المرجعية الإسلامية تعلو فوق كل المرجعيات
ما إن انتهت المعارك العسكرية الرئيسية في حرب غزة، حتى اندلعت المعارك السياسية الحادة بين الفصائل الفلسطينية، وكان من أبرزها معركة المرجعية.
فسلطة عباس في رام الله ما زالت تتمسك بمرجعية منظمة التحرير الفلسطينية بالرغم من أن المنظمة قد شاخت وعجزت، وتبدل ميثاقها، ولم تعد قادرة على إقناع الفلسطينيين بمشروعيتها.
إن المكونات الرئيسية للمنظمة قد فقدت شعبيتها، فحركة فتح التي كانت تتبنى الكفاح المسلح كإستراتيجية لتحرير كل فلسطين التاريخية قد انقلبت عليها، وأصبحت تعتبر الأعمال العسكرية (عمليات حقيرة)، وتنازلت عن معظم فلسطين لليهود، وأضحت ترى في المفاوضات العقيمة مع العدو طريقا وحيدا للتحرير!!.
وأما سائر التنظيمات الأخرى كالجبهة الشعبية والديمقراطية وما شاكلها فلم يعد لها أي وزن يذكر بين الفلسطينيين،وفقدت بالتالي أي مبرر لاعتبارها ممثلة ولو جزئيا لأهل فلسطين.
فمنظمة التحرير بواقعها الجديد لم تعد واقعيا تمثل الفلسطينيين،لا من حيث الشكل ولا من حيث المضمون، واستمرار التشبث من قبل المنتفعين بها باعتبارها ممثلا شرعيا للفلسطينيين لا يعدو كونه محاولة يائسة للحفاظ على السلطة الزائفة التي بدأ بساطها يسحب من تحت أقدام ديناصوراتها ومومياواتها الفاقدة للإحساس وللكرامة والحياة من الذين لم يعودوا يملكون أي إسناد شعبي أو جماهيري، ولم يعد يسندهم سوى دولة يهود والأميركيين والأوروبيين، وهو بلا شك سند وهمي زائل .
وأما الطرف الثاني من المعادلة والمتمثل بحركتي حماس والجهاد الإسلامي وبعض الحركات المحسوبة على سوريا كجبهة احمد جبريل، فإنها تطالب بإعادة تشكيل منظمة التحرير على قواعد وأسس جديدة، وقد تحدث رئيس حركة حماس في آخر خطاب له عن عزمه على إيجاد مرجعية وطنية فلسطينية جديدة لأهل فلسطين في الداخل وفي الشتات، وهو ما يعني أن على منظمة التحرير بصورتها الحالية أن تتلاشى وتُخلي مكانها لأخرى حديثة تكون حركة حماس والجهاد في صدارتها، وتكون المقاومة أساسا لبنائها.
والحقيقة أن هذه المرجعية الجديدة التي تسعى إليها حركة حماس لا تختلف من ناحية سياسية وفكرية عن منظمة التحرير السابقة وان اختلفت عنها في الوجوه وفي العودة إلى فكرة المقاومة بعدما تم نبذها.
إن العودة إلى منظمة تحرير تكون المقاومة أساسها هي عودة إلى الماضي، واستنساخ لصورة منظمة التحرير الأصلية. والأصل أن تكون المرجعية الصحيحة لأي حركة إسلامية منحصرة فقط في النصوص الشرعية المأخوذة من الكتاب والسنة، لأنها هي المرجعية الشرعية الوحيدة المعترف بها، وهي مرجعية لا تتبدل ولا تتغير مع الزمن يرتضيها الله سبحانه لعباده.
وأية مرجعية أخرى لا تعتمد على الكتاب والسنة لا شك أنها مرجعية باطلة مردودة ومرفوضة، لأنها تكون دائماً عرضة للتبديل والتغيير وفقا للأمزجة والظروف والاعتبارات الإقليمية والدولية.
ثم إن ضم الفصائل الفلسطينية العلمانية إلى المنظمة الجديدة واعتبارها جزءا لا يتجزأ من المرجعية الوطنية يعني أن تلك المرجعية ستكون حلا وسطا بين آراء وأهواء الفصائل المختلفة والمتناقضة عقائدياً وسياسياً.وهي بذلك سوف لا تختلف عن وثيقة الوفاق الوطني أو وثيقة الأسرى، كما لا تختلف عن اتفاق مكة التي احتضنته السعودية، وأيدته الدول العربية. ومثل هذه الوثائق والاتفاقات التي تعترف بالقرارات الدولية فيها تفريط واضح بفلسطين المحتلة عام 48، وهي بالتالي لا تعني سوى إعادة تقاسم كعكة السلطة من جديد بين الفصائل الفلسطينية التي تغيرت أوزانها وأحجامها.
ومرجعية خرقاء كهذه تتوافق عليها التنظيمات المتناحرة المتناقضة لا ريب بأنها لن تُفلح في تحرير أرض ولا في رفع ظلم ولا في إرساء عدل.
إن مسألة المرجعية يجب أن النظر إليها من جهة أن القضية هي قضية وجود جسم غريب زُرع في قلب المنطقة الإسلامية يجب انتزاعه من فلسطين ومن المنطقة انتزاعا وجوديا، لأن المسألة لا يجوز أن تُبحث على أساس الاعتراف بهذا الجسم السرطاني بأي شكل من الأشكال، كما لا يجوز التفاهم معه على هدنة طويلة والقبول به بشكل غير مباشر، لأن في هذه الحالة تكون الهدنة الطويلة مماثلة للاعتراف.
ومن ناحية ثانية فان هذه المرجعية التي تطالب بها حماس تنادي بإقامة دولة فلسطينية وطنية، وهذا يعني تفتيت الأمة الإسلامية إلى كيانات إضافية هزيلة جديدة، مع أن المطلوب هو توحيد الأمة وكياناتها في دولة واحدة وكيان سياسي واحد.
لذلك كان حريا بالحركات الإسلامية في فلسطين إن أرادت أن تطرح مرجعية سياسة أن تطرح مرجعية إسلامية وليست وطنية، وكان عليها أن لا تقبل بأي مرجعية تُفرط بشبر واحد من فلسطين لا على سبيل الاعتراف ولا على سبيل الهدنة الدائمة.
وكذلك عليها أن لا تقبل بقرار واحد من قرارات مجلس الأمن أو الأمم المتحدة، لأن القبول بها يعني القبول بشرعية العدو، وشرعية قوانين الدول الاستعمارية الكافرة على بلاد المسلمين. وهذا محرم شرعا، ولا يجوز التسليم به بحال من الأحوال ومهما كانت النتائج.
ومن هنا كان حريا بالحركات الإسلامية ولزاماً عليها أن تطرح مرجعية إسلامية شرعية فقط وأن لا تطرح سواها، وأن تعلو المرجعية الإسلامية فوق كل المرجعيات.
هناك تعليقان (2):
هل ستقبل امريكا بتغير المرجعية وهل هناك رؤيا امريكية لمرجعية فلسطينية جديدة؟
بالنسبة لأمريكا لا فرق عندها بين ما يطرحه مشعل وما تطرحه حركة فتح فهي في النهاية تصب في نفس الهدف ( الوطني ) المهم هو أن لا تكون المرجعية اسلامية.
إرسال تعليق