(الدول الفاشلة) - وفقاً لمسؤولين أمريكيين كبار - أشد خطراً على النظام العالمي من الدول العظمى
تحدث رئيس مجلس العلاقات الخارجية الأميركية ريتشارد هاس في صحيفة نيويورك تايمز كلاماً خطيراً يتعلق بالنظام العالمي وبتأثير الدول الضعيفة والقوية فيه، وتناول من وجهة نظره خطر ما يُسمى بالدول الفاشلة فقال:"إن حالة عدم استقرار الكون في القرن الـ21 لن تكون بسبب القوى العظمى، بل بسبب الدول الفاشلة، والعراق صورة مصغرة لذلك". فالكاتب الأمريكي وعلى خلاف التوقعات بشأن ما يُقال عن عودة الاستقرار إلى العراق، فإنه يعتبر أن العراق ما زالت تُشكل أكبر خطر على المنظومة الدولية، فهو يعتبر أن العراق سيتحول:" إلى واحد من تحديات الأمن القومي التي ستواجهها أميركا هذا القرن". واعتبر هاس بأن حل مشاكل الدول الفاشلة كالعراق:" لا يأتي عبر الجيش الأميركي وحده، بل لا بد من تعلم الدرس من حرب العراق، وهو أن السعي لاستبدال الحكومات أكثر سهولة من تنفيذه، وأنه ليس واضحا أنه يوجد بديل للسلطة الحالية في الدول الفاشلة"، وأوضح بأن التجربة الأمريكية في العراق كانت باهظة التكاليف، واستدل على ذلك بقوله:" إن تحويل دولة فاشلة إلى دولة قوية يكلف ثمنا باهظا، فقد سقط أكثر من 4000 جندي أميركي في العراق واستلزم وجود أكثر من مائة ألف جندي أجنبي لأكثر من سبع سنوات بتكلفة تصل إلى تريليون دولار ".
واستبعد هاس وجود أي تهديد على النظام العالمي في القرن الحادي والعشرين يمكن أن يأتي من القوى العظمى، ووصف هذه القوى اليوم بأنها:" ليست عظمى، فلدى روسيا اقتصاد ذو بعد واحد وهي متعثرة بسبب الفساد وانكماش السكان،كما أن الصين مقيدة بالعدد الهائل من السكان وبالنظام السياسي الثقيل، وهي لا تسعى -شأنها في ذلك شأن الدول الصاعدة الأخرى- إلى الإطاحة بالنظام العالمي القائم بقدر ما تريد صياغته".
وقرّر بأن:" التحدي المركزي للكون سيأتي من الدول الضعيفة مثل باكستان وأفغانستان واليمن والصومال وهايتي والمكسيك والكونغو وغيرها التي يجمعها الافتقار إلى القدرة أو الإرادة -أو كليهما- للحكم". وطالب بضرورة مساندة الدول الضعيفة ولكن من دون تدل عسكري كما حصل في أفغانستان والعراق، واختتم هاس رأيه:" إن دعم الدول الضعيفة لن يكون رخيص الثمن، ولكنه سيبقى أقل تكلفة من البدائل الأخرى مثل احتلالها أو تجاهلها، ودلل على ذلك بالقول المأثور "درهم وقاية خير من قنطار علاج".
إن آراء ريتشارد هاس هذه تكتسب أهميتها من زاويتين: الأولى من موقعه بصفته رئيس مجلس العلاقات الخارجية الأميركية، وهو ما يجعل آراءه أكثر تعبيراً عن الوسط السياسي الأمريكي الفاعل، وما يجعل أفكاره محل اهتمام وتبني، والثانية من تأثيره في أعضاء الكونغرس ووسائل الاعلام الأكثر رواجاً وتأثيراً في الاعلام الأمريكي كصحيفة النيويورك تايمز واسعة الانتشار.
فنظرة هاس للموقف الدولي إذاً هي نظرة شخص أمريكي صاحب قرار، ومن هنا كان من الأهمية بمكان التعرف عليها، ومناقشتها من قبلنا كسياسيين، وكمتتبعين للأحداث العالمية، وكمهتمين بها.
ان اعتباره لما أسماها بالدول الفاشلة بأنها مصدر تهديد للنظام العالمي نابع من تجربة حروب بوش الفاشلة في أفغانستان والعراق وعدم تحقيقها لأهدافها التي رُسمت لها، كما خططت لها الادارة الأمريكية، لذلك تُعتبر مثل هذه الآراء بمثابة مراجعة سياسية لتجربة بوش التي عوّلت عليها النخبة السياسية الأمريكية الشيء الكثير. فهذه الآراء الجديدة تُمثل اعترافاً أمريكياً بالفشل، وتُرسي استراتيجية جديدة للعمل.
ربما يكون هاس قد أصاب الحقيقة في اعتباره أن ما سمّاها بالدول الفاشلة تكمن في داخلها أخطاراً أكثر من خطر الدول الكبرى كروسيا والصين، لكنه أخطأ في اعتباره أن اتقاء تلك الأخطار يكمن في دعم الأنظمة العميلة الضعيفة في تلك الدول. فعندما تُقرر الشعوب الحركة والعصيان والتمرد على الأنظمة الحاكمة فلن يمنعا من ذلك نظام مدعوم من قبل أمريكا ولا من قبل كل دول العالم، فكيف إذا كانت الحركة الشعبية السياسية في تلك الدول مستندة إلى الفكر الاسلامي المبدئي؟؟
لقد نسي هاس ومن على شاكلته أن الشعوب الاسلامية في حالة غليان شديد، وأن شراء أمريكا للذمم لم يعد ينفع في بلاد المسلمين، وأن المسألة في إقامة الدولة الاسلامية الحقيقية التي تُمثل المسلمين تمثيلاًحقيقياً قد بلغ مراحل متقدمة، لن تُفلح معها أمريكا وشركائها من إجهاضها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق