الخميس، 22 يناير 2009

العدوان على غزة -الدوافع والنتائج-

العدوان على غزة -الدوافع والنتائج-
في محاولتنا لفهم العدوان الوحشي الذي شنَّته قوات دولة يهود على قطاع غزة، لا بد لنا من تحليل دوافع دولة يهود والإدارة الأمريكية تحليلاً سياسياً لنتوصل من خلال فهم تلك الدوافع إلى فهم الأهداف السياسية المراد تحقيقها استناداً إلى النتائج المحسوسة التي تمخضت عن ذلك العدوان.
بدايةً لا بد لنا من تقرير حقيقة سياسية مهمة هنا مفادها أن أي عمل عسكري أو سياسي كبير تقوم به أو تحاول فرضه دولة يهود على الساحة الفلسطينية يتوجب عليها أن تأخذ عليه موافقة أمريكية كاملة أو ضوءاً أمريكياً على أقل تقدير.
فدولة يهود ملزمة - وفقاً لاتفاقيات ثنائية واضحة - على تنسيق جميع أعمالها مع الإدارة الأمريكية وذلك ليس فقط من الآن وإنما منذ حرب عام 1973م.
وبناء عليه فإن هذا العدوان الأخير على غزة شأنه شأن غيره من أعمالها العدوانية الأخرى فقد أخذت دولة يهود إذناً للقيام به من إدارة بوش. لكن ينبغي أن يلاحظ الفارق هنا وهو أن إدارة بوش لم تحرض هذه المرة قادة دولة يهود على إطالة أمد العدوان كما فعلت في حرب لبنان عام 2006م، ومن هنا كان الفرق واضحاً بين العدوانين، ففي حالة غزة كانت رغبة أمريكا بعدم التصعيد بخلاف رغبتها في حرب لبنان، وأما رغبة قادة يهود فكانت عكسية إذ كان لديهم ميل جارف للاستمرار بالعدوان لأطول مدة ممكنة. وقد أكدت ذلك استطلاعات الرأي، ومن الأدلة على ذلك أن أمريكا منعت عن جيش الاحتلال اليهودي من إيصال الذخيرة للطائرات والمعدات القتالية فادَّعت أن اليونان قد حجزت سفينة أمريكية تحمل الذخائر المطلوبة لاستمرار أمد العدوان بنفس كثافة النيران التي بدأتها، وكأن اليونان تملك قرارات أمريكا السيادي.
لقد كان بمقدور أمريكا بالطبع أن تقيم جسراً جوياً لتزويد جيش دولة يهود بالذخيرة كما فعلت في حرب تموز عام 2006م في لبنان، أو كما فعلت في حرب رمضان عام 1973م، لكنها لم ترغب بذلك، بل وأصرَّت على وقف العدوان، وسحب قوات الجيش اليهودي كاملاً من القطاع قبل تنصيب أوباما رئيساً، فامتثل أولمرت وباراك لهذه الرغبة الأمريكية من دون إبطاء.
أما دوافع دولة يهود من هذا العدوان فكانت تحقيق هدف لم يكن محدداً ولا واضحاً وهو تغيير الوضع الأمني في غزة، وهذا هدف مطاطي، ومعناه أن قادة يهود مُنحوا فرصة من قبل الإدارة الأمريكية للقيام بما يمكن أن يقوموا به من أجل تحقيق هذا الهدف (المتدرج) لكنهم فشلوا في تحقيقه، ولم تمنحهم أمريكا وقتاً إضافياً. لذلك فإن جيش الاحتلال اليهودي كان يسابق الزمن في محاولته للقضاء على البُنى العسكرية لحركة حماس، وتحويلها إلى حركة ضعيفة تقبل بإملاءات اليهود. في حين كانت دوافع الإدارة الأمريكية تتمثل في إثبات فشل العملية العسكرية اليهودية، وإخراج حركة حماس باعتبارها القوة الفلسطينية الرئيسة على الساحة الفلسطينية، وبصفتها اللاعب المستقبلي الأبرز من سائر اللاعبين الآخرين في المنطقة.
ولتكريس هذا الهدف تم ربط حماس ربطاً محكماً بمحور ما يسمى بدول الممانعة باعتباره المحور الأكثر فعالية في الضغط على الكيان اليهودي وتحجيمه. ومعلوم أن محوري ما يُسمى بدول الممانعة ودول الاعتدال المتصارعين كلاهما تابع للسياسة الأمريكية، فالمنطقة باتت تحت الهيمنة الأمريكية المطلقة ولا وجود لأي نفوذ أوروبي فاعل فيها، لأن أمريكا تسيطر على الكيان اليهودي سيطرة محكمة، ومن يسيطر على الكيان اليهودي يسيطر على المنطقة برمتها، وهذه بديهية من البديهيات السياسية المعروفة في المنطقة.
هذه هي الدوافع الحقيقية المتباينة التي حرَّكت أمريكا ودولة يهود على شن العدوان على غزة، وتلك هي أهداف كلتاهما من تحليل وفهم تلك الدوافع.
وأما النتائج التي تمخضت عن هذا العدوان فكانت فشلاً واضحاً للكيان اليهودي الذي عجز عن وقف إطلاق الصواريخ، والذي أخفق في أسر أي مقاتل من حماس أو من حركات المقاومة الأخرى. وأما قتل المدنيين، وتهديم المساكن فهذا لا يُعتبر إنجازاً بكل المقاييس العسكرية.
إن ما تحقق من نتائج قاطعة على الأرض يؤكد على ضرورة الاعتراف بحركة حماس ومنحها دوراً سياسياً مهماً في اللعبة السياسية الدولية والإقليمية، فقد سقطت مزاعم السلطة التي تعرقل عودة حماس إلى الساحة بفاعلية سياسية كالقول بضرورة رجوع حماس عن انقلابها كشرط مسبق للحوار أو المصالحة، وكذلك فقدت السلطة شعبيتها وذلك كمرحلة أولى تسبق فقدانها لدور قياداتها وكوادرها في الممارسة السياسية. لقد تأكدت فكرة أن المصالحة بين الفصائل تعني هدم مؤسسات منظمة التحرير البالية وإعادة بنائها على أسس جديدة تشارك فيها حركتي حماس والجهاد الإسلامي مشاركة سياسية فعّالة وعلى قدم المساواة مع حركة فتح.
إن هذه النتائج هي التي خطَّطت الولايات المتحدة لتحقيقها على الأرض، وهي أقرب ما تكون للأهداف الأمريكية المراد تسويقها بالمنطقة في قابل الأيام. فأمريكا تريد دولة فلسطينية في الضفة والقطاع وشرقي القدس إلى جانب دولة يهود، ولا مجال لتحقيق ذلك مع قيادة هزيلة كقيادة محمود عباس الذي أصبح أشبه ما يكون بأنطوان لحد في علاقته مع سلطات الاحتلال، حيث أنه لا يملك أية أوراق ضاغطة على دولة يهود، لذلك كان لا بد من استبداله، لأن عباس قد أدّى دوراً معيناً في توقيت زمني محدد وانتهى دوره هذا مع انتهاء مرحلته.
والمطلوب اليوم من ناحية عملية من وجهة النظر الأمريكية والدولية إيجاد قيادة فلسطينية موحدة وقوية لمواجهة الغطرسة اليهودية شريطة أن لا تخرج تلك القيادة عن السياسات الأمريكية العامة في المنطقة.
وإشراك حماس مع فتح جديدة بقيادة جديدة، وحلة جديدة ربما يعتبر الوسيلة الأفعل في إخراج مشروع الدولة الفلسطينية إلى حيز الوجود، وتحقيق الرؤية الأمريكية الرامية إلى إيجاد دولتين في فلسطين.
على أن البدء في السير بهذه الخطة يستلزم البدء أولاً بإعادة تنقية حركة فتح من رجال محمود عباس ومن بقايا رجالات أوسلو، وبقايا رجالات الحرس القديم، ثم يلي ذلك إخراج هياكل فلسطينية توافقية تشارك فيها حماس مشاركة فاعلة إن لم تكن مشاركة قيادية، وقد تستغرق هذه المرحلة عاماً أو عامين على الأكثر.

هناك 5 تعليقات:

غير معرف يقول...

المشكلة برأيي المتواضع، هي في وضع أي حرب أو حدث ساخن يتعلق بدولة يهود، في سياق تحجيم أميركا لدولة يهود. إشارة حزب التحرير لهذه السياسة في بعض المواضع لا يعني اعتبارها خطا عريضا تفسر الاحداث على حسبها.


أما القول بأن أميركا تريد جعل " حركة حماس باعتبارها القوة الفلسطينية الرئيسة على الساحة الفلسطينية، وبصفتها اللاعب المستقبلي الأبرز من سائر اللاعبين الآخرين في المنطقة"، فهو من عجيب القول، مع تقديري للأستاذ الحبيب الخطواني.
حصار وتجويع ثم حرب شعواء، على رأس هذه الحركة...
هل يصح من السياسي أن يرى هذه الحقائق الصارخة على أنها تقوية لحركة حماس وإبرازها ؟!

اما الحديث عن عدم جدوى محمود عباس بالنسبة لأميركا، فهذا لا يسنده شيء من الواقع...لا يسنده مؤشر ولا دليل ولا أي شيء.
وألفت النظر إلى أن أول اتصال أجراه بارك أوباما، خارج أمريكا، هو مع محمود عباس!
وألفت النظر إلى التصريحات الأميركية المبكرة، على أعلى المستويات، في اعتبار محمود عاس شريك في عملية السلام.

منقول من العقاب

احمد الخطواني يقول...

من الطبيعي أن يأتي بعد الحصار والتجويع والحرب الشعواء زعامة جديدة وقيادة جديدة بعد أن صمدت وثبتت .
ومن الطبيعي أيضاً أن تنتهي قيادات استنفدت كل ما في جعبتها.
من الطبيعي أن يحصل ذلك فلا تتعجب أخي الكريم والايام سوف تبرهن على صحة ذلك.

غير معرف يقول...

أرى بأن سماح أمريكا لكيان يهود بضرب حماس للضغط عليها لتقبل بالإملاءات والشروط الخيانية لتعلن حماس بعدها القبول بتلك الشروط, فالكافر لا يقبل من المسلم أن يكون نصف كافر بل يريده كافراً مثله.

غير معرف يقول...

الاستاذ احمد سلام عليكم
- قد تكون امريكا قد اعطت موافقتها لدولة يهود لضرب غزة لتعطي يهود درسا قاصيا اخر كما كان في لبنان بعد اعداد حماس عسكريا على ايدي عملاء امريكا (الممانعة والاعتدال) على حد سواء عبر وباشراف مصر وذلك اتضح بالثقة والتأكيدات المصرية على نجاح حماس عسكريا وفشل يهود اثناء الحرب وايضا بالاصرار العلني على عدم فتح معبر رفح وارى ان(الممانعة والاعتدال) تكتيك امريكي ليس اكثر
- ولكن لم تتوقع امريكا وعملائها اقدام يهود على مثل هذه الحماقة فالحرب كانت مفاجئة والتوقيت غير متوقع (اي خدعة اسرائيلية ) حيث اربكت مصر التي لجأت الى تركيا ودليل ذلك حجم الهجوم والاصابات في اليوم الاول وايضا صرحت كل من مصر وتركيا بالخديعة
- اسرائيل قامت بالحرب بالنيابة عن بريطانيا وليست بالاصالة عن نفسها ( ليس لولاءهم لغيرها وانما لحالة الطمع المتاصلة فيهم ) وذلك لان التوقيت محدود بمجيء اوباما فكانت مغامرة حمقاء اما من ناحية عسكرية فالخطة انتهت باليوم الاول بانتهاء بنك الاهداف ولم تكن هناك استراتيجه للخروج لانها كانت بيد الانجليز وعملاءهم بالاخص قطر ( القمة ) والجزيرة ( اثارة الرأي العام الدولي ) ولكن تم استدراجها من قبل عملاء امريكا حتى اوقفت الحرب بناء على المبادره المصرية اما سياسيا ( اطماعهم ) تغير الواقع السياسي بالزام القطاع الى مصر عبر فتح معبر رفح او الحصول على تهدئة طويلة الامد بقرار اممي (الذي عرقلته رايس ) والقضاء على حماس او قدتها الصاروخية وقد فشلت في تحقيق اي من ذلك بل تعرت امام الرأي العام الدولي وقد يتعرض مسؤوليها للملاحقة القانونية ( وهي ايضا ورقة ضغط امركية جديدة )
- ان الدافع وراء الحرب بالتوقيت بين الادارتين الامريكية هي بريطانيا ومن خلفها اوروبا وقد نجحت الى حد ما وقد اتضح ذلك في خطاب ميلباند بالامم المتحدة وكذلك ادارة المصالح البريطانية على يد عملاءها في قمة الدوحة اثناء وبعد الحرب والاهداف التي تحققت
اولا : وضع الملف الفلسطيني كاول ملف على طولة الادارة الجديدة لارباكها باعتباه اعقد ملف دولي وخاصة بعد التعقيدات لتي اوجدتها الحرب على غزه مما يجبر امريكا على المشاركة الاوروبيه
ثانيا : التواجد بداخل القطاع اما كقوات تمنع التهريب بالبحر او قوات حفظ سلام او عبر المساعدات (قمة شرم الشيخ)
ثالثا : اسقاط الاجماع على المبادرة العربية التي تمنع الطبيع وتعطي فرصه لقيام دولة فلسطينية كاملة السيادة على حدود 67 اذ ان بريطانيا تريد دولة منزوعة السيادة خاضعة الى اليهود والاردن حتى ولو بدون القطاع
رابعا : تكريس الفصل بين الضفة والقطاع باعطاء الشرعية لحماس على القطاع كما جرى بقمة الدوحة
خامسا : المحافظة على سلطة محمود عباس ( امتلاك حق التفاوض مع يهود ) عميلها بعد انتهت مدة رئاسته - ملاحظة عباس هو وريث عرفات او قل هو رئيس الظل في وقت عرفات وهو من دهاة العمالة البريطانية اذ هو مهندس اوسلو وهو الذي نصب الفخاخ لحماس حتى عزلها وفصل القطاع معها لتمرير الرؤيا الانجليزية لحل قضية الشرق الاوسط وهي اقامة دولة فلسطينة منزوعة السيادة تمنع تحجيم اسرائيل وتتنفس برئة الاردن لتبقى تحت العمالة البريطانية

احمد الخطواني يقول...

ان اجتماع الدوحة هو اجتماع لدول الممانعة( سوريا وايران واذنابهما) أما قطر فهي دست على هذه الدول لاثبات الوجود وليكون دور ولو شكلي لعملاء الانجليز.
واسرائيل لا تقوم بعمل كبير كهذا بدون موافقة امريكية.