الأربعاء، 4 يونيو 2008

إيران

إيران

إيران ليست دولة عميلة لأميركا كعمالة الدول العربية والباكستان لها، بل إن تبعيتها لأميركا مسألة مرتبطة بتلبية المصالح الإيرانية وليس مرتبطة بدعم حكام عملاء.
فأشخاص الحكام يتغيرون في إيران وفقاً لنظام حكم خاص يعتمد في توصيل الحاكم على انتخابات حقيقية غير مزيفة لا كما هو حالها في الدول العربية.
وبتغير شخص الحاكم في إيران يضعف تأثير أميركا أو الدول الكبرى على الدولة الإيرانية وتصبح بالتالي تبعية الدولة في هذه الحالة غير مرتبطة بشخوص الحكام فيها، بل بتلاقي مصالحها مع المصالح الأميركية أو مع مصالح القوى العظمى الأخرى.
ونظام الحكم في إيران بعد الخميني نظام حكم متماسك وقوي ويصعب تحويله أو تجييره من أية قوة كبرى سواء كانت أميركا أم غيرها. فالمذهبية والقومية الفارسية والتعاون مع القوى العظمى هي أهم ثلاثة ركائز في هذا النظام والتي لا يُتصور تغيرها في المستقبل سواء أكان في الحكم شخص كنجاد أم كخاتمي أم كرفسنجاني أم كغير هؤلاء ممن يُتوقع وصولهم إلى الحكم في قابل الأيام.
يقول الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد: "إن البعض يحاول الإشارة إلى وجود هوة كبيرة تفصل بين القيادة الإيرانية والرئيس فيما يتعلق باتخاذ القرارات الاستراتيجية ولكنهم خاطئون، وبدلاً من هذا فنحن نَسْخر منهم في اجتماعاتنا"، وأوضح نجاد أنه "يوجد قدر كبير من التنسيق والتوحيد بين مسؤولي الجمهورية الإيرانية فيما يتعلق باتخاذ القرارات".
والمذهبية هي أولى ركائز نظام الحكم في إيران وهي جزء جوهري في السياسة الإيرانية الخارجية، فالدولة الإيرانية تساند كل شيعة العالم في كل مكان كما فعلت مع طائفة الهزارة الشيعية في أفغانستان، وكما تفعل في دعم المجلس الأعلى وحزب الدعوة والتيار الصدري في العراق، وفي دعم حزب الله وحركة أمل في لبنان، وكما تدعم أية أقلية شيعية في أي بلد يوجد فيه شيعة في العالم. والحقيقة أن ربط شيعة العالم بإيران مسألة متميزة تجعل من إيران قوة كبيرة في المنطقة والعالم.
وأما ثاني الركائز فهي قومية الدولة ولغتها الفارسية فإنها قد فرضت نفسها على جميع دول العالم خاصة الكبرى منها حتى أصبحت إيران الفارسية عند الغرب بشكل خاص تمثل حضارة عريقة تمتد في عمق التاريخ ليتم بالتالي مقارنتها بدولة الروم قبل قيام دولة الإسلام والتي ما تزال حتى اليوم تشكل جزءاً من الهوية الحضارية الغربية.
وقد سلَّمت أميركا والغرب -لاعتبارات إثارة الصراع والفتن بين المسلمين- بفارسية إيران، وتعاملت مع الدولة الإيرانية بوصفها فارسية شيعية تميزها عن المسلمين السنة وعن دولهم الهزيلة، وقد رضي حكام إيران بهذا التميز وأقرّوا بخصوصيتهم المذهبية والقومية تلك. استفادوا من هذه الخصوصية في توسيع دور الدولة الإيرانية وتحويلها إلى قوة إقليمية كبرى.
يقول حسين شريعتمداري أحد مستشاري آية الله خامنئي مرشد الجمهورية: "إن البحرين تاريخياً جزء من إيران ويجب استعادتها".
ويقول نجاد لوكالة الأنباء الإيرانية (أرنا): "إن على إيران أن تستعد لتنفيذ مهامها الضرورية في العالم"، وأضاف: "علينا تسوية قضايانا المتعلقة بالجغرافيا السياسية أولاً ثم نعد أنفسنا بعد ذلك للخطوة التالية"، وقال: "إن إيران لا يمكن أن تظل مكتوفة الأيدي غير مبالية بالجرائم والمذابح التي ترتكبها قوات الاحتلال الأميركي في حق الشعب العراقي في الوقت الذي يرغب فيه العراقيون أن نمد لهم يد العون".
ومن هذا المنطلق تصر إيران على الاستمرار في تحدي المجتمع الدولي في المسألة النووية وبالذات في تخصيب اليورانيوم، فيقول نجاد مصمماً على تمسكه بهذه المسألة: "إن القضية النووية هي قضية أساسية"، وأضاف: "إن قيمة هذا الانتصار تضاهي مائة مرة تأميم صناعة النفط وعلينا أن لا ننسى الانتصار في هذه المرحلة حتى الوصول إلى النتيجة النهائية"، فالحصول على القوة النووية شرط ضروري لاستكمال إيران لقوتها الإقليمية في المنطقة.
وهكذا نستطيع أن ندرك أن الطموح النووي الإيراني هو نتيجة طبيعية لذهنية حكام إيران بعد الخميني لتصبح دولتهم دولة إقليمية عظمى وليس مجرد دولة تخدم المصالح الغربية كما كان واقعها أيام الشاه.
وتصريح الرئيس الإيراني نجاد للشرق الأوسط حول مهمة إيران الدولية يؤكد هذه الذهنية، فقد قال: "إن إيران لديها مهمة دولية وإن من يعتقدون أن البلاد يجب أن تركز على المسائل الداخلية فحسب فهم مخطئون، حيث أنه يتعين على إيران بذل جهود كذلك لإصلاح القضايا الدولية أيضاً"، وأضاف معبراً عن هذا التطلع السياسي للعب إيران دوراً عالمياً فقال: "إذا لم نكن موجودين على الساحة العالمية، فسيتولى آخرون اتخاذ القرارات نيابة عنا في نهاية المطاف".فالمذهبية والفارسية إذاً كانتا أساس النظرة الإيرانية للانطلاق نحو العالمية ومثل هذه النظرة لا توجد أبداً عند أية دولة عربية أو (نامية).
أما بالنسبة للركيزة الثالثة الثابتة في السياسة الإيرانية فهي التعاون مع الدول العظمى بغض النظر عن مستوى درجتها.
والتعاون من وجهة نظر الساسة الإيرانيين لا يعتبر عمالة، ولا ينظر إليه بمنظار دوني كما هو الحال في البلاد العربية، فالتعاون مع أميركا مثلاً يعتبر تحقيقاً لمصالح إيرانية، ولا يعتبره الإيرانيون تبعية واستعباداً. فكما يحقق التعاون مصالح أميركا فهو يحقق أيضاً مصالح إيران.
فمثلاً عندما يقول الشيخ مجيد الكعود رئيس تنظيم وهج العراق المناوئ لإيران: "إنه مما لا شك فيه أن هناك تنسيقاً في الاستراتيجيات بين الطرفين لأن الدلائل كلها على الأرض تشير إلى هذا الخط المشترك" ويعتبر ذلك تهمة ونقيصة بحق إيران، فإن الإيرانيين لا يرون هذا التنسيق تهمة ولا نقصية، بل يرونه عملاً سياسياً من الطراز الرفيع.
والقادة الإيرانيون كرفسنجاني وغيره اعترفوا صراحة بتقديم المساعدات للأميركيين والتنسيق معهم في العراق وأفغانستان، ولم يحتج أي من خصومهم على تلك الاعترافات. ولقد وصل مستوى التنسيق بين إيران وأميركا إلى قيام أميركا بإرسال ضباط مخابراتها إلى دولة أوروبية والاجتماع سراً بنظرائهم الإيرانيين لتنسيق الاستعدادات العملية على الأرض العراقية قبيل الغزو الأميركي للعراق بأيام قليلة وذلك وفقاً لما ذكره الكاتب ظافر سعد.
على أن التعاون الأميركي الإيراني في العراق لم يعد سراً، والتنسيق بين الأميركيين والإيرانيين بلغ أعلى المستويات (السفراء)، بل إن إيران تطالب باستمرار اللقاءات والتنسيق مع الأميركيين.
أما بالنسبة للعقوبات التي تفرضها أميركا على إيران منذ مجيء الخميني إلى السلطة وحتى الآن فإنها قد ساهمت في تقوية إيران وليس في إضعافها، وبفضل هذه العقوبات أصبحت إيران تصنع السيارات والقطارات والطائرات وتكون رائدة في مجال الصناعات البتروكيماوية، والتي أصبحت إيران تمتلك الخبرة الواسعة فيها لدرجة تعاون شركاتها مع الشركات الأوروبية والأميركية في هذا المجال، وبفضل هذه العقوبات أيضاً وصلت إيران إلى عتبة حيازة الأسلحة النووية.
يقول نجاد: "إن الأمة الإيرانية لا تأبه بالعقوبات وهذا الشعب لن يتزحزح قيد أنملة عن حقوقه ولا سيما حقوقه النووية"، ويصف قرارات العقوبات بأنها: "قصاصات من ورق".
إن أميركا تستفيد من علاقتها بإيران بالإضافة إلى كونها تستخدم إيران كفزاعة لدول الخليج كما حصل منذ أيام الخميني وحتى الآن، وبالإضافة إلى استخدامها كمبرر لنصب الصواريخ والرادارات الأميركية في تشيكيا وبولندا. فهي كذلك تستخدمها في الضغط على اليهود لحملهم على الموافقة على إقامة الدولة الفلسطينية، فقد نقلت رويترز عن كونداليزا رايس وزيرة الخارجية الأميركية قولها للزعماء اليهود والأميركيين: "إن نجاح المفاوضات من أجل إقامة دولة فلسطينية قد يساعد على مواجهة نفوذ إيران في المنطقة"، وأضافت: "إن وجود الدولة الفلسطينية الرشيدة يمكن أن يكون رادعاً لذلك الخطر (التطرف) الذي تحفز عليه أفعال إيران، وهذا ما يجعل من حل الدولتين هو الأكثر إلحاحاً من أي وقت مضى".
فالعقوبات الأميركية ضد إيران لم تضر حتى بالمصالح الأوروبية والروسية فيها ولم تضر بالتالي بالعلاقات الإيرانية مع تلك الدول، فالمصالح الروسية في إيران بلغت مستويات قياسية، فإيران اليوم تأتي في المرتبة الثالثة عالمياً من حيث استيراد السلاح الروسي بعد الصين والهند بحجم يبلغ 400 مليون دولار، وتسعى إيران للحصول على صواريخ روسية فائقة الدقة (سي300) وصواريخ مضادة للسفن من طراز (موسكيت) يبلغ مداها 120 كيلومتراً. وإيران تملك أكثر من 400 صاروخ أرض-أرض بما في ذلك منصات إطلاق (25-سي-إس إس) و200 صاروخ (سكود-سي) يصل مداه لجميع دول الخليج، كما وتمتلك إيران صاروخ (شهاب-3) وهو صاروخ باليستي يصل مداه إلى نحو 1300 كيلومتراً ويستطيع ضرب أهداف في إسرائيل وتركيا. وتقوم إيران بتطوير صاروخ (شهاب 4M) الذي يبلغ مداه 2000 كيلومتراً، وَ(شهاب 5) الذي يصل مداه إلى 10000 كيلومتراً العابر للقارات.
فترسانة إيران الصاروخية يجعلها قادرة على شل مضيق هرمز الذي تخرج منه 60% من إمدادات النفط العالمي. وهذه الأسلحة الإيرانية هي أسلحة حقيقية وليست كأسلحة الدول العربية التي يشغلها ويتحكم باستخدامها خبراء من الدول الغربية.
إن التعاون الإيراني الروسي في الاقتصاد وخاصة في مجال الطاقة والنفط والغاز وتنمية المطارات والموانئ، والتعاون بينهما في المجال التكنولوجي والعسكري والسياسي، جعل من الصعب على روسيا الموافقة على فرض عقوبات حقيقية ضد إيران؛ لأن ذلك سيؤدي إلى معاقبتها هي وليس معاقبة إيران، وقد بلغ حجم التجارة بين روسيا وإيران في العام 2005م فقط على سبيل المثال إلى 2 بليون دولار.
وتستفيد روسيا أيضاً من إيران بالإضافة إلى الناحية الاقتصادية تستفيد منها في العلاقات الدولية، حيث تحاول الاستعانة بإيران لتشكيل جبهة دولية معها للوقوف أمام الهيمنة الأميركية.
صحيح أن روسيا تعلم أن إيران تنسق علاقاتها الإقليمية مع الأمريكان ولكنها تعلم أيضاً أن إيران دولة غير عميلة لأميركا كعمالة الدول العربية، وأن بوسعها أن تكون دولة محايدة أو متحالفة بشكل أو بآخر مع الروس خاصة وأنها من دول الجوار الروسي وتطمح روسيا في الاستفادة من إيران لولوج المياه الدافئة في الخليج، ولموازنة الوجود الأميركي فيه، خاصة بعد أن بدأت روسيا في العودة إلى سياسة المواجهة مع الولايات المتحدة.
ومن جهتها تسعى إيران إلى الاستفادة من الصراع الدولي الجاري بين الأمريكان والروس لتقوية نفوذها الإقليمي ولتتمكن من الانعتاق من النفوذ الأمريكي كلياً، ولتصبح بالتالي دولة مستقلة كالبرازيل على سبيل المثال.
ويبدو أن جانباً من الضغط الأمريكي المتزايد على إيران في المدة الأخيرة يهدف ضمن ما يهدف إلى ضرب العلاقة المتنامية بين إيران وروسيا في محاولة من الأمريكان لإبعاد النفوذ الروسي عن إيران وإبقائها في دائرة النفوذ الغربي. لكن روسيا لم تُسلِّم للغرب يوماً بأن إيران هي دولة تتبع النفوذ الغربي، وحاولت دوماً أن يكون لها نفوذ يوازي النفوذ الغربي فيها خاصة وأنها دولة مجاورة لها.
إن لعبة شد الحبل بين أميركا وروسيا على إيران جعل الأوروبيين يوحدون مواقفهم ويلقون بثقلهم للبحث عن دور لهم في إيران، وبعد أن أيقنوا أن أميركا وروسيا انفردتا في الاستفادة من وضعها وإمكانياتها وتأثيرها المتصاعد في المنطقة والعالم. لذلك وضع الأوروبيون ثقلهم وصاروا يضغطون بشكل حقيقي على إيران واستخدموا الملف النووي ذريعة لهم. أدرك الأوروبيون أن أميركا وروسيا تماطلان وتزايدان في مسألة فرض العقوبات، لذلك وجدوا أنه من الضروري أن يصعدوا من ضغوطهم على إيران وإحراج الروس والأمريكان وإزعاجهم فيها، فأرسلت مؤخراً لجنة برلمانية بريطانية مؤلفة من 50 من أعضاء مجلس اللوردات والعموم رسالة إلى الرئيس الحالي للرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي رئيس الوزراء البرتغالي خوسيه سوكراتس جاء فيها: "إن لجنتنا تعتقد أن العقوبات يجب أن تكون من أطراف متعددة حتى يكون لها تأثير مجد"، وورد في الرسالة أيضاً: "ندعو حكومات الاتحاد الأوروبي إلى فرض عقوبات على الحرس الثوري الإيراني وإصدار حظر على مؤسسة الإرهاب هذه حتى لا نمنح النظام وقتاً إضافياً لبناء قنبلة نووية وتنفيذ مشاريعه المشؤومة في الشرق الأوسط".
وعقب ذلك ألقى رئيس الوزراء البريطاني غوردون براون خطاباً قال فيه: "إن بريطانيا ستقود الجهود الدولية في انتهاج سياسة جديدة تجاه إيران تلزم الحكومة بالتوقف عن استرضائها وتفرض عليها عقوبات تشمل النفط والغاز والقطاع المالي إذا واصلت طهران تخصيب اليورانيوم. ووصف براون إيران بأنها أكبر تهديد فوري لمنع الانتشار النووي، ولم يستبعد احتمال توجيه ضربة عسكرية لإيران".
وتطرح بريطانيا عبر السعودية والاتحاد الأوروبي وعلى لسان الملك عبد الله بن عبد العزيز وسولانا مشروعاً لإنشاء مركز دولي لتخصيب اليورانيوم لإقناع إيران بالتخلي عن قيامها بعملية التخصيب وإعطائها اليورانيوم المخصب الجاهز.
لكن الإيرانيين رفضوا هذا الاقتراح بشدة وقالوا بأنه اقتراح قديم وتجاوزه الزمن بعد أن كانت إيران قد أطلقته من قبل ورفضته الدول الغربية. وهكذا فإن ما كانت تطالب به إيران ويرفضه الأوروبيون أصبح مطلباً أوروبياً يرفضه الإيرانيون، وهذا دليل قوة بالنسبة لإيران ودليل ضعف بالنسبة لأوروبا.
وأما إسرائيل فإنها تدرك خطورة حصول إيران على المقدرة على تخصيب اليورانيوم وصناعة القنبلة النووية، وتدرك أيضاً أن أميركا ربما تكون غير جادة في منع إيران من الحصول على تلك المقدرة؛ لذلك فهي ترسل مبعوثيها إلى أوروبا لتأليب دولها الكبرى لا سيما بريطانيا وألمانيا وفرنسا ضد إيران، ولحمل هذه الدول وأميركا على القيام بضرب إيران.
نقلت صحيفة (التايمز) اللندنية عن الخبير الاستراتيجي الإسرائيلي إفرايم إنبار قوله "إنه لا يستغرب أن تقوم (إسرائيل) على (فعل ما) معتمدة على قدراتها الذاتية إذا أحست أن العالم قد تخلى عنها". وكشف إنبار النقاب عن استعدادات صهيونية مسبقة حين قال "إن (إسرائيل) تخطط لذلك لأنها تعتبر هذه اللحظة الحالية لحظة تكنولوجية حاسمة".
ويبدو أن أميركا تحاول أن تدفع إسرائيل للقيام بضربة عسكرية ضد إيران نيابة عنها وذلك لمنع إيران من استهداف وجودها في الخليج ومن أجل عدم تخريب علاقات التنسيق بينها وبين الإيرانيين، وربما تريد أميركا أن تجعل من إيران طرفاً في الصراع العربي الإسرائيلي من خلال إعطاء إيران المبرر للتدخل ضد إسرائيل ولكي تصبح طرفاً مؤثراً في القضية الفلسطينية يمكن لها أن تجبر إسرائيل على الانسحاب من الأراضي الفلسطينية بعد غياب الدور العربي وهزال مواقف الزعامات العربية وتلاشي تأثيرها.
وقد نقلت صحيفة التايمز مؤخراً عن مصادر عسكرية في واشنطن قولها: "إن هذا العدد الكبير من أجهزة الطرد المركزي قد يمثل (آخر نقطة) يمكن لإسرائيل انتظارها قبل توجيه ضربة عسكرية جوية لإيران". ونسبت (التايمز) لخبراء أميركيين قولهم: "إن الاستمرار في تشغيل هذا العدد من الأجهزة (3000 جهاز طرد مركزي) لفترات طويلة يمكن أن ينتج ما يكفي من اليورانيوم لإنتاج قنبلة نووية خلال سنة واحدة"
ومن الأمور التي باتت معلومة في سياسة بوش أن إيجاد الصراع والتوترات في منطقة من مناطق الصراع مسألة جوهرية تخدم المصالح الأميركية، لذلك فهي تُحرض إسرائيل ضد إيران للإيقاع بها ولتفجير المنطقة والتي فشلت في تفجيرها في حرب لبنان في تموز 2006م.
وردت إيران على تهديدات إسرائيل بضربها على لسان المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية محمد حسيني فقال: "إن إسرائيل أقل من أن تشكل أي تهديد لإيران"، وأكد بأن بلاده ستقوم "برد غير مسبوق" ضد إسرائيل إن هي أقدمت على خطوة كهذه.
وخلاصة الأمر إن إيران أصبحت لاعباً حقيقياً في المنطقة سواء في العراق أم فلسطين أم لبنان أم أفغانستان. ففي العراق تنتظر إيران بفارغ الصبر انسحاب الأميركيين لتحل مكانهم، قال نجاد: "إن بلاده على استعداد لملئ الفراغ في العراق حال انسحاب القوات الأميركية منه". وأما في لبنان وفلسطين وأفغانستان فلإيران دور يتصاعد يوماً بعد يوم من خلال حزب الله وحماس والهزارة.
وأما علاقة إيران مع روسيا والصين والهند وفنزويلا فهي علاقات وطيدة لا يمكن كسرها بالعقوبات. وأما علاقاتها بسائر الدول فجيدة ولا يخشى منها الخطر.
وعلى سبيل المثال فقد وقعت إيران مع الصين قبل عدة سنوات اتفاقية ضخمة لاستثمار النفط والغاز الإيراني بمبلغ 70 مليار دولار لمدة 25 سنة. ولقد انسحبت الصين من اجتماع دول (5+1) والذي كان مقرراً للنظر في تجديد العقوبات على إيران وعرقلت بذلك ذلك الاجتماع.
وأما اقتصاد إيران فهو يتحمل العقوبات بل هو محصن ضدها، وهو في تحسن ملحوظ. قالت وكالة الأنباء القطرية (قنا) أن رصيد إيران من العملات الأجنبية بلغ 68.2 مليار دولار حتى شهر آب (أغسطس) الماضي مسجلاً زيادة قدرها 23% مقارنة مع نفس الفترة من العام الماضي.
وبناء عليه فكل المؤشرات تدل على أن إيران في حالة تطور مستمر، وأنها كدولة إقليمية تسير دولياً نحو تبوء الصدارة في منطقة الخليج والشرق الأوسط بلا عوائق تذكر.