الخميس، 3 يوليو 2008

تعليق سياسي/ الاسلام ليس طرفاً في الصراع الذي يدور رحاه في تركيا

التعليق السياسي

الإسلام ليس طرفاً في الصراع الذي يدور رحاه في تركيا

تناقلت وسائل الإعلام الثلاثاء الماضي خبر بدء المحكمة الدستورية التركية في النظر بدعوى قانونية تتعلق بحظر حزب العدالة والتنمية الحاكم بحجة سعيه لتحويل تركيا إلى دولة إسلامية وتخريب النظام العلماني فيها.
ونفى حزب العدالة والتنمية مراراً وتكراراً أي علاقة له بذلك الاتهام وقال بأن دوافع هذا الادعاء سياسية ترمي إلى الانقلاب على الحكومة الشرعية وشل البرلمان والتحضير لانتخابات مبكرة.
وتزامن هذا التجاذب السياسي بين حزب العدالة الحاكم وبين القوى المناهضة له والذي يمثلها المدعي العام التركي عبد الرحمن ياجينكاي الذي يُعد واحداً من أعتى الرموز الكمالية في البلاد والذي زعم عدة مرات في تصريحاته أن مسألة ارتداء الحجاب ليست داخلة في موضوع حقوق الإنسان وإنما هي رمز سياسي على حد زعمه، تزامن هذا التجاذب مع الإعلان عن وجود محاولة انقلابية ضد حزب العدالة بقيادة مجموعة متطرفة من القوميين المتشددين تُسمى (أرجينيكون) وتعني رابطة الفكر الكمالي ويقف على رأسها جنرالان متقاعدان تهدف إلى تغيير نظام الحكم بالقوة.
إن هذا الصراع في تركيا ليس جديداً والإسلام ليس طرفاً فيه، فالقوى العلمانية الكمالية التي تتحكم في الجيش ورئاسة المحكمة الدستورية وتدعمها مجموعة من الأحزاب على رأسها حزب الشعب المعارض تقارع وتناطح حزب العدالة والتنمية الذي أعلن أكثر من مرة بأنه حزب علماني وليس حزباً إسلامياً، والذي دائما ما يشدَّد على التزامه بالدستور واحترامه لمبادئ الجمهورية التركية العلمانية التي أَسَّسها هادم الخلافة الإسلامية سيء الذكر مصطفى كمال أتاتورك.
وحتى لدى مطالبة حزب العدالة بالسماح للطالبات الجامعيات بارتداء الحجاب فإنه لا يستدل على مطالبته تلك بالأحكام الشرعية وإنما يستدل عليها بالحرية الشخصية وحقوق الإنسان. فالصراع بينهما صراع بين طرفين علمانيين احدهما بصورة متشددة والاخر بصورة مخففة ولا مكان للاسلام فيه قطعا ولكن يستخدم الاسلام احيانا للتخويف واحيانا لاكتساب المزيد من الشعبية.
فالخلافات الحقيقية بين الكماليين وحزب العدالة والتنمية يمكن تلخيصها في مسألتين اثنتين حصراً هما:
1) الجيش: حيث يريد الكماليون استمرار هيمنة الجيش على السلطة باعتباره الضمانة الأكيدة –بنظرهم- لاستمرارية وجود العلمانية الصارمة في لدولة. وتؤيد بريطانيا وفرنسا استمرار هذا الدور الذي يلعبه الجيش في تركيا، وقد صرّح برنار كوشنير الأسبوع الماضي بما يؤكد هذا المعنى فقال: "الجيش لعب دوراً مهماً في تركيا من أجل الديمقراطية والفصل بين المسجد والدولة".
أما حزب العدالة فموقفه من هذه النقطة يتلخص في كونه أنه يريد إلغاء دور الجيش في السياسة وإبعاد العسكر عن شؤون الحكم وضرورة الاحتكام إلى الديمقراطية والتعددية وما تفرزه صناديق الاقتراع.
وتؤيد أمريكا هذا التوجه وتدعمه لأنه أفضل وسيلة لها تمكنها من التغلغل في مؤسسات الدولة وتمنحها بالتالي قوة لمد نفوذها في مؤسسات الدولة بأريحية بحيث تستطيع التنافس مع النفوذ الانجليزي العريق في تركيا.
2) العولمة: يقاوم الكماليون الخطوات الواسعة التي قطعها حزب العدالة في دمج الاقتصاد التركي في الاقتصاد العالمي ويحاولون فرض القيود على الاقتصاد المحلي لحمايته ولمنع هيمنة القوى الأجنبية –لا سيما الأمريكية- عليه.
لقد قام حزب العدالة في السنوات الاخيرة من فترة حكمه بقفزة عملاقة في طريق العولمة وتمكن من اعادة هيكلة الاقتصاد التركي بما يتوافق مع اقتصاد السوق وتعاون مع صندوق النقد الدولي والبنك العالمي في تحرير الاقتصاد وخصخصة القطاع العام وهذا أدّى بدوره إلى إضعاف دور العسكر والكماليين في التأثير على الاقتصاد وأدّى بالتالي إلى فقدانهم لورقة مهمة طالما استخدموها في تثبيت سلطتهم.
وخلاصة الموضوع إن الصراع الدائر رحاه في تركيا بين الكماليين وبين حزب العدالة هو انعكاس لصراع دولي بين أوروبا التي تدعم الكماليين الذين يتخذون من الجيش ملاذاً أخيراً لاستمرار وجودهم في سدة الحكم وبين أمريكا التي تستخدم حزب العدالة الذي يلعب على ورقة الشعارات الأمريكية من حرية وديمقراطية وحقوق الإنسان والتي أصبحت أداة رائجة في سوق السياسة العالمية والاقليمية هذه الأيام. وهو صراع لا دخل للإسلام فيه لا من قريب ولا من بعيد وإن استخدمت فيه بعض الرموز الإسلامية كالحجاب.
أما بالنسبة للعلاقة مع دولة يهود فإن كلا الطرفين سواء الكماليين ام حزب العدالة فانهما متفقين على اعتبارها مصلحة لهما ولتركيا. ومعلوم انّ الذي وقَّع أول اتفاقية دفاعية بين تركيا وبين دولة يهود هو نجم الدين أربكان الذي كان وقتها يعتبر الأب الروحي لقادة حزب العدالة، ومعلوم ايضا ان الذي يتوسط حالياً بين سوريا ودولة يهود هو حزب العدالة بزعامة غول وأردوغان، وهو الذي يفاوض حاليا من تحت الطاولة لمد خط مياه من الأناضول للكيان اليهودي.
اما الكماليون فانهم يكنون كل حب ومودة لليهود منذ نشأتهم وهم لم يعترضوا ابدا على هذه العلاقات المشبوهة بين خصمهم حزب العدالة وبين الدولة اليهودية، فالعلاقات الحميمية بين تركيا ودولة يهود ربما هي الشيء الوحيد الذي يتفق عليه الكماليون وحزب العدالة.تلك هي حقيقة الصراع الدائر في تركيا بين حزب العدالة ومن ورائه اميركا وبين الكماليين ومن ورائهم بريطانيا واوروبا، ولاعلاقة للاسلام فيه لا من قريب ولا من بعيد.

ليست هناك تعليقات: