الاثنين، 29 سبتمبر 2008

عودة تدخل الدولة في الاقتصاد عودة لأساليب ترقيع النظام الرأسمالي المتداعي

عودة تدخل الدولة في الاقتصاد عودة لأساليب ترقيع النظام الرأسمالي المتداعي
تحليل اقتصادي
في زمن العولمة الذي ساد في العشرين سنة الماضية تغلبت فكرة رفع الدولة ليدها عن الاقتصاد، وأصبحت مفاهيم " السوق الحرة " و " اقتصاد السوق " و" آليات السوق " هي المفاهيم الرائجة لدى الدول والمؤسسات الدولية على حد سواء، وقادت أميركا العالم نحو فكرة امتناع الدولة عن التدخل في قوى السوق وترك الأمر للآليات الذاتية للقيام بدورها طبيعياً. إلا ّ أنّ ما جرى مؤخرا ً من تدخل سافر من قبل أميركا والدول الأوروبية في عمليات إنقاذ المؤسسات المالية المنهارة يُعتبر خروجاً صريحا ًعن سياسات السوق التي طالما تبجحت بها تلك الدول، وعودة صاغرة إلى السياسات الموجهة التي كانوا يعتبرونها من مخلفات العهد الاشتراكي البالي. والإجراءات التي اتخذتها الحكومات الغربية في تأميم وشراء ودعم البنوك والمؤسسات المالية المنهارة لا تمت بصلة لاقتصاد السوق بل إنها تعتبر من صلب النظام الاشتراكي البائد.
فقيام الحكومة الأميركية بإنقاذ شركتي الرهن العقاري "فاني ماي" و "فريدي ماك" ،وتوسط مجلس الاحتياطي الفدرالي في صفقة بيع بنك الاستثمار المنهار" بير ستيرنز " لمؤسسة جي بي مورغان تشيس "، ووضع خطة إنقاذ حكومية بكلفة 700 مليار دولار لشراء الديون المتعثرة العائدة للقطاع الخاص، كل ذلك يعتبر تدخلا ً حكوميا ً مخالفا ً لليبيرالية الرأسمالية التي تتبناها إدارة بوش بشكل خاص.
وتجاهل الحكومة البريطانية لقيود منع الاحتكار لدمج بنك "لويدز تي اس بي " مع بنك " اتش بي أو اس " وما سيؤدي ذلك إلى ظهور بنك مهيمن على الرهون العقارية والمدخرات، وتدخل الحكومة البريطانية رسميا ً في تأميم قسم الإقراض العقاري التابع لبنك " برادفورد " و " بينجلي" ، فهذا كله يعتبر تدخلا ً سافرا ً للدولة في إدارة الاقتصاد وهو يخالف بل يناقض تماما سياسات السوق التي تتبناها بريطانيا في الصميم.
وقيام دول البيلونكس ( هولندا وبلجيكا واللوكسمبرغ ) بتأميم بنك " فورتيس " بتوجيه من البنك المركزي الأوروبي وضخ الحكومات الأوروبية لمليارات الدولارات في الأسواق يعتبر مناقضا ً لسياسات السوق تمام المناقضة.
وهكذا فإنّ هذه التراجعات الواضحة للأميركيين والأوروبيين في عدم تدخل الدولة في الاقتصاد تُعتبر في مقاييس الفكر الرأسمالي الأصلي ردة حقيقية عن النظام، وانقلابا ً جذريا ً ضد الرأسمالية، وإنكفاءا ً حادا ً إلى الوراء.
وبينما دافعت وزيرة الخارجية الأمريكية كونداليزا رايس بعنجهية عن النظام الرأسمالي الليبرالي وزعمت في مقابلة مع ألـ (بي بي سي) أن: "الرأسمالية نظام اقتصادي مسؤول عن معظم التقدم الحاصل في المجالات في العالم لأنه يتيح للناس تحسين ظروف حياتهم" معتبرة أنه "لا يوجد أي بديل عن الرأسمالية" بينما زعمت رايس ذلك قال الرئيس الفرنسي: "إن حالة الاضطراب الاقتصادي التي أثارتها أزمات أسواق المال الأمريكية وضعت نهاية لاقتصاد السوق الحر، وأن العولمة تقترب من نهايتها مع أفول رأسمالية مالية فرضت منطقها على الاقتصاد بأسره وساهمت في انحراف مساره"، وأضاف: "إن فكرة القوة المطلقة للأسواق ووجوب عدم تقييدها بأي قواعد أو بأي تدخل سياسي كانت فكرة مجنونة" واقترح ساركوزي عقد قمة عالمية بعد الانتخابات الأمريكية تضم الدول السبع الصناعية إلى جانب البرازيل وروسيا والهند والصين لدراسة إمكانية وضع نظم قانونية جديدة للرأسمالية، معتبراً أن العالم في القرن الحادي والعشرين لا يمكن أن يُدار بمؤسسات القرن العشرين.
وتحت عنوان "نهاية الحلم الأمريكي" كتب جاكوب هايلبرون مراسل صحيفة دير تاجسشبيجيل الألمانية الصادرة يوم الجمعة الفائت يقول: "إن السقوط المالي والأخلاقي الأمريكي الراهن لم يحدث بين عشية وضحاها، فالإدارات الأمريكية المتعاقبة تجاهلت لعقود الاستثمار في البنية التحتية واستمرأت العيش من القروض الخارجية، وتوعدت الدول الأخرى إن لم تقتد بنموذجها الاقتصادي" واعتبر الكاتب أن "مشاهدة الأمريكيين انهيار أسهمهم في البورصة ومواصلة حكومتهم سياسة الاقتراض ولَّد لديهم إحساساً بما يمكن تسميته اغتصاباً اقتصادياً وشعوراً بأنهم يعيشون في دولة من العالم الثالث".
وأما العالم الأمريكي الحائز على جائزة نوبل في الاقتصاد جوزيف شتيجليس فقال: "إن الإجراءات الأمريكية المالية تشبه ما جرى في المكسيك بعد انهيارها الاقتصادي، وستؤدي إلى تكديس الأغنياء لثرواتهم، واستماتة الطبقة الوسطى والفقراء للبقاء على قيد الحياة، وخطر حدوث وضع سياسي متطرف مماثل لما جرى في ثلاثينيات القرن الماضي".
وأما وليام سميث رئيس سميث لإدارة الأصول في نيويورك فقال: "ما سنراه هو أن القوي سيزداد قوة وأن الضعيف سيقضي نحبه".
إنّ هذه الآراء الغربية التي عبّر أصحابها عن شكوكهم في سلامة النظام الرأسمالي وعن تشاؤمهم بإمكانية إصلاح النظام، وعن ضرورة التفكير بوضع نظام اقتصادي جديد إنما تُعبر عن حقيقة فساد هذا النظام وعقم عمليات إصلاحه وترقيعه.
لقد وصلت عمليات ترقيع النظام الرأسمالي وترميمه نهاية مداها، وقد حان الأوان للبحث عن نظام جديد، فيكفي خمسمائة عام مرت على هذا النظام الوضعي البائس، ويكفي ما عانت البشرية بسببه من ويلات ومآسي، وإطالة عمر هذا النظام يعد اليوم لم يعد يجدي لأنه استنفذ واستهلك ولم يعد قادرا ً على الحياة.
والإسلام هو البديل الوحيد الجاهز و القادر على تقديم العلاج الناجع للاقتصاد العالمي الذي أنهكته الأنظمة الرأسمالية والاشتراكية على مدى القرون الماضية لأنه نظام رباني من لدن عليم خبير.

هناك تعليقان (2):

غير معرف يقول...

ملاحظات على الازمة المالية العالمية اكتوبر 2008:
صحيح ان النظام الرأسمالي (العالمي) في أزمة وأنها سبب الأزمة ولكن امريكا استغلت الازمة لتخرج أقوى من ذي قبل


-الادارة الامريكية تصرح تصريحات لتهويل حجم الازمة وتضخيم أثرها بدل ان تحاول التخفيف من أثرها والتقليل من حجمها: مثل تصريحات بوش:"واشنطن 24 سبتمبر 2008 (شينخوا) قال الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش يوم الأربعاء ان الولايات المتحدة في أزمة مالية خطيرة" وقال بوش في خطاب رسمي للأمة "إن اقتصادنا كله في خطر", مشيرا إلى أن ادارته ستتخذ إجراءات حاسمة.
وحذر من أن "السوق لا تعمل كما ينبغى", وهناك انتشار لفقدان الثقة" (1)

"أوضح الرئيس الأميركي جورج بوش أمس، أن خطة إدارته لوقف الأزمة المالية «ضخمة لأن المشكلة هائلة», (3)


- تصريحات الان غرينسبان: "استبعد الرئيس السابق للاحتياطي الفيدرالي الأميركي آلان غرينسبان حلا قريبا للأزمة المالية الراهنة التي اعتبرها الأخطر منذ مئة عام. وتنبأ في مقابلة مع شبكة إي بي سي التلفزيونية انهيار العديد من المؤسسات المالية الكبيرة بسبب القسوة الاستثنائية للأزمة المالية" (4)
-وتصريحات رئيس صندوق النقد الدولي : "وقال ستراوس كان إن العالم يقف على شفا الركود الاقتصادي، " (5) "حذر صندوق النقد الدولي من جانبه من ان اسواق المال العالمية تمر باخطر ازمة تشهدها منذ ثلاثينيات القرن الماضي" (7) " مدير صندوق النقد يحذر من كساد عالمي- (9)
وحذر بولسن (وزير الخزانة الامريكي) في معرض تقييمه المتشائم للوضع الاقتصادي من ان الفوضى التي تشهدها الاسواق قد انزلت ضررا بليغا بالاقتصاد الامريكي.

واضاف: "سوف ينهار المزيد من المؤسسات المالية رغم خطة الانقاذ (7)




ولذلك فان "وزير المالية الألماني بير شتاينبروك الذي صرح قبل أسبوعين بأن مصدر الأزمة ومرتكزها هو الولايات المتحدة" (2) وقال "وزير المالية الألماني نفسه، هو تحدث عن ما قال إنها حملة أنجلو ساكسونية لتحقيق أرباح كثيرة للمصرفيين وكبار مديري الشركات" (12) وكذلك فعل ساركوزي فرنسا حين هاجم النظام الراسمالي الحالي وتعهد بحماية فرنسا من الازمة المالية "كما طالب باعادة النظر في سعر الدولار الامريكي واليوان الصيني، اذ يرى انهما مقومان باعلى من قيمتهما" (13)



ولقد لعبت الادارة الامريكية لعبة دنيئة عندما رفض الكونجرس خطة الانقاذ 700 مليار دولار ثم عاد فوافق عليها حيث "شهدت مؤشرات اسواق الاسهم في بريطانيا وغيرها من الدول الاوروبية انخفاضات حادة عند الافتتاح صباح الثلاثاء 30-9 ، وذلك على خلفية رفض الكونجرس الامريكي للخطة التي طرحتها ادارة الرئيس بوش لانقاذ المصارف الامريكية التي تعاني من ازمة الائتمان" (8)


ملاحظات على تقليل أثر هذه الازمة:
- عدم ارتفاع الذهب كثيرا فقد وصل اليوم العاشر من اكتوبر الى $886 للاونصة مع انه وصل في شهر مارس الى اكثر من$1000
- انخفاض سعر النفط الى $75 بدل ارتفاعه وقد وصل قبل عدة أشهر الى $140
- خسارة صندوق التقاعد الامريكي 20% من قيمته وهو ما يعادل 2 تريليون دولار اي 2000 مليار دولار خلال السنة والنصف السابقة. مقال الواشنطن بوست (6) و (15)
- البرنامج الذي وافق عليه الكونغرس لشراء الشركات المفلسة والضخ في الاقتصاد هو 700 مليار دولار فقط.



ومن احد فوائد هذه الازمة لامريكا:
-اعادة هيكلة مؤسساتها المالية وقربها للتقييم الحقيقي - حسب نظرية تركز الانتاج: (القوي يأكل الاقل قوة)
لويدز يندمج مع هاليفاكس و بنك اوف سكوتلاند - (10) " "واشنطن ميوتشوال" هو ثاني بنك يستحوذ عليه جي بي مورجان تشيز ليصبح ثاني أكبر بنك أمريكي، يملك 5410 فروع في 23 ولاية" (11)

- تمويل حروبها في العالم ومصاريفها الخارجية
- زيادة انتاجية الامريكيين - "2 تريليون دولارهو حجم خسارة الصناديق التقاعديّة الأميركيّة خلال الأشهر الـ15 الأخيرة، حسبما كشف مدير مكتب الميزانيّة في الكونغرس، بيتر أورسزاغ، الذي حذّر من أنّ الأزمة المالية على وشك أن تؤثّر على العائلات الأميركية، حيث سيضطر البعض إلى تأجيل تقاعده وقد يقرر من اقترب تقاعده أنّه لم يعد بإمكانه من الناحية المادية التقاعد وسيواصل العمل " (15)


- تقليل الاستيراد وزيادة الصادرات لامريكا " ففي هذه السنة في الحقيقة نجد أن استيرادات أميركا قد انخفضت وهذا طبعا سيؤثر على الاقتصادات الأخرى في حين أن صادرات الولايات المتحدة ازدادت بشكل كبير" (14)
- زيادة تبعية الدول الضعيفة لها حيث قال ستراوس رئيس صندوق النقد الدولي " إن صندوق النقد الدولي مستعد لمساعدة اية دولة تشعر بحاجة الى التمويل من خلال آلية الطوارئ التي اسست في عام 1995 لمساعدة المكسيك في اعادة الاستقرار الى اسواقها المالية بعد ازمة الثقة التي تعرضت لها وادت الى انهيار عملتها المحلية.
كما استفادت كل من الفلبين وتايلاند وكوريا الجنوبية واندونيسيا من هذه الآلية ابان الأزمة المالية التي عصفت بالاسواق الآسيوية عام 1997." حسب قول ستراوس (5)


(1)
http://www.arabic.xinhuanet.com/arabic/2008-09/25/content_728197.htm

(2)
http://www.aljazeera.net/NR/exeres/92119C77-45CC-4A05-A0D1-1252A25C67F8.htm

(3)

http://www.daralhayat.com/business/09-2008/Article-20080920-809d5a60-c0a8-10ed-01ec-19d7b7a00517/story.html


(4)
http://www.nufooz.com/ar/miscellaneous-news/finmarkets/alain-greenspan-money.html


(5)
http://news.bbc.co.uk/hi/arabic/business/newsid_7662000/7662448.stm


(6)
http://www.washingtonpost.com/wp-dyn/content/article/2008/10/07/AR2008100703358.html


(7)
http://news.bbc.co.uk/hi/arabic/business/newsid_7660000/7660407.stm


(8)
http://news.bbc.co.uk/hi/arabic/business/newsid_7643000/7643568.stm

(9)
http://news.bbc.co.uk/hi/arabic/business/newsid_7640000/7640195.stm

(10)
http://news.bbc.co.uk/hi/arabic/business/newsid_7621000/7621248.stm

(11)
http://news.bbc.co.uk/hi/arabic/business/newsid_7638000/7638144.stm

(12)
http://www.aljazeera.net/NR/exeres/21F90DC7-D6BA-4094-8111-98B2D7FAE159.htm

(13)
http://news.bbc.co.uk/hi/arabic/business/newsid_7636000/7636903.stm

(14)
http://www.aljazeera.net/NR/exeres/21F90DC7-D6BA-4094-8111-98B2D7FAE159.htm

(15)
http://al-akhbar.com/ar/taxonomy/term/15609,16268

احمد الخطواني يقول...

* ان استغلال اميركا للازمة ل يعني انها ستخرج منها اقوى من ذي قبل.
* التصريحات الاميركية عن خطورة الازمة ليست من باب التهويل بل هي حقيقية بدليل الخسائر الكبيرة التي أطاحت بكبريات المؤسسات المالية الاميركية.
* تصريحات الاوروبيين فيها امتعاظ من تسبب السياسات الاميركية بوقوع هذه الازمة وتدل على رغبتهم في المستقبل بالمشاركة الى جانب اميركا في قيادة العالم اقتصاديا وماليا وهذا ليس من صالح اميركا.
* الخلاف الاميركي البريطاني الذي ظهر جليا في معالجة الازمة من خلال عودة بريطانيا لافكار التاميم ورفض اميركا ذلك يؤكد وجود صراع حتى على كيفية وضع الحلول، ولو كانت الازمة مفتعلة ما ظهرت هذه الخلافات، ولكانت اميركا في غنى عن افتعالها.
* أما عدم ارتفاع سعر الذهب فسببه ان الدولار لم ينخفض في هذه الازمة لانه سبق وان انخفض بما فيه الكفاية في ابداية ظهور ازمة العقارات الاميركية.
* واما انخفاض سعر البترول فسببه ان ارتفاعه كان غير حقيقي بسبب المضاربات وظهور هذه الازمة أعاد الاسعار الى مستواها الحقيقي ومنها سعر النفط.
* أما القول بان مبلغ ال 700 مليار دولار لخطة الانقاذ قليل ولا يفي بالمطلوب فهذا صحيح ةسببه ان الكونغرس لم يقبل باكثر من ذلك بل انه بالكاد وافق على الخطة.
* وبالنسبة للفوائد التي اشرت اليها ومنها ان القوي ياكل الضعيف فهي ليست كذلك لان الذي سقط في هذه الازمة ليس الضعفاء وحسب بل الاقوياء ايضا.
واما تمويل حروب اميركا فان الازمة لم تساعد على ايجاد مصادر تمويل جديدة لاميركا ومن الادلة على ذلك تلميحات بترايوس بضرورة التفاهم مع حركة طالبان في افغانستان وهي مقدمة ومبرر للسياسيين الاميركيين في المستقبل للانسحاب من افغانستان، ولو كان هناك مصادر تمويل جديدة لما ظهرت مثل هذه التصريحات.