الجمعة، 29 يوليو 2016

أهداف قمّة أندروز الجوية


أهداف قمّة أندروز الجوية





شهدت قاعدة أندروز الجوية في ولاية ميريلاند الأمريكية يومي الأربعاء والخميس 20-21 من شهر تموز/يوليو الجاري قمّة عسكرية هي الأولى من نوعها، إذ شارك فيها وزراء دفاع ووزراء خارجية وقادة عسكريون لأكثر من ثلاثين دولة عضو في التحالف الدولي العدواني بقيادة الولايات المتحدة، والهدف المعلن لهذه القمّة هو وضع استراتيجية شاملة لدحر تنظيم "الدولة الإسلامية" حسب ادعائهم. ترأس الجانب العسكري التقني في القمّة الجنرالان مارتن ديمبسي رئيس هيئة أركان الجيوش الأمريكية ولويد أوستن رئيس القيادة الأمريكية الوسطى للشرق الأوسط وآسيا الجنوبية، وترأس الجانب العسكري السياسي فيها آشتون كارتر وزير الدفاع وجون كيري وزير الخارجية للولايات المتحدة. شرح آشتون كارتر للمؤتمرين الأهداف الأمريكية للتحالف فقال: "هناك ثلاثة أهداف رئيسية للتحالف وهي: تدمير المعقل الرئيسي لتنظيم داعش (الوَرَم) في العراق وسوريا، ومواجهة ومطاردة عناصره في الأجزاء الأخرى من العالم، ودعم جهود الحكومات المحلية في حماية شعوبها بالتعاون العسكري والأمني والاستخباري"، وأشار إلى توصل وزراء الدفاع في الدول المشاركة إلى اتفاق يتضمّن "إنهاء سيطرة داعش على مدينتي الموصل العراقية والرقّة السورية"، ووضّح أنّ الاستراتيجية الموضوعة لتحقيق هذا الهدف "تستهدف محاصرة عناصر التنظيم في معقلهم في الرقّة في سوريا، وفي الموصل في العراق"، وبيّن أنّ دول التحالف قد وضعت قبل عام خطة الحملة العسكرية في العراق وسوريا تحت قيادة واحدة، وفوّضت الجنرال شون ماكفارلاند قائداً للعمليات، واعتبر أنّه قد حان الوقت الآن لتقديم المزيد من الدعم لهذه الخطة. أمّا جون كيري فحثّ أعضاء التحالف على تعزيز تبادل المعلومات فيما بينها وقال بـأنّ "هناك حاجة لتكثيف الجهود وإزالة القيود الهيكلية للسماح بمزيد من تبادل المعلومات عن التهديدات"، وأضاف: "إنّ اجتماع واشنطن سعى إلى تجاوز الحواجز البيروقراطية لتسهيل تبادل المعلومات الاستخبارية بين الدول الأعضاء بالتحالف"، وخوّف كيري المشاركين من تنظيم الدولة حتى بعد طرده من معاقله فقال: "إنّ تنظيم داعش مرن وواقعي بما فيه الكفاية، وسيقوم بتحويل نفسه من دولة زائفة إلى نوع من الشبكة العالمية غرضها الحقيقي والوحيد قتل أكبر عدد ممكن من الناس في أكثر عدد من الأماكن". وبالنسبة لتمويل الحرب ضدّ التنظيم فإنّ السفيرة الأمريكية في الأمم المتحدة سامانثا باور أبلغت المانحين بأنّه يتعين عليهم أنْ يزيدوا من مساهماتهم المالية على الفور، وقالت: "إنّ الالتزامات التي قُطِعت اليوم يجب الوفاء بها سريعاً وبشكلٍ كامل، ففي كل حملة إنسانية في الآونة الأخيرة شاهدنا كثيراً من المانحين يُبالغون في الوعود ويتقاعسون في التنفيذ". من الواضح ومن خلال تصريحات المسؤولين الأمريكيين في القمّة، أنّ أمريكا تقوم بابتزاز قادة البلاد العربية والإسلامية المشاركة معها في التحالف في كل شيء حتى النخاع، فمن الناحية العسكرية بيّن كارتر للمسؤولين العرب أنّ حماية شعوب دولهم وعروشهم تستلزم التعاون العسكري والأمني والاستخباري الكامل مع أمريكا، وشدّد كيري على ضرورة إزالة القيود الهيكلية للسماح بمزيد من تبادل المعلومات، بحيث لا تبقى أية معلومة - ولو صغيرة - غائبة عن الاستخبارات الأمريكية، وخوّفهم من خطورة تنظيم الدولة على دولهم في المستقبل إنْ لم يتعاونوا معها بشكلٍ كامل، وأمّا السفيرة الأمريكية في الأمم المتحدة فعالجت الجانب المالي للعلاقة بين تلك الدول وأمريكا، فطالبتهم بدفع الأموال عاجلاً وبشكلٍ مباشر لتمويل الحملة التي تقودها أمريكا ضد التنظيم، وحذّرتهم من مغبة التلكؤ في الدفع، ومن العواقب الوخيمة في حال تأخرهم عن السداد. تُريد أمريكا أنْ تُحقّق نوعاً من الإنجازات ضد تنظيم الدولة لِتكون أكثر إقناعاً في ابتزاز الحكام الخانعين أمام شعوبهم، لكنّ هذا التقدّم لا يعني إنهاء التنظيم كُلياً، فهي ما زالت تستفيد منه كثيراً، وما زالت تقود التحالف بحجة وجوده، لذلك فمن غير المُتوقّع أنْ تقضيَ عليه نهائياً، ولو أرادت لفعلت ذلك منذ زمن بعيد، لكنّها تُريد أنْ تُظهر إنجازات ملموسة في دحره. فأي هوانٍ هذا الذي ابْتُلِيت به شعوبنا بسبب هذه الأنظمة التابعة العميلة؟ وأي خيانةٍ يرتكبها هؤلاء الزعماء بحق شعوبهم، وأي بلاهةٍ يتصفون بها؟ فأمريكا تصنع لنا تحالفاً دولياً، وتُقيم في بلادنا القواعد العسكرية، وتقود جيوشنا في حربها المزعومة ضد تنظيم الدولة لسنوات طويلة، يتم تمويلها من أموالنا وثرواتنا، وتُقدّم هذه الدول الهزيلة لأمريكا - بسبب هذا التنظيم - كل المعلومات الاستخبارية مجّاناً، يقع علينا كل هذا الذل وذاك الصّغار بذريعة وفِرية محاربة تنظيم صغير تعجز كل جيوش بلادنا عن محاربته، فتستعين بأمريكا الدولة المُستعمِرة المجرمة كي تقوم بقيادتنا لمحاربته على حساب دماء شعوبنا، وأشلاء أبنائنا، وقوت عيالنا. فلو كان لدى هذه القيادات العميلة قرارٌ مستقلٌ لوفّرت على نفسها كل هذا العناء، ولقامت هي بمعالجة مشاكلها الصغيرة هذه التي تمّ تضخيمها، ومن دون اللجوء إلى أمريكا أو إلى غيرها، فلدينا المال والعتاد والجنود، ولا ينقصنا إلاّ اتخاذ القرارات الحاسمة، لكنّ المسألة أبعد من ذلك، فالمسألة أنّ هؤلاء الحكام هم أجراء للكافر المستعمر، وأنّ أمريكا استغلت وجود مثل هذه التنظيمات، فهوّلت من شأنها، وجاءت بهذه الذريعة إلى منطقتنا بقضّها وقضيضها، لتسيطر عليها سيطرة مطلقة، ولتفرض نفوذها كاملاً فيها، وتمنعها من التحرّر من قبضتها، وتُحبط ثوراتها، وتُبقيها تحت سيطرة عملاء يتبعون لها، فهذه هي العبارة بأبسط وأوجز معانيها. أمّا بالنسبة لوجود دول كبرى إلى جانب أمريكا مثل بريطانيا وفرنسا وألمانيا في التحالف فتلك مسألة أخرى، فهذه الدول تعلم نوايا أمريكا، وتُدرك مرامي سياساتها الخارجية، وهي تدخل معها لتأخذ نصيبها من كعكة النفوذ، وأمريكا تحتاج إليها لِتُمارس دور القيادة العالمية بمشاركتها، ولِتُمْنَح الشرعية الدولية لأعمالها الاستعمارية، لذلك قامت أمريكا بإطلاع هذه الدول على أعمال قمّة أندروز قبل موعد انعقادها، وكشفت لها عن بعض التفاهمات السرّية بينها وبين روسيا، حيث التقى وزير الخارجية الأمريكي جون كيري بوزراء خارجية بريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا والاتحاد الأوروبي في لندن قُبَيْل القمّة، وأطلعهم على جانبٍ من الاستراتيجية الأمريكية في المنطقة، وتقاسم معهم الأدوار، كلٌ بحسب ثقله ونفوذه، وكنّا نحن - كالعادة - أكبر الخاسرين إن لم نكن الخاسرين الوحيدين، لا لشيء إلاّ بسبب نذالة حكّامنا وخسّتهم وخيانتهم وعمالتهم.

الأحد، 24 يوليو 2016

خطط أمريكا في سورية كلها تهدف إلى إجهاض الثورة وتحطيم المشروع الاسلامي





أجوبة أسئلة حول خطط أمريكا في سورية كلها هدفها إجهاض الثورة السورية






الجديد في مؤتمر المعارضة الإيرانية في باريس


الجديد في مؤتمر المعارضة الإيرانية في باريس



انعقد مؤتمر أكبر معارضة إيرانية (مجاهدي خلق) ضدّ النظام الحاكم في إيران في العاصمة الفرنسية باريس في التاسع من شهر تموز/يوليو الجاري، واختلف مؤتمر المعارضة هذا اختلافاً نوعياً عن سائر مؤتمراتها السابقة، والتي تُعقد بشكلٍ دوري في كل عام، فبالإضافة إلى مشاركة أكثر من 100 ألف إيراني حضروا المؤتمر من مختلف البلدان، فقد سبق انعقاد المؤتمر فعاليات تحضيرية شارك فيها شخصيات دولية ودبلوماسيون غربيون بارزون، ومنهم فيليب كراولي مساعد وزير الخارجية الأمريكي السابق الذي حرّض ضد إيران، وقال في ندوة بعنوان (أزمة الشرق الأوسط، ما الحل؟): "يجب التعاون مع الأنظمة المجاورة لإيران للوقوف في وجه الخطر الذي تُشكّله طهران"، وأضاف: "لا يمكن إنكار دور إيران في الشرق الأوسط، فهو دور مُدمّر في المنطقة خصوصاً في سوريا"، وفي ندوة ثانية بعنوان (عام بعد الاتفاق النووي) تحدّث فيها ميتشل ريس، وهو مدير سابق للتخطيط السياسي في الولايات المتحدة، ومدير حالي لمؤسسة أبحاث سياسية أمريكية مرموقة، حاثّاً الرئيس الأمريكي القادم على تغيير سياسته تجاه إيران، فقال: "على الرئيس القادم للولايات المتحدة أنْ يؤكد لحلفائنا العمل على إيجاد استراتيجية لتغيير النظام في إيران". لقد كانت نبرة المتحدّثين في المؤتمر ضد النظام الإيراني مرتفعة جدّاً، فلم تكتف زعيمة المعارضة الإيرانية مريم رجوي بالدعوة إلى إسقاط نظام ولاية الفقيه في إيران وحسب، بل وانتقدت إدارة أوباما بمرارة وقالت بأنّ "سياسات أمريكا تجاه إيران يشوبها التضارب، وأفرزت مصائب للمنطقة"، واعتبرت أنّ الاتفاق النووي الذي وُقّع مع إيران قد "زاد من جرائم طهران"، وعلى غير عادتها في الخطابات التي يغلب عليها الصبغة الوطنية والعلمانية البحتة، فقد استخدمت هذه المرّة في خطابها البعد الطائفي الدارج إعلامياً فقالت: "إنّ السُنّة يتعرضون للاعتداء والقمع بسبب النظام أكثر من ذي قبل". أمّا مفاجأة المؤتمر ذات العيار الثقيل فكانت مشاركة الأمير السعودي تركي الفيصل الرئيس السابق للاستخبارات السعودية، والسفير الأسبق في كل من واشنطن ولندن لسنوات طويلة، فقد كان هو نجم المؤتمر الحقيقي، وكان حضوره، وهتافه مع مريم رجوي لإسقاط النظام قد عكس تحوّلاً جذرياً في موقف الحكومة السعودية، الذي لم تجْرِ العادة على إظهار عدائها لإيران على هذا النحو السافر من قبل، وذلك من خلال دعم المعارضة بشكلٍ علني وصريح، فقد أكسب وجود تركي الفيصل في المؤتمر كل ذلك الزخم الذي صاحبه، وكانت كلماته قد أشعلت وسائل الإعلام الإيرانية والسعودية على حدٍ سواء، فقال: "إنّ نظام الخميني لم يجلب سوى الدمار والطائفية وسفك الدماء ليس لإيران وإنّما في جميع دول الشرق الأوسط"، وأضاف موجّهاً كلامه للمعارضة: "الانتفاضة اشتعلت ونحن في العالم الإسلامي نقف معكم قلباً وقالباً، نُناصركم، وندعو الباري أنْ يُسدّد خطاكم"، ثمّ وجّه كلامه مستفزّاً القيادة الإيرانية، ومهدّداً لها قائلاً: "من الأجدر لخامنئي وروحاني الانتباه لمشاكلهما في الداخل، وإنّ المعارضة الإيرانية ستُحقّق مبتغاها في رحيل نظام ولاية الفقيه". وقد قامت وسائل الإعلام السعودية بِصُحُفِها وفضائياتها بحملة دعاية واسعة للمؤتمر - ومنها قناة الإخبارية السعودية الرسمية، وفضائية العربية المُموّلة من السعودية - أظهرت فيها مشاركة تركي بن عبد العزيز، وكأنّه ممثّل رسمي للسعودية في المؤتمر. لكنّ الرد الإيراني لم يتأخّر على هذه التصريحات السعودية اللاذعة، فجاء غاضباً وسريعاً، لدرجة أنّ هذه الاستفزازات قد أخرجت وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف عن طوره فقال: "إنّ رئيس الاستخبارات السعودي السابق تركي الفيصل ينتظره مصير الرئيس العراقي الراحل صدام حسين"، وأمّا محسن رضائي أمين مجمع تشخيص مصلحة النظام فتوعّد آل سعود بالاستئصال وقال: "رسالتنا إلى آل سعود هي أنّنا لا نغضب سريعاً، لكنّنا لو غضبنا فسوف لن نبقي لآل سعود أثراً على وجه الأرض". وبهذا التصعيد الجديد في العلاقات السعودية الإيرانية يكون الصراع بين الدولتين قد دخل فصلاً جديداً تختلف ملامحه عمّا سبقه، تمّ فيه تجاوز خطوط حمراء سابقة كان لا يتم الاقتراب منها عادة، وأهمّها التدخل العلني والمباشر في الشؤون الداخلية بين الدولتين، فالسعودية بشكلٍ خاص كانت تنأى بنفسها في السابق عن انتهاج مثل هذه السياسة، وكانت تحرص على رفع شعار (عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى مثلما ترفض تدخل الدول الأخرى في شؤونها الداخلية)، ولكنّ قاعدتها الجديدة بعد هذا المؤتمر يبدو أنّها قد تغيّرت، وأصبحت تقوم على أساس سياسة التدخّل بالمثل. يبدو أنّ أمريكا في نهاية عهد الرئيس أوباما تُريد إشغال المنطقة بالمزيد من التوتر والغليان تمهيداً لقدوم رئيس جديد، فمشاركة دبلوماسيين أمريكيين كبار في مداولات المؤتمر دليل على ذلك، ومشاركة شخص مثل تركي بن عبد العزيز، والذي يُعتبر رجل المهمّات السرّية والخطيرة يدلّ على أنّ لغة التصعيد بين السعودية وإيران هي اللغة المطلوبة في هذه الفترة، والهدف منها مزدوج، فمن جهة إيران المطلوب إضعاف قبضة التيّار المحافظ المتحكّم بالسلطة، وتمكين التيار الإصلاحي و(المعتدل) من الوصول إلى الحكم، بعد أنْ فشل في الوصول إليه من خلال الانتخابات التي فاز بها مؤخّراً، والسماح له بالتنافس على خلافة خامنئي على منصب المرشد العام، وأمّا من جهة السعودية فالمطلوب إضعاف قوّة التيّار (الديني) فيها، وتقوية ما يُسمّى بالتيّار (الشبابي) الذي يقوده محمد بن سلمان، والذي يسير بالدولة بقطاعيها العام والخاص باتّجاه نماذج الخصخصة والعولمة الرأسمالية وفقاً للرؤية الأمريكية. انعقد مؤتمر أكبر معارضة إيرانية (مجاهدي خلق) ضدّ النظام الحاكم في إيران في العاصمة الفرنسية باريس في التاسع من شهر تموز/يوليو الجاري، واختلف مؤتمر المعارضة هذا اختلافاً نوعياً عن سائر مؤتمراتها السابقة، والتي تُعقد بشكلٍ دوري في كل عام، فبالإضافة إلى مشاركة أكثر من 100 ألف إيراني حضروا المؤتمر من مختلف البلدان، فقد سبق انعقاد المؤتمر فعاليات تحضيرية شارك فيها شخصيات دولية ودبلوماسيون غربيون بارزون، ومنهم فيليب كراولي مساعد وزير الخارجية الأمريكي السابق الذي حرّض ضد إيران، وقال في ندوة بعنوان (أزمة الشرق الأوسط، ما الحل؟): "يجب التعاون مع الأنظمة المجاورة لإيران للوقوف في وجه الخطر الذي تُشكّله طهران"، وأضاف: "لا يمكن إنكار دور إيران في الشرق الأوسط، فهو دور مُدمّر في المنطقة خصوصاً في سوريا"، وفي ندوة ثانية بعنوان (عام بعد الاتفاق النووي) تحدّث فيها ميتشل ريس، وهو مدير سابق للتخطيط السياسي في الولايات المتحدة، ومدير حالي لمؤسسة أبحاث سياسية أمريكية مرموقة، حاثّاً الرئيس الأمريكي القادم على تغيير سياسته تجاه إيران، فقال: "على الرئيس القادم للولايات المتحدة أنْ يؤكد لحلفائنا العمل على إيجاد استراتيجية لتغيير النظام في إيران". لقد كانت نبرة المتحدّثين في المؤتمر ضد النظام الإيراني مرتفعة جدّاً، فلم تكتف زعيمة المعارضة الإيرانية مريم رجوي بالدعوة إلى إسقاط نظام ولاية الفقيه في إيران وحسب، بل وانتقدت إدارة أوباما بمرارة وقالت بأنّ "سياسات أمريكا تجاه إيران يشوبها التضارب، وأفرزت مصائب للمنطقة"، واعتبرت أنّ الاتفاق النووي الذي وُقّع مع إيران قد "زاد من جرائم طهران"، وعلى غير عادتها في الخطابات التي يغلب عليها الصبغة الوطنية والعلمانية البحتة، فقد استخدمت هذه المرّة في خطابها البعد الطائفي الدارج إعلامياً فقالت: "إنّ السُنّة يتعرضون للاعتداء والقمع بسبب النظام أكثر من ذي قبل". أمّا مفاجأة المؤتمر ذات العيار الثقيل فكانت مشاركة الأمير السعودي تركي الفيصل الرئيس السابق للاستخبارات السعودية، والسفير الأسبق في كل من واشنطن ولندن لسنوات طويلة، فقد كان هو نجم المؤتمر الحقيقي، وكان حضوره، وهتافه مع مريم رجوي لإسقاط النظام قد عكس تحوّلاً جذرياً في موقف الحكومة السعودية، الذي لم تجْرِ العادة على إظهار عدائها لإيران على هذا النحو السافر من قبل، وذلك من خلال دعم المعارضة بشكلٍ علني وصريح، فقد أكسب وجود تركي الفيصل في المؤتمر كل ذلك الزخم الذي صاحبه، وكانت كلماته قد أشعلت وسائل الإعلام الإيرانية والسعودية على حدٍ سواء، فقال: "إنّ نظام الخميني لم يجلب سوى الدمار والطائفية وسفك الدماء ليس لإيران وإنّما في جميع دول الشرق الأوسط"، وأضاف موجّهاً كلامه للمعارضة: "الانتفاضة اشتعلت ونحن في العالم الإسلامي نقف معكم قلباً وقالباً، نُناصركم، وندعو الباري أنْ يُسدّد خطاكم"، ثمّ وجّه كلامه مستفزّاً القيادة الإيرانية، ومهدّداً لها قائلاً: "من الأجدر لخامنئي وروحاني الانتباه لمشاكلهما في الداخل، وإنّ المعارضة الإيرانية ستُحقّق مبتغاها في رحيل نظام ولاية الفقيه". وقد قامت وسائل الإعلام السعودية بِصُحُفِها وفضائياتها بحملة دعاية واسعة للمؤتمر - ومنها قناة الإخبارية السعودية الرسمية، وفضائية العربية المُموّلة من السعودية - أظهرت فيها مشاركة تركي بن عبد العزيز، وكأنّه ممثّل رسمي للسعودية في المؤتمر. لكنّ الرد الإيراني لم يتأخّر على هذه التصريحات السعودية اللاذعة، فجاء غاضباً وسريعاً، لدرجة أنّ هذه الاستفزازات قد أخرجت وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف عن طوره فقال: "إنّ رئيس الاستخبارات السعودي السابق تركي الفيصل ينتظره مصير الرئيس العراقي الراحل صدام حسين"، وأمّا محسن رضائي أمين مجمع تشخيص مصلحة النظام فتوعّد آل سعود بالاستئصال وقال: "رسالتنا إلى آل سعود هي أنّنا لا نغضب سريعاً، لكنّنا لو غضبنا فسوف لن نبقي لآل سعود أثراً على وجه الأرض". وبهذا التصعيد الجديد في العلاقات السعودية الإيرانية يكون الصراع بين الدولتين قد دخل فصلاً جديداً تختلف ملامحه عمّا سبقه، تمّ فيه تجاوز خطوط حمراء سابقة كان لا يتم الاقتراب منها عادة، وأهمّها التدخل العلني والمباشر في الشؤون الداخلية بين الدولتين، فالسعودية بشكلٍ خاص كانت تنأى بنفسها في السابق عن انتهاج مثل هذه السياسة، وكانت تحرص على رفع شعار (عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى مثلما ترفض تدخل الدول الأخرى في شؤونها الداخلية)، ولكنّ قاعدتها الجديدة بعد هذا المؤتمر يبدو أنّها قد تغيّرت، وأصبحت تقوم على أساس سياسة التدخّل بالمثل. يبدو أنّ أمريكا في نهاية عهد الرئيس أوباما تُريد إشغال المنطقة بالمزيد من التوتر والغليان تمهيداً لقدوم رئيس جديد، فمشاركة دبلوماسيين أمريكيين كبار في مداولات المؤتمر دليل على ذلك، ومشاركة شخص مثل تركي بن عبد العزيز، والذي يُعتبر رجل المهمّات السرّية والخطيرة يدلّ على أنّ لغة التصعيد بين السعودية وإيران هي اللغة المطلوبة في هذه الفترة، والهدف منها مزدوج، فمن جهة إيران المطلوب إضعاف قبضة التيّار المحافظ المتحكّم بالسلطة، وتمكين التيار الإصلاحي و(المعتدل) من الوصول إلى الحكم، بعد أنْ فشل في الوصول إليه من خلال الانتخابات التي فاز بها مؤخّراً، والسماح له بالتنافس على خلافة خامنئي على منصب المرشد العام، وأمّا من جهة السعودية فالمطلوب إضعاف قوّة التيّار (الديني) فيها، وتقوية ما يُسمّى بالتيّار (الشبابي) الذي يقوده محمد بن سلمان، والذي يسير بالدولة بقطاعيها العام والخاص باتّجاه نماذج الخصخصة والعولمة الرأسمالية وفقاً للرؤية الأمريكية.

الأحد، 17 يوليو 2016

العلاقة مع روسيا تتصدّر مُداولات قمة الناتو في وارسو



العلاقة مع روسيا تتصدّر مُداولات قمة الناتو في وارسو




بحث أعضاء حلف شمال الأطلسي (الناتو) في قمته الأخيرة التي عُقدت يومي الجمعة والسبت 8 و9 تموز/يوليو الجاري في العاصمة البولندية وارسو موضوعات كثيرة، لكنّ واحداً منها فقط هو الذي هيْمَنَ على مداولات القمّة، ألا وهو موضوع الخطر الروسي على دول شرق أوروبا، فكان هو الطاغي في المناقشات، وفي القرارات، وفي الإجراءات.
لقد اتُخّذ أهم قرار في هذه القمّة - وعلى وجه السرعة – والذي يقضي بنشر أربع كتائب عسكرية جديدة في شرق أوروبا، فقال الأمين العام لحلف شمال الأطلسي ينس ستولتنبرغ: "قرّرنا تعزيز وجودنا العسكري في الجزء الشرقي من التحالف ويسرني أن أعلن أن كندا ستكون الدولة الرائدة في لاتفيا، وألمانيا ستقود كتيبة في ليتوانيا، والمملكة المتحدة ستتواجد في إستونيا والولايات المتحدة الأمريكية في بولندا"، وأعلن قادة الناتو في نهاية اليوم الأول من مباحثاتهم في القمّة عن مضاعفة حجم قوات الحلف العاملة من 5000 جندي إلى 40 ألفاً من قوات التدّخل السريع في مختلف مناطق النزاع.
وكانت قد انطلقت في بولندا الشهر الماضي (أناكوندا 16) وهي أضخم مناورات عسكرية في تاريخ الناتو منذ انتهاء الحرب الباردة، بمشاركة أكثر من 30 ألف جندي من 24 بلدا من دول الحلف، ومن دول أخرى تابعة للحلف، وقد تم اختيار بولندا تحديدا لكونها كانت معقل حلف وارسو الذي أقامه الاتحاد السوفياتي السابق ردّاً على حلف الناتو في خمسينات القرن الماضي، والذي تلاشى وجوده في العام 1991 مع اندثار الاتحاد السوفياتي، فكانت هذه المناورات التي سبقت القمّة بمثابة رسالة تحدٍ استفزازية لروسيا تُبيّن لها انتهاء نفوذها في معظم مناطق شرق أوروبا.
وكان قد سبق تلك المناورات في 13 أيار/مايو الماضي وضع حجر الأساس في بولندا لقاعدة صواريخ اعتراضية متوسطة المدى من طراز (إس ـ أم ـ 3)، ولقد أقام حلف الناتو حتّى الآن ثمانية مراكز قيادة في الجزء الشرقي من أوروبا.
إنّ تضييق الناتو على روسيا لا يتوقف عند الحدود العسكرية، فهو يتعداها إلى الناحية الاقتصادية، فقد حثّ الرئيس الأمريكي باراك أوباما دول الحلف على استمرار فرض العقوبات المفروضة على موسكو حتى تلتزم تماما باتفاق وقف إطلاق النار في أوكرانيا، وكان أوباما قد أجرى في منتصف الشهر الماضي لقاءات عديدة في واشنطن مع زعماء السويد والدنمارك وفنلندا، والنرويج وأيسلندا، حرّضهم فيها ضدّ روسيا، ودعاهم إلى تمديد العقوبات المفروضة عليها بسبب أوكرانيا، وطالبهم بتعزيز قوّاتهم لتكون على مقربةٍ من حدود دول البلطيق.
وقال نائب مستشار الأمن القومي للبيت الأبيض بن رودس: "إنّ العدوان المستمر لروسيا سيستدعي رداً من الحلف، ووجوداً أكبر له في شرق أوروبا"، ودعا المجلس البرلماني لحلف شمال الأطلسي الدول الأعضاء إلى: "الاستعداد للرد على التهديد المحتمل المتمثل بعدوان روسي ضد الدول الأعضاء في الحلف".
وأمّا رئيس وزراء بريطانيا ديفيد كاميرون فقد دعا في المؤتمر إلى إجراء حوار مع روسيا ولكن من منطلق الوحدة والقوة، وقال: "إنّ حدود أوروبا أعيد تخطيطها من قبل قوة عظمى (الاتحاد السوفياتي)، وعلى أوروبا وحلف الناتو الوقوف بشكل حازم في وجه هذا الأمر".
وبالرغم من محاولة الأمين العام لحلف الأطلسي ينس ستولتنبرغ إظهار الحلف وكأنّه موحد في مواقف أعضائه تجاه روسيا وقوله في القمة: "نحن متحدون"، إلاّ أنّ مواقف فرنسا وألمانيا وإيطاليا قد اختلفت تماماً عن مواقف أمريكا وبريطانيا وبولندا - التي قامت بشكل خاص في القمّة بدور تحريضي شديد ضد روسيا - وقد حذّرت كل من فرنسا وألمانيا وإيطاليا من الانسياق وراء السياسات العدائية التي تقودها بولندا تجاه روسيا.
فقال الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند: "روسيا لا تعد خصما لفرنسا أو خطرا على أمنها"، واعتبر أنّ حلف شمال الأطلسي عليه أنْ لا يسعى إلى التأثير في العلاقات التي يجب أن تقيمها أوروبا مع روسيا، وبرّر استخدام روسيا القوة في أوكرانيا، فقال: "إنّ روسيا شريك يمكن أحيانا أن يستخدم القوة، كما حدث في أوكرانيا والقرم".
أمّا المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل فقالت: "على غرار التفاهمات بين الولايات المتحدة وروسيا في سوريا فإن من مصلحة الجانبين أن ينسق حلف الأطلسي وروسيا أنشطتهما".
وتعاونت فرنسا وألمانيا مع روسيا بشكلٍ مخالفٍ تماماً لمواقف أمريكا وبريطانيا، واتّصل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تليفونياً قبل دقائق من بدء القمة مع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل ومع الرئيس الفرنسي فرانسوا أولاند، وطلب منهما "ممارسة نفوذ أكبر على الجانب الأوكراني ليمنح شرق أوكرانيا حكما ذاتيا أوسع".
وكان ردّ الكرملين على نشر الحلف لأربع كتائب في بولندا ودول البلطيق ردّاً دبلوماسياً باهتاً ينمّ عن ضعف شديد فقال: "إنه يعتبر تلميح حلف شمال الأطلسي بأن روسيا تمثل تهديدا أمرا سخيفا"، وعبّر عن أمله في أن: "يسود المنطق السليم قمة الحلف"، وأكّد على أنّ: "موسكو لا تزال مستعدة للحوار والتعاون مع الحلف".
وأمّا من ناحية عسكرية فكان رد روسيا على تشغيل حلف الناتو للدرع الصاروخية الأمريكية الموجودة على الأراضي البولندية الإعلان عن أنّها ستنشر صواريخ ذات قدرات نووية في كاليننجراد، وهي جيب روسي صغير يقع بين بولندا وليتوانيا، لكنّها لم تُنفّذ هذا الإعلان حتى الآن.
وهكذا فإنّ التصعيد الأمريكي ضد روسيا واضح قبيل وأثناء القمّة، سواء بالتوسّع العسكري في المناطق المحاذية لروسيا، أو في استمرار فرض العقوبات الاقتصادية عليها، فأمريكا تُريد تحجيم روسيا تماماً، وتُريد إنزالها من مستوى الدولة الكبرى إلى مستوى الدولة الإقليمية، ولم يشفع لروسيا تعاونها مع أمريكا في الموضوع السوري، ولم يكن للموقفيْن الفرنسي والألماني المتعاطفيْن مع الروس، والمشاكسيْن لأمريكا، أي أثر في تغيير موقف حلف الناتو العدائي تجاه روسيا، وما جرى في الحلف يؤكّد أنّ أمريكا ما زالت تتحكّم في أوروبا، وتتعسّف في العالم، من خلال قيادتها لهذا الحلف.
إنّ على الدول الأوروبية الكبرى إذا أرادت الاستقلال عن الهيمنة الأمريكية أنْ تتجرأ وتترك حلف الناتو، وتصنع لنفسها تكتلاً عسكرياً آخر لا تأثير لأمريكا عليه، لكنّ هذه الدول واضح من سلوكها أنّها أجبن من أنْ تتخذ مثل هذا القرار، وأمّا روسيا والصين بوصفهما من القوى الكبرى فهما أيضاً أضعف من أنْ تُواجها أمريكا وحلف الناتو.

لم يبقَ من أمل للبشرية التي تتوق إلى التخلص من أحادية الموقف الدولي، إلاّ قيام دولة الإسلام باعتبارها الدولة الوحيدة التي بمقدورها أنْ تتجرأ على مواجهة أمريكا، وأنْ تضع بالتالي حداً للعنجهية الأمريكية، وذلك بفضل ما تملك من إرادة حقيقية صلبة لتحدي أمريكا، هذه الإرادة النابعة من إيمانها بالإسلام العظيم الذي يمنحها قوةً غير محدودة في التصدي لطغيان وجبروت أمريكا بحق الشعوب المستضعفة، وفي التصدي لتجبّر كل قوى البغي والشر والاستكبار.

العلاقات بين نظام السيسي وكيان يهود تطوّرت إلى علاقات إستراتيجية


العلاقات بين نظام السيسي وكيان يهود تطوّرت إلى علاقات إستراتيجية




الخبر:
نقل موقع بلومبيرغ الأمريكي للأنباء عن مصادر في كيان يهود: "إنّ القيادة المصرية أبدت ارتياحها للنتائج التي أسفرت عنها الغارات التي نفّذتها الطائرات الإسرائيلية بدون طيار في سيناء"، وأشار الموقع إلى: "أنّ إسرائيل أغارت في الأعوام الماضية مرّات عدّة جوّاً على أهداف إرهابية في شبه جزيرة سيناء، وأنّ هذه الغارات تمّت بالتعاون مع مصر". وقال المعلّق العسكري لجيش الاحتلال اليهودي عاموس هارئيل: "إنّه بالإضافة إلى التعاون ضد (داعش) في سيناء، وسماح إسرائيل لمصر بالخروج عن بعض بنود الملحق العسكري لكامب ديفيد، فقد أصبحت مصر تُعتبر شريكاً استراتيجياً حيوياً في المنطقة، وعلى هذه الخلفية جاءت زيارة وزير الخارجية المصري لإسرائيل".
التعليق:
بالرغم من نفي مصادر أمنية في دولة يهود الخبر الذي نشره موقع بلومبيرغ عن الغارات التي شنّتها طائراتها في سيناء، وبالرغم من عدم اعتراف وسائل الإعلام الرسمية لنظام السيسي بصحة ما ورد في الخبر، إلاّ أنّ المعلّق العسكري لصحيفة هآرتس العبرية عاموس هارئيل كشف عن سبب عدم الإفصاح عن هذا الخبر بقوله: إنّ نشر بلومبيرغ للخبر يُعتبر بمثابة: "كسر للصمّت الإعلامي المتواصل الذي حافظ عليه الطرفان"، وتعليق هارئيل هذا بحد ذاته يؤكّد صحة الخبر، فهو يُبيّن أنّ هناك (صمتاً إعلامياً) بين الدولتين حول هذا النوع من الأخبار، بمعنى أنّه يُمنع على وسائل الإعلام نقل مثل هذه الأخبار، وهو يُظهِر استهجانه من كشف وكالة بلومبيرغ لهذا الخبر كونه يكسر سياسة الصمت تلك، ثمّ يستنتج هارئيل من هذا الكسر الجديد لهذه السياسة المتكتّمة حول هذا النوع من الأخبار بأنّ هناك إمكانية لتغييرها، ويُلمّح إلى احتمال جعلها في المستقبل سياسةً علنية خاصةً بعد زيارة وزير خارجية نظام السيسي لكيان يهود. ويبدو أنّ زيارة وزير خارجية النظام المصري سامح شكري الأحد الماضي للقدس المحتلة والتي جاءت في ظل أجواء حميمية بين الطرفين، تكشف عن قفزة نوعية في العلاقات المصرية مع كيان يهود، والتي تجرأ النظام المصري على الكشف عن حرارتها ودفئها بشكلٍ فاجأ الكثيرين، فلقد كانت هذه الزيارة غير مسبوقة في تطبيع العلاقات مع كيان يهود، وقد أجرى شكري فيها اجتماعات تطبيعية مطولة مع رئيس وزراء كيان يهود بنيامين نتنياهو، وكان آخرها في مقر إقامة نتنياهو نفسه، حيث حضرا معاً مباراة كرة القدم النهائية الأوروبية. ولعلّه ليس من قبيل المصادفة تتابع التصريحات عن قوة العلاقات بين الدولتين والتي صدرت عن كل من نائب رئيس أركان جيش الاحتلال، وسفير كيان يهود في القاهرة حول أنّ العلاقات بين الدولتين أصبحت "أوثق ممّا كانت أبداً بينهما"، وأنّ التعاون بين الدولتين هو "تعاون استراتيجي". ومن ناحية أخرى تهدف دبلوماسية النظام المصري بهذه الخطوات التقاربية مع كيان يهود لمواجهة الضغط الأوروبي المتزايد عليه، وإفشال المبادرة الفرنسية، خاصةً وأنّ النظام المصري أعلن عن مبادرة جديدة خاصة به تتلخص في عقد اجتماع ثلاثي بين السيسي ونتنياهو وعباس قريباً في القاهرة. ويأتي في هذا السياق أيضاً تبني كنيست كيان يهود قانوناً ضد جمعيات المجتمع المدني المدعومة من الأوروبيين والمناهضة لسياسات نتنياهو. إنّ نظام السيسي الخائن، ومعه جميع الأنظمة العميلة في المنطقة، تتسابق في خدمة دولة يهود، وخدمة من يدعمها من القوى العظمى كأمريكا، وتُساعدها في تمكينها من التمدد والتوسع في فلسطين، وفي تبرير عدوانها المتواصل على جميع شعوب العالم الإسلامي في كل مكان بالتعاون مع كل أعداء الأمّة الإسلامية. إنّ مواجهة عدوان كيان يهود المتغطرس ضدّ قضايا الأمّة الإسلامية لن يُكتب لها النجاح إلا بالعمل على إسقاط هذه الكيانات المتخاذلة العميلة التابعة للقوى الاستعمارية، ولا يتمّ ذلك إلاّ بإقامة دولة الإسلام، دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة على أنقاض هذه الكيانات.

الجمعة، 8 يوليو 2016

الدولة في الإسلام جزء من الدين الإسلامي


الدولة في الإسلام جزء من الدين الإسلامي



نشرت جريدة القدس يوم الاثنين 4/7/2016 مقالاً للدكتور أسعد عبد الرحمن بعنوان (فصل الدين عن السياسة: لماذا؟)، وتضمّن المقال بعض الأفكار عن الدين والدولة في الإسلام من وجهة نظر علمانية، سمّاها مدنية وديمقراطية، ورفض فيها تدخل الدين في الحياة السياسية، ووصف ذلك التدخل بأنّه نوعٌ من دولة الكهنوت أو الثيوقراط أي الدولة الدينية، واعتبرها من أشنع أشكال الدكتاتورية بلا منازع، وفي الوقت نفسه اعتبر كاتب المقال أنّ الدولة التي أقامها الرسول ﷺ كانت دولة مدنية ديمقراطية سياسية ودعا إلى تقليدها، وتضمّن المقال الكثير من المغالطات والتناقضات التي تحتاج إلى ردٍ واضح عليها من أصحاب الفكر الآخر، والذين من حقّهم أنْ يُدلوا دلوهم فيها لتظهر الحقيقة كاملةً أمام القارئ، ولتنجلي صورتها بكل شفافية، فتصطدم الحجج ببعضها البعض، ويظهر للقارئ الرأي الأصوب منها.
ولنبدأ بمناقشة المقالة فكرةً فكرة نقاشاً موضوعياً وعلمياً:
يقول الكاتب: "«فصل الدين عن الدولة» يعني كف يد المتدينين من السيطرة باسم الدين على أجهزة الدولة، فإذا سيطر «الكهنوت»، من أي دين كان، على الدولة السياسية أصبحت مطية لهم يستعملونها كيفما يشاؤون دون حسيب، خدمة لأنفسهم المادية «الأمارة بالسوء»، لا من أجل خدمة الله الذي لا يحتاج لخدمة أحد".
في البداية يجب التمييز بين موقف الدين الإسلامي من الدولة ومن السياسة وبين موقف الأديان الأخرى، وبالذات الديانة النصرانية، فالإسلام نظام شامل يتعلق بالحكم كما يتعلق بالعبادة، فهو لا يُفرّق بين العلاقات أكانت فردية أم عامة، أو كانت تتعلق بالفرد أم بالدولة والمجتمع، فكل أفعال الناس في الدين الإسلامي يجب أنْ تكون محكومة بأحكام الشرع الإسلامي، فلا فرق بين العبادات والمعاملات، ولا بين الأحوال الشخصية والأحوال الدولية، فالإسلام يُعالج كل ما يصدر عن البشر من أفعال، سواء أكانت تتعلق بالحكم أو الاقتصاد أو السياسة أو العبادات أو التعليم أو البينات أو العقوبات أو أي شيء آخر قد يتطلب نظامًا يُعالجه، فالإسلام نظام شامل لكل شيء ولكل زمان ولكل مكان، ونصوصه التشريعية جاءت شاملة عامة قابلة لأنْ تُستنبط منها أحكام شرعية لمعالجة كل حادثة، وكل فعل، وكل مشكلة، لذلك عُرّف الفقه في الإسلام بأنّه استنباط الأحكام العملية من النصوص التشريعية، فالإسلام دين سياسي عملي، والتشريع فيه نوع من سنّ القوانين المستمدة من نصوص القرآن والسنة، والأدلة على ذلك كثيرة منها: قوله تعالى: ﴿فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا﴾، فتحكيم الشرع في الإسلام يجب أن يكون في كل شيء، وبدون حرج، وبكل تسليم، وإلا يُنْفى عن المسلمين الذين لا يُحكّمون الشرع في كل شؤون حياتهم الإيمان، وهذا من أبلغ الدلالات على وجوب تحكيم الشرع في حياة المسلمين، فالله سبحانه أعلم بما يُصلحنا من أنفسنا، قال تعالى: ﴿أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾، ولا يمكن تطبيق أحكام الشرع في كل شيء، وعلى كل الناس، من دون وجود دولة إسلامية، كما لا يمكن حكم الناس بالإسلام من دون سياسة، فالسياسة هي رعاية شؤون الناس، والدولة هي التي تسوس الناس أي ترعى شؤونهم بأحكام الإسلام، والرسول ﷺ كان رئيساً للدولة الإسلامية التي أقامها في المدينة المنورة، فكان يحكم الناس بأحكام الإسلام، فوضع منذ وصوله إلى المدينة المنورة صحيفةً شاملة تُحدّد صيغة الحكم في المدينة تحديداً سياسياً دقيقاً، فكانت بمثابة دستور سياسي شامل احتكم له الناس منذ بداية تكوّن السلطة في الإسلام، والرسول ﷺ حكم رعيته بالفعل حكماً شاملاً بالإسلام، فطبّق عليهم الحدود، وقاد الجيوش، وأعلن الحروب، وعقد الهدن، ووضع التشريعات التي عالجت كل شيء في دولته ﷺ، وفعل مثله الخلفاء فحكموا الناس وفتحوا البلدان ونشروا الهدى والإسلام في ربوع أرجاء المعمورة.
فإذا عرفنا ما عرفناه عن دولة الرسول، ودولة خلفائه من بعده، فكيف ننفي إذاً وجود دولة إسلامية مع كل هذه الشواهد؟!، وكيف نفصل الإسلام عن السياسة بعد هذه المعرفة، والرسول ﷺ قد ربطه بها ربطاً محكماً؟!، وكيف نرفض بشكل عشوائي وغير علمي وجود دولة إسلامية مع أنّ الرسول ﷺ أقامها بالفعل؟!
ثم لماذا تريد أيّها الكاتب المحترم أنْ تكف يد المتدينين عن الدولة وتتركها لغير المتدينين ليعبثوا بها بأهوائهم؟، فأي منطق هذا تريد الذي فيه حرمان فئة مؤمنة بسبب تدينها وتستبعدها عن الحكم؟ وكيف تعتبر أنّ نفسياتهم (أمّارة بالسوء) ونفسيات غيرهم نقيّة صافية؟ فهل اطّلعت على سرائرهم، وكُشِف لك الغطاء عنها؟، أم هو التعسف والشطط في الرأي؟ فلماذا المتدين في نظرك مشكوك فيه؟، أمّا غير المتدين فإنسان نظيف ومثالي، فأي منطق مقلوب هذا الذي تحتكم إليه؟!
على أنّ مسألة الحكم والسياسة في الإسلام ليست مسألة شخصية، بل هي متعلقة بالحكم بالإسلام وبرعاية شؤون الناس بأحكام الشرع الإسلامي، يقول الرسول ﷺ: «الإمام راعٍ وهو مسؤول عن رعيته»، فعلى أي حاكم وبغض النظر عن درجة زهده أن يحكم الناس بالإسلام، وأن يتحمّل مسؤولية رعاية شؤونهم بإحسان تطبيق أحكام الشرع عليهم، فالدين الذي ارتضاه الله سبحانه لنا يُلزم الحاكم المسلم بالقيام بذلك إذا أراد الامتثال لدينه.
ولعل الخطأ الشنيع الذي وقع فيه الكاتب أنّه قاس الدين الإسلامي على الدين النصراني فخرج بهذه المغالطة الفادحة، أو ما سمّي بحكم الكهنوت، ذلك أنّ النصرانية لا يوجد بها نظام سياسي ولا نظام حكم، لذلك تسلّط رجال الكنيسة في القرون الوسطى على الحكم، وتجبّروا على الناس، وقادوهم وفقاً لمصالحهم، ومصالح طبقة الملوك والإقطاعيين المتحالفة معهم، فوجد بذلك عندهم الحكم الثيوقراطي، وهو حكم رجال الدين، ووجدت الدولة الدينية التي تخدم طبقة رجال الدين والمتحالفين معهم.
هذا ما حصل بالفعل في أوروبا، ثمّ اندلع بسبب هذه المشكلة صراع عنيف بين الكنيسة ورجالها من جهة، وبين الشعب بقيادة مفكرين وفلاسفة أوروبيين من جهة أخرى، نتج عنه في النهاية فصل للكنيسة التي تُمثّل الدين النصراني عن الحكم وعن السياسة، أو بمعنى آخر فصل للدين عن السياسة، فهذا ما حدث عندهم.
لكن هذا الذي حصل عندهم لا علاقة له بالإسلام لا من قريب ولا من بعيد، فلا يجوز قياس الدين الإسلامي على النصرانية، فالإسلام هو عقيدة وشريعة ونظام حياة، بينما النصرانية عقيدة بلا نظام ولا شريعة، ولا يوجد في الإسلام رجال دين، فكل مسلم بإمكانه أنْ يجتهد ويكون فقيهاً إذا استوفى معارف الشرع واللغة، والمجتهدون في الإسلام ليسوا مشرعين، فلا يأتون بتشريعات من عندهم، كما هو حال رجال الدين في النصرانية، ومن الظلم والجهل القياس بين الفقهاء عندنا وبين رجال الدين في النصرانية، والدولة عندنا ليست دولة دينية بالمعنى الثيوقراطي، بل هي دولة بشرية تُحكم بشرع الله، وبهذا الرد البسيط والواضح يسقط الاستدلال برفض الكاتب لوجود الدولة في الإسلام، ويثْبُت أنّ الدين الإسلامي ينص على وجود الدولة فيه، بخلاف النصرانية التي لا مفهوم للدولة فيها، والتي تستند إلى قاعدة "أعط ما لله لله وما لقيصر لقيصر".
فالخلل الكبير الذي وقع فيه الكاتب إذاً هو أنّه نقل ما حصل للنصرانية في أوروبا، وأسقطه على ما جرى في العالم الإسلامي، فما جرى في أوروبا من صراع بين الكنيسة والشعب لم يجْرِ مثله عند المسلمين، فالطلاق الذي وقع عندهم بين الدين والدولة والسياسة لم يحدث عند المسلمين مثله، فالناس في كل البلدان الإسلامية ما زالوا يطالبون بتحكيم الشريعة الإسلامية في حياتهم بالرغم من معاداة الأنظمة القائمة فيهم لتطبيق الشرع الإسلامي، وبالرغم من الحملات الغربية الاستعمارية المسعورة المستمرة ضد الإسلام، وبالتالي فما وقع فيه الكاتب هو خطأ في القياس وخطأ في الاستدلال، فضلاً عن وجود الجهل أو التجاهل بطبيعة نظام الحكم في الإسلام.
أمّا قوله: "الدين هو علاقة خاصة بين العبد والمعبود تعالى ولا طرف ثالثاً بينهما. في الإسلام، الدين كله لله لا للدولة ولا لأحد آخر، أبداً بتاتاً"، فهذا القول غير صحيح نهائياً، ولم يقل به الدين، ولا علماء المسلمين، والذي قالوه هو أنّ الصلاة والعبادة هي علاقة بين العبد وخالقه، وليس الإسلام، والصلاة والعبادة جزء من الدين وليس كل الدين، فالدين يحتوي على أشياء كثيرة منها الصلاة والعبادات، ومنها المعاملات والحكم والاقتصاد، و...الخ.
أمّا فكرة أنّ الدين كله لله فهذا صحيح، لكن معناه غير المعنى الذي قصده الكاتب، فالدين كلّه لله يعني الخضوع التام والشامل لله في كل شيء، في الصلاة والعبادات وفي الحكم والسياسة والمعاملات وفي سائر الأحكام، ويؤكّد ذلك قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ كَآفَّةً﴾، أي ادخلوا في كافة تشريعات الإسلام، والتزموا بها.
أمّا قول الكاتب: "لماذا، نحن العرب المسلمون، لا نقلد دولة «الرسول» المدنية الديمقراطية السياسية كما قلدها الغرب وبلغ أوج النهضة المدنية التي كان يحتكرها المسلمون منذ ألف سنة؟ لقد أخذ الغرب ديمقراطيته من نظام البيعة المدني في الإسلام"، فهذا كلام مغلوط، لأنّ الدولة التي أقامها الرسول ﷺ ليست دولة مدنية ولا ديمقراطية، بل هي دولة إسلامية تُطبّق كتاب الله وسنّة نبيه، فالأحكام التي طبّقها الرسول هي وحي من عند الله، وليست قوانين من عند البشر، كقوانين الدولة المدنية والديمقراطية، فأنا لا أدري كيف يُساوي الكاتب بين دولة تطبّق شرع الله، وبين دولة تُطبّق قوانين وضعية من وضع البشر، بين دولة تستمد أحكامها من الكتاب والسنة، وبين دولة تأخذ قوانينها من عقول البشر وأهوائهم، ثمّ إنّ الإسلام سبق هذه الأنظمة الوضعية الفاسدة بمئات السنين، ويمتاز عنها بأحكام جاءت من عند الله، يقول تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ﴾، فهل الديمقراطية تؤمن برسالة محمد ﷺ حتى تقول بأنّ دولة الرسول هي دولة ديمقراطية، فهذا فهم لم يأتِ به أحد من المسلمين أو غيرهم، فهو تخليط ومغالطات وأوهام.
أمّا قول الكاتب: "قامت دول عربية ينخرها التناحر العرقي أو المذهبي كي تبقى القوى الغربية على سيادتها في تلك البلاد رغم خروجها الظاهري منها وأصبحت المصالح الغربية تحكم بواسطة «فرق تسد». وعندما أطلت «القومية العربية» برأسها، سلط عليها الغرب الاستعماري نوعا من التدين الإسلامي الذي اتخذ هوية الدين له بدلاً من الهوية العربية المدنية التي تجمع الكل".
إنّ هذه الدول العربية التي أقيمت على أنقاض دولة الخلافة العثمانية لم يعد يشك أحد في أنّها دول تابعة للاستعمار، وحكامها عملاء للدول الاستعمارية، فهي دول لا تستحق الوجود لأنّها مزقت العالم الإسلامي إلى دويلات كرتونية موالية للغرب المستعمر، وهي دول أقيمت على أساس القومية والوطنية، فكيف يُعقل أنْ يعمل الاستعمار على هدمها وهو الذي أسّسها بيديه وبناها؟، وهل كانت كل الهزائم التي لحقت بنا مراتٍ ومرّات إلاّ بسببها، فلماذا يُسلّط الغرب عليها من يهدمها، بينما هي تُراعي مصالحه، وتحفظ نفوذه؟ وأين هي القومية العربية اليوم؟ وهل لا تكفي عشرات السنين من فشلها وإفلاسها للتخلي عنها؟ ثمّ لماذا يُريد الغرب نوعاً من التدين ليقضي عليها؟، فهي تفي بحاجته، وتُحقّق له أهدافه، فلماذا يعمل على تقويضها؟، ثمّ من قال إنّ الغرب يؤيد التدين، وهو يُعلن على الملأ ليل نهار عن محاربته له، فأي تفسير غير منطقي هذا؟، فالقول بأنّ الغرب استخدم الإسلام في تقويضها لا يستقيم، ولا يستند إلى أي دليل.
أمّا قول الكاتب: "والآن، يواجه العالمان العربي والإسلامي نكبة مزدوجة من «القاعدة» ومن «داعش» وفكرهما التكفيري الذي يبغي إقامة «دولة إسلامية» أو «خلافة إسلامية» على مثال «الدولة اليهودية» التي تبغي تهويد فلسطين التاريخية كلها!!! وتتخذ «القاعدة» و«داعش» الجمهورية الإسلامية الإيرانية و«ولاية الفقيه المعصوم من الخطأ» برهاناً عملياً مقابلا يؤيد مبدأ تدينهم الذي لا يمت للإسلام بصلة".
وأجيب فأقول: من قال إنّ الصحوة الإسلامية، والدعوة لإقامة دولة إسلامية هي خاصة بفصائل إسلامية معينة كالقاعدة وتنظيم الدولة؟ إنّ العمل لإقامة الخلافة الإسلامية تتبنّاها معظم جماهير الأمّة، وكثير من قواها الفاعلة كحزب التحرير الذي تبنى هذه الدعوة قبل أنْ تظهر القاعدة وتنظيم الدولة إلى الوجود بعقود، ففكرة الدولة الإسلامية والخلافة الإسلامية فكرة أصيلة ومستقرة في أذهان المسلمين، فهي أصلاً لم تغبْ عن بالهم منذ تغييب الخلافة العثمانية عن الوجود أوائل القرن العشرين، ولم تظهر فكرة الدولة القومية العربية واليهودية أصلاً إلا بعد إسقاط دولة الخلافة، ففكرة الدولة اليهودية تُقابل فكرة الدولة العربية وليس الدولة الإسلامية، لأنّ فكرة القوميات في الأساس هي نتاج للمفاهيم الغربية الغازية التي جاء بها الاستعمار، وليست نتاج الأفكار الإسلامية، والقول بأنّ فكرة الدولة الإسلامية تأتي على مثال الدولة اليهودية قول فيه تحريف للواقع، وتجنٍّ على الإسلام، وعلى مفاهيمه.
إنّ الدولة الإسلامية المطلوب العمل لإعادتها إلى واقع الحياة، والتي يعمل المسلمون الآن بكل جد لإقامتها، هي الدولة التي ستستأنف الحياة الإسلامية بعد أنْ نجح الغرب في تعطيلها منذ إسقاط الخلافة العثمانية على يد مصطفى كمال سنة 1924م، وهي الدولة التي ستطبّق شرع الله على المسلمين، وهي التي ستُوحّد المسلمين في كيان واحدٍ قوي، وهي التي ستُحرّر فلسطين وسائر بلاد المسلمين المغتصبة، وهي التي ستطهّر بلاد المسلمين من كل نفوذ أمريكي وروسي وأوروبي وأجنبي، وهي التي ستُعيد للمسلمين مجدهم وعزتهم وكرامتهم، وهي التي ستحمي بيضة المسلمين المستباحة من كل معتدٍ أثيم، إنّها دولة الخلافة التي طلب منّا رسول الله ﷺ التمسك بها، والعض عليها بالنواجذ عندما تظهر الفتن، كما هو حالنا في هذه الأيام، حيث قال عليه الصلاة والسلام: «فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، عَضوا عليها بالنواجذ».