأعاد تيلرسون التأكيد على رؤية إدارة ترامب التي تطالب باكستان بفعل المزيد لمحاربة المنظمات (الإرهابية).
 لقد لوحظ من خلال جولة تيلرسون هذه أنّ أمريكا تتصرف مع البلدان الإسلامية بطريقة فرض الأوامر وكثرة الطلبات، واستمرار الاتهامات، فتُحوّل قادتها العملاء إلى مُجرد أجراء يقومون بأعمال وظيفية، بينما تتعامل مع غير المُسلمين من عُملائها باعتبارهم شركاء استراتيجيين كما فعلت مع الهند غريمة الباكستان وعدوّتها اللدود.
ففي محطته الأخيرة الهند التقى تيلرسون كبار المسؤولين فيها وشرح لهم الخطّة الأمريكية تجاه منطقة جنوب آسيا وبيّن لهم أنّ الهند ستلعب فيها دوراً إقليمياً محورياً في مواجهة الصين، وأكّد على عمق التعاون الأمريكي مع الهند،واعتبارها شريكاً مهماً في مواجهة النفوذ الصيني (السلبي) المُتصاعد في آسيا.