تعليق سياسي
حقيقة الجانب الإسلامي المغيب في الصراع الدولي على القوقاز
بينما يجري صراع دولي محموم على القوقاز بين روسيا من جهة و بين أمريكا وحلفها الأطلسي من جهة ثانية، يُغيّب العالم الإسلامي عن هذا الصراع تغييبا ً تاما ًبحيث يبدو وكأنّه لا علاقة له به لا من قريب ولا من بعيد، مع أنّ منطقة القوقاز برمتها هي بلاد إسلامية أصيلة، كانت جزءاً أساسيا ً من دار الإسلام لقرون طويلة. فلقد غُزيت تلك البلاد في وقت مبكر من تاريخ الدولة الإسلامية الأولى وذلك في عهد الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه في العام 22 للهجرة الموافق للعام 642 للميلاد على يد والي الخليفة في الكوفة المغيرة بن شعبة حيث قام بتجهيز جيش من ولايته، ووجّهه إلى منطقة القوقاز، فغزا أذربيجان وأرمينيا وبلاد الكرج (التي تُعرف اليوم باسم جورجيا) ، و خضعت المنطقة منذ ذلك الوقت لحكم المسلمين في العصور الأموية والعباسية والعثمانية إلى أن تمكنت روسيا القيصرية في العام 1722 للميلاد من السيطرة عليها وسلخها من جسم العالم الإسلامي بعد ضعف الدولة العثمانية وإستقواء الدول الاستعمارية عليها.
وتقع منطقة القوقاز جغرافيا بين البحر الأسود وبحر قزوين ( الخزر ) ، وتعتبر حلقة وصل مهمة بين إيران وتركيا في الجنوب وبين روسيا وأوروبا في الشمال، وتتكوّن من قسمين هما :
1- القسم الشمالي ويحتوي على مناطق إسلامية خالصة كالشيشان والداغستان والأنجوش وبلاد الشركس. وجميعها اليوم مناطق حكم ذاتي تخضع لروسيا وتعتبر دوليا ً جزءاً من دولة روسيا الاتحادية.
2- القسم الجنوبي ويتكون من ثلاث جمهوريات وهي جورجيا وأرمينيا وأذربيجان. وتعتبر أذربيجان من بين هذه الجمهوريات الثلاث الأكثر أهمية لكونها تملك احتياطيات هائلة من النفط والغاز الطبيعي وتستطيع تأمين معظم احتياجات أوروبا منهما.
لقد قامت الشركات الأميركية والغربية النفطية العملاقة بالاستحواذ على حقول النفط والغاز الغنية في أذربيجان أيام حكم يلتسين في تسعينات القرن الماضي عندما كانت روسيا في أضعف أحوالها، وتحاول تلك الشركات اليوم استكمال سيطرتها على مصادر الطاقة الأذرية بمد خطوط النفط والغاز إلى أوروبا عبر جورجيا دون المرور في الأراضي الروسية.
وتستطيع أذربيجان ضخ 20 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي من حوالي 55 حقلا ً غنيا ً بالغاز، إضافة إلى قدرتها الضخمة المعروفة على توريد النفط، وأما جورجيا فتكمن أهميتها فقط في كونها ممرا ً لا غنى عنه لأنابيب وخطوط النفط والغاز القادمة من أذربيجان والمتجهة نحو أوروبا عبر تركيا. وعلى سبيل المثال فخط باكو- تبليسي- جيهان هو مجرد باكورة أولى للخطوط المستقبلية الكثيرة التي تحاول الشركات النفطية الغربية مدها لاستغلال ونهب خيرات المسلمين الوفيرة الموجودة في أذربيجان ولاحتكار السيطرة عليها ولإبعاد روسيا عنها.
ومن هنا كانت الحرب الأخيرة في جورجيا وإن تغلفت بالبعد السياسي إلا ّ أنها في جوهرها كانت حربا ً اقتصادية نفطية بامتياز، والجولات القادمة منها أكثر بكثير مما شوهد منها حتى الآن.
وتريد أميركا وشركائها عزل روسيا وإبعادها عن تلك الخطوط، ومن ثم استغناء الدول الأوروبية عن الحاجة إلى النفط والغاز الروسيين التي تستورد 40 % من حاجتها إليه.
وتقاوم روسيا هذا التوجه الغربي بكل إمكاناتها ولو أدّى بها الأمر إلى خسارتها لبعض الامتيازات والاستثمارات الرأسمالية، لأن سلخ منطقة القوقاز عنها يعني تجريدها من أهم أسباب قوتها.
ولكن أمريكا لا تريد الاكتفاء بمعاقبة روسيا من خلال سحب تلك المنافع الرأسمالية البسيطة منها وحسب، بل إنها تريد إضافة إلى ذلك طردها من مجموعة الثمانية الكبار والحيلولة دون ضمها لمنظمة التجارة الدولية.
إن هذا الصراع الروسي الغربي يدور على أراض إسلامية، وعلى ثروات إسلامية، بينما تتغيب عنه كل البلدان الإسلامية. فإيران وتركيا على سبيل المثال هما الدولتان المسلمتان الأقرب إلى منطقة القوقاز، ولا يُرى لهما أي دور فاعل فيها مع أنهما جزء من المنطقة الإقليمية المتصارع عليها، وكانت البلدان القوقازية تتبعهما في حقب تاريخية طويلة.
إن غياب دولة حقيقية للمسلمين هو الذي غيّب دور العالم الإسلامي عن منطقة من أهم مناطقه، فواجب على المسلمين أن لا يتجاهلوا هذه المنطقة المغتصبة من بلادهم، وعليهم أن يعملوا على تحريرها واستعادتها من الروس والأميركيين بالجهاد والقتال مهما كانت التضحيات، فلا يجوز بحال من الأحوال التفريط بأي بقعة إسلامية محتلة، وعليهم أن يكونوا جزءا ً من الصراع الدولي في بلدانهم على الأقل بدلا ً من يظلوا متفرجين لا يحسب لهم أحد حسابا ً.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق