الجمعة، 16 أغسطس 2019

محمود عباس يلهث للعودة إلى المفاوضات العبثية مع كيان يهود




محمود عباس يلهث للعودة إلى المفاوضات العبثية مع كيان يهود





الخبر:

ذكرت قناة 13 العبرية أن نوا روثمان حفيدة رئيس وزراء كيان يهود الأسبق إسحاق رابين، وعيساوي فريج من حزب المعسكر الديمقراطي الذي أسسه إيهود باراك التقيا رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس في رام الله مساء يوم الثلاثاء 13/08/2019.

وبحسب القناة فإنّ روثمان وفريج قالا بأنّهما التقيا عباس بدعم من باراك، وأنّ الهدف من اللقاء هو "إعادة قضية الصراع (الإسرائيلي) الفلسطيني إلى جدول الأعمال والواجهة من جديد، خاصةً مع قرب الانتخابات (الإسرائيلية) في منتصف الشهر المقبل".

وقال عباس خلال اللقاء بأن "رئيس الوزراء (الإسرائيلي) بنيامين نتنياهو رفض لقاءه عدة مرات وخاصةً في موسكو"، وأعرب عن أمله في أنْ "تعود الحكومة (الإسرائيلية) التي ستتشكل بعد الانتخابات للمفاوضات".

من جانبها دعت روثمان إلى التفاوض مع عباس ووصفته بأنّه "شريك للسلام يشعر باليأس"، وهاجمت نتنياهو وقالت: "من واجبنا ومسؤوليتنا عدم الشعور باليأس والبحث عن حل سياسي لفتح الباب أمامه، هنا شريك للسلام يشعر باليأس بسبب قلة الحوار والمفاوضات، أحث جميع الأطراف على إعادة القضية السياسية إلى جدول الأعمال دون خوف".

التعليق:

في الوقت الذي يرتكب فيه كيان يهود يوميا جرائم وانتهاكات جديدة في المسجد الأقصى وفي كل فلسطين، ويستمر في التوسع الاستيطاني السرطاني، ويُعامل السلطة الفلسطينية بكل احتقار وازدراء، ويتعامل مع محمود عباس نفسه باعتباره مجرد أجير أمني يُقدّم الخدمات الجاسوسية لكيان يهود مجّاناً، ولا علاقة له بالشأن السياسي، في هذا الوقت بالذات لا يجد عباس من سبيل في العمل السياسي سوى الاستجداء والتوسل واللهاث وراء السياسيين اليهود من الدرجة الثالثة أو العاشرة، مُستنجداً بهم لإعادة اعتباره شريكا سياسياً بعد أنْ قلّلوا من مكانته السياسية، ورفضوا التفاوض معه كزعيم سياسي، وتعاملوا معه كمجرد رئيس للحكم الذاتي يتبع الإدارة المدنية لجيش الاحتلال.

ولقد حاول عباس عدة مرات الاجتماع بنتنياهو لمجرد الاجتماع والتقاط الصور لكنّه عجز عن تحقيق مُراده واعترف بأنّ "نتنياهو رفض لقاءه عدة مرات وخاصةً في موسكو"، وهو ما جعله يتصل بالسياسيين اليهود الأقل شأناً مُتوسلاً إليهم دعمه عند نتنياهو، وعند حكومة كيان يهود للتفاوض معه، وإعادة اعتباره شريكاً لهم، فهو يظهر بهذه المحاولات المنحطة أنّ كل همّه أنْ يبقى شريكاً في المُفاوضات، ولا يهم عنده ماذا سينتج عن عملية التفاوض، وأمّا الذين يتفاوضون معه من السياسيين اليهود فهدفهم استخدامه في أوراقهم الانتخابية للفوز بالانتخابات وليس هدفهم دعمه شخصياً.

فبدلاً من أنْ يهتم محمود عباس بكيفية وقف المصائب اليومية المُتتالية التي تحلّ بأهل فلسطين والتي كان هو سبباً رئيسياً لها نتيجة اتباعه نهج الانبطاح مع كيان يهود نجده يستمر بهذا النهج المُخزي فلا يحيد عنه قيد أنملة.

لقد أيقن أهل فلسطين أنّ سياسات محمود عباس الخيانية هذه هي التي أوردتهم المهالك، وأنّه قد حان الأوان لإسقاط هذه السياسات فعلياً، وإسقاط رموزها، ولقد أدرك غالبيتهم كما أدرك غالبية المسلمين أنّ حلّ قضية فلسطين لا يمكن أنْ يكون بالتوسل واللهاث وراء سراب المُفاوضات العبثية التي لم توصلهم على مدى عقود إلاّ لمزيد من الكوارث والنكبات، لقد أدركوا أنّ حلّ قضية فلسطين لا يكون إلاّ بتحريرها كاملةً من البحر إلى النهر لتعود خالصةً للمسلمين من خلال نهج الإسلام فقط الذي يأبى المُساومة عليها نهائياً، وينظر إليها بوصفها قضية عقائدية قرآنية ولا مكان فيها لنهج المُفاوضات والمُساومات والتنازلات.

الأربعاء، 7 أغسطس 2019

احتجاز الناقلات ذريعة لنشر القوات



احتجاز الناقلات ذريعة لنشر القوات




في الأسابيع الماضية وقعت في مضيق هرمز عدة عمليات تفجيرية تعرضت لها عدة ناقلات، ففي البداية كانت هناك عمليات تخريب لبعض السفن، وتفجيرات صغيرة، وتم إجراء تحقيقات عديمة الجدوى، وأعلن أنّه لم يُعرف من الذي يقف وراء هذه التفجيرات، لكن الهدف منها كان سياسياً بعيد المدى.
وأمريكا كانت تخطط منذ فترة لتستثمر مثل هذا الواقع العسكري لأهداف سياسية، خاصة في منطقة الخليج، وقد قال الرئيس الأمريكي ترامب أكثر من مرة بأن موضوع حماية السفن مسألة تحتاج إلى دفع ثمن، فكان يتحدث كثيراً عن حرية الملاحة ومرور السفن ووجوب حماية هذه السفن، وأن أمريكا هي التي تقوم بهذه الحماية، وتقع على عاتقها مسؤولية تأمين المضيق من ناحية أمنية، لكنّها بدأت تُصرّح بأنّ الحماية تحتاج أموالاً، وعلى من تمر سفنهم عبر تلك الممرات المائية أنْ يدفعوا التكاليف.
فالمرحلة الأولى كانت مرحلة تخريب بسيط للسفن، ثمّ تطورت وأصبحت مرحلة احتجاز، فقامت بريطانيا بالدور الأبرز في هذا الاتجاه، فهي قد التقطت الهدف الأمريكي وفهمت اللعبة السياسية جيداً، ومن عادة الدول الكبرى أنْ لا تترك المجال لدولة واحدة في أي إقليم، وأمريكا في المنطقة لا تحتكر السيادة بشكل مطلق، وبالتالي لا بد لها من معاونين، وفي العادة تتدخل بريطانيا أو تتدخل فرنسا لمعاونة أمريكا أو لمقاسمتها النفوذ، كما حصل في حروب الخليج والعراق، وفي حرب أفغانستان.
وهنا جاء الدور على بريطانيا، فقامت باحتجاز ناقلة إيرانية في مضيق جبل طارق، والذي يفترض أن الملاحة فيه حرة ودولية، والاحتجاز يخالف القانون الدولي لأن هذا الممر ليس ممراً بريطانياً، إذن لماذا تحتجز ناقلة نفط إيرانية متوجهة إلى سوريا؟! المسألة فيها نظر!
هذا الاحتجاز أوجد على الفور ردة فعل من إيران، فلوحت بأنها تريد أن تحتجز سفناً بريطانية، ويبدو أن الأحداث قد تمت فبركتها، فكانت هناك سفينة تمخر مياه الخليج ترفع العلم البريطاني ولا يوجد على متنها مواطن بريطاني واحد، وإنما بعض من الهنود وقليل من الروس والأوكرانيين وجنسيات مختلفة وعددهم قليل، بالإضافة إلى أنه لا يوجد فيها نفط، فاحتجزتها إيران على مرأى من المدمرة البريطانية التي لم تفعل شيئاً لمنع الاحتجاز، ويقال بأن المروحيات البريطانية كانت تحلق في المنطقة، وحصل احتكاك بين القوتين البحريتين البريطانية والإيرانية، لكن بريطانيا تركت إيران تحتجز الناقلة بشكلٍ فيه رائحة التعمد، فتم إذاً تسخين الأجواء في منطقة الخليج وفي منطقة مضيق هرمز بشكل خاص، وتدخلت عُمان كسمسار إنجليزي للتفاوض مع إيران حول صفقة الإفراج عن الناقلة الإيرانية مقابل الإفراج عن الناقلة التي ترفع العلم البريطاني، ورفضت بريطانيا وتم تسخين الأمور أكثر فأكثر.
فأصبح هناك ثمة حاجة لوجود حماية ولوجود نشر قوات جديدة في المنطقة. وهنا برز الاستثمار السياسي، بمعنى أن هذه الحركات التي تمّ القيام بها، كتفجير بعض السفن واحتجاز الناقلات، كان الهدف منها تمرير فكرة سياسية في المنطقة وكان وراءها ما وراءها، وبدا أنّ الهدف السياسي هو كبير، ويتعلق بإعادة نشر القوات والوجود في منطقة الخليج.
وبدأت الأفكار السياسية تخرج إلى السطح وتتدفق، فما هي الأفكار التي تطرح حتى نميز بين ما تطرحه أمريكا من جهة وبين ما تطرحه بريطانيا وأوروبا من جهة أخرى؟
بدأت أمريكا بطرح فكرتها من خلال سنتكوم "القيادة المركزية الأمريكية" فكانت فكرة تشكيل قوة بحرية تحت اسم الحارس هدفها تأمين ممرات الملاحة الدولية، ليس فقط في مضيق هرمز وإنما في كل الممرات البحرية في الشرق الأوسط، وهذا يعني أن أمريكا تريد أن توسع العمل العسكري بقيادتها ليشمل الشرق الأوسط كله، بما يحتويه من مضائق كباب المندب وخليج السويس وكل المضائق والهيمنة على المنطقة كلها، فضغطت أمريكا على بريطانيا وعلى أوروبا لكي تتقدم بريطانيا بعمل سياسي تساعد فيه أمريكا في الخليج كالعادة.
أما بريطانيا فلا تخفى عليها الأفكار الأمريكية، ولكنها لا تستطيع من ناحية أن تردها ولا تستطيع من ناحية أخرى أن تقوم بعمل أحادي بمفردها لضعفها، فماذا صنعت بريطانيا؟
أولاً قامت بإرسال المدمرات والفرقاطات إلى الخليج، وبدأت تجوب المياه مُستعرضةً عضلاتها، فأصبح هناك وجود عسكري بحري أمريكي، ووجود عسكري بحري بريطاني زائد عن الحد.
فالأهمية تكمن في طرح الأفكار، وهكذا نفهم كيف يطرح السياسي الفكرة بعد أن استغل قيام مجهولين بالأعمال العسكرية أو المادية.
وهنا طرحت بريطانيا فكرة جديدة تختلف عن الفكرة الأمريكية، وهي تشكيل مهمة حماية بحرية بقيادة أوروبية في منطقة مضيق هرمز تحديداً، وهذا يخالف الطرح الأمريكي بتشكيل مهمة بحرية بقيادة أمريكية لكل منطقة الشرق الأوسط.
وطلبت بريطانيا من الدولتين الأوروبيتين الرئيسيتين ألمانيا وفرنسا مساعدتها في نشر القوات، فرفضت ألمانيا في البداية وأدركت أنه موضوع تنافس دولي وأنها لا ناقة لها فيه ولا جمل، وتلكأت وقالت إنها تريد رؤية حقيقة الأطروحات ومن ثم تطرحها على البرلمان الألماني، فتراجعت ألمانيا قليلاً.
أما فرنسا فحاولت أن تدير الأمر لصالحها بمعنى أنها لا تريد خدمة أمريكا، ففي البداية صرحت وزيرة الجيوش الفرنسية فلورانس بارلي: "إنّ بلادها وبريطانيا وألمانيا تعتزم تنسيق تعزيز جهودها في الخليج دون نشر تعزيزات إضافية"، ففرنسا بداية تجاوبت مع المقترح البريطاني لكن بتعزيزات قليلة، لكن بريطانيا رفضت وقالت لا بد من تعزيزات كبيرة، ومن ثم جاء وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان ويبدو أنه أكثر حكمة من وزيرة الجيوش الفرنسية فقال أمام البرلمان: "إن فرنسا تعمل مع بريطانيا وألمانيا من أجل إطلاق مبادرة تقوم على تشكيل بعثة تعمل على مراقبة الأمن والسلامة البحرية في الخليج".
إذاً تطور الطرح بشكلٍ تفاعلي، حيث كان في البداية مجرد تنسيق للقوات الموجودة، أما الآن فهناك بعثة تشرف على الوضع، وتريد زيادة كمية الأسلحة المراد إرسالها والمدمرات والسفن العسكرية، لكن شدد الوزير الفرنسي على نقطة مهمة جدا قال: "إن المبادرة الأوروبية بمثابة النقيض للمساعي الأمريكية التي تمارس أقصى الضغوط على إيران"، كأنه قال بأننا نفهم اللعبة الأمريكية والتي هي الضغط على إيران ومن ثم ضغط إيران على أوروبا فتقود أمريكا العالم والمنطقة، ثمّ قال: "نحن نريد أن نقوم بعملنا كأوروبيين بشكل منعزل عن أمريكا بل بشكل يناقض عمل أمريكا". ومن ثم سكتت بريطانيا سكوت الرضا والموافقة على موقف فرنسا.
ومع تغير رئيس الوزراء في بريطانيا من تيريزا ماي إلى بوريس جونسون، والذي يُظهِر وكأنه يسير مع ترامب، فقد كانت تيريزا ماي رئيسة الوزراء السابقة قد رفضت بشكل مباشر وصريح عرضاً أمريكياً بأن تشترك أمريكا وبريطانيا معاً في مسألة الملاحة في منطقة خليج هرمز، حيث قالت لترامب: لا أريد، واستعجلت الأمور وربطت الأوروبيين مع بريطانيا. وعندما جاء بوريس جونسون لم يغير أي شيء من الذي أرسته تيريزا ماي، حتى إن بوريس جونسون أيد كلام وزير الخارجية السابق وقال: "نحن لا نريد، بما معناه، دوريات أمريكية بريطانية، بل نريد دوريات بحرية أوروبية".
إذا هنالك تمايز واضح بين القيادة الأوروبية البحرية وبين القيادة الأمريكية، فبالرغم من وجود تناقض بريطاني أوروبي على موضوع بريكست وإخراج الإنجليز من الاتحاد الأوروبي، بالرغم من ذلك فهم ينسقون تنسيقاً كاملاً في المسائل الخارجية والمسائل الدولية.
إذا المطروح أحد الأمرين وعلى فرنسا أن تختار إما أن تقبل بقيادة أوروبية فرنسية بريطانية أو أن تنعزل وتلقي الأمور بيد الإنجليز وبالتالي يسير الإنجليز مع أمريكا.
الآن وقد طرحت الفكرة واختمرت وتحدد الهدف، ولا بد من وجود قوات، صرنا أمام احتمالين: إما قوات بحرية أمريكية بريطانية فقط، أو قوات بحرية أوروبية فرنسية بريطانية إلى جانب القوات البحرية الأمريكية، مما يظهر أنه حتى على مستوى حماية الممرات يوجد صراع أمريكي أوروبي.
إنّ هذا الصراع ظهر من خلال وجود تضاد في العلاقات والمصالح الأوروبية والأمريكية، والآن فرنسا متحمسة من أجل أنها تريد قيادة أوروبية بعدما كانت متلكئة في البداية، متحمسة للتنسيق مع الإنجليز ومضطرة للتنسيق مع بريطانيا، بالرغم من الاختلاف على موضوع بريكست لكنهم متفقون أن يكون لديهم قيادة مستقلة ومنفصلة عن القيادة الأمريكية.
وللأسف الشديد تبقى بلادنا مستباحة للكافر المستعمر، وللأسف فإنّ إيران ما زالت تقدم الذريعة لأمريكا وللغرب لنشر قواتهم البحرية في المياه الإسلامية.

الاثنين، 5 أغسطس 2019

مقومات الدولة الاسلامية




مقومات دولة الخلافة




مقومات أي شيء في الدنيا يُقصد بها العوامل والعناصر والشروط الرئيسية التي يوجد بسببها ذلك الشيء، والتي من دونها لا يوجد، فهي قوامه وعماده، ومقومات الدولة الإسلامية يُقصد بها العناصر والعوامل والشروط التي تقوم بها الدولة، وبمعنى آخر فالمقومات هي الركائز التي تستند إليها الدولة في وجودها وبسببها، ومن دونها لا توجد دولة، فقوام الدولة بجميع أركانه يُبتنى عليها، وعمادها بكليته يستند إليها.
ومقومات الدولة الإسلامية تُقسم إلى قسمين: فكرية ومادية، أمّا المقومات الفكرية فتتعلّق بواقع نظام الحكم، وقواعده، وصفاته، وشكله، وطريقة إيجاد السلطان فيه، وتحوّله، وأمّا المقومات المادية فتتعلق بالأمن والأمان، والقوة و النصرة والشوكة، والمكان وطبيعة الأرض ومساحتها، وموقعها الجغرافي والطبوغرافي، والموارد والثروات المتوفرة، والمرافق والتجهيزات الخدْمية المُتاحة، والبُنى التحتية الموجودة.
ولذلك لا تُعتبر دولة طالبان التي أقيمت في أفغانستان قبل الغزو الأمريكي دولة خلافة، لأنّها أعلنت عن نفسها أنها إمارة أفغانية، وليست دولة لكل المسلمين، وكذلك لا تُعتبر سيطرة تنظيم_الدولة_الإسلامية على بعض الأراضي في العراق  والشام وفي بعض المناطق الأخرى دولة خلاف، لأنّها تفتقد أصلا لأدنى مقومات الدولة - وسنتحدّث عن تلك المقومات بعد قليل - فهو ما زال تنظيما عسكريا يسيطر على مساحة من الأرض، مثله مثل بعض التنظيمات العسكرية، كما لم يحدث وأنْ أقيمت أي دولة إسلامية في أي مكان بعد آخر دولة إسلامية وجدت عند المسلمين وهي الدولة العثمانية، فالواقع أنّه لم تُقم دولة الخلافة نهائياً في أي قطر من الأقطار منذ زوالها على أيدي الكفار في العام 1342 هجرية الموافق للعام 1924 ميلادية.
ودولة الخلافة لا تعني مجرد السيطرة على مكان ما، وإنّما تعني الكيان التنفيذي لمجموعة المفاهيم والمقاييس والقناعات الإسلامية التي تقبّلتها غالبية المسلمين في قطر من الأقطار، أو تقبّلتها المجموعة الأكبر منهم، وهي رئاسة عامة للمسلمين جميعاً في الدنيا لتطبيق أحكام الدين الإسلامي وحمل دعوته إلى العالم.
لذلك كانت المفاهيم والمقاييس والقناعات المتعلقة بدولة الخلافة هي من أهم مقوماتها، فيجب أنْ تكون واضحة، مُبلورة، ومحدّدة في أذهان الناس عند قيام الدولة، بل وتُشكّل الرأي العام الأقوى من سواها لديهم بُعَيْد قيامها. ولذلك فإن الذين يسيطرون على مناطق من خلال القوة العسكرية التي يملكونها ويجهلون تلك المفاهيم والمقاييس والقناعات، ولا توجد لديهم أدنى معرفة بقواعد نظام الحكم في الإسلام، ولا يُميّزون بين الدولة الإسلامية والدولة الطائفية أو الدولة المذهبية، والفكرة لديهم عن طبيعة الدولة مبهمة وغامضة، ولا يملكون أدنى فكرة عن نظام الاقتصاد الإسلامي ولا عن السياسة الخارجية للدولة الإسلامية، ولا يقومون بطرح تلك الأنظمة على الناس، ولا يطبقونها في مناطق سيطرتهم، لا تُعد الدولة التي يعلنونها دولة حقيقية فضلا عن أن تكون دولة خلافة.
ولا يتحوّل السلطان عادةً في أي منطقة تحوّلاً حقيقياً إلا إذا تركزت عند الناس مجموعة من المفاهيم والمقاييس والقناعات باعتبارها رأياً عامّاً ناتجاً عن وعيٍ عام، لذلك فلا يوجد أي سلطان إسلامي حقيقي في مناطق سيطرة تنظيم مسلح قام بالاستيلاء العسكري على تلك المناطق وأعلن نفسه دولة، فالاستيلاء شيء والسلطان شيء آخر.
هذا من حيث المقومات الفكرية لقيام دولة الخلافة، أمّا من حيث المقوّمات المادية فإنّ الدولة - أي دولة - لا تُقام إلا إذا توفّرت عدة عناصر وشروط مادية لا بُدّ من وجودها قبل قيام الدولة، ومن أولاها وجود القوة المادية التي تكفي لحماية القطر الذي تُقام فيه الدولة داخلياً وخارجياً لتحقيق الأمن والأمان للناس، وصد أي عدوان خارجي يُشن عليهم، وقد عُبّر عن مفهوم القوة عند علماء السلف بالشوكة، فقال الإمام الجويني: "إنّ العبرة ليس في العدد وإنّما في تحقيق الشوكة بهم"، وتحقيق الشوكة يستلزم حيازة ما يكفي من قوة لدفع الأعداء، والرسول لم يقبل نصرة بني شيبان التي عُرضت عليه، لأنّ نصرتهم كانت مقتصرة على العرب دون العجم، فالنصرة من ناحيةٍ شرعية وواقعية يجب أنْ تكون كاملة غير منقوصة، وأنْ تشمل الحماية في الداخل وفي الخارج.
فلا يصح لأية جهة، سواء كانت تنظيما مسلحا، أو غير ذلك أن تعلن نفسها دولة، أو أن تعتبر أنها أقامت دولة، في حال عدم توفر المقومات المادية اللازمة لقيام الدولة، ففي العراق وسوريا مثلا عشرات الفصائل التي تُقاتل ضد الحكومة العراقية والحكومة السورية، وضد الكيانات الكردية، وبعض الفصائل تتقاتل فيما بينها، فلا يصح لتنظيم أن يعلن إقامة الدولة وهو لم يستطع حسم صراعه العسكري مع كل تلك الفصائل والكيانات والحكومات المعادية له والمتناقضة معه، فلم ينتصر عليها، ولم تخضع هي له، وبالتالي لم يستطع بسط سيطرته لا على العراق ولا على سوريا، وظلّت غالبية السكان فيهما خارجة عن سيطرته، وبقيت العواصم والمدن الرئيسية فيهما ليست بيده، كما بقيت الموانئ والمطارات وأهم المنشآت في الدولتين تحت سيطرة غيره، إذ بقيت بيد الدول القائمة سواحلُ البحار التي تصلح لأنْ تكون مصدر إمداداتٍ لوجستيةٍ مهمّة، والمطارات والطائرات، والموانئ والسفن، والمرافق الأساسية للدولة، وما فيها من بُنى تحتية.
إن الخلافة ليست دولةً تقليدية عادية كالدول التي نعهدها، فهي دولة عظيمة تُطبّق شرع الإسلام العظيم، وتحمل دعوته إلى العالم بالدعوة والجهاد، فأمرها عظيم، وشأنها جلل، وخبر قيامها سيحدث زلزالاً في الأوساط السياسية العالمية، وسينزل الإعلان عن قيامها نزول الصاعقة على الدول الكبرى الاستعمارية والطامعة، لأنّه ومنذ اليوم الأول لقيامها ستبدأ الموازين العالمية بالتغيّر، وسيشعر كل مسلمي الأرض بأنّ الدولة دولتهم، فيبدؤون بالاحتشاد والتجمع والانصهار والتوحد، وسيشْعر غير المسلمين من الشعوب الفقيرة والمستضعفة بأنّ الدولة الجديدة دولة عدل ورحمة، ستُنصفهم، وتُعينهم على التخلص من هيمنة أمريكا، وشركائها، من قوى الشرّ والطغيان، ومن جميع القوى الرأسمالية العالمية.