الخميس، 31 أكتوبر 2019

أسباب تغيير ووزاء خارجية مملكة آل سعود


أسباب تغيير وزراء الخارجية في مملكة آل سعود





أصدر ملك آل سعودسلمان يوم الأربعاء 23/10/2019 أمرا ملكيا بإعادة تشكيل مجلس الوزراء، وكان من أبرز ما جاء في التشكيلالوزاري الجديد على المستوى الدبلوماسي تعيينالأمير فيصل بن فرحان بن عبد الله بن فيصل بن فرحان آل سعود وزيرا للخارجية بدلا من إبراهيم العساف الذي عُين وزير دولة وعضوا في مجلس الوزراء السعودي.
وكان العساف قد خلف وزير الخارجية السابق، عادل الجبير في منصبه بعد أن عُيّن الجبير وزير دولة للشؤون الخارجية في كانون الأول/ديسمبر 2018، في إطار تغيير وزاري واسع.
وكان يؤمل من تعيين إبراهيم العساف وزيراً للخارجية بدلاً من عادل الجبير تحسين سمعة الدولة في الخارج، وتلميع صورتها، والإيهام بأنّ الدولة قادرة على أنْ تُجدّد نفسها بنفسها، وذلك بعد أنْ تشوّهت صورتها، بسبب تلطخ أيديها بالدماء نتيجةً لارتكابها المجازر ضد المدنيين في اليمن، وبسبب جريمة قتل الصحفي جمال خاشقجي التي ما زالت ذيولها مُستمرة حتى الآن.
وأمّا السبب الرئيس لعزل وزير الخارجية الأسبق عادل الجبير عن منصبهفيعود إلى ارتباط اسمه ارتباطا مباشراً بقضية خاشقجي، إذ كان بوقاً إعلامياً صاخباً وأجوفَ يُنافح عن ابن سلمان في المنابر الدولية، ويُبرّر له جرائمه على مستوى السياسة الخارجية والعلاقات الدولية، وهذا ما جعله منبوذاً من ناحيةٍ دبلوماسية، فلم يعد مُستساغاً لدى السياسيين الأجانب التعامل معه.
وسبق أنْ قدّم الجبير استقالته بعد مقتل خاشقجي بمدة ليُخفّف عن النظام بعضاً من تبعات الجريمة، وليتحمّل قسطاً من وزرها، بيد أنّ الملك سلمان رفض استقالته في حينها - كما قيل - ثمّ جاء الوقت المناسب لتغييره قبل عشرة أشهر، وذلك في محاولة يائسة من محمد بن سلمان لتبديل الصورة النمطية المطبوعة في ذهن الدبلوماسيين الأجانب عن ارتباط الجبير به وبجريمة قتل خاشقجي، والتي وسمت سلوك الدولة السعودية في الخارج بالوحشية والهمجية.
وتمّ تعويض الجبير عن منصب وزير الخارجية بمنصب وزير الدولة للشؤون الخارجية، ليبتعد قليلاً عن الأضواء، وليعمل خادماً لابن سلمان في موقع آخر قريب من منصب الخارجية الذي تمرّس فيه.
وأمّا وزير الخارجية السابق إبراهيم العساف فهو وإن كان معروفاً بصلاته القوية مع أمريكا وبعلاقاته الوثيقة بالمؤسسات الدولية، لكنّه لم يفلح في إخراج الدبلوماسية السعودية من الطريق المسدود الذي آلت إليه بعد حادثة خاشقجي، والعساف درس في الجامعات الأمريكية، وحصل على الدكتوراه في الاقتصاد من جامعة ولاية كولورادو عام 1981، وشغل منصب وزير المالية لعشرين عاما من 1996 إلى 2016، كما كان نائبا للسعودية في صندوق النقد الدولي بين عامي 1986 و1989، ومثّلها في البنك الدولي، وهو عضو بارز في مجلس إدارة شركة النفط السعودية أرامكو، وشغل منصب مستشار الصندوق السعودي للتنمية، وتولى المدير التنفيذي في مجالس إدارة مجموعة البنك الدولي للسعودية، وتولى عمادة مجلس إدارة مجموعة البنك العالمي، وكان يرأس اللجنة السعودية السورية المشتركة، وساهم في تقارب وجهات النظر العربية بشأن القضية السورية لصالح نظام بشار الأسد، وهو بذلك يملك خبرة تراكمية بالسياسات المالية والخارجية للسعودية، وكان أريد له أنْ يظهر أمام الدول الأجنبية كرجل دولة محترف، ورُبما هذا هو السبب الرئيسي في اختياره آنذاك لمنصب وزير الخارجية، ليكون مقبولا للدبلوماسيين الأجانب فيقبلون التعامل معه، بعد ما وقع ما يشبه القطيعة الدبلوماسية مع وزارة الخارجية السعودية إثر حادثة خاشقجي، وكان يُتوقع من تعيينه أنْ يُبيّض سجل الحكومة الأسود الحافل بالجرائم المفضوحة، لكنّه لم يستطع حلحلة الوضع الدبلوماسي المتجمد ولو سنتيمتراً واحداً.
فالهدف لم يتحقّق، وظلت السياسة الخارجية السعودية مشلولة، ولم يستطع العساف أنْ يبعث الحياة فيها، لذلك جاء هذا التعيين الجديد بهدف مُحاولة إحياء الدبلوماسية السعودية المتدهورة، فجيء بوزير من أمراء الأسرة الحاكمة لعلّه يكون كسعود الفيصل وزير الخارجية الأسبق الذي مكث ثلاثين سنة في الوزارة، ونجح في إدارة الدبلوماسية السعودية نجاحاً كبيراً قياساً بمن أتوا من بعده.
والوزير الجديد فيصل بن فرحان آل سعود كان سفيراً للسعودية في ألمانيا، والأهم من ذلك أنّه شغل منصب كبير المستشارين في السفارة السعودية في واشنطن، وساعد على إيجاد نوع من التفاعل مع وسائل الإعلام الأمريكية والخبراء وقادة الرأي الأمريكيين وفقاً لما ذكره الكاتب الروسي إيغور يانفاريف، والذي قال أيضاً بأنّ ابن فرحان آل سعود يقف خلف العديد من المبادرات الاقتصادية بما في ذلك مشروع صناعات الفضاء المشترك بين شركة بوينغ الأمريكية والحكومة السعودية.
ولعل هذه المواصفات الموجودة في هذا الوزير تُرضي رغبة إدارة ترامب كونها قد تُدرّ على أمريكا أرباحاً كثيرة من خلال وقوف ابن فرحان خلف صفقات سعودية ضخمة مع شركة بوينغ.
فهذه هي إذاً أسباب تغيير وزيري الخارجية السابقين وهما عادل الجبير الذي اقترن اسمه دبلوماسياً بالدفاع عن ابن سلمان وتغطية حادثة خاشقجي، وتسويق الرواية السعودية غير المقنعة عن الحادثة خارجياً، وإبراهيم العساف الذي فشل في إحداث أي اختراق في السياسة الخارجية في العشرة أشهر الماضية.
هذا على المستوى الدبلوماسي، أمّا المستويات الأخرى فلم يطالها أي تغيير في التعديل الوزاري الجديد؛ فعلى المستوى العسكري والأمني فلا يزال ولي العهد محمد بن سلمان يحتفظ بكافة مناصبه بعد كل التعديلات الوزارية، وأبرزها ولي العهد، ووزير الدفاع، ونائب رئيس الوزراء، ورئيس مجلس الشؤون الأمنية والسياسية، ورئيس مجلس الشؤون الاقتصادية، ومجالس أخرى.
كما أبقى التعديل الوزاري الأخير على عبد الله بن بندر بن عبد العزيز في منصب وزير الحرس الوطني الذي كان قد عُيّن بدلاً من الأمير متعب بن الملك عبد الله، وبدل الذي جاء بعده، وكان متعب قد أزيح عن منصبه واعتقل مدة في تشرين الثاني/نوفمبر من سنة 2017 كونه كان يُمثّل مركز قوة رئيسيا في الدولة لصالح الإنجليز، وكان يُعد ليكون ملكاً للسعودية بعد الملك سلمان.
وأما فيما يتعلق بهيئة الإفساد ونشر الرذيلة المسمّاة بهيئة الترفيه، والتي تُعتبر من أكبر إنجازات ابن سلمان في علمنة الدولة، فتمّ تثبيت تركي عبد المحسن آل شيخ رئيساً لها، وهو من الوجوه ذات البعد القبلي المهم في الدولة، كونه ينتسب لعائلة مؤسس الوهابية في السعودية.
وأمّا بقية أعضاء مجلس الوزراء فهم أصلاً من المُوالين لمحمد بن سلمان، ومن الممثلين للعشائر التي يتقوى بها، ويزداد بها نفوذه داخل الدولة، وهو ما يظن أنّه يتمكّن من خلالها من فرض رؤيته المزعومة على أهل الحجاز ونجد مُستعيناً بأسياده الأمريكان.



أصدر ملك آل سعودسلمان يوم الأربعاء 23/10/2019 أمرا ملكيا بإعادة تشكيل مجلس الوزراء، وكان من أبرز ما جاء في التشكيلالوزاري الجديد على المستوى الدبلوماسي تعيينالأمير فيصل بن فرحان بن عبد الله بن فيصل بن فرحان آل سعود وزيرا للخارجية بدلا من إبراهيم العساف الذي عُين وزير دولة وعضوا في مجلس الوزراء السعودي.
وكان العساف قد خلف وزير الخارجية السابق، عادل الجبير في منصبه بعد أن عُيّن الجبير وزير دولة للشؤون الخارجية في كانون الأول/ديسمبر 2018، في إطار تغيير وزاري واسع.
وكان يؤمل من تعيين إبراهيم العساف وزيراً للخارجية بدلاً من عادل الجبير تحسين سمعة الدولة في الخارج، وتلميع صورتها، والإيهام بأنّ الدولة قادرة على أنْ تُجدّد نفسها بنفسها، وذلك بعد أنْ تشوّهت صورتها، بسبب تلطخ أيديها بالدماء نتيجةً لارتكابها المجازر ضد المدنيين في اليمن، وبسبب جريمة قتل الصحفي جمال خاشقجي التي ما زالت ذيولها مُستمرة حتى الآن.
وأمّا السبب الرئيس لعزل وزير الخارجية الأسبق عادل الجبير عن منصبهفيعود إلى ارتباط اسمه ارتباطا مباشراً بقضية خاشقجي، إذ كان بوقاً إعلامياً صاخباً وأجوفَ يُنافح عن ابن سلمان في المنابر الدولية، ويُبرّر له جرائمه على مستوى السياسة الخارجية والعلاقات الدولية، وهذا ما جعله منبوذاً من ناحيةٍ دبلوماسية، فلم يعد مُستساغاً لدى السياسيين الأجانب التعامل معه.
وسبق أنْ قدّم الجبير استقالته بعد مقتل خاشقجي بمدة ليُخفّف عن النظام بعضاً من تبعات الجريمة، وليتحمّل قسطاً من وزرها، بيد أنّ الملك سلمان رفض استقالته في حينها - كما قيل - ثمّ جاء الوقت المناسب لتغييره قبل عشرة أشهر، وذلك في محاولة يائسة من محمد بن سلمان لتبديل الصورة النمطية المطبوعة في ذهن الدبلوماسيين الأجانب عن ارتباط الجبير به وبجريمة قتل خاشقجي، والتي وسمت سلوك الدولة السعودية في الخارج بالوحشية والهمجية.
وتمّ تعويض الجبير عن منصب وزير الخارجية بمنصب وزير الدولة للشؤون الخارجية، ليبتعد قليلاً عن الأضواء، وليعمل خادماً لابن سلمان في موقع آخر قريب من منصب الخارجية الذي تمرّس فيه.
وأمّا وزير الخارجية السابق إبراهيم العساف فهو وإن كان معروفاً بصلاته القوية مع أمريكا وبعلاقاته الوثيقة بالمؤسسات الدولية، لكنّه لم يفلح في إخراج الدبلوماسية السعودية من الطريق المسدود الذي آلت إليه بعد حادثة خاشقجي، والعساف درس في الجامعات الأمريكية، وحصل على الدكتوراه في الاقتصاد من جامعة ولاية كولورادو عام 1981، وشغل منصب وزير المالية لعشرين عاما من 1996 إلى 2016، كما كان نائبا للسعودية في صندوق النقد الدولي بين عامي 1986 و1989، ومثّلها في البنك الدولي، وهو عضو بارز في مجلس إدارة شركة النفط السعودية أرامكو، وشغل منصب مستشار الصندوق السعودي للتنمية، وتولى المدير التنفيذي في مجالس إدارة مجموعة البنك الدولي للسعودية، وتولى عمادة مجلس إدارة مجموعة البنك العالمي، وكان يرأس اللجنة السعودية السورية المشتركة، وساهم في تقارب وجهات النظر العربية بشأن القضية السورية لصالح نظام بشار الأسد، وهو بذلك يملك خبرة تراكمية بالسياسات المالية والخارجية للسعودية، وكان أريد له أنْ يظهر أمام الدول الأجنبية كرجل دولة محترف، ورُبما هذا هو السبب الرئيسي في اختياره آنذاك لمنصب وزير الخارجية، ليكون مقبولا للدبلوماسيين الأجانب فيقبلون التعامل معه، بعد ما وقع ما يشبه القطيعة الدبلوماسية مع وزارة الخارجية السعودية إثر حادثة خاشقجي، وكان يُتوقع من تعيينه أنْ يُبيّض سجل الحكومة الأسود الحافل بالجرائم المفضوحة، لكنّه لم يستطع حلحلة الوضع الدبلوماسي المتجمد ولو سنتيمتراً واحداً.
فالهدف لم يتحقّق، وظلت السياسة الخارجية السعودية مشلولة، ولم يستطع العساف أنْ يبعث الحياة فيها، لذلك جاء هذا التعيين الجديد بهدف مُحاولة إحياء الدبلوماسية السعودية المتدهورة، فجيء بوزير من أمراء الأسرة الحاكمة لعلّه يكون كسعود الفيصل وزير الخارجية الأسبق الذي مكث ثلاثين سنة في الوزارة، ونجح في إدارة الدبلوماسية السعودية نجاحاً كبيراً قياساً بمن أتوا من بعده.
والوزير الجديد فيصل بن فرحان آل سعود كان سفيراً للسعودية في ألمانيا، والأهم من ذلك أنّه شغل منصب كبير المستشارين في السفارة السعودية في واشنطن، وساعد على إيجاد نوع من التفاعل مع وسائل الإعلام الأمريكية والخبراء وقادة الرأي الأمريكيين وفقاً لما ذكره الكاتب الروسي إيغور يانفاريف، والذي قال أيضاً بأنّ ابن فرحان آل سعود يقف خلف العديد من المبادرات الاقتصادية بما في ذلك مشروع صناعات الفضاء المشترك بين شركة بوينغ الأمريكية والحكومة السعودية.
ولعل هذه المواصفات الموجودة في هذا الوزير تُرضي رغبة إدارة ترامب كونها قد تُدرّ على أمريكا أرباحاً كثيرة من خلال وقوف ابن فرحان خلف صفقات سعودية ضخمة مع شركة بوينغ.
فهذه هي إذاً أسباب تغيير وزيري الخارجية السابقين وهما عادل الجبير الذي اقترن اسمه دبلوماسياً بالدفاع عن ابن سلمان وتغطية حادثة خاشقجي، وتسويق الرواية السعودية غير المقنعة عن الحادثة خارجياً، وإبراهيم العساف الذي فشل في إحداث أي اختراق في السياسة الخارجية في العشرة أشهر الماضية.
هذا على المستوى الدبلوماسي، أمّا المستويات الأخرى فلم يطالها أي تغيير في التعديل الوزاري الجديد؛ فعلى المستوى العسكري والأمني فلا يزال ولي العهد محمد بن سلمان يحتفظ بكافة مناصبه بعد كل التعديلات الوزارية، وأبرزها ولي العهد، ووزير الدفاع، ونائب رئيس الوزراء، ورئيس مجلس الشؤون الأمنية والسياسية، ورئيس مجلس الشؤون الاقتصادية، ومجالس أخرى.
كما أبقى التعديل الوزاري الأخير على عبد الله بن بندر بن عبد العزيز في منصب وزير الحرس الوطني الذي كان قد عُيّن بدلاً من الأمير متعب بن الملك عبد الله، وبدل الذي جاء بعده، وكان متعب قد أزيح عن منصبه واعتقل مدة في تشرين الثاني/نوفمبر من سنة 2017 كونه كان يُمثّل مركز قوة رئيسيا في الدولة لصالح الإنجليز، وكان يُعد ليكون ملكاً للسعودية بعد الملك سلمان.
وأما فيما يتعلق بهيئة الإفساد ونشر الرذيلة المسمّاة بهيئة الترفيه، والتي تُعتبر من أكبر إنجازات ابن سلمان في علمنة الدولة، فتمّ تثبيت تركي عبد المحسن آل شيخ رئيساً لها، وهو من الوجوه ذات البعد القبلي المهم في الدولة، كونه ينتسب لعائلة مؤسس الوهابية في السعودية.
وأمّا بقية أعضاء مجلس الوزراء فهم أصلاً من المُوالين لمحمد بن سلمان، ومن الممثلين للعشائر التي يتقوى بها، ويزداد بها نفوذه داخل الدولة، وهو ما يظن أنّه يتمكّن من خلالها من فرض رؤيته المزعومة على أهل الحجاز ونجد مُستعيناً بأسياده الأمريكان.

الاستجابة السياسية لله وللرسول تحيي الامة


الاستجابة السياسية لله وللرسول تحيي الأمة


الخميس، 17 أكتوبر 2019

برامج التبادل وصناعة العملاء



برامج التبادل وصناعة العملاء





نشرت السفارة الأمريكية خبراً خطيراً على شكل تغريدة على تويتر لم يلق أي اهتمام إعلامي بالرغم من خطورته، ومفاده أنّ السفارة الأمريكية في الخرطوم: "تُعلن وبفخر أنّ العديد من الوزراء السودانيين الذين أدّوا اليمين الدستورية هم من خريجي برامج التبادل، وأنّنا لم يتوقف تعاوننا مع السودان من خلال هذه البرامج مُطلقاً، وسيقفز هذا التعاون للمضي قُدُماً في المُستقبل".
فهذا هو إذاً عمل برامج التبادل الأمريكية بكل بساطة، وهو تكوين عقليات وشخصيات على الطريقة الأمريكية، وتمكينهم من الوزارة والحكم في بلاد المسلمين وغيرها، وبمعنى آخر زراعة رجالها في الحكم في الدول التابعة لها، فلا تكتفي بتبعية شخص الرئيس أو القائد بل توجد مجموعة من الوزراء والمتنفذين التابعين لها وتزرعهم في مفاصل الدولة الرئيسية.
إنّ أمريكا تُنفق على هذه البرامج أموالاً هائلة، فقد أنفقت على برامج المخابرات في عام 2003 مثلاً 30 مليار دولار، بينما أنفقت في العام نفسه على برامج التبادل 230 مليار دولار، أي أكثر من سبعة أضعاف ما أنفقته على برامج المخابرات، وهو ما يدل على أهمية هذه البرامج لدى صُنّاع القرار في أمريكا.
ومنذ العام 2003 ساهمت هذه البرامج في إحضار 700000 موفد أجنبي إلى الأراضي الأمريكية تلقوا الثقافة الأمريكية من خلال هذه البرامج، منهم 200 رئيس دولة و1500 وزير.
وهم يقولون: إنّ مفهوم التبادل لا يعني بالضرورة تبادل الأشخاص وإنّما هو تبادل الثقافات، أي أنّ المقصود منه زرع الثقافة الأمريكية في عقول المشاركين بهذه البرامج، وبمعنى آخر فهو عبارة عن عملية غسيل أدمغة، وتهيئة رجال من الدمى العملاء لأمريكا.
وتقوم الجامعات والمعاهد بالدور الأبرز في هذه البرامج، ومُعظم الموفدين هم من خريجي هذه المؤسّسات التعليمية، ولو استعرضنا أسماء بعض الوزراء السودانيين الجدد وخبراتهم والجامعات التي درسوا فيها لوجدنا هناك علاقة ما بين الجامعات والمؤسسات الدولية التي تهيمن أمريكا عليها وبين هؤلاء الوزراء.
فمثلاً عمر مانيس وزير شؤون الرئاسة عمل مندوباً للسودان لدى الأمم المتحدة ومبعوثاً للسلام في الكونغو، وأسماء عبد الله وزيرة الخارجية لها علاقة بمنظمة كفاية الأمريكية، وإبراهيم البدروي كان خبيراً في إيجاد السلام، ونصر الله عبد الباري وزير العدل هو مستشار للقانون الدولي من جامعة هارفارد، وأكرم علي الدوح وزير الصحة درس الماجستير في جامعة جورج تاون الأمريكية وينوي إكمال الدكتوراه في الجامعة نفسها.
وهناك وزراء لهم علاقة بالجامعات البريطانية منهم وزير الثقافة فيصل محمد صالح الذي أنهى الماجستير في الدراسات من جامعة ويلز البريطانية، وولاء عصام البوشي التي تحمل الماجستير من جامعة إمبريال كوليج لندن، ولينا الشيح وزيرة التنمية معها ماجستير من جامعة مانشستر وكانت استشارية لدى مكتب اتفاق الأمم المتحدة.
فما علاقة هؤلاء بالثورة السودانية؟ وهل هؤلاء هم أبناء الثورة والتغيير أم هم صناعة برامج التبادل الأمريكية والبريطانية؟
لقد قام عبد الله حمدوك رئيس الوزارة السودانية الجديدة بأول زيارة خارجية له إلى جنوب السودان، واصطحب معه مجموعة من الوزراء ليؤكد على تكريس حكومة (الثورة الجديدة) الانفصال عن الجنوب، واعتبر من أهم أولوياته الخارجية فتح الحوار مع أمريكا لرفع اسم السودان من القائمة الأمريكية للدول الراعية (للإرهاب)، والتفاوض مع صندوق النقد والبنك الدوليين لأخذ قروض ربوية جديدة وإغراق البلد بالديون.
وفي السياسة الداخلية جعل حمدوك من أهم أولوياته مُساواة المرأة بالرجل، والهدف واضح وهو إبعاد أحكام الشريعة الإسلامية عن العلاقات الاجتماعية وإطلاق العنان لإفساد المرأة والأسرة ونشر الرذائل في المجتمع تحت شعار مساواة المرأة بالرجل.
فهل هذه أعمال وزارة خرجت من رحم الثورة أم هي أعمال وزارة خرجت بتوجيهات من المشرفين على برامج التبادل؟!

الثلاثاء، 15 أكتوبر 2019

مغزى منح آبي أحمد جائزة نوبل للسلام



مغزى منح آبي أحمد جائزة نوبل للسلام





الخبر:
أعلنت الأكاديمية الملكية السويدية للعلوم - وهي الجهة المُختصة بمنح جائزة نوبل للسلام - يوم الجمعة الموافق 11/10/2019 عن فوز رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد بالجائزة للعام 2019، وذلك تقديراً لجهوده في ما يُسمّى بـ"تحقيق السلام والتعاون الدولي"، وخصوصاً مُبادرته الحاسمة في "تسوية النزاع مع إريتريا"، و"إصلاحاته التي منحت الأمل في حياة أفضل للإثيوبيين" وذلك وفقاً لما جاء في الخبر.
التعليق:
لمْ تُعط جائزة نوبل للسلام من قبل لشخصية قط إلا بناءً على إنجازات سياسية مُهمة يتمّ تنفيذها خدمةً للمصالح الأمريكية والغربية عموماً، فما هي إنجازات آبي أحمد السياسية المدعومة من أمريكا، والتي أهّلته لنيل أرفع جائزة عالمية مرموقة لا ينالها شخص إلاّ وقد خدم هذه المصالح؟
قبل ذكر أهم الإنجازات التي قام بها آبي أحمد لا بُدّ لنا من التذكير أولاً بأهمية إثيوبيا الجيوسياسية بالنسبة لأمريكا والغرب، فهذه الدولة الأفريقية الكبيرة تقع في شرق أفريقيا، ويزيد تعداد سكانها عن المائة مليون نسمة، وهي من أهم المصادر المائية لنهر النيل، وتؤثر على ربع دول القارة الأفريقية مباشرة، وفيها مقر الاتحاد الأفريقي، ويعيش فيها أكثر من أربع قوميات مُتناحرة ومُتنافسة على السلطة، وعدم استقرارها يعني عدم استقرار دول شرق أفريقيا جميعها، لذلك بدأت أمريكا بإعادة ترتيب أوضاعها لمنحها الاستقرار النسبي خوفاً من وقوعها بالفوضى، وخروجها من ثمّ من القبضة الأمريكية، لا سيما بعد وفاة رئيسها القوي، وانزلاق البلاد بعده في صراعات قبلية كادت تودي بأمنها ووحدة أراضيها واستقرارها، وهو ما شكّل خطراً على إمكانية انفلاتها من السيطرة الأمريكية، فوجدت أمريكا في شخصية آبي أحمد ضالتها، وهو السياسي المسلم (المُنفتح) المتزوج من نصرانية، والذي ينتمي إلى الأورمو وهي أكبر قومية من القوميات الأربع الرئيسية التي تُشكّل الدولة الإثيوبية.
استخدم آبي أحمد خطاباً سياسياً توحيدياً ابتعد فيه عن التعصب القومي، وقدّم نفسه لأهل إثيوبيا بصفته سياسياً جديداً لهم جميعا، وسُخّرت له الإمكانيات الخارجية الدولية والفنية للقيام بهذا الدور، وتمكّن من تثبيت أركان حكمه بالاعتماد على الأجهزة الأمنية التابعة لقومية التيغري القوية التي دعمته لتحصل على مكاسب ومراكز في الدولة في منافسة خصومها من القوميات الأخرى، وأوجد آبي أحمد تحالفاً عسكرياً ناجحاً مُوالياً له داخل الجيش يتكون من مجموعة ضباط تمت ترقيتهم إلى جنرالات من قوميات مختلفة تمكنوا من الإطاحة برئيس الأركان السابق الذي كان يتصرف كقائد عسكري متفرد بالسلطة، وكان محسوباً على طائفة بعينها، ثمّ بدأ بعد ذلك بتعيين قادة لأجهزة الأمن والاستخبارات من الموالين له مُستعيناً بأنظمة وبرامج كمبيوترية تجسسية، وقام بعد ذلك بتوسيع دائرة نفوذه بتعيين قيادات من جميع القوميات حتى المُهمّشة منها، وهو ما أدّى إلى تثبيت دعائم حكمه بشكلٍ أقوى.
بعد فرض سيطرته الأمنية والعسكرية بمساعدة وتوجيه من الدوائر الأمريكية استخدم لعبة الديمقراطية والانتخابات ففاز بالحكم وأصبح رجل الدولة الأقوى في البلد.
وعلى صعيد الجوار المُباشر قام وبتوجيه أمريكي بإنهاء النزاع مع الجارة إريتريا الذي أرهق الدولة، وأخّر نهوضها، فأوعزت أمريكا لرئيسها أفورقي وهو عميل أمريكي عريق بالتعاون والتصالح مع آبي أحمد، فلاقت هذه الخطوة ارتياحاً شعبياً كبيراً.
ثمّ شرع آبي أحمد بخصخصة القطاعات العامة للدولة لتتمكن الشركات الأمريكية والغربية من النفاذ بسهولة ويسر للاقتصاد الإثيوبي الكبير، بعيداً عن عوائق البيروقراطية العسكرية.
وأخيراً وجّهته أمريكا لمساعدة السودان في نقل هذا النموذج الإثيوبي الجديد في السلطة والقائم على المزج بين النفوذين العسكري والسياسي وإيجاد الاستقرار من خلال اللعبة الديمقراطية للاعبين المُتنفذين من عملاء أمريكا والغرب - عسكريين ومدنيين - للسيطرة على الحكم وتجاوز الثورة الشعبية.
هذه هي إنجازات آبي أحمد التي استحق عليها جائزة نوبل للسلام والتي جعلته نموذجاً يُحتذى في القارة الأفريقية، وهي كلها كما هو واضح جاءت بتوجيهات أمريكية.