الخميس، 2 أبريل 2009

مؤتمرات القمم العربية بين المؤامرات والمزايدات


مؤتمرات القمم العربية بين المؤامرات والمزايدات

إن جميع مؤتمرات القمم العربية التي عقدت منذ قمة انشاص وحتى قمة الدوحة الأخيرة لم تخرج نتائجها عن واحد من أمرين: إما الإجماع على المؤامرات والخيانات، وإما الإغراق في الثرثرة والمزايدات.
فالمؤامرات الكبرى التي حاكها المستعمر الغربي للبلاد العربية قد تم إقرارها والإجماع عليها في مؤتمرات القمة العربية، ومن أشهر هذه المؤامرات اعتبار منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للفلسطينيين، وهو ما يعني تخلي الدول العربية عن تحرير فلسطين، وغسل أيديها من القضية الفلسطينية، والسير في مشاريع تصفيتها على مراحل.
ومنها مشروع الأمير فهد - الملك السعودي السابق فيما بعد- الذي تم إقراره في مؤتمر فاس والذي نص على الاعتراف الضمني بدولة يهود من قبل جميع الدول العربية لأول مرة، ومنها مشروع الأمير عبد الله – الملك السعودي الحالي - الذي تحول إلى المبادرة العربية، والتي أُقرت في مؤتمر بيروت عام 2002م ونصت على الاعتراف الرسمي والتطبيع الجماعي بكيان يهود من قبل جميع البلدان العربية والإسلامية.
وأما مؤتمرات القمم العربية التي خلت من الإجماع على المؤامرات فكان يغلب عليها الردح والسب وتبادل الشتائم والمزايدات الكلامية، ولعل المؤتمر الأخير الذي عقد الأسبوع الماضي في الدوحة أفضل مثال عليها، فقد كان مؤتمراً للخطابات الرنانة الجوفاء كخطاب الرئيس السوري بشار الأسد الذي زايد كثيراً على قوة الموقف العربي المعروف للقاصي والداني بهزاله وضعفه.
وقد كشف الرئيس الليبي معمر القذافي في هذا المؤتمر عن عمالة الملك السعودي بشكل صريح، ومع ذلك فقد لاقى ترحيباً حاراً من قبل رئيس المؤتمر أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني الذي ترأس بلاده المؤتمر، حيث خاطب القذافي الملك عبد الله بن عبد العزيز قائلاً له: "أُريد أن أطمئنك بأن لا تخاف، وأقول لك بعد ست سنوات ثبت أنك أنت الذي الكذب وراءك، والقبر أمامك، وأنت هو الذي صنعتك بريطانيا وحاميتك أمريكا ... واحتراماً للأمة أعتبر المشكل الشخصي الذي بيني وبينك قد انتهى، وأنا مستعد لزيارتك وأنك أنت تزورني"، - ومصدر هذا النص مأخوذ عن وكالة الأنباء الليبية الرسمية-.
ولم يعترض الملك السعودي ولا أي زعيم آخر في المؤتمر على كلام القذافي هذا، وهو ما يعني أن قوله: "وأنت هو الذي صنعتك بريطانيا وحاميتك أمريكا" هو قول مقبول وعادي بالنسبة للزعماء العرب، وكان الشيء الذي تخوف منه أمير قطر هو أن يقوم القذافي بالشتم والسباب وليس باتهام الملك بالعمالة، فالعمالة عندهم وفقاً لهذا المشهد أصبحت من البديهيات الشائعة المسلم بها.
ومن أمثلة التهريج الذي جرى في هذا المؤتمر أيضاً قول القذافي عن نفسه: "أنا عميد الحكام العرب وملك ملوك أفريقيا وإمام المسلمين ... مكانتي العالمية لا تسمح لي بأن أتنازل لمستوى آخر"، وبعد قوله هذا ضجت القاعة بالتصفيق، واعتذر أمير قطر للقذافي على مقاطعته فقال له: "أنا أعتقد يا أخ معمر يمكن أنني فهمت خطأ وأنا أعتذر أمام الإخوة الملوك والرؤساء وأشكرك على كلماتك الموفقة".
إلى هذا المستوى من الهبوط الذي لا يحتاج إلى تعليق وصلت كلمات الزعماء العرب، وإلى هذا المستوى المتدني بلغ تفكيرهم!! فهذه المؤتمرات أصبحت مؤتمرات شخصية، والمهم فيها هو تقليل المشاحنات الشخصية إلى الحد الأدنى، أما قضايا الأمة الحقيقية فليست واردة أصلاً على جدول الأعمال، وإن تم التذكير بها فتكون من خلال بيانات إنشائية عقيمة لا تقدم ولا تؤخر.
لقد تحولت تلك المؤتمرات بالفعل إلى مناسبات سنوية للتهريج والثرثرة والمزايدات، ولا تتحدث عنها وسائل الإعلام إلا قبل انعقادها، أما بعد انتهائها فلا أحد يتكلم عن نتائجها لأنه لا يتمخض عنها عادة أية نتائج ذات قيمة، وأما إذا كانت هناك مؤامرات يراد الإجماع عليها فتتحول إلى قرارات دولية ملزمة كما حصل مع مؤامرة المبادرة العربية، وتُشحن بها وسائل الاعلان لفترة طويلة.

ليست هناك تعليقات: