ضمانات أوباما الوهمية لتركيا والعالم الإسلامي بخصوص راسموسن
اعترضت تركيا ومن ورائها العالم الإسلامي الأسبوع الماضي على تعيين رئيس الوزراء الدنماركي اندرس فوغ راسموسن أميناً عاماً جديداً لحلف شمال الأطلسي (الناتو) خلفاً للأمين الحالي الهولندي ياب دي هوب شيفر.
وجاء اعتراض تركيا –وهي عضو في الحلف- على راسموسن كونه شجَّع الصحف الدنماركية والأوروبية منذ العام 2006م على نشر الرسومات المؤذية بحق الرسول الكريم محمد r والمسيئة للإسلام والتي مسَّت بطريقة استفزازية بمشاعر مليار ونصف المليار من المسلمين في جميع أرجاء المعمورة.
لكن هذا الاعتراض لم يلبث سوى سويعات قليلة، وسرعان ما تم إسقاطه بمجرد أن تلقى رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان ما تم وصفه بضمانات (مبهمة) من الرئيس الأمريكي باراك أوباما، تم تفسيرها في الصحف التركية على أنها عبارة عن قيام راسموسن بتقديم اعتذار علني للمسلمين على تلك الإساءات في مؤتمر حوار الأديان الذي عُقد في اسطنبول مباشرة بُعيد تنصيبه في المنصب المذكور.
لم تصمد ضمانات أوباما إذاً وذهبت أدراج الرياح، وعُقد المؤتمر، ولم يعتذر راسموسن للمسلمين، بل إنه أكد وبكل وقاحة على استمراره في الدفاع عن موقفه من حرية التعبير، وبمعنى آخر أكد على إصراره على نشر الصور المسيئة بحجة حرية النشر (المقدسة) لدى الغرب ولو حملت في طياتها أشد الإساءات لرموز الأمة الإسلامية. وهكذا فقد تبين أن ضمانات أوباما لأردوغان ما هي سوى ضمانات وهمية كلامية فارغة من أي مضمون.
إن إصرار قادة الدول الكبرى الغربية على تعيين راسموسن كأمين عام لحلف الناتو يؤكد من جديد على حقيقة العداوة الأزلية التي يكنها الغرب للعالم الإسلامي، ويظهر مدى عمق الكراهية الدفينة عند قادة الغرب للمسلمين، لذلك لم يكن غريباً تصريح الرئيس الأمريكي أوباما واعترافه بأنه سعى بكل ما يملك من قوة لإسناد ذلك المنصب الحسّاس لذلك الحاقد لإغاظة المسلمين فقال: "بذلنا جهوداً كبيرة حتى يشعر كل شريك في الحلف بأنه جزء أساسي وغير مهمش". وأما الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي فوصف راسموسن بأنه: "أوروبي حتى النخاع" وهو ما يعني عنده أنه صليبي حتى النخاع، بينما قالت المستشارة الألمانية انجيلا ميركل عنه بأنه: "رجل يعكس انتصار قوة الصوت الواحد"، فيما اعتبر رئيس الوزراء الإيطالي سيلفيو برلسكوني اختياره للمنصب بأنه: "إنجاز شخصي له".
وهكذا فقد اجتمعت كلمة الزعماء الغربيين في هذه المسألة على قلب رجل واحد وتوحدت على اختيار راسموسن لقيادة الحلف ولمعاداة العالم الإسلامي به، وما أقوالهم تلك إلا دليل على ذلك العداء العقائدي التاريخي الدائم للمسلمين وما تخفي صدورهم أعظم.
وأما منتديات ومؤتمرات ما يُسمى بحوار الأديان أو ما تعرف بمجالس تعزيز الحوار بين الثقافات والديانات فقد تحولت إلى منابر حقيقية للطعن في الإسلام والاستخفاف بالمسلمين، ولا أدل على ذلك من أن ما جرى بعد مؤتمر اسطنبول- وكنتيجة من نتائجه أو كثمرة من ثماره- أن جمعية دنماركية قامت بُعيد انعقاد مؤتمر الأديان هذا مباشرة بإعادة نشر الرسومات المسيئة قاصدة تجديد إثارة غضب الشعوب الإسلامية، والاساءة لمئات الملايين من المسلمين. ثم وإمعاناً في الإساءة عرضت الجمعية المذكورة آلاف النسخ منها لبيعها في الدنمارك بمبلغ 250 دولار للنسخة الواحدة. وكذلك قامت منظمة يمينية دنماركية أخرى تُدعى "وقف أسلمة أوروبا" بإجراء مسابقة جديدة لنشر رسومات مسيئة أخرى علّق عليها راسموسن شخصياً بالقول إن حكومته "تحمي حرية التعبير".
إن ضمانات أوباما الكاذبة لأردوغان والتي قيل بأنها ستضمن معالجة التحفظات التركية على تعيين راسموسن لأمانة حلف الناتو ما كانت في الواقع سوى ضمانات لراسموسن ليستمر في نفث سمومه ضد العالم الإسلامي، وبدلاً من أن تجعله يعتذر للمسلمين زادته صلافة ووقاحة في المجاهرة بتحدي واستفزاز المشاعر الإسلامية.
إن على حكام تركيا – لو كانوا يملكون ذرة من إخلاص أو إرادة - ولو أرادوا فعلاً رد اعتبارهم، والحفاظ على ماء وجوههم بعد كل هذه الإهانات والصفعات التي تلقوها من قادة الغرب، عليهم أن يقوموا وعلى الفور بالانسحاب من حلف الناتو، وتصحيح خطأ تركيا القاتل هذا بالإعلان عن اعتذارهم للأمة الاسلامية على انتماء تركيا لهذا الحلف الصليبي طيلة الستين عاماً الماضية.
ولا شك بأن مثل هذا الانسحاب وذاك الإعلان – إن وقعا - فسوف يزلزلان الأرض من تحت أقدام أمريكا وأوروبا والعالم، وربما يؤديان إلى تغيير وجه الخريطة السياسية في أيام معدودات.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق