الدول الاستعمارية ما أسهل أن تتخلى عن عملائها في زمن الثورات
لم يعد الحكام العملاء في مأمن من غضبة شعوبهم إذا ما وقعت الواقعة على رؤوسهم، وانفجرت الثورات لتزلزل أركان حكمهم.
لم يعودوا في مأمن بعد أن تنتفض الجماهير وتشق عصا الطاعة وتستولي على مقاليد الأمور.
فالأسياد الذين استخدموهم طيلة عقود طويلة من الزمن يتخلون عنهم بسهولة، وبنفس السرعة التي انقلب عليهم خواصهم وحواشيهم عندما مالت الكفة ضدهم.
فهذا مبارك حاكم مصر المخلوع وأعوانه يلاحقهم القضاء، ويحاسبهم، ويضيق عليهم الخناق.
وهذا زين العابدين بن علي حاكم تونس المخلوع قد فرّ من هبة شعبه، واختبأ مذعورا مطروداً في السعودية، وترك كل ما يملك من أموال وقصور وممتلكات خلفه لا يلوي على شيء ، ولا يرجوا شيئاً سوى أن يخلص نجيا.
وهذا معمر القذافي الذي كان من قبل قدّم مقدرات ليبيا لاسترضاء أسياده الانجليز والأمريكيين ،ها هو يواجه مصيرا قاتما من نفس دول أسياده التي خدمها طيلة سنوات حكمه الأربعين، وحتى وزير خارجيته موسى كوسا الذي بذل جهودا كبيرة لإعادة تأهيل ليبيا دوليا قبل عقد من الزمن، والذي كما قيل بفضله فتحت للقذافي أبواب باريس وروما، والذي ذكرت محطة بي بي سي في 31\3\2011م عنه أنه كان وثيق الصلة بجهاز الاستخبارات البريطاني MI6، فحتى هذا الوزير المرتبط حتى النخاع بالانجليز لم ينجُ من تحقيق مذل من قبل MI6، ولم يحصل حتى على حق اللجوء السياسي، بل إنه موقوف الآن على ذمة السكوتلانديارد بوصفه مجرما مشتبها به.
إن الحكام اليوم في البلاد العربية مغتمون جدا وممتعظون جدا من سوء تعامل أسيادهم معهم في حالة الترنح والسقوط التي يعيشونها، وهم مستاؤن كثيرا من عدم تقديم أسيادهم لهم شبكة أمان.
فالرئيس المخلوع منهم لم يتمكن من أخذ ضمانات لحمايته من الدول الغربية الاستعمارية التي طالما خدمها، وتفانى في الالتزام بتعليماتها.
وأما ضمانات الجيش له في بلاده فلا تكف لحمايته، لأنها ضمانات ثبت أنها غير موثوقه، لكونها ليست ممهورة من أسياده الحقيقيين.
لقد كانت عبارات القذافي ثُمثل أبلغ تعبير عن مدى خذلان الأسياد له ولأمثاله فقال مستنكرا : " ماذا فعلت لأخيب أملهم " ، وقال متحسرا : " إنهم شاركوا في المؤامرة ضدي ".
وكان ابنه المسمى سيف الاسلام قد اعترف صراحة بوجود علاقة متميزة تجمع بين ليبيا وبريطانيا فقال : " إن بلير أقام علاقة ممتازة مع والدي وبالنسبة إلينا فهو صديق شخصي للعائلة"، وأضاف : " إن بين ليبيا وبريطانيا علاقة خاصة " .
لقد ساعدت بريطانيا بالفعل على بناء علاقات صداقه بين القذافي وأولاده المحسوبين عليه وبين فرنسا وإيطاليا، لكن بالرغم من عمق هذه العلاقات فلم يجد القذافي من تلك الدول غير الجحود والاستعلاء والاحتقار فأرسلوا إليه بطائراتهم وصواريخهم لتدك مواقع قواته.
إن العبرة التي يبدو أن الحكام لم يدركونها أبدا هي أن مصيرهم غير مضمون من قبل أسيادهم عندما تدور عليهم الدوائر وتثور عليهم الثورات.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق