الثلاثاء، 28 أكتوبر 2008

حوار الفصائل أم حوار المصالح أم حوار الطرشان

حوار الفصائل أم حوار المصالح أم حوار الطرشان
تحليل سياسي
سبق للقاهرة قبل عام أو عامين أن دعت جميع الفصائل الفلسطينية للحوار، وكانت دائماً تحاول الاستعانة بتلك الفصائل لإيجاد المصالحة بين فتح وحماس، ولكن لم تنجح وقتها من تحقيق ذلك الهدف. فما الذي جدّ اليوم لمعاودة المحاولة؟. إننا لو استثنينا حركة الجهاد من التنظيمات الفلسطينية فإن سائر الفصائل الأخرى لا وزن سياسياً لها، وحجمها جميعها باستثناء حركة الجهاد بالكاد لا يشكل أكثر من 5 % من حجم المجموع الفصائلي مجتمعة، وعليه فهذه الفصائل الفلسطينية الصغيرة لا تأثير لها في المفاوضات، وهي مجرد ديكور ليس إلا، وإقحامها في المفاوضات لا يقدم ولا يؤخر، ومن العبث، بل ومن تضييع الجهود دعوتها للحوار.
أما رعاية الجامعة العربية للحوار فكذلك لا ينبغي أن يُعول عليه كثيراً، والجديد في هذه الدعوة فقط كون الجامعة داعمة من ناحية شكلية للمبادرة المصرية، فجلب الجامعة للرعاية هي محاولة مصرية فاشلة للاستقواء بها، ومعروف أن استقواء الضعيف بالأضعف منه يزيده ضعفاً على ضعفه، ولا يمنحه أية قوة تُذكر.
على أن واقع الرعاية المصرية للحوار ما هي سوى وكالة من أميركا للنظام المصري ليقوم بملء الفراغ الناشئ عن غياب الدور الدولي الفاعل لانشغال أميركا بانتخاباتها وبأزمتها المالية، وما هذه الجهود المصرية التي تُبذل في المصالحة ويُطبل لها في وسائل الإعلام، سوى مجرد جهود محلية لا يُراد منها أن تحقق أي هدف سياسي حقيقي في المنطقة، سوى إشغال الشعوب بالحديث عنها، ريثما تتفرغ الإدارة الأميركية الجديدة لمعالجتها، وهي بالتالي جهود عقيمة، ضائعة، لا جدوى منها ولا قيمة لها.
وأما الموقف السعودي من الحوار ومن المصالحة بين فتح وحماس فهو مغاير للموقف المصري ومنافس له في نفس الوقت، والسعودية بقيادة الملك عبد الله لها توجهات سياسية بريطانية تختلف عن توجهات السياسات المصرية الأميركية، وكل الذي تريده السعودية من حوار الفلسطينيين في هذه المرحلة هو فقط محاولة إبعاد حماس عن إيران وسوريا وحزب الله بقدر المستطاع، وذلك بغض النظر أنجحت المصالحة أم فشلت؟، فيما تُركز مصر جهودها على إثبات دورها الإقليمي المتآكل في المنطقة.
أما بالنسبة لرجال السلطة فمحمود عباس وسلام فياض كلاهما من أجراء أميركا المنغمسين حتى النخاع في سياساتها، وكلاهما يسيران معاً في نفس الخط ،وما يُشاع عن الاختلاف بينهما لا يعدو كونه اختلا فاً تنظيمياً فقط .
وأما موقف حركة حماس من الحوار مع فتح والسلطة فإن تصرفاتها على الأرض لا تختلف عن تصرفات عباس وسلطته من حيث تخريب الحوار، وكلاهما لا توجد لديه لا الرغبة ولا الجدية في المصالحة، وكلاهما يريدانه أن يكون مجرد حوار إعلامي لتسجيل المواقف وللردح ليس إلا. وبخصوص النقاط التي تضمنتها الورقة المصرية فهي نقاط عامة، وعند الدخول في تفاصيلها تبرز الهوة العميقة بين الطرفين والتي يستحيل الجسر بينها.
وأما بالنسبة للضغوط الدولية والعربية على حماس لحملها على الرضوخ لسلطة عباس فهي مجرد ضغوط كلامية، ولا يظهر في الحقيقة أي تضييق مالي على حماس، وهي تبدو مدعومة مالياً وإعلامياً أكثر من فتح، والكلام عن حشرها في الزاوية، وإسقاطها من السلطة هو مجرد أوهام، فالمستقبل في الساحة الفلسطينية لحماس أكثر من فتح ومن سائر التنظيمات الأخرى، ولو أرادوا إسقاط حماس لما انتظروا عليها حتى الساعة، وحماس من جهتها تُدرك أنها لاعب مهم في الساحة، وأنها وجدت لتبقى، وأن "المجتمع الدولي" سيتعامل معها في المستقبل، وهي بالتالي لا تخشى من الضغوطات العربية الرسمية الهزيلة عليها.
وأما قيام السلطات المصرية بتدمير عشرات الأنفاق بين شطري الحدود فهو ليس بالشيء الكثير، فهناك الآلاف منها، والنظام المصري يعلم ذلك وتعلمه كذلك دولة يهود، والقطاع المصري التجاري لا يقل استفادة من الأنفاق عن حركة حماس وعن أهل غزة. فالوضع الاقتصادي في غزة اليوم وعلى خلاف ما يُشاع عنه، فإنه وضع منتعش نسبياً بسبب الأنفاق، وكل المعنيين بالأمر يغضون الطرف عن هذه الأنفاق، ولو كانوا جادين لتم إغلاقها منذ وقت طويل.
على أن حركة حماس تملك ورقة رابحة أخرى وهي ورقة الجندي شاليط، بينما المصالحة هي ورقة دعاية فارغة لا فائدة تُرجى منها، لذلك فإن حماس تعرف ما هي الأوراق العملية المهمة التي بجعبتها، والتي يجب عليها أن تلعب بها. ولا يُتوقع بالتالي زيادة الضغوط على حماس في المدى المنظور، بل المتوقع زيادة الضغوط على فتح وعلى سلطة عباس خاصة بعد انتهاء مدة سلطته الدستورية في 9/1/2009.
وأخيراً يمكن القول إن قيام حماس بإحكام سيطرتها الأمنية على القطاع، وقيامها مؤخراً بقتل ثلاثة عشر عنصراً من عائلة دغمش الداعمة لجيش الأمة، إن ذلك يمنح حماس تزكية دولية جديدة، كونها تحارب التنظيمات المسلحة لا سيما المقربة منها من القاعدة، وهذا وبالتالي يمنحها المزيد من الشرعية الدولية والاعتراف الدولي، بينما تتعثر سلطة عباس في تحقيق أي إنجاز شعبي يذكر على الأرض، بل إن ما يقوم به دايتون من نشر العناصر الأمنية الفلسطينية في البلدات الفلسطينية لقمع المقاومين، واعتقال المسلحين يزيدها كرهاُ بين الناس، ويحولها في نظرهم إلى ما يشبه ميليشيات لحد، أو صحوات العراق أو حكومة الصومال التابعة للاحتلال.

ليست هناك تعليقات: