القضية الفلسطينية
بين استمرارية المؤامرة ودوام التحدي
إن الأمة الإسلامية اليوم مستهدفة بكليتها وما فلسطين إلا مثال واحد من الأمثلة الكثيرة التي تؤكد هذا الاستهداف. فالأمم الكافرة قد تداعت على المسلمين بسبب ما أصابهم من وهن نتج عن استبعاد الأنظمة الحاكمة للمشروع الإسلامي السياسي. لذلك كان انتقاص بلدان الإسلام من أطرافها بلداً بلداً ثمرة من ثمار ذلك الوهن، بل وصل الانتقاص إلى قلبها وأحشائها وإلى لب لبابها، وصل إلى أرض الإسراء والمعراج وبيت المقدس.
لقد صارت الشعوب الإسلامية – وللأسف الشديد - في ذيل الأمم بعد أن كانت في رأسها، وصارت في هامش الأحداث بعد أن كانت المحركة لها. وأسباب ذلك واضحة وقاطعة وبسيطة وهي أولاً خيانة الحكام، وثانياً سكوت الأمة عن محاسبتهم، وثالثاً وأخيراً ترصد العدو بالأمة.
إن المؤامرة على الاسلام وأهله ليست جديدة، وكذلك المؤامرة على فلسطين باعتبارها ثغراً متقدماً من ثغور المسلمين يطل على السواحل الإفرنجية ويشكل قاعدة متقدمة يطمع الأعداء في أن يكون لهم فيها موطئ قدم. وحروب الفرنجة كانت بداية المؤامرة الصليبية ضد الاسلام وقد اتخذت من فلسطين وسواحل الشام نقطة انطلاق لها ضد الشعوب الإسلامية. ولكن التحدي الإسلامي ظهر في وقت مبكر وبشكل جلي في حطين وما سبقها ومالحقها حيث تم طرد الصليبيين وإبطال مؤامراتهم.
وتجددت المؤامرة في العصور الحديثة منذ أيام نابليون الذي دعا اليهود لإقامة دولة لهم في فلسطين، وتلقف هذه الدعوة من بعده قادة أمريكا وبريطانيا وجميع الدول الأوروبية، إلى أن عقد المؤتمر الصهيوني الأول في بازل بسويسرا عام 1897م وبُدء السير حثيثاً في إقامة الدولة اليهودية، بعد أن شمّر الأوروبيون عن سواعدهم وأعادوا الكرة على المسلمين وأقاموا في فلسطين دولة لليهود تم إعلانها في العام 1948م.
لقد كان التحدي والتصدي لهذه المؤامرة الجديدة من قبل المسلمين ضعيفاً، فباستثناء الرد القاطع لعبد الحميد الثاني الذي قال فيه: "لن أتخلى عن شبر واحد من أرض فلسطين، فهي ليست ملك يميني بل ملك الأمة الإسلامية، لقد جاهد شعبي في سبيل هذه الأرض ورواها بدمه، فليحتفظ اليهود بملايينهم، وإذا مزقت الخلافة يوماً فإنهم يستطيعون آنذاك أن يأخذوا فلسطين بلا ثمن، أما وأنا حي فإن عمل المبضع في بدني لأهون علي من أن أرى فلسطين قد بترت من دولة الخلافة وهذا أمرٌ لا يكون، إني لا أستطيع الموافقة على تشريح أجسادنا ونحن على قيد الحياة"، نعم فباستثناء هذا الرد لم يظهر على الأمة الإسلامية أي رد جدي ضد هذه المؤامرة الضخمة الفظيعة، وأثمرت عن قيام كيان يهودي كان بمثابة خنجر مسموم في جسد الأمة أشغلها عشرات السنين في صراع غير متكافئ واستراح الأوروبيون بإقامة هذا الكيان من شر يهود.
وانهمك حكام البلاد العربية في التآمر مع المشاريع الأمريكية والبريطانية عشرات السنين وتصارعوا وتعادوا وانقسموا بين ذينك المشروعين لضمان أمن الكيان اليهودي ورفاهيته على حساب المسلمين في فلسطين وهذان المشروعان هما مشروع الدولة الواحدة التي تبنته بريطانيا ومشروع الدولتين التي تبنته أمريكا.
ولم يطرح الحكام العرب من عند أنفسهم إلا مشاريع مستنسخة عن هذين المشروعين الاستعماريين طوال العقود الماضية التي أعقبت قيام الدولة اليهودية في فلسطين. وخاضت دول المواجهة مع كيان يهود حروباً (مسرحيات) معه أدَّت إلى تثبيت وتمكين هذه الدولة في قلب المنطقة العربية، وأنتجت الكثير من المبادرات والمفاوضات التي تؤمن وتحفظ وجود الكيان اليهودي في فلسطين إلى أطول مدة زمنية.
وبدءاً من مفاوضات الهدن التي أعقبت حروب عام 48 وَ ،67 ومفاوضات الكيلو 101 الذي أعقبت حرب عام ،73 ومروراً بمبادرات روجرز ومدريد وأوسلو وخارطة الطريق وأنابولس وغيرها، وانتهاءً بالمفاوضات غير المباشرة، لم تخرج أي من تلك المفاوضات والمبادرات عن الهدف المرسوم لها، وهو ضمان أمن دولة يهود في فلسطين.
ولقد ساهمت عقلية التنازل التي تربت عليها شخصية الزعماء العرب والفلسطينيين في إنجاح تحقيق تلك المؤامرات لهدفها.
ومنذ تصدي عبد الحميد الثاني لإقامة الكيان اليهودي ابتداءً في فلسطين لم يظهر أي حاكم في مستوى التحدي لتلك المؤامرة المتجددة.
لكن الأمة لا ولن تعدم الوسيلة مطلقاً، فهي ولا شك تخبئ في ثناياها قيادات متحدية جديدة ستظهر عندما يحين موعد ظهورها، فأمر دولة يهود لا يهولّن أمة لا تعرف اليأس والقنوط، ولا تستسلم للمقدور، وتعمل دوماً على التغيير بتجدد دينامي ملفت يبهر الأعداء ويحيرهم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق