الخميس، 13 نوفمبر 2008

منطقة الخليج البقرة الحلوب

منطقة الخليج البقرة الحلوب
تعليق سياسي
حسب وكالة الأنباء الكويتية (كونا) للأنباء خسرت دول الخليج في الأزمة المالية الحالية (1800) مليار دولار من قيمة أموالها المودعة في دول الغرب، وخسرت أسواقها المالية أكثر من (200) مليار دولار بسبب ارتباطها بالأسواق الأمريكية والأوروبية. ولم تلتفت زعامات الدول الخليجية إلى هذه الخسائر الجسيمة في أموال الخليجيين، ولم تلقِ بالاً لها، بل إن أبواق إعلامها والمحللين الماليين فيها أنكروا وجود أية خسائر، وضلَّلوا الرأي العام بزعمهم أن اقتصاديات هذه الدول لم تتأثر بالأزمة، مع أن الأزمة عالمية والكل يعلم أنها أثرت على الجميع، ولم توفر أياً من الأسواق المالية المتشابكة مع بعضها البعض بفعل العولمة.
نعم، لم يقتصر دجل الدول والمشيخات الخليجية على إنكار وجود الخسائر وحسب، بل إن تلك المشيخات سارعت في الاستجابة لطلبات الأسياد الأمريكيين والأوروبيين بدفع المزيد من الأموال لتعويض خسائرهم، ففي زيارة غوردن براون رئيس الوزراء البريطاني القصيرة للدول الخليجية جمع مئات المليارات لمساعدة الاقتصاد البريطاني المتداعي بسبب الأزمة، فقد وقع مرافقو براون مع السعوديين والخليجيين صفقات بقيمة مليار دولار، وتعهد الشيخ منصور بن زايد آل نهيان [مالك نادي مانشستر سيتي الرياضي] تعهد بشراء 16,3% من أسهم بنك باركليز البريطاني بقيمة 3,5 مليار دولار، كما تعهدت مؤسسات قطرية أخرى بدفع مبلغ 2,3 مليار دولار لشراء أسهم في هذا البنك المنهار.
وبالإضافة إلى هذه الأموال الطائلة التي جنتها بريطانيا من خلال زيارة براون القصيرة لدول الخليج فقد طلب براون منها أن تلتزم بدفع أكثر من ترليون دولار من صناديقها السيادية لدعم صندوق النقد الدولي وهو الأمر الذي أثار غيظ الرئيس الفنزويلي على هذه السرقات المكشوفة من قبل أمريكا وبريطانيا للأموال العربية فقال: "إن هذا أمر غير أخلاقي". وبينما تتحرق الشعوب العربية والإسلامية غيظاً على هدر الأموال الخليجية لتعويض خسائر الرأسماليين الأمريكيين والأوروبيين التي لحقت بهم بسبب الأزمة الرأسمالية العالمية ينشغل الملك السعودي عبد الله بن عبد العزيز بمؤتمر حوار الأديان في نيويورك ويتناول مأدبة العشاء مع رئيس الكيان اليهودي شمعون بيريس على شرف الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون. فأموال المسلمين تهدر وتخرج إلى بلدان الغرب بلا رجعة، بينما ملوكهم يلهون بمؤتمرات سقيمة لا تسمن ولا تغني من جوع.
لقد كان الأولى بهؤلاء الحكام لو كان عندهم ذرة من كرامة أو عزة أن يفرضوا حضورهم بقوة على العالم في هذه الأزمة العالمية، كونهم يحكمون دولاً تملك ثروات نفطية هائلة يمكن أن تعكس قوة دولية سياسية كبرى في الميزان الدولي تتناسب مع قوتهم المالية الضخمة، لكن هؤلاء الحكام العملاء (الأغرار) لم يفلحوا في القيام بأي دور فاعل في المجتمع الدولي سوى دور (البقرة الحلوب) التي يتسابق جميع (الأسياد المستعمرون) على حلبها .
قد يقول قائل إن هؤلاء الحكام ضعفاء وعاجزون عن القيام بمثل هذا الدور الدولي الفاعل، قد يقول قائل ذلك، لكن الجواب على قوله هذا أن هؤلاء ليسوا ضعفاء بسبب ضعف بلدانهم وشعوبهم، ولكن ضعفهم آت بسبب رفضهم للانعتاق من ولاء الدول الكبرى، ولو أرادوا الانعتاق والتحرر من قبضة الدول الكبرى لاستطاعوا، فالأمر ليس صعباً ولا معقداً، فهذا شافيز الرئيس الفنزويلي، وموراليس الرئيس البوليفي، وحكام دول أخرى كثيرة أقل شأناً من السعودية، قد نجحوا وتحرروا من سيطرة الأجنبي، فاتخذوا قرارات سيادية، وطردوا السفراء الأمريكيين، وقطعوا صلتهم بالسياسات الأمريكية الاستعمارية، وأصبحوا يملكون نفوذاً أكبر وتأثيراً أعظم في العلاقات الدولية، ولم تغزوهم أمريكا ولم تستطع فعل شيء ضدهم.فالمسألة بالدرجة الأولى مسألة إرادة وتصميم وليست مسألة قوة وضعف.
إن دولاً كالهند وكوريا الجنوبية والبرازيل أصبحت من الدول ذات الاقتصاديات الصاعدة بينما دولنا العربية والمسلمة ما زالت ترجع القهقرى بسبب عمالة حكامها وجبنهم। لقد كانت هذه الدول الصاعدة قبل خمسين عاماً أقل غنىً وقوة وشأناً من مصر أو السعودية أو غيرها من البلدان الإسلامية، لكنها اليوم أصبحت قوىً مؤثرة نافذة تطالب بوجود مقاعد دائمة لها في المؤتمرات الدولية المهمة، و أصبحت الدول العظمى تحسب لها حساباً، وتقبل بمنحها شيئاً من النفوذ في المؤسسات المالية الدولية.
وهكذا يمكن لأي دولة مهما كانت صغيرة وفقيرة أن تفرض حضوراً قوياً لها في المحافل الدولية إذا امتلكت إرادة التغيير، وإذا كان حكامها يعملون بإخلاص لنهضة ورفعة شعوبهم، ولكن حكام البلدان العربية والإسلامية الذين يقودون دولاً كبيرة ثرية بالموارد ، وشعوباً لها حيوية نادرة، تملك حضارة عالية ، ولكن هؤلاء يأبون إلا السير والاستمرار في نهج المذلة والخيانة والاستسلام، وهم بسيرهم هذا يُسرِّعون على شعوبهم التحرك السريع للاطاحة بهم، ويسهلون عليها إقصاءهم، وإيصالهم إلى مصيرهم المحتوم المعروف، وجعلهم بين عشية وضحاها نسياً منسياً.

ليست هناك تعليقات: