الحلول الأمريكية لمسألة المستوطنات
منذ أن اختارت منظمة التحرير الفلسطينية طريق الاستسلام والتفاوض مع كيان يهود نهجاً لها، وذلك بُعيد اعترافها بحق الوجود لدولة يهود في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948م قبل حوالي ثلاثة عقود، منذ ذلك التاريخ لم يتوقف المفاوضون الفلسطينيون لحظة عن الحديث عن ضرورة وقف الاستيطان اليهودي وقفاً تاماً في جميع المناطق الفلسطينية المحتلة عام 1967م وذلك تمهيداً لإزالة المستوطنات القائمة وإقامة دولتهم الفلسطينية (العتيدة) في تلك المناطق.
فكان التنازل عن الأراضي المحتلة عام 1948م والتي تشكل 78% من مساحة فلسطين الإجمالية في نظرهم هو الثمن الذي دفعوه من أجل إقامة الدولة الفلسطينية على الأراضي المحتلة عام 1967م والتي تشكل 22% فقط من مساحة فلسطين.
إلا أنه ومع تقديم هذا الثمن الباهظ الذي يُعتبر خيانة فظيعة اقترفها قادة المنظمة بحق أمتهم ودينهم، فإن دولة يهود لم تُقر لهم حتى بهذه المساحة القليلة من فلسطين، ولم تلتفت إلى مطالبهم تلك، ولم توقف الاستيطان، ولم تسمح لهم بإقامة الدويلة الفلسطينية في كل أنحاء الضفة الغربية. بل إنها وعلى العكس من ذلك زادت من وتيرة بناء المستوطنات في الضفة الغربية وفي القدس بأسرع مما كانت قبل اتفاق أوسلو بثلاثة أضعاف.
واضطرت المنظمة الفلسطينية والسلطة الفلسطينية - بما يملك قادتها من عقلية انهزامية - وإزاء تعنت دولة يهود بعد ثمانية عشر عاماً من المفاوضات العقيمة إلى تقديم تنازلات جدية وجديدة، وإلى تخفيض سقف المطالب المتعلقة بالاستيطان اليهودي بالضفة الغربية مرة ثانية، فأصبح المفاوض الفلسطيني يقبل بالحديث عن تجميد الاستيطان بدلاً من الحديث عن وقفه، مع علمه بأن الفرق بين المفهومين كبير جداً.
إذ التجميد مقترن بمدة زمنية معينة بينما الإيقاف هو مطلق ودائمي، وهكذا تم خفض سقف المطالب الفلسطينية بهذا الملف من مفهوم الإزالة إلى مفهوم الإيقاف أولاً، ثم خُفّض مرة ثانية من مفهوم الإيقاف إلى مفهوم التجميد.
ولما عجزت القيادة الفلسطينية ومن ورائها جميع القيادات العربية عن حمل دولة يهود تجميد الاستيطان، لجأت هذه القيادات العاجزة إلى أمريكا، وفوّضتها بالتحدث نيابة عنها مع حكومة نتنياهو حول هذه المسألة، وبالفعل تسلمت أمريكا هذا الملف وضغطت على (كيان يهود ) ودخلت معه في لعبة التجميد المقترن بالمدد الزمنية. فطُرحت أولاً فكرة التجميد لمدة عشرة أشهر ولكن حكومة نتنياهو راوغت وتهربت، ثم طُرحت الآن فكرة التجميد لمدة أربعة أشهر فقط، فلم تستطع الحكومة (اليهودية) المراوغة هذه المرة ورضخت للضغط الأمريكي المكثف عليها، ولكن باختيارها الموافقة من خلال صيغة غير مباشرة حيث كشفت صحيفة هأرتس بأن اللجنة السباعية الوزارية برئاسة نتنياهو اتفقت على أن يكون جوابها للولايات المتحدة على النحو التالي: " في الشهور الأربعة القريبة لا توجد أي خطة للبناء في القدس الشرقية، وهذا يكفي للاستجابة للمطالب الفلسطينية " والمقصود المطالب الأمريكية.
بهذا الحل الوسط (الإبداعي) تُحاول أمريكا جمع المفاوضين (الإسرائيليين) والفلسطينيين على طاولة المفاوضات مرة ثانية حيث يدعي (الإسرائيليون) بأنهم لم يجمدوا الاستيطان، محاولين كعادتهم استخدام التلاعب اللفظي، ويدعي الفلسطينيون بأن الاستيطان قد جًمّد بالفعل وبذلك تكون أمريكا قد خفضت سقف المطالب لدى الطرفين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق