الخميس، 11 ديسمبر 2008

الصراع العنيد بين الإرادات في باكستان وأفغانستان

الصراع العنيد بين الإرادات في باكستان وأفغانستان

إن ما يجري من صراع سياسي وحضاري حاد في باكستان وأفغانستان، وما تمخض عنه من صراع دموي عنيف هناك، لا يدخل في باب الصراع الدولي، ولا علاقة له بتزاحم الدول الكبرى وتنافسها على النفوذ، وإنما هو صراع حضاري ومبدئي، بين فكر وقكر، وبين وحضارة وحضارة.
ذلك أن الصراع الدولي يكون طرفاه أو تكون أطرافه من الدول الفاعلة، بينما تكون الدول التابعة مجرد أدوات لذلك الصراع. وحركة طالبان سواء في أفغانستان أو في باكستان تقاتل جميع الدول التي تتواجد لها قوات في المنطقة، لا فرق بين القوات الأمريكية والأطلسية، أو بين القوات العميلة لها كالقوات الأفغانسية والباكستانية.
فحقيقة الصراع الدائر هناك هو بين حركة جهادية وبين قوات أجنبية، ومعها قوات محلية تابعة لها، فالقوات الرسمية للدول إذاً تقف جميعها في خندق واحد ضد قوات الحركة.
وبينما يحتدم الصراع في أفغانستان وفي المناطق القبلية في باكستان يقف الشعب بمعظمه إلى جانب الحركة الجهادية إلا قليلاً من المرتزقة. و في الأسبوع الماضي تمكنت حركة طالبان من تدمير مئات الحاويات والشاحنات المحملة بالعربات العسكرية وبالإمدادات الحيوية لأكثر من ثلاثة وخمسين ألف جندي أمريكي وغربي ينتشرون في مواقع عسكرية مختلفة في أفغانستان.
إن طرق الإمدادات هذه التي تمر في باكستان انطلاقاً من مرفأ كراتشي على المحيط الهندي وصولاً إلى ممر خيبر المؤدي إلى الأراضي الأفغانية، إن هذه الطرق التي تغذي قوات الاحتلال بحوالي 80% من حاجاتها من المواد التموينية والعسكرية قد باتت في حكم المعدومة، لأن التهديدات الفعلية قد ساهمت في تقويضها خاصة إذا استمرت هجمات المجاهدين فيها بنفس تلك الوتيرة.
وبما أن خطوط الإمدادات للجنود تعتبر من ناحية عسكرية واستراتيجية بمثابة شرايين الحياة للجيوش، فإن قطعها يعني الهلاك المحقق بالنسبة لها. لذلك سارعت أمريكا في البحث عن خطوط إمدادات بديلة تمر عبر أذربيجان وتركمنستان في آسيا الوسطى. فنجاح حركة طالبان في تكرار هجماتها على تلك الخطوط قد وصلت إلى درجة أنها أصبحت تقدم إيصالات للسائقين الذين تحرق الشاحنات التي يقودونها ليقدموها دليلاً للأمريكان لإثبات أن الحركة هي التي دمرتها وليس السائقين أنفسهم. ولقد تفادت حركة طالبان أخطاء حركة المقاومة الجهادية في العراق والتي كانت تقاتل كل من له أدنى صلة بالاحتلال أو بالحكومة التابعة لها، وهذا ما أكسب الحركة تأييداً كاسحاً في أوساط السكان الذين تحولوا بسبب ذلك الأسلوب الذكي إلى حاضنة حقيقية للحركة، وهو ما لم يحصل في العراق.
وإذا استمر الوضع في أفغانستان وباكستان على هذا النحو فيستحيل أن تتمكن قوات الاحتلال والقوات الباكستانية والأفغانية من إلحاق الهزيمة بحركة طالبان التي باتت تستمد قوتها من احتضان الجماهير لها.
والتاريخ يحدثنا بأن أية قوة استعمارية مهما بلغت قوتها العسكرية فإنها لم تفلح في القضاء على حركة مقاومة شعبية حقيقية، لأن الصراع في هذه الحالة أصبح صراعاً بين قوى استعمارية غاشمة ومعها قوى محلية عميلة من جهة، وبين قوة الأمة أو الشعب تمثلها حركة جهادية مستندة إلى فكرة عقائدية.
و الصراع الذي يكون على هذا النحو سيطول ويطول، لأنه صراع طبيعي بين إرادة قوى العدوان والظلم والاستكبار من جهة، وبين إرادة شعب يدافع عن معتقداته وعزته وكرامته.
فهو إذاً صراع حقيقي بين إرادتين متناقضتين لا يمكن أن ينتهي إلا بذهاب إحداهما. وبما ان إرادة الشعوب المجاهدة لا تضعف ولا تذوي، فإن إرادة المستعمر سوف تنكسر حتماً على صخرة الجماهير الملتفة حول الحركة المجاهدة، و عندها لا بد للقوى الاستعمارية من أن تفقد الأمل في الحصول على المكاسب المادية التي ترنو للاستحواذ عليها، وهو ما يجعلها تترك النزال وتولي هاربة من ساحة القتال.
فالنتيجة الحتمية لهذا الصراع الدائر في أفغانستان وباكستان باتت محسومة من الآن وهي أن حركة طالبان ستنتصر، وأن أمريكا ومن معها سيولون الدبر، وستكون هزيمتهم في أفغانستان مدوية، وستكون فاتحة الطريق أمام شعوب الأمة لإلحاق هزائم جديدة بالأمريكان ومن والاهم في كل مكان.

ليست هناك تعليقات: