في أسبوع واحد يخرج علينا النظام المصري بمواقف فاضحة تُدلل على مدى تبعية النظام حتى النخاع لأمريكا، فقد استقبل محمد سيد طنطاوي شيخ الأزهر - ممثلاً عن الدولة - وفد لجنة الحريات الدينية الأمريكي المؤلف من تسعة أعضاء برئاسة اليهودية المتطرفة فليس جاير، وتُوصف هذه اللجنة بأنها لجنة مستقلة ذات صفة استشارية تصدر توصيات إلى الكونجرس والإدارة الأمريكية ، ودار بين الطرفين حوار أشبه بالتحقيق مع شيخ الأزهر حول علاقة المسلمين بالأقباط، وحول أسباب الاحتقان الطائفي في مصر، واستمر اللقاء لأكثر من ساعتين، وفرضت مشيخة الأزهر على تفاصيله سياجا من السرية والتعتيم. وجاء ذلك في ثاني يوم من الزيارة التي يقوم بها الوفد الذي كان أجرى في اليوم الأول جلسة مباحثات مع الدكتور أحمد كمال أبو المجد نائب رئيس المجلس القومي لحقوق الإنسان دارت بشكل خاص حول أحداث نجع حمادي. وكشفت مصادر مطلعة لـجريدة "المصريون" أن شيخ الأزهر أكد خلال اللقاء على عمق الروابط بين المسلمين والأقباط، ووصف الحوادث الطائفية التي تشهدها مصر على فترات متباعدة بأنها أحداث فردية، وأشار إلى أن الأزهر أدان حادث نجع حمادي الأخير، وأنه قام مع الدكتور حمدي زقزوق وزير الأوقاف بزيارة نجع حمادي لتقديم العزاء لأسر الضحايا.
وقدّم شيخ الأزهر للجنة تقريراً عن جهود الأزهر لتنقية الكتب والمناهج الدراسية التي يتم تدريسها بالمعاهد الأزهرية وجامعة الأزهر بشكل يساهم في تفعيل ما أسماه قبول الآخر.
وأفادت المصادر بأن وفد اللجنة الأمريكية طالب طنطاوي بتشكيل لجنة لمراجعة وتنقية الكتب والمناهج الدراسة بالأزهر، وإلغاء تدريس الموضوعات التي تتناول عقائد الأديان الأخرى بدعوى أنها تحض على كراهية أتباعها، وأجاب شيخ الأزهر الوفد بأنه تم بالفعل تطوير وتحديث المناهج خلال الفترة الأخيرة. ومن المقرر أن يجتمع وفد اللجنة الأمريكية بعد ذلك مع محمود حمدي زقزوق وزير الأوقاف، ويبحث معه حالة التوتر الطائفي السائدة في مصر، ويتعرف منه على دور وزارته في التخفيف من حدة الاحتقان الطائفي وتفادي تكرار الحوادث الطائفية.
إلى هذا الحد من العمالة المفضوحة وصل النظام المصري في علاقته بأمريكا، وهو النظام الذي ما انفكت أبواق إعلامه تتحدث عن (الأمن القومي) المصري الذي لا يجرؤ أحد على المساس به، وعن (السيادة) المصرية التي لا يستطيع أياً كان اختراقها!!!.
فأن يُستجوب أعلى مرجع ديني رسمي في مصر من قبل لجنة (انجيلية توراتية) أمريكية، فهذا لم يحصل من قبل إلاّ في الدول المستعمَرة، أو في أشباه الدول التي تُعتبر بمثابة مزارع لواشنطن تقبع في حديقتها الخلفية.
وتأتي هذه الفضيحة الجديدة بعد تصريحات مصطفى الفقى، رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشعب، حول ضرورة موافقة الولايات المتحدة الأمريكية على رئيس مصر القادم، وعدم اعتراض (إسرائيل) عليه والتي أثارت دهشة وصدمة شديدتين في الشارع المصري، وكشفت عن حقيقة بالغة في الأهمية وهي أن تعيين الرؤساء في مصر يتوجب عليهم اكتساب الشرعية أولاً من البيت الأبيض لكي يتبوؤا منصب الرئاسة، وهي المرة الأولى التي يُصرَّح بها على هذا المستوى وبهذه الوقاحة.
إن هذه الفضائح تؤكد أن مصر( العريقة! ) لا يختلف وضعها كثيراً عن وضع هاييتي التي احتلتها أمريكا بعد الزلزال في سويعات معدودة، ولم يلق احتلالها لها أي اعتراض ذو بال، ولا يختلف وضعها كذلك عن جمهوريات الموز في أمريكا اللاتينية التي كانت الشركات الأمريكية في القرن الماضي تستغلها أسوأ استغلال، ولم يكن أحد يلومها على فعلها ذاك باعتبارها من الممتلكات الأمريكية.