الأربعاء، 5 نوفمبر 2008

عودة الصراع في الكونغو بين الأميركيين والأوروبيين



عودة الصراع في الكونغو بين الأميركيين والأوروبيين
تحليل سياسي

تقع الكونغو في قلب القارة الأفريقية، وهي من أكبر الدول الأفريقية اتساعاً، و تعادل مساحتها مساحة القارة الأوروبية بأكملها، وموقعها المتوسط في أفريقيا جعلها في مركز دائرة متسعة من التأثير، بحيث تؤثر وتتأثر بدول جنوب القارة الأفريقية ودول الصحراء، وبدول شرق القارة ودول غربيها.
كانت الكونغو حتى العام 1960 تحت حكم الاستعمار العسكري البلجيكي، وبسبب الضغط الأميركي الشديد في حقبة الحرب الباردة على المستعمرين الأوربيين، اضطرت بلجيكا كغيرها من الدول المستعمرة الأخرى إلى اجلاء قواتها منها، ومنحها الاستقلال. ونظراً لضعف المكانة الدولية لبلجيكا، فقد حلّت بريطانيا محلها في ربط الكونغو بها، وفي تنصيب حكام عسكريين يتبعون لبريطانيا وأوروبا، لمقاومة النفوذ الأميركي الجديد في أفريقيا.
دعمت الدول الأفريقية المستقلة حديثاً في العام 1960 باتريس لومومبا ليكون أول رئيس ينفصل عن المستعمر الأوروبي القديم، ودعمته أميركا واصبح له شعبية كبيرة. إلاّ أن عدم وجود خبرة لديه، ولدى أميركا وعملائها في أفريقيا، مكّن عملاء بريطانيا وأوروبا من التمرد عليه والإطاحة به، وقتله.
وتمكنت بريطانيا بعد ذلك من إيصال عميلها موبوتو الى سدة الحكم، فضبط الأوضاع في الكونغو، واستمر في السلطة لأكثر من ثلاثين عاماً، وفي نهاية التسعينات وبعد سقوط الحكام التابعين لفرنسا في رواندا وبوروندي وهيمنة الحكام الموالين لأميركا فيهما وفي أوغندا من قبل،عاد الثوار المدعومين من هذه الدول لغزو الكونغو، والاطاحة بموبوتو مستخدمين متمردين ينحدرون من قبائل التوتسي الحاكمة في تلك الدول، وكاد المتمردون أن يسيطروا على البلاد ويهزموا قوات موبوتو لولا أن بريطانيا أدخلت لوران كابيلا أحد عملائها السابقين المخضرمين الذي كان يعارض موبوتو ليقود المتمردين، ونجح كابيلا وميليشياته بالفعل في تزعم الثورة، وقاد كابيلا متمردي التوتسي ضد حكم موبوتو وأطاح به، ونصّب نفسه حاكماً ديكتاتوراً على البلاد، والتف بذلك على رجال أميركا المعارضين للنفوذ البريطاني والأوروبي، وأبعدهم جميعاً عن السلطة.
وعندما طالبه متمردو التوتسي لاشراكهم في الحكم رفض طلبهم، فعادوا لمواجهته، وحملوا السلاح في وجهه، فاستعان كابيلا بمتمردي الهوتو ليتمكن من هزيمتهم، وهكذا عادت الحرب الأهلية لتندلع مرة ثانية في شرق الكونغو.
وبعد ثلاث سنوات من حكمه، تمكنت المعارضة من اغتياله أملاً في الاطاحة بالنفوذ البريطاني والأوروبي من الكونغو كلياً، إلاّ أنها لم تنجح في ازاحة جماعته من السلطة، وخلفه في الحكم ابنه جوزيف كابيلا، واستمرت الحرب سجالاً في شرقي الكونغو بين المتمردين من التوتسي المدعومين من رواندا بشكل خاص وبين الجيش الحكومي الكونغولي المدعوم من ميليشيات الهوتو المعارضة لرواندا، والمكونة من اللاجئين الروانديين من تلك القبائل. ووقعت اتفاقية سلام بين الطرفين وهدات الحرب قليلاً لكنها سرعان ما عادت لتشتعل من جدبد.

إن زعيم التمرد في شرق الكونغو لوران نكوندا لا شك بأنه يعمل بإسناد من دولة رواندا المجاورة، فهو ينحدر من قبائل التوتسي التي تحكم في رواندا، وذكرت صحيفة الغارديان البريطانية إن نكوندا كان قد التحق بالجبهة الوطنية الرواندية بزعامة الرئيس الرواندي الحالي بول كيغامي إبان الحرب التي وضعت حداً لمذابح العام 1994م.
وقيام وزيرا خارجية بريطانيا وفرنسا بزيارة رواندا بعد زيارتهما للكونغو تؤكد ضلوع رواندا في دعم نكوندا بالرغم من أنها تنفي ذلك رسمياً. فرواندا دولة تابعة لأمريكا منذ استيلاء قبائل التوتسي على الحكم فيها في العام 94م وطرد قبائل الهوتو منها والتي كانت فرنسا تدعمها، وتعتمد عليها في بقاء نفوذها في تلك المنطقة.
وقد استعان الرئيس الكونغولي الحالي جوزيف كابيلا بقبائل الهوتو المنفيين من رواندا للوقوف أمام قبائل التوتسي المدعومين منها، واستعانته هذه أعطت المبرر لرواندا بالتدخل في الشؤون الكونغولية بحجة أن قبائل الهوتو تسعى للعودة إلى حكم رواندا انطلاقاً من شرق الكونغو. وهذا ما يفسر تصريح رئيس التمرد نكوندا الذي رفض إرسال قوة أوروبية إلى شرق الكونغو فقال: "إذا كان الهدف من هذه القوة تثبيت أقدام متمردي الهوتو الروانديين فلن نوافق عليها"، فتصريحه هذا فيه غمز بالأوروبيين كونهم يدعمون الكونغو ويدعمون قبائل الهوتو ضد رواندا وضد قبائل التوتسي.
إن بريطانيا وفرنسا تلوحان بإرسال قوات أوروبية إلى الكونغو لمنع اكتساح نكوندا الأراضي الكونغولية خاصة وأنه هدّد بالزحف على العاصمة كينشاسا إن لم تتفاوض معه حكومة كابيلا.
وأما كابيلا فما زال يرفض التفاوض مع نكوندا ويُصر على تطبيق اتفاقية السلام الموقعة قبل عام في نيروبي بين دولتي الكونغو ورواندا، فهو لا يريد الاعتراف بحركة المتمردين ويصر على التعامل مع الدول أي مع رواندا نفسها.
إن بريطانيا يدأت تخشى بالفعل على عميلها كابيلا منالسقوط، لذلك ليس غريباً أن يقول وزير خارجيتها : "إن الاتحاد الأوروبي سيرسل قوات إلى جمهورية الكونغو الديمقراطية كحل أخير إذا ما كانت هناك حاجة لتعزيز قوة الأمم المتحدة المنتشرة هناك حالياً مع فشل جهود السلام". وتشارك فرنسا بريطانيا نفس المخاوف خاصة وان لفرنسا نفوذ ثقافي واقتصادي كبيرين في الكونغو. وحاول وزيرا خارجية بريطانيا وفرنسا ديفيد ميليباند وبرنار كوشنير في زيارتهما للكونغو ورواندا أن يعملا على ضرورة تطبيق اتفاقية نيروبي لتجنب القتال، ولمحا صراحة إلى إرسال قوات مسلحة في حال رفض المتمردون الالتزام بعملية السلام وشنوا هجوماً بقيادة نكوندا ضد الكونغو .
إن جميع التصريحات الأوروبية حول الأزمة الحالية تم تغليفها بكل خبث بغلاف الأوضاع الإنسانية المتفاقمة، ففي بيانهما المشترك الذي أصدره ميليباند وكوشنير جاء فيه أنهما أصبحا على يقين "بضرورة إنهاء الحرب الدائرة وتحسين الظروف المعيشية للسكان المحليين"، ومن ناحيته ضخّم رئيس الحكومة البريطانية غوردون براون من خطورة الأوضاع الانسانية في شرق الكونغو فقال: "إن على المجتمع الدولي الحيلولة دون أن تتحول الكونغو إلى رواندا جديدة" في إشارة إلى مذابح عام 1994 التي راح ضحيتها (800000) من سكان رواندا من قبائل التوتسي والهوتو على حد سواء.
أما بالنسبة للسياسة الأمريكية في الكونغو فإنها تدعم رواندا بوضوح في موقفها من متمردي الهوتو الموحودين شرق الكونغو، ولا تؤيد بالطبع إرسال قوات أوروبية، وتكتفي بدور القوات الأممية العاجزة الموجودة في المنطقة للحفاظ على أمن السكان لتعطي لقوات نكوندا الفرصة في القيام بالسيطرة على الكونغو تدريجياُ، وقد صرّحت مساعدة وزيرة الخارجية الأمريكية للشؤون الأفريقية جينداي فريزر بهذا المعنى فقالت بأنها تؤيد فكرة "تعزيز قوة الأمم المتحدة في الكونغو".
إن هذا التحرك السريع من بريطانيا وفرنسا في التعامل مع هذه الأزمة، ودعوة وزيري خارجيتهما إلى اتخاذ إجراءات فورية للتعامل معها، يدل على أن الوضع في الكونغو بات يشكل خطراً حقيقياً على وجود النفوذ الأوروبي برمته في المنطقة، وأنه لا بد من التحرك الأوروبي السريع للدفاع عن ذلك النفوذ، بينما عبّر الموقف الأميركي المتواطئ مع نكوندا عن الارتياح لما يجري في شرق الكونغو.
لقد بات الحزام الشرقي للكونغو والذي يتكون من ثلاث دول تابعة لأمريكا وهي: رواندا وأوغندا وبوروندي، وهذه الدول الثلاث تحكمها قبائل التوتسي التي تكره فرنسا واوروبا، وتحملها مسؤولية المجازر التي وقعت فيها في العام 94، بينما وجدت أميركا الفرصة في احتضانها وتبنيها ودعمهامن العام، و تمكنت أميركا من خلالها أن تشكل حائطاً قوياً للنفوذ الأمريكي في قلب القارة الأفريقية، بحيث أصبح المتمردون ينطلقون من هذه الدول لغزو الكونغو للإطاحة بالنفوذ البريطاني والفرنسي فيها.
وما زاد الطين بلة على الأوروبيين أن أمريكا باتت تستخدم الصين في مزاحمة النفوذ الأوروبي، فقد لوحظ أن الحضور الصيني بدأ يتزايد في مناطق النفوذ الأمريكي بشكل خاص كالسودان وكغيره من المناطق الأفريقية التي يغلب عليها النفوذ الأمريكي الواضح، ومن هذه المناطق شرقي الكونغو التي يسيطر عليها المتمردون التابعون لرواندا. قال توم كارغيل مدير برنامج أفريقيا بمركز شاتام هاوس في بريطانيا: "يوجد لنكوندا مساعدون متمرسون في العلاقات العامة يقولون إن الغرب شديد الارتياب في نوازع الصين. وقد يكون بإمكاننا إفشال بعض جهود المعارضة ضدنا بالقول إننا نتصدى للصينيين باسم الشعب الكونغولي"، وذكرت صحيفة ذي غارديان أن أكبر صفقة للصين في أفريقيا تقدر بخمسة مليارات من الدولارات لاستخراج المعادن مقابل مشاريع للبنى التحتية تقوم بها الصين في المنطقة.
وخلاصة القول ان دول وسط أفريقيا التابعة لأميركا شرعت في إعداد قوات عسكرية من المعارضة الكونغولية التي تنحدر من أصول توتسية لإسقاط كابيلا في المستقبل القريب، ولتحويل الكونغو وهي أكبر دولة أفريقية من حيث المساحة إلى النفوذ الأمريكي، مستعينة بالحضور الصيني الاقتصادي، بينما تبذل بريطانيا وفرنسا قصارى ما بوسعهما من إمكانات سياسية وعسكرية لمنع حصول ذلك، وسيستمر الصراع بين الطرفين محتدماً، فتستعين الكونغو بدول جنوبي القارة الأفريقية التابعة لبريطانيا كزامبيا وزيمبابوي وجنوب أفريقيا، وتستعين رواندا بأوغندا وبوروندي التابعتين لأمريكا لتقوية المتمردين المنحدرين من قبائل التوتسي التي تحكم في تلك البلدان.

هناك 8 تعليقات:

غير معرف يقول...

وكذلك الامر في زيمبابوي حيث المعارضة هناك تحاول الاشتراك في سلطة الحكومة الموالية لبريطانيا بقيادة موغابي بينما قام حزب موغابي بحملة عنف ضد المعارضة كما جاء في خبر نشرته وكالة الاسوشيتدبرس الامريكية ونصه مترجما"الآمال بحكومة مشتركة متعددة القوى اصبحت منتهية بسبب قيام حزب موغابي بموجة عنف ضد المعارضة"
http://news.yahoo.com/s/ap/20081106/ap_on_re_af/af_zimbabwe

غير معرف يقول...

الخبر موجود على الرابط

http://news.yahoo.com/s/ap/20081106/ap_on_re_af/af_zimbabwe

غير معرف يقول...

http://news.yahoo.com/s/
ap/20081106/ap_on_re_af
/af_zimbabwe

غير معرف يقول...

وكذلك خبر من رويترز الذي يقف مع تسفانغيراي المعارض لموغابي.
http://www.reuters.com/
article/worldNews/
idUSTRE4A55LZ20081106?feedType=RSS&feedName=worldNews

احمد الخطواني يقول...

نعم، الصراع ازداد حدة بين الاميركيين والاوروبيين في هذه الفترة بالذات، فكأن اميركا مصممة على ازاحة عملاء بريطانيا وفرنسا من افريقيا بكل ما تملك من امكانيات، ولا مجال للحلول الوسط عندها، لدرجة انها اصبحت تستخدم الصين في صراعها.

غير معرف يقول...

للعلم فان دولة الكونغو هي اكبر مصدر في العالم للكوبالت وهي مصدر رئيسي للنحاس والماس. ويوجد في الكونغو كميات كبيرة من مادة التنتالوم التي تدخل في صناعة الرقائق الالكترونية.
في الكونغو منجم لويلي للمعادن الذي تملكه شركة كاتانغاالمحدودة ومركزها لندن وهذا المنجم له قدرة انتاجية سنوية تقدر بـ 175 الف طن من النحاس و 8 آلاف طن من الكوبالت ولهذه الشركة اكبر مصفاة كوبالت في العالم هناك.
حسب تقرير موثق من الامم المتحدة فان تصدير التنتالوم من قبل الميليشيات التي تقاتل الحكومة هو احد مصادر تمويلها عسكريا لحرب لحكومة والذي ادى الى نشوب حروب متعددة في الكونغو ادت الى مقتل 5.4 ملايين شخص منذ 1998 مما يجعلها اكبر حصيلة قتلى منذ الحرب العالمية الثانية.

المصدر:
http://en.wikipedia.org/wi
ki/Democratic_Republ
ic_of_the_Congo

غير معرف يقول...

"وما زاد الطين بلة على الأوروبيين أن أمريكا باتت تستخدم الصين في مزاحمة النفوذ الأوروبي، فقد لوحظ أن الحضور الصيني بدأ يتزايد في مناطق النفوذ الأمريكي بشكل خاص كالسودان وكغيره من المناطق الأفريقية التي يغلب عليها النفوذ الأمريكي الواضح،"
اذا عرف السبب بطل العجب - احدى الجزرات التي تمدها امريكا للصين هو بترول العراق - فقد ذكرت صحيفة نيويورك تايمز اليوم ان الصين وقعت مع العراق عقدا لامداد الصين بالنفط قيمته 3.5 مليار دولار امريكي وهو اكبر عقد توقعه العراق منذ احتلالها.

رابط الخبر:
http://www.nytimes.com/
2008/11/12/world/middleeast/12
crude.html

غير معرف يقول...

تعادل مساحتها مساحة القارة الأوروبية بأكملها، !!!