الأحد، 21 سبتمبر 2008

الأسباب الحقيقية للانهيارات المالية في أمريكا

الأسباب الحقيقية للانهيارات المالية في أمريكا

تحليل اقتصادي

إن أسباب الانهيارات التي عصفت بالمؤسسات المالية الأمريكية الكبرى مؤخراً تعود في الأصل إلى أزمة الرهن العقاري التي لم يتم حلها منذ بروزها وتجليها في الصيف الماضي.
فإدارة بوش التي كانت قد استغلت تلك الأزمة في حينها لتخفيض الدولار، ومن ثم الاستفادة منها في تقليل العجز الهائل في مديونيتها، وتحسين حجم صادراتها، وتقوية القدرة التنافسية لشركاتها، إدارة بوش هذه التي استفادت من خسارة معظم دول العالم بسبب انخفاض قيمة الدولار لم تحل مشكلة العقارات في أميركا و تركتها تتفاقم، ولم تُعنى بوضع حل لها آملة أن تتحسن سوق العقارات ذاتياً فلا تتكلف هي بحلها ولا تلتزم بدفع أي دولار من جيبها.
فرفضت الإدارة الأمريكية بكل عناد تدخل الدولة لمساعدة البنوك المقرضة، ورفضت مساعدة مشتري المساكن المفلسين بسبب ارتفاع أسعار الفائدة، ورفضت إلزام المقرضين الرأسماليين الأثرياء بإعفاء جزء من ديون المقترضين، فنتج عن هذا الرفض استمرار وجود المشكلة ، واستمرار تفاقمها. وظنت الإدارة الأمريكية أن المشكلة ستحل على حساب أصحاب المساكن الذي قدّرت الإدارة أنهم سيعودون بعد فترة ويلتزمون بدفع الأقساط المستحقة عليهم، كما قدَّرت أن سوق العقارات سينتعش من جديد ويُعوض البنوك الأميركية والصناديق الدائنة عن خسائرها.
إلاّ أن المشكلة بقيت على حالها ولم تتحلحل، وأصبحت الديون تُباع وتُشترى عدة مرات بين البنوك والجهات المقرضة على أمل أن تُسدد من قبل المدينين، إلا أن ذلك لم يحصل، وهذا ما أدّى إلى وقوع الانهيارات في بعض البنوك الكبيرة، وتلكأت الإدارة الأميركية في البداية ولم تتدخل بحجة أنها لا تتبنى فكرة تدخل الدولة في القطاع الخاص وفُقدت الثقة بالبنوك وبالأسواق المالية، وهرع العملاء يسحبون ودائعهم، ووجدت أزمة سيولة، وجاء العلاج متأخراً ، فاضطرت الدولة إلى التدخل بعد أن وقعت الكارثة واستفحلت المشكلة وانهارت البورصات لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، واضطرت البنوك المركزية الأوروبية والبريطانية واليابانية والكندية إلى ضخ مليارات الدولارات في الأسواق المالية لتوفير السيولة، وإعادة الثقة إلى المتعاملين فيها، وذلك بسبب ترابط البورصات، ولأن الأسواق المالية الأمريكية الضخمة أثَّرت عليها.
وهكذا خسرت البنوك والبورصات الأميركية والعالمية مئات المليارات في أيام معدودات بسبب هذا النظام المالي البالي الذي يعتمد على القروض الربوية، وعلى أسواق الأسهم التي تخضع للمضاربات والمقامرات بحيث تجعل من رؤوس الأموال فيها غير حقيقية وقابلة للتبدد في أية لحظة، ولأوهى سبب.
وهكذا فإن أصل هذه المشكلة ناشئ عن عدم معالجة الإدارة الأمريكية لأزمة الرهن العقاري بطريقة سريعة وعاجلة، بينما الأصل العام لنشؤ جميع هذه المشاكل يكمن في طبيعة النظام الرأسمالي الربوي الفاسد.

ليست هناك تعليقات: