الاثنين، 1 سبتمبر 2008

حديث سياسي / توضيح مفهومي " الجغرافيا السياسية " و " الجيوسياسية "

توضيح مفهومي " الجغرافيا السياسية " و " الجيوسياسية "

يختلط على كثير من الناس التفريق بين مفهومي " الجغرافيا السياسية " و " الجيوسياسية " ، وما يزيد الأمر التباساً أنّ العديد من المختصين من سياسيين وإعلاميين لا يُميّزون أصلا ًبين المفهومين، فيُطلقون أحدهما على الآخر، أو يستخدمون نفس اللفظة لإفادة كلا المفهومين المتغايرين، وهذا يساهم بالتالي في إرباك المتلقي للمعلومات حول هذا الموضوع، واضطراب فهمه حول الموضوع . وما يزيد الطين بلة أنّ بعض المترجمين قد وقعوا بالخطأ ذاته، فترجموا المصطلحات الانجليزية للمفهومين ترجمة خاطئة، فزادوا بترجماتهم تلك الأمور تعقيدا وتشوشا ًً. وحتّى القواميس المعتبرة لا يوجد فيها ما يشفي الغليل حول التفريق بين هذين المفهومين. ولإزالة هذا اللبس ورفع تلك الإشكالية كان لا بد من الرجوع إلى المصطلحين بألفاظهما الإنجليزية الأصلية ليسهل علينا التفريق بدقة بين معانيهما، لا سيّما وأنّهما مصطلحان غربيان.
أولا ً: مصطلح "الجغرافيا السياسية" وهو ترجمة حرفية للكلمتين الانجليزيتين Political Geography ) ) وهو مصطلح قديم استخدم مدلوله في زمن أرسطو، ويعني تأثير الخصائص الجغرافية للبلد في سياسة الدولة، وبمعنى آخر فهو استخدام ثروات البلد وقواه الطبيعية والبشرية في تحديد تلك السياسة. و تزداد عادة قوة الدولة السياسية كلما ازدادت عناصرها الجغرافية كمّا ً ونوعا ً، فعلى سبيل المثال جغرافية دولة كبيرة وغنية كروسيا تنعكس بالضرورة على زيادة قوتها السياسية في حين تفتقد جغرافية دولة صغيرة وفقيرة كتونس لأي معنى من معاني القوة السياسية.
والحكام والسياسيون إذا كانوا مخلصين لشعوبهم فيجب عليهم استغلال جميع العناصر الجغرافية المتوفرة في بلدانهم لتقوية المكانة السياسية لدولهم، وأما إذا كانوا عملاء فلا قيمة لتلك العناصر مهما كانت قيّمة في تحسين الوضع السياسي لدولهم.
ثانيا ً : مصطلح " الجيوسياسية " أو " الجيوبوليتيكية " وهو ترجمة مشوشة للكلمة الانجليزية " Geopolitics " ، ولو ترجم حرفيا ً لكان المصطلح بالعربية هو " السياسة الجغرافية " أو " سياسة الجغرافيا " لكن ترجمته التعريبية السيئة قد أشكلت المعنى وزادته غموضا ً.
وعلى أية حال فقد شاع هذا المصطلح في وسائل الإعلام وانتشر بين السياسيين والإعلاميين باستخدام لفظة الجيوسياسي أو لفظة الجيوبوليتيكي للدلالة على التعبير. وكان أول من استخدمه في الماضي المفكر السويدي رودولف كجلين مطلع القرن الميلادي الماضي وعرّفه بأنّه " البيئة الطبيعية للدولة والسلوك السياسي " بينما عرّفه مفكر آخر جاء بعده يدعى كارل هوسهوفر بأنّه " دراسة علاقات الأرض ذات المغزى السياسي، بحيث ترسم المظاهر الطبيعية لسطح الأرض الإطار للجيوبوليتيكا الذي تتحرك فيه الأحداث السياسية ". ومن التعريفات المهمة لمصطلح الجيوسياسية عند الغربيين أنها عبارة عن " الاحتياجات السياسية التي تتطلبها الدولة لتنمو حتى ولو كان نموها يمتد إلى ما وراء حدودها " ومنها أيضا ً " دراسة تأثير السلوك السياسي في تغيير الأبعاد الجغرافية للدولة " .
هذا وقد انتشر استخدام مصطلح " الجيوسياسية " أو " الجيوبوليتيكية " انتشارا ً واسعا ً في وسائل الإعلام المختلفة في السنوات الأخيرة خاصة بعد سقوط الاتحاد السوفيتي وغياب الصراع الإيديولوجي عن الساحة الدولية، ومن التصريحات المشهورة التي استخدم فيها هذا المصطلح قول الزعيم الروسي فلاديمير بوتين قبل سنوات " إن الوضع الجيوسياسي في العالم معقد للغاية، وميزان القوى الدولية مختل، ولم يتم بعد بناء هيكل جديد للأمن الدولي".
إزاء هذا التداول والانتشار لمثل هذه المفاهيم السياسية والمصطلحات السياسية كان حريا ً بنا كسياسيين مسلمين الاطلاع على هذه المصطلحات الغربية وإدراكها والتعاطي معها خاصة وأن مضامينها موجودة لدى كل الدول بما فيها الدولة الاسلامية.
ويمكن توضيح مفهوم الجيوسياسية بلغة مبسطة بأنها تعني السياسة المتعلقة بالسيطرة على الأرض وبسط نفوذ الدولة في أي مكان تستطيع الدولة الوصول إليه. إذ أن النظرة الجيوسياسية لدى دولة ما تتعلق بقدرتها على أن تكون لاعبا ً فعّالا ًفي أوسع مساحة من الكرة الأرضية، ومن أبرز الأمثلة عليها توسيع نفوذ أميركا في جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق، وتحويل ولاء بعض تلك الجمهوريات من النفوذ الروسي إلى النفوذ الأمريكي.
إن توسيع النفوذ الجيوسياسي هذا بالنسبة لأية دولة قد يكون إمّا بدوافع إيديولوجية مبدئية كالإسلام أو الشيوعية، أوقد يكون بدوافع قومية عنصرية كالنازية والفاشية والصهيونية، أو قد يكون بدوافع استعمارية نفعية كالرأسمالية.
وعليه يكون الصراع الدولي على النفوذ، والتأثير في العلاقات الدولية، ودفاع الدول عن مصالحها الحيوية، ومحاولة فرض الدول هيمنتها على دول أخرى، وما شابه ذلك من أعمال، تكون من الحالة الجيوسياسية. وبذلك يتضح لنا أن هناك فرقا ً شاسعا ً بين مفهومي الجغرافيا السياسية والجيوسياسية، فالأول مفهوم يتعلق بتأثير الجغرافيا على السياسة بينما الثاني مفهوم يتعلق بتأثير السياسة على الجغرافيا، والأول يغلب عليه الثبات والرتابة، أو ما يسمى بالاستاتيكا، فيما الثاني يغلب عليه الحركة والتغيير، أو ما يسمى بالديناميكا. ولا شك أن الثاني أهم من الأول لأن فيه قابلية التغير والتطور والتبدل في كل وقت، وغالبا ً ما يتشكّل عليه المستقبل.

ليست هناك تعليقات: