الجمعة، 4 فبراير 2011

معنى الثورة وواقعها

معنى الثورة

لا يختلف أحد في أن الثورة – أية ثورة - يقترن معناها دائماً بمفاهيم التغيير، بيد أن التغيير المقصود فيها ليس مجرد التغيير أياً كان شكله أو صفته، بل المقصود به أن يكون تغييراً شاملاً وجذرياً يتعلق بالشكل والمضمون، يتناول النظام قبل الأشخاص، ويستهدف الأوضاع والدستور والقوانين والعلاقات الداخلية والخارجية للدولة، ولا يستثني شيئاً منها.

فالثورة لا تقتضي أن تكون سياسية وحسب، بل تقتضي أن تكون سياسية واجتماعية واقتصادية وثقافية ودستورية، بمعنى أن تكون ثورة شاملة عامة، أي أن تكون جذرية انقلابية.

فالثورة السياسية تعني تغيير الحكام والنظام على حد سواء، والثورة الاجتماعية تعني تغيير نوعية العلاقات بين الرجل والمرأة في المجتمع وما يترتب على تلك العلاقات من آثار، والثورة الاقتصادية تعني تغيير قواعد كيفية توزيع الثروة، وملاحقة رموز النظام المطاح به لاسترداد أموال الشعب المنهوبة الى مواضعها الأصلية، والثورة الثقافية تعني تغيير العقيدة الرسمية للدولة كونها السبب الرئيس في وجود الحركة الثقافية في المجتمع، والثورة الدستورية تعني تغيير الدستور وجميع القوانين المنبثقة عنه وإحلال دستور جديد مكانه.

هكذا تكون الثورة وهكذا يكون معنى التغيير فيها، أمّا أن يتغير الأشخاص ويبقى النظام فهذا لا يُعتبر من الثورة بشيء، وأمّا أن يُحتكم الى الدستور السابق ويُبحث فقط بتغيير بعض القوانين فيه فكذلك لا يُعتبر عملاً ثورياً وإنما يُعتبر ترقيعاً دستورياً، وأما أن يُحاكم بعض الفاسدين ويبقى رؤوس الفساد أحراراً طلقاء، فهذا ليس بثورة ولا بتغيير.

والثورة من حيث هي ثورة، ليس بالضرورة أن تكون سلمية خالصة أو دموية خالصة، فقد تكون سلمية وقد تكون دموية، فالعبرة فيها ليس بمستوى السلم أو العنف الذي يقع فيها، وانما العبرة فيها يتوقف على حجم ونوعية التغيير الحاصل بسببها.

فإن كان منسوب التغيير شاملاً جميع مناحي الحياة فتعتبر ثورة، وأما إن كان دون ذلك فلا.

وما حصل في تونس - وان كان حدثاً نوعياً - فهو ليس بثورة لأن النظام لم يتغير وان تغير رأس النظام، وكذلك ما يجري في مصر فلا يُعتبر ثورة لأن مطالب المحتجين فيها لا ترقى الى التغيير الشامل.

إنّ أهم شيئ في أية ثورة، وأول شيئ فيها، يقتضي تغيير النظام السياسي برمته، وهذا أمر لا يُطالب به الثائرون، فالرجال الذين يتوسطون بين تجمعات الشباب المصري في ميدان التحرير وبين النظام الحاكم هم جميعاً من رجالات أمريكا كمحمد البرادعي وعمرو الجمزاوي وكمال أبو المجد وعمرو موسى، وما يُسمى بأعضاء لجنان الحكماء فهم ان لم يكونوا من العملاء فهم من المتواطئين مع النظام ومن الراضين بالتعاطي مع أذنابه.

إنّ مجرد التعاطي مع رجال أمريكا أو مع بقايا الانظمة السابقة يعني وأد الثورة وسقوطها في الفخ الأمريكي والاستعماري.

وان مجرد خلو شعارات المتظاهرين من أفكار جديدة تختلف كلياً مع شعارات النظام المراد إسقاطه يعني وجود فراغ فكري هائل يسمح بعودة نفس النوعية من الرجال للحكم لا تختلف كتثيرا عن الحكام الحاليين.

لذلك كان لا بد من حدوث تغيير حقيقي ينتج عن أية ثورة يُراد لها النجاح، وهذا التغيير يجب أن يقلب الأمور في البلد الذي تقع فيه الثورة رأساً على عقب، فلا يُطاح فيها بالنظام الحاكم وحسب، وإنما يُطاح فيها أيضاً بالمبدأ الذي يستند إليه ذلك النظام.

ليست هناك تعليقات: