الجمعة، 20 ديسمبر 2019

حلف الناتو وسبعون عاماً من الظلم والبغي والعدوان


حلف الناتو وسبعون عاماً من الظلم والبغي والعدوان






انعقدت قمة دول حلف الناتو في العاصمة البريطانية لندن في 04/12/2019م بمناسبة مرور سبعين عاماً على تأسيس حلف شمال الأطلسي المعروف اختصاراً بحلف الناتو، وأُنشئ الحلف في العام 1949م من دول شمال المحيط الأطلسي وهي أمريكا وكندا ومُعظم دول أوروبا الغربية الرأسمالية بالإضافة إلى تركيا لمواجهة خطر تعاظم قوة روسيا التي تحولت آنذاك إلى الاتحاد السوفيتي، والذي صار يتوسع في شرق أوروبا بسرعةٍ قياسية، ويُطبّق فيها الشيوعية، ثمّ ما لبث الاتحاد السوفيتي أنْ أنشأ حلفاً للدول الشيوعية التابعة له، وجعل من العاصمة البولندية وارسو مقراً له في العام 1955م، وضمّ إليه دول شرق أوروبا التي فُرضت عليها الشيوعية بالقوة، وأصبح العالم بعد الحرب العالمية الثانية مُنقسماً بين مُعسكرين، أحدهما رأسمالي يُمثّله حلف الناتو بقيادة أمريكا، والآخر شيوعي يُمثّله حلف وارسو بقيادة الاتحاد السوفيتي.
وفي العام 1991م اندثر الاتحاد السوفيتي، وتحولت روسيا عن الشيوعية إلى الرأسمالية، وانفرط عقد حلف وارسو ولم يعد له وجود، وزال خطر الشيوعية، وانتفى وجود أي تهديد عسكري ضد دول حلف الناتو، ولم يعُد هناك أي مُبرّر لاستمرار وجود الحلف، وكان المفروض حلّ الحلف، وإنهاء حالة المعسكرات الدولية.
لكنّ أمريكا والدول الغربية بدلاً من إلغاء الحلف استحدثت عدوّاً جديداً لها وهو الإسلام، واتخذته مُبرّراً لبقاء الحلف، وظهر ذلك في تصريح للأمين العام للحلف ويلي كلايس بُعيد سقوط حلف وارسو، والذي اعتبر فيه أنّ الإسلام حلّ محل الشيوعية في مُعاداة الغرب، وقال بأنّ الأصولية الإسلامية باتت أعظم خطر يُواجه الغرب، وتحدّث كذلك قادة غربيون عديدون بهذا المعنى ومنهم هنري كيسنجر.
وهكذا تحوّل عداء الغرب إلى الإسلام تحولاً تلقائياً بعد سقوط الشيوعية، وهو وإن كان موجوداً قبل ذلك، لكنّه أخذ صورة التحالف العسكري والمواثيق الدولية، وما تدخلات الحلف في البوسنة والهرسك وكوسوفا والعراق وأفغانستان وليبيا إلا تأكيد على دوره الاستعماري المعادي للمسلمين.
فأصبح الحلف بعد العام 1991م صليبياً مُعادياً للإسلام بشكلٍ واضح ومُباشر، وتوسّع الحلف بعد ذلك على هذا الأساس، فانضمت إليه دول أوروبا الشرقية التي كانت تابعةً للاتحاد السوفيتي البائد كرومانيا وبلغاريا وبولندا والتشيك والمجر وغيرها من دول أوروبا الشرقية، وبلغ عدد الدول المنضوية فيه اليوم تسعاً وعشرين دولة وما زال قابلاً للزيادة.
ولا يوجد بين أقطاب الحلف ومؤسّسيه اختلاف على مُحاربة الإسلام، ولكن يوجد بينهم اختلاف على طريقة قيادة الحلف وحجم الإنفاق فيه، فأمريكا تُريد من الدول الأوروبية زيادة نسبة مُساهماتها المالية في الحلف، بينما تسعى فرنسا لتتبوأ مكانة قيادية عليا إلى جانب أمريكا وبريطانيا فيه، وتُهدّد بالخروج منه وتشكيل نُواة جيش أوروبي ليكون بمثابة البديل عن الحلف، وهي قد انسحبت منه بالفعل في العام 1969م أيام ديغول ثمّ عادت إليه فيما بعد.
وقُبيل انعقاد قمّة الحلف الأخيرة في لندن جرت مُشاحنات ومُناكفات بين الرئيس الفرنسي ماكرون والرئيس الأمريكي ترامب، فقال ماكرون مُعرّضاً بالدور الأمريكي في قيادة الحلف: "إنّ دول الحلف لم تعد تتعاون في القضايا السياسية، والحلف اليوم يمرّ في حالة موت سريري أو دماغي، وإنّ أمريكا تتعامل بفتور تجاه التزاماتها في الحلف"، فردّ عليه ترامب بعنف قائلاً: "إنّ الحلف يؤدي مُهمّة عظيمة، وإنّ أمريكا في أوروبا لحمايتها منذ الحروب العالمية الأولى والثانية، ولا تريد شيئاً منها سوى دفع الأموال التي عليها، وإنّ تصريحات ماكرون مُقرفة، وفيها إهانة كبيرة للحلف، وإنّ فرنسا هي أكبر المُستفيدين من الحلف، ولن تنجح الدول الأوروبية في إنشاء جيش أوروبي بديل عن الناتو".
ثمّ انبرى الرئيس التركي أردوغان مُدافعاً عن الحلف ومُهاجماً ماكرون فقال: "يبدو أنّ ماكرون هو الميّت دماغياً وليس الحلف"، والغريب أنّ أردوغان في رده هذا على ماكرون يتناسى كونه رئيس بلد مسلم مُستهدف هو نفسه من الحلف الذي هو رئيس لدولة عضو فيه، فأمريكا والدول الغربية تستغل قوة تركيا وأراضيها ذات الموقع الاستراتيجي المهم لدعم أهداف الحلف المعادية للإسلام، فالطائرات الأمريكية تشن الكثير من غاراتها ضد أبناء المسلمين من قواعد لها على الأراضي التركية، فلو كان أردوغان يملك قرار بلاده لانسحب من هذا الحلف المعادي للإسلام والمسلمين فوراً ومن دون تأخير، وكم من المجازر التي ارتكبها الحلف في العراق وأفغانستان وفي غيرها من بلاد المسلمين بدم بارد، ولا ننسى جريمة الصرب البربرية التي قلّ نظيرها في التاريخ عندما قتلوا في سربرنيتشيا 8000 مُسلم في عدة أيام برعاية قوات الحلف الهولندية.
إنّ وجود حلف الناتو اليوم هو بحد ذاته جريمة بحق البشرية، وليس بحق المسلمين وحسب، فهو تكتل عسكري مُتغطرس لدول استعمارية قوية لا تحتاج إلى حلف، وهو يقوم على أساس من الظلم والاستقواء على الشعوب الضعيفة، ويُمارس البغي والعدوان والحفاظ على الاستعمار بصورٍ جديدة، لذلك كان لزاماً على دولة الإسلام المقبلة أنْ تعمل فوراً على تفكيك الحلف، ومنع قيام أحلاف عسكرية ابتداء، لأنّ قيامها يعني استمرار عسكرة العالم، ويعني فرض قانون غاب عالمي دائم يُسيطر فيه الأقوياء على المستضعفين.
إنّ نشر الهداية بين الناس لا يكون إلا بقيام دولة العدل التي تُعامل جميع الشعوب بالقوانين والأنظمة العادلة نفسها التي تتعامل هي بها، وهذه الدولة جُرّبت لمدة زادت عن الألف عام، ولم يشْكُ أحد من رعاياها أزمة هوية، ولا شعر أحد داخلها بالظلم والتحيّز. إنّ هذه الدولة هي أمل العالم، إنّها دولة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة التي تحمل العدل إلى البشرية جمعاء.

السبت، 14 ديسمبر 2019

ترامب يُقرّر نيابةً عن يهود أنّ اليهودية قومية وديانة


ترامب يُقرّر نيابةً عن يهود أنّ اليهودية قومية وديانة




الخبر:

وقّع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يوم الأربعاء 2019/12/11 على أمر تنفيذي وهو مرسوم رئاسي أعاد فيه تعريف اليهودية على أنّها: "قومية وديانة" وليست ديانة فقط، وقال خلال حفل أقيم في البيت الأبيض بمناسبة عيد الأنوار اليهودي: "هذه هي رسالتنا إلى الجامعات،إذا كنتم ترغبون في الاستفادة من المبالغ الضخمة التي تتلقونها كل عام من الحكومة الفدرالية، عليكم أن ترفضوا معاداة السامية"، وأوضّح أنّ "المرسوم ينطبق على المعاهد التي تتاجر بالكراهية المعادية للسامية"، وقال: "سأقف دائما مع صديقتنا وحليفتنا العزيزة دولة إسرائيل".
وسيكون لهذا المرسوم أثر قانوني محدود يتعلّق بابتزاز المؤسسات الأكاديمية التي تُناهض كيان يهود، إذ سيسمح المرسوم للحكومة الأمريكية بمنع حركة المقاطعة التي تنتشر في بعض الجامعات الامريكية ضد دولة يهود بسبب مُعاملتها العنصرية للفلسطينيين فيتم سحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها.
التعليق:
إنّ مثل هذه المراسيم التي يُصدرها الرئيس الأمريكي تهدف بالدرجة الأولى إلى كسب أصوات اليهود الأمريكيين في الانتخابات الأمريكية، وهي ليست تشريعات صادرة عن الكونغرس، فالجانب القانوني فيها محدود، ولا يُلزم القضاء بالالتزام بها كقوانين رسمية للدولة.
لكنّ أهم دلالة لها أنّ الرئيس الأمريكي أصبح هو الذي يُقرّر طبيعة العلاقة بين اليهود وديانتهم نيابةً عن اليهود أنفسهم، فهو يُتاجر علانيةً بالديانة اليهودية لتحقيق أهداف انتخابية، وهذه المُتاجرة باليهود واليهودية ليست بالأمر الجديد، فهي إرث استعماري قديم ورثته أمريكا عن بريطانيا في استخدام الورقة اليهودية سياسياً لتحقيق الأهداف السياسية الغربية بعيدة المدى، ومُحاربة المُسلمين باليهود، لإبقاء المسلمين في حالةٍ من التمزق والتراجع، والحيلولة دون نهضتهم ووحدتهم، ومنع إقامة خلافتهم، باستمرار إشغالهم بالصراع مع اليهود بدلاً من الصراع مع أمريكا والدول الاستعمارية الكبرى التي زرعت كيان يهود في فلسطين.
فالمرسوم الرئاسي الأمريكي الجديد باعتبار اليهودية قومية هو امتداد طبيعي لوعد بلفور، وفيه دلالة سياسية واضحة على استمرار تسخير اليهود واستخدامهم في تحقيق المصالح الأمريكية والغربية، واستمرار الزجّ بهم في أتون الصراع الكبير مع الأمّة الاسلامية، والتلاعب بمصيرهم، والمُقامرة بمُستقبلهم.
إنّ قيام دولة الاسلام في المُستقبل القريب هي مسألة وقت، وإنّ صحوة الأمة الإسلامية من كبوتها أمرٌ بات يُدركه أعداء الإسلام جيداً، ولم يعُد ينطلي على المُسلمين تكرار تعمية الحقائق، وتعمد قلب المفاهيم، فالإسلام حقيقةً هو خيار المسلمين الأوحد، وليس القوميات والوطنيات، وفكرة القومية اليهودية فكرة استعمارية قديمة هدفها حرف الصراع الإسلامي الاستعماري عن مساره، وتحويله عن جانبه المبدئي، واختزاله بالطابع القومي أو الوطني، أي أنّ هدفه الحقيقي هو إبعاد الإسلام عن ساحة الصراع، لإبقاء المسلمين في حالة ضعف، ولاستمرار تفوق أعدائهم عليهم.
لذلك كان لزاماً على اليهود أنْ يدركوا جيداً انّ تحويل اليهودية إلى قومية سيؤدي في المُستقبل إلى فنائهم وزوالهم خدمةً للغرب المُستعمر، وإنّ من مصلحتهم أنْ لا يُعرّفوا كقومية وإنّما يُعرّفوا كدين، وذلك كما كانوا مُنذ آلاف السنين، لأنّ النظر إليهم باعتبارهم قومية فيه مقتل مُحقّق لهم إن عاجلاً أو آجلاً، وإنّ المسلمين لن يغفروا لهم سيرهم وتواطؤهم مع الغرب الرأسمالي المُستعمر ضدهم، وعليهم أنْ يُدركوا أنّ الغرب قد استخدمهم شر استخدام، وما زال يستخدمهم، وأنّ المستقبل للإسلام، وسيهزم الجمع الرأسمالي الاستعماري قطعاً أمام المُسلمين، وسيُولون الدبر.
والمسلمون اليوم باتوا يدركون حقيقة أنّه بالإسلام فقط يُمكن أنْ تنهض الأمة، وأنّ به وحده يُمكن أنْ تستعيد هُويتها وعزتها وكرامتها وانتصارها.

القمة الخماسية في ماليزيا : آمال عريضة ونتائج مخيبة


اجوبة اسئلة : القمة الخماسية في ماليزيا : آمال عريضة ونتائج مخيبة


الجمعة، 6 ديسمبر 2019

حلف الناتو ... سبعون عاما من العدوان والاستكبار




اجوبة اسئلة : حلف الناتو ... سبعون عاما من العدوان والاستعمار


روسيا تحولت إلى عصا أمريكية غليظة لجلد الشعوب


روسيا تحولت إلى عصا أمريكية غليظة لجلد الشعوب




تزايدت في الآونة الأخيرة حالات التدخل العسكري الروسي في بلدان إسلامية مضطربة، وفي بلدان أخرى غير إسلامية، وظهرت أنشطة مُريبة لشركة أمنية روسية تُسمّى "فاغنر" في دول عدة، منها سوريا وليبيا والسودان وأوكرانيا وأفريقيا الوسطى وموزمبيق؛ ففي 19/9/2019م انتشر فيديو إجرامي مُروّع على وسائل التواصل يظهر فيه عناصر من "فاغنر" يقومون باستجواب جندي سوري فرّ من الخدمة العسكرية بأساليب وحشية فظيعة، حيث قاموا بقطع رأسه، وتقطيع أطرافه، وتعليق جثته بالمقلوب، ثمّ حرقوا جثته، ولعبوا برأسه كرة قدم، ولم تُنكر الحكومة الروسية الحادث لكنّها قالت بأنّها غير مسؤولة عن تصرفات شركة "فاغنر" بحجة أنّها شركة خاصة.
ومن المعروف لدى المراقبين أنّ شركة "فاغنر" أسّسها شخص روسي مُقرب من الرئيس الروسي بوتين، وتقوم بأعمال مُساندة للجيش الروسي في الدول التي تعمل فيها، وتتولّى القيام بالمهمّات القذرة التي لا تقوم بها الجيوش الرسمية.
ويبدو أنّ شركة "فاغنر" هي امتداد حقيقي لشركة "بلاك ووتر" الأمريكية التي توقفت أعمالها بعد افتضاح أمرها، وإثارة الضجة حول علاقة أعمالها الإجرامية بالدولة الأمريكية، ومن ثمّ مُساءلة الكونغرس للحكومة عن مدى مشروعية وجودها، ممّا اضطرّها إلى التوقف عن العمل، وتوريثه إلى شركات أخرى كشركة "فاغنر" الروسية التي تولت المهام نفسها التي كانت تقوم بها شركة "بلاك ووتر".
إنّ شركة "فاغنر" الروسية قد أثبتت قدرتها على القيام بالأعمال الأمنية القذرة في أماكن عدة، وفي هذه الأثناء تُقاتل عناصرها المرتزقة إلى جانب قوات عميل أمريكا القوي في ليبيا خليفة حفتر في محيط العاصمة الليبية طرابلس الغرب ضد قوات السرّاج المُوالي لأوروبا، وذلك بعد أنْ عجزت قوات حفتر عن اختراق دفاعات المليشيات الموالية للسرّاج، وقال مسؤولون ليبيون من طرابلس الغرب تعليقاً على أعمال "فاغنر": "إنّ ليبيا تتعرض لغزو روسي"، وإن الحكومة الروسية نفسها تقوم بأعمال غير قانونية في ليبيا كطباعة 11 مليار دينار ليبي لصالح حفتر ليشتري السلاح من روسيا.
وتقوم الحكومة الروسية بتغطية مُعظم جرائم شركة "فاغنر"، كما تقوم بتخطيط وتحديد أماكن عملها، وتأذن لعناصرها بالدخول إلى مناطق خاضعة للجيش الروسي نفسه، وأمّا أمريكا فتغض الطرف عن أعمالها غير القانونية لأنّها تُحقّق لها مصالحها، وواضح أنّ كل تدخلات روسيا العسكرية وتدخلات "فاغنر" كانت لصالح عملاء أمريكا مثل بشار الأسد وخليفة حفتر.
فروسيا التي تملك مقعداً دائماً في مجلس الأمن، وتملك حق النقض الفيتو تستطيع التملص من ضغوط المجتمع الدولي على جرائمها وجرائم شركاتها الأمنية مثل شركة "فاغنر"، وتملك جيشاً قوياً يؤهلها للتدخل في مناطق الصراع وحسم المعارك لصالح الجانب الذي تتدخّل لمساعدته، ولا يوجد في نظامها السياسي شفافية وهيئات ومرجعيات دستورية وقانونية لمحاسبتها على همجيتها ووحشيتها في خوض الحروب، وقتل المدنيين، وتهجير الملايين، كما تفعل في سوريا، فنظام الحكم فيها فردي مُستبد ولا قيمة فيه للمُحاسبة والمساءلة، وهو من هذه الجهة شبيه بالأنظمة العسكرية الدكتاتورية.
ومعلوم أنّ روسيا تدخلت في سوريا بعد اجتماع الرئيس الأمريكي السابق أوباما بالرئيس الروسي بوتين في أيلول من العام 2015، وكان لتدخلها الأثر الأكبر في بقاء نظام بشار الأسد بعد أنْ كان على وشك السقوط.
لقد وجدت أمريكا في روسيا ضالتها، فهي تملك القوة الحاسمة التي تمنع سقوط الطغاة، وفي مقدورها كسر حدة الثورات المقلقة لأمريكا، لذلك استغلتها أمريكا، ووظّفت قوّتها في أماكن الصراع المختلفة لخدمة مصالحها، مُقابل شيء من الفتات وبعض القواعد العسكرية.
وما أفاد أمريكا في استخدام روسيا وتحقيقها لسياساتها الخارجية وجود صفتين تمتاز بهما روسيا يؤهلانها للتدخل في الصراعات القائمة في المنطقة؛ أما الصفة الأولى فهي توافقها مع أمريكا في مُحاربة الإسلام تحت مُسمّى مُحاربة (الإرهاب)، وأما الصفة الثانية فهي طمعها في الحفاظ على موقعها في الموقف الدولي، ورضاها بالقيام بتأمين مصالح الدولة الأولى لقاء إبقاء وجودها الفاعل في المجتمع الدولي، وكون روسيا دولة رأسمالية فلا يضيرها أنْ تقوم بهذه الأدوار القذرة ضدّ الشعوب طمعاً بالبقاء إلى جانب أمريكا في المسرح الدولي.
إنّ روسيا دولة عدوة مُجرمة أعلنت الحرب على الإسلام والمسلمين في الشيشان من قبل، وهي لا تختلف في عدائها عن أمريكا، لذلك لا يجوز التهاون في إنشاء العلاقات معها كما تفعل بعض الحركات الإسلامية! كما لا يصح إقحامها في قضايا الأمة، ومن يفعل ذلك تحت أية حجة من الحجج فقد ارتكب جريمةً لا تُغتفر، وفوق ذلك فروسيا اليوم دولة صديقة حميمة لدولة يهود، تُنسّق معها أمنياً في أجواء سوريا، وتمنع أي عمل عسكري يستهدف مواقع دولة يهود في فلسطين المحتلة، ولقد اجتمع رئيس وزراء كيان يهود نتنياهو ببوتين عشرات المرات في السنوات القليلة الماضية لتوحيد الأهداف بين الدولتين، كما أنّ حقد روسيا الصليبي واضح في الأعمال العسكرية التي يقوم بها الجيش الروسي في سوريا، فالبطريرك الأرثوذكسي ظهرت له صور في قاعدة حميميم السورية وهو يُضفي البصمة الصليبية على معارك الجيش الروسي في سوريا.
لقد تحوّلت روسيا بالفعل إلى عصا غليظة بيد أمريكا تجلد بها ظهور المسلمين، وتكسر حدة ثوراتهم، وتدعم طغاتهم، وتلغي إرادة التغيير لديهم، وتبيد خضراءهم، وتُشرّد ملايينهم، وتُشتّت شملهم...
لكنّ المسلمين لن يستسلموا أبداً، ولن يخضعوا، وسيظلون صابرين صامدين بإيمانهم وجهادهم حتى يستأصلوا شأفة عدوهم من الروس والأمريكان ومن والاهم.

الخميس، 21 نوفمبر 2019

الباقورة والغمر ...استعادة أرض أم فقدان سيادة


الباقورة والغمر... استعادة أرض أم فقدان سيادة؟!




الخميس، 14 نوفمبر 2019

كيان يهود يعمل على منع سقوط نظامي الحكم في الأردن ومصر على يد إسلاميين


كيان يهود يعمل على منع سقوط نظامي الحكم في الأردن ومصر على يد إسلاميين






الخبر:

اعترف رئيس حكومة كيان يهود بنيامين نتنياهو بدور كيانه في حماية أنظمة الحكم الموقعة على اتفاقيات سلام مع كيانه، وخاطب نتنياهو الكنيست اليهودي في الذكرى الخامسة والعشرين لتوقيع معاهدة السلام مع الأردن قائلاً: "لدينا مصلحة واضحة بوجود معاهدة السلام، الأردن دولة تقع على امتداد أطول حدودنا، وعلى أقرب مسافة من البحر الأبيض المتوسط، وإنّ أهمية الاستقرار في الأردن وفي مصر، واستقرار اتفاقيتي السلام معهما، أو عدم استيلاء جهات إسلامية مُتطرفة فيهما، كل هذا هو مصلحة واضحة بالنسبة لنا، وبالنسبة للنظامين المصري والأردني" وأضاف: "نحن أقوياء لدرجة أنّنا قادرون على منع الاستيلاء عليهما من جهات مُختلفة"، ثمّ قال لأعضاء الكنيست: "لن أدخل في التفاصيل".

التعليق:

إنّ هذا التصريح الخطير لنتنياهو هو أوضح اعتراف لرئيس وزراء لكيان يهود بدور كيانه المسخ وجيشه بحماية الأنظمة الموقعة على اتفاقيات (سلام) معه.

وخطورة هذا الدور أنّه يعلق بحماية هذه الأنظمة ليس من أخطار خارجية وإنّما من أخطار داخلية، وبالذات من الخطر الإسلامي النابع من الشعوب الإسلامية.

وهذا يؤكد أنّ هذه الدويلات التابعة ليست مجرد كيانات عميلة لأمريكا وبريطانيا وحسب، بل هي أيضاً كيانات وظيفية تقوم بدور كلاب الحراسة لحماية كيان يهود، وأنّ هذا الكيان لا يستغني عنها أبداً، لأنّها هي الحامية الحقيقية لوجوده، ولديه الاستعداد للتدخل من أجل منع سقوطها على أيدي شعوبها.

لكن دولة الإسلام القادمة - دولة الخلافة على منهاج النبوة - ستستأصل كيان يهود هذا من جذوره، وستسقط هذه الأنظمة التابعة الذليلة، وستزيل الوجود الاستعماري الغربي برمته، وستسترجع سيادة الأمّة الإسلامية بحق، وتُحرّر فلسطين وكشمير وتركستان الشرقية والشيشان وكل بلاد المسلمين المُغتصبة، وستحمل دعوة الإسلام إلى العالم بأسره، وستحطّم كل الحواجز المادية التي تحول دون انتشار رسالة الإسلام إلى البشرية جمعاء.

الأربعاء، 6 نوفمبر 2019

حراك لبنان لن تنطفئ جذوته بالرغم من كل المؤامرات


حراك لبنان لن تنطفئ جذوته بالرغم من كل المؤامرات




أصبحت الاحتجاجات في لبنان سمة عامة، وصفة دائمة، من الصعب إنهاؤها، أو تجاوزها، وإن كان من الممكن تخفيف حدّتها، وتقليل اتساعها، فالشعار الذي بُنيت عليه (كلن يعني كلن) قد تحوّل إلى قاعدة سياسية التزمت بها الجموع الثائرة، فتكوّن لها رأي عام كاسح، وتأسّس على وعي عام جارف، وهذا هو الشيء المُميّز والجديد في هذا الحراك.
إنّ هذه الموجة الجديدة من الثورات العربية والتي جمعت الجزائر ولبنان بشكلٍ خاص، وربّما العراق إلى حدٍ ما، قد تميّزت بصفةٍ مركزيةٍ واحدةٍ اجتمعت عليها التظاهرات في هذه البلدان الثلاثة، ألا وهي المطالبة بإسقاط جميع أركان النظام، وعدم القبول بأي تغيير جزئي أو ترقيعي، ورفض جميع خطط الإصلاح التي يتقدّم بها رموز النظام السياسي الحاكم، وبات التغيير المنشود في هذا الحراك لا يتعلق بالبرامج والأفكار وحسب، بل يتعلق بالأشخاص والأحزاب التي دأبت على تشكيل النظام السياسي.
وهذا الطرح السياسي الجديد في هذا الحراك بالدول الثلاث يتميّز باحتوائه على هدف واضح ومُحدّد فيه قابلية القياس، ويُمكن مُلاحظة تطبيقه من المنتفضين على أرض الواقع بكل سهولة ويسر، ومن الصعب على النظام خداع الثوار الذين يرفعون هذا النمط من التغيير ببساطة.
إنّ ما حصل في الجزائر التي سبقت لبنان في اعتماد هذا الأسلوب حيث لم يقبل أهل الحراك فيها باستقالة الرئيس وحسب، بل طالبوا بكنس جميع النخب السياسية الحاكمة منذ عقود، فاستقالت الحكومة والوزراء والمدعي العام والنواب، ورفضوا إجراء أي إصلاح تجميلي ولو كان يتعلّق بعملية انتخابات جديدة حتى يُطاح بجميع رموز النظام السابق، وكانت النتيجة أنْ طال زمن الحراك، وتكيف الناس معه، وأصبح جزءاً من الحياة السياسية اليومية لأهلالجزائر.
لقد استفادت هذه الموجة الجديدة من الثورات من أخطاء الثورات السابقة، وأصبحت لديها خبرة سياسية عميقة، وبدأت بتطوير أساليبها، وتحديد أهدافها، وتلافي أبرز أخطائها الماضية، خاصة أخطاء غياب الرؤية، وضبابية الأهداف، وصار من الصعب على قوى الدولة العميقة المدعومة خارجياً التلاعب بهذه الموجة الثورية الجديدة، أو مُخادعتها بمثل تلك السهولة التي جرت مع الموجة الأولى من الثورات.
صحيح أنّ الجانب السلبي هو خلو الحراك من مشروع فكري سياسي واضح ومُحدّد، إلا أنّ الشيء الإيجابي لديه هو عدم الركون إلى الوسط السياسي القديم، وعدم القبول به في أي تغيير سياسي مُستقبلي، والإصرار على إسقاطه.
وفي لبنان - والذي هو موضوعنا هنا - أصبح واضحاً للجموع الثائرة في الميادين والشوارع أنّ التحايل على الثورة بتقديم الحريري استقالته، أو بتقديم غيره من أمراء الطوائف استقالاتهم ليست هي الحل، وبات المطلوب هو اقتلاع العصابة السياسية اللبنانية الحاكمة برمتها من السلطة، لا فرق في ذلك الاقتلاع بين أمير طائفة مُعيّنة وأمير طائفة أخرى، فجميعهم قد أدخلهم الحراك في خانة الاستهداف.
وما الكلام عن إعادة تشكيل الحريري لحكومة ائتلاف جديدة، أو حكومة كفاءات، أو أي حكومة مُستنسخة من الحكومات السابقة سوى ضرب من الخيال، وإنّ تلك الأساليب المبتذلة المكرّرة لن تُفلح في إيقاف الحراك، أو الالتفاف عليه.
صحيح أنّ الدول الكبرى تتآمر مع أمراء الطوائف على الحراك الثوري، وتُنسق معهم خطوات العمل الحكومي خُطوة خُطوة لتصفية الحراك، والخروج من المأزق بتمثيلية استقالة الحريري، ثمّ العودة إلى لعبة تشكيل حكومات جديدة، وصحيح أنّ القوى الحزبية المحلية التقليدية، والتي تنتهج أسلوب المحاصصة الطائفية لن تتخلى عن كعكة السلطة بأي شكلٍ من الأشكال، ويعمل أقطابها بكل ما أوتوا من قوة من أجل الاستمرار في الحفاظ على مصالحهم ومصالح طوائفهم، وصحيح أنّ هذه القوى صارت تتحالف فيما بينها، وتتحالف مع القوى الخارجية لوأد الحراك من خلال ذلك التغيير الشكلي للحكومة...
صحيح ذلك كله، لكنّ هذا التآمر الخارجي والداخلي على حراك لبنان الشعبي لن ينجح في إنهاء هذا الحراك، ولن يتمكّن من السيطرة على الأوضاع كما كانت الأمور في السابق.
قد تتراجع وتيرة المظاهرات والمسيرات في لبنان لكنّ جذوتها لن تنطفئ، وما كان قبل الحراك يختلف كلياً عمّا صار بعده، ولن يعود لبنان أبداً إلى حضن أمراء الطوائف كما عهدناه في العقود الماضية.
قد لا يحصل التغيير المنشود في لبنان نتيجة هذا الحراك، وقد لا تسقط الزعامات التقليدية المهترئة، لكنّ الحراك لن يهدأ أبداً، ولن يكون لقمة سائغة للمتآمرين.
والأهم من ذلك كلّه أنّ عدوى هذا الحراك ستنتقل طبيعياً إلى دول عربية أخرى، وسيُؤسّس لموجة ثورية جديدة تجتاح البلدان العربية، ويكون حراك لبنان هادياً لها، ومُحفّزاً على انفجارها وانتشارها.

الخميس، 31 أكتوبر 2019

أسباب تغيير ووزاء خارجية مملكة آل سعود


أسباب تغيير وزراء الخارجية في مملكة آل سعود





أصدر ملك آل سعودسلمان يوم الأربعاء 23/10/2019 أمرا ملكيا بإعادة تشكيل مجلس الوزراء، وكان من أبرز ما جاء في التشكيلالوزاري الجديد على المستوى الدبلوماسي تعيينالأمير فيصل بن فرحان بن عبد الله بن فيصل بن فرحان آل سعود وزيرا للخارجية بدلا من إبراهيم العساف الذي عُين وزير دولة وعضوا في مجلس الوزراء السعودي.
وكان العساف قد خلف وزير الخارجية السابق، عادل الجبير في منصبه بعد أن عُيّن الجبير وزير دولة للشؤون الخارجية في كانون الأول/ديسمبر 2018، في إطار تغيير وزاري واسع.
وكان يؤمل من تعيين إبراهيم العساف وزيراً للخارجية بدلاً من عادل الجبير تحسين سمعة الدولة في الخارج، وتلميع صورتها، والإيهام بأنّ الدولة قادرة على أنْ تُجدّد نفسها بنفسها، وذلك بعد أنْ تشوّهت صورتها، بسبب تلطخ أيديها بالدماء نتيجةً لارتكابها المجازر ضد المدنيين في اليمن، وبسبب جريمة قتل الصحفي جمال خاشقجي التي ما زالت ذيولها مُستمرة حتى الآن.
وأمّا السبب الرئيس لعزل وزير الخارجية الأسبق عادل الجبير عن منصبهفيعود إلى ارتباط اسمه ارتباطا مباشراً بقضية خاشقجي، إذ كان بوقاً إعلامياً صاخباً وأجوفَ يُنافح عن ابن سلمان في المنابر الدولية، ويُبرّر له جرائمه على مستوى السياسة الخارجية والعلاقات الدولية، وهذا ما جعله منبوذاً من ناحيةٍ دبلوماسية، فلم يعد مُستساغاً لدى السياسيين الأجانب التعامل معه.
وسبق أنْ قدّم الجبير استقالته بعد مقتل خاشقجي بمدة ليُخفّف عن النظام بعضاً من تبعات الجريمة، وليتحمّل قسطاً من وزرها، بيد أنّ الملك سلمان رفض استقالته في حينها - كما قيل - ثمّ جاء الوقت المناسب لتغييره قبل عشرة أشهر، وذلك في محاولة يائسة من محمد بن سلمان لتبديل الصورة النمطية المطبوعة في ذهن الدبلوماسيين الأجانب عن ارتباط الجبير به وبجريمة قتل خاشقجي، والتي وسمت سلوك الدولة السعودية في الخارج بالوحشية والهمجية.
وتمّ تعويض الجبير عن منصب وزير الخارجية بمنصب وزير الدولة للشؤون الخارجية، ليبتعد قليلاً عن الأضواء، وليعمل خادماً لابن سلمان في موقع آخر قريب من منصب الخارجية الذي تمرّس فيه.
وأمّا وزير الخارجية السابق إبراهيم العساف فهو وإن كان معروفاً بصلاته القوية مع أمريكا وبعلاقاته الوثيقة بالمؤسسات الدولية، لكنّه لم يفلح في إخراج الدبلوماسية السعودية من الطريق المسدود الذي آلت إليه بعد حادثة خاشقجي، والعساف درس في الجامعات الأمريكية، وحصل على الدكتوراه في الاقتصاد من جامعة ولاية كولورادو عام 1981، وشغل منصب وزير المالية لعشرين عاما من 1996 إلى 2016، كما كان نائبا للسعودية في صندوق النقد الدولي بين عامي 1986 و1989، ومثّلها في البنك الدولي، وهو عضو بارز في مجلس إدارة شركة النفط السعودية أرامكو، وشغل منصب مستشار الصندوق السعودي للتنمية، وتولى المدير التنفيذي في مجالس إدارة مجموعة البنك الدولي للسعودية، وتولى عمادة مجلس إدارة مجموعة البنك العالمي، وكان يرأس اللجنة السعودية السورية المشتركة، وساهم في تقارب وجهات النظر العربية بشأن القضية السورية لصالح نظام بشار الأسد، وهو بذلك يملك خبرة تراكمية بالسياسات المالية والخارجية للسعودية، وكان أريد له أنْ يظهر أمام الدول الأجنبية كرجل دولة محترف، ورُبما هذا هو السبب الرئيسي في اختياره آنذاك لمنصب وزير الخارجية، ليكون مقبولا للدبلوماسيين الأجانب فيقبلون التعامل معه، بعد ما وقع ما يشبه القطيعة الدبلوماسية مع وزارة الخارجية السعودية إثر حادثة خاشقجي، وكان يُتوقع من تعيينه أنْ يُبيّض سجل الحكومة الأسود الحافل بالجرائم المفضوحة، لكنّه لم يستطع حلحلة الوضع الدبلوماسي المتجمد ولو سنتيمتراً واحداً.
فالهدف لم يتحقّق، وظلت السياسة الخارجية السعودية مشلولة، ولم يستطع العساف أنْ يبعث الحياة فيها، لذلك جاء هذا التعيين الجديد بهدف مُحاولة إحياء الدبلوماسية السعودية المتدهورة، فجيء بوزير من أمراء الأسرة الحاكمة لعلّه يكون كسعود الفيصل وزير الخارجية الأسبق الذي مكث ثلاثين سنة في الوزارة، ونجح في إدارة الدبلوماسية السعودية نجاحاً كبيراً قياساً بمن أتوا من بعده.
والوزير الجديد فيصل بن فرحان آل سعود كان سفيراً للسعودية في ألمانيا، والأهم من ذلك أنّه شغل منصب كبير المستشارين في السفارة السعودية في واشنطن، وساعد على إيجاد نوع من التفاعل مع وسائل الإعلام الأمريكية والخبراء وقادة الرأي الأمريكيين وفقاً لما ذكره الكاتب الروسي إيغور يانفاريف، والذي قال أيضاً بأنّ ابن فرحان آل سعود يقف خلف العديد من المبادرات الاقتصادية بما في ذلك مشروع صناعات الفضاء المشترك بين شركة بوينغ الأمريكية والحكومة السعودية.
ولعل هذه المواصفات الموجودة في هذا الوزير تُرضي رغبة إدارة ترامب كونها قد تُدرّ على أمريكا أرباحاً كثيرة من خلال وقوف ابن فرحان خلف صفقات سعودية ضخمة مع شركة بوينغ.
فهذه هي إذاً أسباب تغيير وزيري الخارجية السابقين وهما عادل الجبير الذي اقترن اسمه دبلوماسياً بالدفاع عن ابن سلمان وتغطية حادثة خاشقجي، وتسويق الرواية السعودية غير المقنعة عن الحادثة خارجياً، وإبراهيم العساف الذي فشل في إحداث أي اختراق في السياسة الخارجية في العشرة أشهر الماضية.
هذا على المستوى الدبلوماسي، أمّا المستويات الأخرى فلم يطالها أي تغيير في التعديل الوزاري الجديد؛ فعلى المستوى العسكري والأمني فلا يزال ولي العهد محمد بن سلمان يحتفظ بكافة مناصبه بعد كل التعديلات الوزارية، وأبرزها ولي العهد، ووزير الدفاع، ونائب رئيس الوزراء، ورئيس مجلس الشؤون الأمنية والسياسية، ورئيس مجلس الشؤون الاقتصادية، ومجالس أخرى.
كما أبقى التعديل الوزاري الأخير على عبد الله بن بندر بن عبد العزيز في منصب وزير الحرس الوطني الذي كان قد عُيّن بدلاً من الأمير متعب بن الملك عبد الله، وبدل الذي جاء بعده، وكان متعب قد أزيح عن منصبه واعتقل مدة في تشرين الثاني/نوفمبر من سنة 2017 كونه كان يُمثّل مركز قوة رئيسيا في الدولة لصالح الإنجليز، وكان يُعد ليكون ملكاً للسعودية بعد الملك سلمان.
وأما فيما يتعلق بهيئة الإفساد ونشر الرذيلة المسمّاة بهيئة الترفيه، والتي تُعتبر من أكبر إنجازات ابن سلمان في علمنة الدولة، فتمّ تثبيت تركي عبد المحسن آل شيخ رئيساً لها، وهو من الوجوه ذات البعد القبلي المهم في الدولة، كونه ينتسب لعائلة مؤسس الوهابية في السعودية.
وأمّا بقية أعضاء مجلس الوزراء فهم أصلاً من المُوالين لمحمد بن سلمان، ومن الممثلين للعشائر التي يتقوى بها، ويزداد بها نفوذه داخل الدولة، وهو ما يظن أنّه يتمكّن من خلالها من فرض رؤيته المزعومة على أهل الحجاز ونجد مُستعيناً بأسياده الأمريكان.



أصدر ملك آل سعودسلمان يوم الأربعاء 23/10/2019 أمرا ملكيا بإعادة تشكيل مجلس الوزراء، وكان من أبرز ما جاء في التشكيلالوزاري الجديد على المستوى الدبلوماسي تعيينالأمير فيصل بن فرحان بن عبد الله بن فيصل بن فرحان آل سعود وزيرا للخارجية بدلا من إبراهيم العساف الذي عُين وزير دولة وعضوا في مجلس الوزراء السعودي.
وكان العساف قد خلف وزير الخارجية السابق، عادل الجبير في منصبه بعد أن عُيّن الجبير وزير دولة للشؤون الخارجية في كانون الأول/ديسمبر 2018، في إطار تغيير وزاري واسع.
وكان يؤمل من تعيين إبراهيم العساف وزيراً للخارجية بدلاً من عادل الجبير تحسين سمعة الدولة في الخارج، وتلميع صورتها، والإيهام بأنّ الدولة قادرة على أنْ تُجدّد نفسها بنفسها، وذلك بعد أنْ تشوّهت صورتها، بسبب تلطخ أيديها بالدماء نتيجةً لارتكابها المجازر ضد المدنيين في اليمن، وبسبب جريمة قتل الصحفي جمال خاشقجي التي ما زالت ذيولها مُستمرة حتى الآن.
وأمّا السبب الرئيس لعزل وزير الخارجية الأسبق عادل الجبير عن منصبهفيعود إلى ارتباط اسمه ارتباطا مباشراً بقضية خاشقجي، إذ كان بوقاً إعلامياً صاخباً وأجوفَ يُنافح عن ابن سلمان في المنابر الدولية، ويُبرّر له جرائمه على مستوى السياسة الخارجية والعلاقات الدولية، وهذا ما جعله منبوذاً من ناحيةٍ دبلوماسية، فلم يعد مُستساغاً لدى السياسيين الأجانب التعامل معه.
وسبق أنْ قدّم الجبير استقالته بعد مقتل خاشقجي بمدة ليُخفّف عن النظام بعضاً من تبعات الجريمة، وليتحمّل قسطاً من وزرها، بيد أنّ الملك سلمان رفض استقالته في حينها - كما قيل - ثمّ جاء الوقت المناسب لتغييره قبل عشرة أشهر، وذلك في محاولة يائسة من محمد بن سلمان لتبديل الصورة النمطية المطبوعة في ذهن الدبلوماسيين الأجانب عن ارتباط الجبير به وبجريمة قتل خاشقجي، والتي وسمت سلوك الدولة السعودية في الخارج بالوحشية والهمجية.
وتمّ تعويض الجبير عن منصب وزير الخارجية بمنصب وزير الدولة للشؤون الخارجية، ليبتعد قليلاً عن الأضواء، وليعمل خادماً لابن سلمان في موقع آخر قريب من منصب الخارجية الذي تمرّس فيه.
وأمّا وزير الخارجية السابق إبراهيم العساف فهو وإن كان معروفاً بصلاته القوية مع أمريكا وبعلاقاته الوثيقة بالمؤسسات الدولية، لكنّه لم يفلح في إخراج الدبلوماسية السعودية من الطريق المسدود الذي آلت إليه بعد حادثة خاشقجي، والعساف درس في الجامعات الأمريكية، وحصل على الدكتوراه في الاقتصاد من جامعة ولاية كولورادو عام 1981، وشغل منصب وزير المالية لعشرين عاما من 1996 إلى 2016، كما كان نائبا للسعودية في صندوق النقد الدولي بين عامي 1986 و1989، ومثّلها في البنك الدولي، وهو عضو بارز في مجلس إدارة شركة النفط السعودية أرامكو، وشغل منصب مستشار الصندوق السعودي للتنمية، وتولى المدير التنفيذي في مجالس إدارة مجموعة البنك الدولي للسعودية، وتولى عمادة مجلس إدارة مجموعة البنك العالمي، وكان يرأس اللجنة السعودية السورية المشتركة، وساهم في تقارب وجهات النظر العربية بشأن القضية السورية لصالح نظام بشار الأسد، وهو بذلك يملك خبرة تراكمية بالسياسات المالية والخارجية للسعودية، وكان أريد له أنْ يظهر أمام الدول الأجنبية كرجل دولة محترف، ورُبما هذا هو السبب الرئيسي في اختياره آنذاك لمنصب وزير الخارجية، ليكون مقبولا للدبلوماسيين الأجانب فيقبلون التعامل معه، بعد ما وقع ما يشبه القطيعة الدبلوماسية مع وزارة الخارجية السعودية إثر حادثة خاشقجي، وكان يُتوقع من تعيينه أنْ يُبيّض سجل الحكومة الأسود الحافل بالجرائم المفضوحة، لكنّه لم يستطع حلحلة الوضع الدبلوماسي المتجمد ولو سنتيمتراً واحداً.
فالهدف لم يتحقّق، وظلت السياسة الخارجية السعودية مشلولة، ولم يستطع العساف أنْ يبعث الحياة فيها، لذلك جاء هذا التعيين الجديد بهدف مُحاولة إحياء الدبلوماسية السعودية المتدهورة، فجيء بوزير من أمراء الأسرة الحاكمة لعلّه يكون كسعود الفيصل وزير الخارجية الأسبق الذي مكث ثلاثين سنة في الوزارة، ونجح في إدارة الدبلوماسية السعودية نجاحاً كبيراً قياساً بمن أتوا من بعده.
والوزير الجديد فيصل بن فرحان آل سعود كان سفيراً للسعودية في ألمانيا، والأهم من ذلك أنّه شغل منصب كبير المستشارين في السفارة السعودية في واشنطن، وساعد على إيجاد نوع من التفاعل مع وسائل الإعلام الأمريكية والخبراء وقادة الرأي الأمريكيين وفقاً لما ذكره الكاتب الروسي إيغور يانفاريف، والذي قال أيضاً بأنّ ابن فرحان آل سعود يقف خلف العديد من المبادرات الاقتصادية بما في ذلك مشروع صناعات الفضاء المشترك بين شركة بوينغ الأمريكية والحكومة السعودية.
ولعل هذه المواصفات الموجودة في هذا الوزير تُرضي رغبة إدارة ترامب كونها قد تُدرّ على أمريكا أرباحاً كثيرة من خلال وقوف ابن فرحان خلف صفقات سعودية ضخمة مع شركة بوينغ.
فهذه هي إذاً أسباب تغيير وزيري الخارجية السابقين وهما عادل الجبير الذي اقترن اسمه دبلوماسياً بالدفاع عن ابن سلمان وتغطية حادثة خاشقجي، وتسويق الرواية السعودية غير المقنعة عن الحادثة خارجياً، وإبراهيم العساف الذي فشل في إحداث أي اختراق في السياسة الخارجية في العشرة أشهر الماضية.
هذا على المستوى الدبلوماسي، أمّا المستويات الأخرى فلم يطالها أي تغيير في التعديل الوزاري الجديد؛ فعلى المستوى العسكري والأمني فلا يزال ولي العهد محمد بن سلمان يحتفظ بكافة مناصبه بعد كل التعديلات الوزارية، وأبرزها ولي العهد، ووزير الدفاع، ونائب رئيس الوزراء، ورئيس مجلس الشؤون الأمنية والسياسية، ورئيس مجلس الشؤون الاقتصادية، ومجالس أخرى.
كما أبقى التعديل الوزاري الأخير على عبد الله بن بندر بن عبد العزيز في منصب وزير الحرس الوطني الذي كان قد عُيّن بدلاً من الأمير متعب بن الملك عبد الله، وبدل الذي جاء بعده، وكان متعب قد أزيح عن منصبه واعتقل مدة في تشرين الثاني/نوفمبر من سنة 2017 كونه كان يُمثّل مركز قوة رئيسيا في الدولة لصالح الإنجليز، وكان يُعد ليكون ملكاً للسعودية بعد الملك سلمان.
وأما فيما يتعلق بهيئة الإفساد ونشر الرذيلة المسمّاة بهيئة الترفيه، والتي تُعتبر من أكبر إنجازات ابن سلمان في علمنة الدولة، فتمّ تثبيت تركي عبد المحسن آل شيخ رئيساً لها، وهو من الوجوه ذات البعد القبلي المهم في الدولة، كونه ينتسب لعائلة مؤسس الوهابية في السعودية.
وأمّا بقية أعضاء مجلس الوزراء فهم أصلاً من المُوالين لمحمد بن سلمان، ومن الممثلين للعشائر التي يتقوى بها، ويزداد بها نفوذه داخل الدولة، وهو ما يظن أنّه يتمكّن من خلالها من فرض رؤيته المزعومة على أهل الحجاز ونجد مُستعيناً بأسياده الأمريكان.

الاستجابة السياسية لله وللرسول تحيي الامة


الاستجابة السياسية لله وللرسول تحيي الأمة


الخميس، 17 أكتوبر 2019

برامج التبادل وصناعة العملاء



برامج التبادل وصناعة العملاء





نشرت السفارة الأمريكية خبراً خطيراً على شكل تغريدة على تويتر لم يلق أي اهتمام إعلامي بالرغم من خطورته، ومفاده أنّ السفارة الأمريكية في الخرطوم: "تُعلن وبفخر أنّ العديد من الوزراء السودانيين الذين أدّوا اليمين الدستورية هم من خريجي برامج التبادل، وأنّنا لم يتوقف تعاوننا مع السودان من خلال هذه البرامج مُطلقاً، وسيقفز هذا التعاون للمضي قُدُماً في المُستقبل".
فهذا هو إذاً عمل برامج التبادل الأمريكية بكل بساطة، وهو تكوين عقليات وشخصيات على الطريقة الأمريكية، وتمكينهم من الوزارة والحكم في بلاد المسلمين وغيرها، وبمعنى آخر زراعة رجالها في الحكم في الدول التابعة لها، فلا تكتفي بتبعية شخص الرئيس أو القائد بل توجد مجموعة من الوزراء والمتنفذين التابعين لها وتزرعهم في مفاصل الدولة الرئيسية.
إنّ أمريكا تُنفق على هذه البرامج أموالاً هائلة، فقد أنفقت على برامج المخابرات في عام 2003 مثلاً 30 مليار دولار، بينما أنفقت في العام نفسه على برامج التبادل 230 مليار دولار، أي أكثر من سبعة أضعاف ما أنفقته على برامج المخابرات، وهو ما يدل على أهمية هذه البرامج لدى صُنّاع القرار في أمريكا.
ومنذ العام 2003 ساهمت هذه البرامج في إحضار 700000 موفد أجنبي إلى الأراضي الأمريكية تلقوا الثقافة الأمريكية من خلال هذه البرامج، منهم 200 رئيس دولة و1500 وزير.
وهم يقولون: إنّ مفهوم التبادل لا يعني بالضرورة تبادل الأشخاص وإنّما هو تبادل الثقافات، أي أنّ المقصود منه زرع الثقافة الأمريكية في عقول المشاركين بهذه البرامج، وبمعنى آخر فهو عبارة عن عملية غسيل أدمغة، وتهيئة رجال من الدمى العملاء لأمريكا.
وتقوم الجامعات والمعاهد بالدور الأبرز في هذه البرامج، ومُعظم الموفدين هم من خريجي هذه المؤسّسات التعليمية، ولو استعرضنا أسماء بعض الوزراء السودانيين الجدد وخبراتهم والجامعات التي درسوا فيها لوجدنا هناك علاقة ما بين الجامعات والمؤسسات الدولية التي تهيمن أمريكا عليها وبين هؤلاء الوزراء.
فمثلاً عمر مانيس وزير شؤون الرئاسة عمل مندوباً للسودان لدى الأمم المتحدة ومبعوثاً للسلام في الكونغو، وأسماء عبد الله وزيرة الخارجية لها علاقة بمنظمة كفاية الأمريكية، وإبراهيم البدروي كان خبيراً في إيجاد السلام، ونصر الله عبد الباري وزير العدل هو مستشار للقانون الدولي من جامعة هارفارد، وأكرم علي الدوح وزير الصحة درس الماجستير في جامعة جورج تاون الأمريكية وينوي إكمال الدكتوراه في الجامعة نفسها.
وهناك وزراء لهم علاقة بالجامعات البريطانية منهم وزير الثقافة فيصل محمد صالح الذي أنهى الماجستير في الدراسات من جامعة ويلز البريطانية، وولاء عصام البوشي التي تحمل الماجستير من جامعة إمبريال كوليج لندن، ولينا الشيح وزيرة التنمية معها ماجستير من جامعة مانشستر وكانت استشارية لدى مكتب اتفاق الأمم المتحدة.
فما علاقة هؤلاء بالثورة السودانية؟ وهل هؤلاء هم أبناء الثورة والتغيير أم هم صناعة برامج التبادل الأمريكية والبريطانية؟
لقد قام عبد الله حمدوك رئيس الوزارة السودانية الجديدة بأول زيارة خارجية له إلى جنوب السودان، واصطحب معه مجموعة من الوزراء ليؤكد على تكريس حكومة (الثورة الجديدة) الانفصال عن الجنوب، واعتبر من أهم أولوياته الخارجية فتح الحوار مع أمريكا لرفع اسم السودان من القائمة الأمريكية للدول الراعية (للإرهاب)، والتفاوض مع صندوق النقد والبنك الدوليين لأخذ قروض ربوية جديدة وإغراق البلد بالديون.
وفي السياسة الداخلية جعل حمدوك من أهم أولوياته مُساواة المرأة بالرجل، والهدف واضح وهو إبعاد أحكام الشريعة الإسلامية عن العلاقات الاجتماعية وإطلاق العنان لإفساد المرأة والأسرة ونشر الرذائل في المجتمع تحت شعار مساواة المرأة بالرجل.
فهل هذه أعمال وزارة خرجت من رحم الثورة أم هي أعمال وزارة خرجت بتوجيهات من المشرفين على برامج التبادل؟!

الثلاثاء، 15 أكتوبر 2019

مغزى منح آبي أحمد جائزة نوبل للسلام



مغزى منح آبي أحمد جائزة نوبل للسلام





الخبر:
أعلنت الأكاديمية الملكية السويدية للعلوم - وهي الجهة المُختصة بمنح جائزة نوبل للسلام - يوم الجمعة الموافق 11/10/2019 عن فوز رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد بالجائزة للعام 2019، وذلك تقديراً لجهوده في ما يُسمّى بـ"تحقيق السلام والتعاون الدولي"، وخصوصاً مُبادرته الحاسمة في "تسوية النزاع مع إريتريا"، و"إصلاحاته التي منحت الأمل في حياة أفضل للإثيوبيين" وذلك وفقاً لما جاء في الخبر.
التعليق:
لمْ تُعط جائزة نوبل للسلام من قبل لشخصية قط إلا بناءً على إنجازات سياسية مُهمة يتمّ تنفيذها خدمةً للمصالح الأمريكية والغربية عموماً، فما هي إنجازات آبي أحمد السياسية المدعومة من أمريكا، والتي أهّلته لنيل أرفع جائزة عالمية مرموقة لا ينالها شخص إلاّ وقد خدم هذه المصالح؟
قبل ذكر أهم الإنجازات التي قام بها آبي أحمد لا بُدّ لنا من التذكير أولاً بأهمية إثيوبيا الجيوسياسية بالنسبة لأمريكا والغرب، فهذه الدولة الأفريقية الكبيرة تقع في شرق أفريقيا، ويزيد تعداد سكانها عن المائة مليون نسمة، وهي من أهم المصادر المائية لنهر النيل، وتؤثر على ربع دول القارة الأفريقية مباشرة، وفيها مقر الاتحاد الأفريقي، ويعيش فيها أكثر من أربع قوميات مُتناحرة ومُتنافسة على السلطة، وعدم استقرارها يعني عدم استقرار دول شرق أفريقيا جميعها، لذلك بدأت أمريكا بإعادة ترتيب أوضاعها لمنحها الاستقرار النسبي خوفاً من وقوعها بالفوضى، وخروجها من ثمّ من القبضة الأمريكية، لا سيما بعد وفاة رئيسها القوي، وانزلاق البلاد بعده في صراعات قبلية كادت تودي بأمنها ووحدة أراضيها واستقرارها، وهو ما شكّل خطراً على إمكانية انفلاتها من السيطرة الأمريكية، فوجدت أمريكا في شخصية آبي أحمد ضالتها، وهو السياسي المسلم (المُنفتح) المتزوج من نصرانية، والذي ينتمي إلى الأورمو وهي أكبر قومية من القوميات الأربع الرئيسية التي تُشكّل الدولة الإثيوبية.
استخدم آبي أحمد خطاباً سياسياً توحيدياً ابتعد فيه عن التعصب القومي، وقدّم نفسه لأهل إثيوبيا بصفته سياسياً جديداً لهم جميعا، وسُخّرت له الإمكانيات الخارجية الدولية والفنية للقيام بهذا الدور، وتمكّن من تثبيت أركان حكمه بالاعتماد على الأجهزة الأمنية التابعة لقومية التيغري القوية التي دعمته لتحصل على مكاسب ومراكز في الدولة في منافسة خصومها من القوميات الأخرى، وأوجد آبي أحمد تحالفاً عسكرياً ناجحاً مُوالياً له داخل الجيش يتكون من مجموعة ضباط تمت ترقيتهم إلى جنرالات من قوميات مختلفة تمكنوا من الإطاحة برئيس الأركان السابق الذي كان يتصرف كقائد عسكري متفرد بالسلطة، وكان محسوباً على طائفة بعينها، ثمّ بدأ بعد ذلك بتعيين قادة لأجهزة الأمن والاستخبارات من الموالين له مُستعيناً بأنظمة وبرامج كمبيوترية تجسسية، وقام بعد ذلك بتوسيع دائرة نفوذه بتعيين قيادات من جميع القوميات حتى المُهمّشة منها، وهو ما أدّى إلى تثبيت دعائم حكمه بشكلٍ أقوى.
بعد فرض سيطرته الأمنية والعسكرية بمساعدة وتوجيه من الدوائر الأمريكية استخدم لعبة الديمقراطية والانتخابات ففاز بالحكم وأصبح رجل الدولة الأقوى في البلد.
وعلى صعيد الجوار المُباشر قام وبتوجيه أمريكي بإنهاء النزاع مع الجارة إريتريا الذي أرهق الدولة، وأخّر نهوضها، فأوعزت أمريكا لرئيسها أفورقي وهو عميل أمريكي عريق بالتعاون والتصالح مع آبي أحمد، فلاقت هذه الخطوة ارتياحاً شعبياً كبيراً.
ثمّ شرع آبي أحمد بخصخصة القطاعات العامة للدولة لتتمكن الشركات الأمريكية والغربية من النفاذ بسهولة ويسر للاقتصاد الإثيوبي الكبير، بعيداً عن عوائق البيروقراطية العسكرية.
وأخيراً وجّهته أمريكا لمساعدة السودان في نقل هذا النموذج الإثيوبي الجديد في السلطة والقائم على المزج بين النفوذين العسكري والسياسي وإيجاد الاستقرار من خلال اللعبة الديمقراطية للاعبين المُتنفذين من عملاء أمريكا والغرب - عسكريين ومدنيين - للسيطرة على الحكم وتجاوز الثورة الشعبية.
هذه هي إنجازات آبي أحمد التي استحق عليها جائزة نوبل للسلام والتي جعلته نموذجاً يُحتذى في القارة الأفريقية، وهي كلها كما هو واضح جاءت بتوجيهات أمريكية.