محمود عباس وخديعة إيقاف المفاوضات مع دولة يهود
زعمت السلطة الفلسطينية أنها أوقفت المفاوضات مع سلطات الاحتلال اليهودية، وأنها وضعت شرطين لاستئنافها وهما الوقف الكامل للاستيطان، ووضع مرجعية ثابتة للمفاوضات تقوم على أساس القرارات الدولية، التي تعتبر جميع الأراضي المحتلة عام 1967 بما فيها القدس الشرقية أراضي يجب الانسحاب منها، وفقاً لأية مفاوضات تُجرى بين الفلسطينيين والكيان اليهودي.
إن رئيس السلطة محمود عباس الذي تُنسق أجهزته الأمنية ليل نهار مع جيش الاحتلال، يُدرك قبل غيره أن شروط سلطته لاستئناف المفاوضات مع الاحتلال إن هي إلاّ مجرد دعاية استهلاكية لا تنطلي إلا على المغفلين. فالذي فرّط في أكثر من 78 في المائة مما يُسمى بفلسطين التاريخية، لا غضاضة لديه بأن يُفرط بما هو أكثر من ذلك، ولا مانع عنده من فعل ما هو أشنع مما فعله في أوسلو وأخواتها. فمحمود عباس هو الشخص الوحيد من قيادات حركة فتح الذي لم يرفع السلاح في وجه الاحتلال يوماً من الأيام، وهذا أمر معروف جيداً في صفوف الحركة منذ إنشائها قبل خمس وأربعين سنة. فالذي يُحقر الفدائيين والمجاهدين من بني جلدته ويعتبر الأعمال العسكرية والجهادية التي يقومون بها عمليات حقيرة، ليس غريباً عليه أن يُحقر شعبه وأمته، وليس عجيباً أن يصدر عنه أقوالاً تُعبر عن حبه لعدو أمته وعدو دينها، حيث لم ننسى يوماً تصريحه المشهور بأنه سيضع حداً لعذابات الشعب اليهودي!!.
إن محمود عباس الذي يسير على هدي غاندي في مواجهته للاحتلال الانجليزي لا يُتوقع منه يوماً أن يعمل على إنقاذ شعبه من براثن الاحتلال، لأن غاندي والهنود غير عباس والمسلمون، ولأن الاستعمار البريطاني للهند غير الاحتلال الاستيطاني لليهود، فغاندي وان كان من صنائع الانجليز الاّ أنه مُنح دولة ذات سيادة، ونالت بلاد الهند على يديه استقلالاً نسبياً كسائر الدول التي استقلت عن الدول الاستعمارية، وحزب المؤتمر الذي أسّسه ما زال حتى هذه الأيام على رأس السلطة في الهند، بينما محمود عباس الذي ضمن لدولة يهود جميع احتياجاتها الأمنية، ولبّى لها كل مطالبها التعجيزية، لم يحصل على أي شيء من طلباته الهزيلة الشكلية منها، فالفلسطينيون ما زالوا تحت الاحتلال الحقيقي، ووجود عباس على رأس السلطة زادهم عنتاً وإرهاقاً وقهراً وذلاً، وفي ظل سلطته الذليلة هذه تضاعفت المستوطنات ومصادرة الأراضي، وبُني الجدار وازدادت الحواجز، وزاد الفقر والبؤس، وفُرض الحصار، وانقسم الشعب، وتعمّقت الخلافات واستحكمت، وتمادى العدو في اعتداءاته على المواطنين، وعلى مقدساتهم وبيوتهم وأرزاقهم وكراماتهم، بحيث أصبحت عمليات هدم المنازل وتجريف الأرضين ومداهمة البيوت واعتقال الآمنين وطرد الأسر من بيوتهم، أموراً اعتيادية يقوم بها الاحتلال يومياً، فيما لا يأبه اليهود للاستنكارات التي تُطلقها وسائل الإعلام الفلسطينية والعربية من باب رفع العتب.
فهذه النتائج المريرة، وهذا الحصاد المر الذي جناه الفلسطينيون بسبب وجود هذه السلطة الفلسطينية الخادمة لدولة يهود، والتي لا وظيفة لها إلاّ خدمة الاحتلال وقهر أهل فلسطين، تؤكد على فشل السلطة فشلاً ذريعاً في تحقيق أيٍ من أهدافها، وهو ما يقتضي بالضرورة حلّها، وتسليم الأمور لمن يستطيع المواجهة والتصدي للاحتلال، أو ترك الشعب يُقاوم الاحتلال بمعرفته ومن دون أية وصاية عليه، لكي لا يُقال إن لأهل فلسطين سلطة في طريقها إلى التحرر والاستقلال. فهذه السلطة هي ذراع أمني مخلص لليهود، ويكفي للاستلال على هذه الحقيقة وجود التنسيق الأمني اليومي بين قادة السلطة وبين قادة دولة يهود استناداً إلى بنود خارطة الطريق التي قال محمود عباس بأنه يُنفذها بحذافيرها وكأن نصوصها بالنسبة له نصوص مقدسة، بينما لا تُنفذ دولة الاحتلال منها إلا ما يتعلق بالشق الأمني.
إن اعتراف السلطة ورئيسها بذلك التنسيق الأمني المعيب هو بحد ذاته اعتراف بالخيانة بشكل صريح، لأن ذلك التنسيق يعني وبكل بساطة قيام عناصر السلطة باعتقال أو قتل المطلوبين لدولة الاحتلال وهذه هي الخيانة بحد ذاتها. أما زعم عباس وأبواق سلطته بأنه أوقف المفاوضات مع دولة يهود حتى تُوقف الاستيطان فهو نوع من خداع الناس، وتضليلهم، والتدليس عليهم، لأن المطلوب هو إيقاف التنسيق الأمني قبل إيقاف المفاوضات. فما قيمة وقف المفاوضات السياسية بينما التنسيق والمفاوضات الأمنية مستمرة على قدم وساق؟؟.
وحتى المفاوضات السياسية التي يُزعم وقفها فهي لم يتم إيقافها بالكامل فقد نقلت مفكرة الإسلام في موقعها الإلكتروني عن صحيفة جيروزاليم بوست "الإسرائيلية" يوم الخميس أنباءً حول اجتماع سري بين وزير الحرب "الإسرائيلي" إيهود باراك ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس أبو مازن عُقد في الأردن يوم الأحد الماضي قبل توجه عباس إلى القاهرة للقاء الرئيس المصري حسنى مبارك. وأشارت إلى" أن عباس كان قد صرح في وقت ماضي لصحيفة هآرتس بأنه تحدث مع باراك مرتين في الأسابيع الأخيرة". وأما صحيفة جيروزاليم بوست فذكرت بأنه "في حين كان عباس قد رفض الجلوس مع نتانياهو، إلا أنه على اتصال هاتفي دائم مع الرئيس "الإسرائيلي" شيمون بيريز الذي حاول مؤخرًا إقناعه بالعدول عن الاستقالة". والسؤال الذي يحب على عباس وأتباعه الإجابة عليه: هل إيقاف المفاوضات يقتصر فقط على نتنياهو أما بيريز وباراك فغير داخلين في الإيقاف؟
وأما ادعاء عباس بأن اعتقال أفراد المقاومة هو عمل أمني داخلي وليس عملاً أمنياً يخدم الاحتلال فيكذبه الواقع ويُكذبه معنى التنسيق الأمني وتُكذبه تصريحات عباس نفسها، وقد كشفت حركة حماس "أن تلويح محمود عباس بقطع التنسيق الأمني مع الاحتلال الصهيوني هو إقرارٌ رسميٌّ منه بأن الاعتقالات والملاحقات الأمنية التي تجري في الضفة الغربية تأتي في إطار التنسيق الأمني مع الاحتلال". وقال سامي أبو زهري المتحدث باسم الحركة: "إن هذه التصريحات من عباس تدحض إدعاءاته السابقة بأن هذه الاعتقالات تجري على خلفيات أخرى"، وأشار إلى أن "هذا الاعتراف يؤكد أن عباس يتاجر بمصير أبناء الشعب الفلسطيني لخدمة أغراضٍ سياسيةٍ خاصة".
وهكذا يتضح لنا أنّ عباس لم يوقف المفاوضات مع دولة يهود وما ادعاه لا يعدو كونه مسرحية رخيصة مفضوحة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق