الثلاثاء، 19 أغسطس 2008

تعليق سياسي/ سقوط مشرف ونهاية طاغية



سقوط مشرف ونهاية طاغية

بعد تناحر سياسي مرير على السلطة دام عدة أشهر بين الرئيس الباكستاني برويز مشرف وبين حكومة تحالف حزبي الشعب الباكستاني والرابطة الإسلامي برئاسة عاصف زرداري ونواز شريف، تمكّنت حكومة التحالف من إسقاط مشرف الذي اضطر لتقديم استقالته يوم الاثنين الماضي و أجبر على الخروج من الحياة السياسية نهائياً بطريقة مهينة.
إنّ حكومة التحالف هذه لم تستطع الإطاحة بمشرف لولا دعم الأميركيين لها، فقد نسّقت هذه الحكومة وعلى أعلى المستويات جميع خطواتها مع الإدارة الأميركية، وطلبت منها منع مشرف من استخدام صلاحياته الدستورية بحلها وحل البرلمان، وقام رئيس الحكومة الباكستانية بزيارة واشنطن، واستقبله الرئيس الأميركي جورج بوش في البيت الأبيض بحفاوة بالغة، فكانت زيارته تلك بمثابة إشارة البدء في انطلاق سيناريو إقصاء مشرف عن سدة الحكم.
لقد أدركت الإدارة الأميركية في الآونة الأخيرة أن مشرف أصبح عبئاً عليها، وأن أسلوب الحكم الثنائي بين العسكريين والمدنيين في باكستان لم ينجح كما خُطط له، حيث كان يُفترض أن تعضد الحكومة المنتخبة حكم مشرف، وأن يتعاونا معاً في محاربة الإسلاميين الذي استفحل أمرهم في باكستان وأفغانستان بحسب المخطط الأميركي، لكنّ الخصام والعداوة بينهما قد أرهقت كليهما، فأصبح الطرفان عاجزين مشلولين لم يتمكّنا من انجاز تلك المخططات، لذلك كان لا بد من التخلص من أحدهما، فرأت الإدارة الأميركية أنّ الأفضل لها والأسهل التخلص من مشرف كونه استفرغ الوسع في خدمة المصالح الأميركية ولا يستطيع تقديم المزيد، وكون الشعب الباكستاني قد ملّه وسأم من خياناته المفضوحة طوال سنوات حكمه التسع الماضية. ورأت الإدارة أنّ استمرار وجوده في السلطة بات يشكّل حجر عثرة أمام تحقيق الأهداف الأميركية في المنطقة، ولعل أكبر دليل على ذلك يكمن في ازدياد تعاظم قوة طالبان في أفغانستان، وإلحاقها المزيد من الخسائر بقوات الإحتلال الأميركية بحيث باتت تشكّل أخطاراً محدقة حقيقية ليس على جنود الإحتلال وحسب، بل وعلى وجود قوات الناتو نفسها في أفغانستان. كما أنّ التحديات في الباكستان نفسها قد تصاعدت بفضل ازدياد قوة الحركات الإسلامية فيها خاصة في منطقة القبائل الحدودية.
لهذه الأسباب الجيوسياسية رجّحت أميركا كفة حكومة التحالف على كفة مشرف شريطة التزامها بما التزم به مشرف من قبل من محاربة الإسلاميين وموالاة الأميركيين. وبشكل عاجل قامت الحكومة بترجمة التزامها هذا على الأرض فزجّت بالجيش الباكستاني في أتون معارك طاحنة ضد المجاهدين في باجور وسوات قُتل فيها المئات وشُرّد بسببها مئات الآلاف عن منازلهم وهاموا على وجوههم لا يجدون مأوى ولا طعاماً. وبعد أن قامت الحكومة بهذه الجريمة النكراء نالت رضا الأميركيين على الفور، وتبع ذلك تقديم مشرف لاستقالته مباشرة .
هذه هي مكافئات أميركا لعملائها، فهي تسلمهم السلطة المشروطة إذا نجحوا بأداء الأدوار الموكلة لهم، وتركلهم منها إذا فشلوا أو تعثروا في أدائها غير مأسوف عليهم. فهذا الطاغية مشرف لم يسبقه أي رئيس في الباكستان من قبل وتجرّأ على القيام بما قام به من فظاعات وخيانات وجرائم ومع ذلك فقد طُرد من الحكم مذموماً مخذولاً.
لقد كان مشرف أول رئيس باكستاني يتخلّى عن كشمير ويعتبرها أراض هندية، ويُطالب لها فقط بحكم ذاتي، ويُسقط حتى القرارات الدولية التي تعتبر كشمير الخاضعة للهند أراض محتلة.
وهو أول رئيس يُغلق معسكرات المجاهدين الكشميريين على الأراضي الباكستانية.
وهو أول رئيس يفتح بلاده على مصراعيها للغزاة الأجانب الذين مُكّنوا من الإستفادة من الموانئ والمطارات والفضاءات و الأراضي الباكستانية بلا حسيب ولا رقيب، ولولا ذلك لما تمكنوا من غزو أفغانستان إطلاقاً.
وهو أول رئيس يخون عهوده مع إخوانه الأفغان ويتآمر مع الأميركيين ويسلمهم لأعدائهم لقمة سائغة، بعدما ركنوا إليه مطمئنين.
وهو أول رئيس يفتح منشآت بلاده النووية للأميركيين، ويمكنهم من الإشراف عليها.
وهو أول رئيس يرتكب مجرة رهيبة ضد مواطنيه في المسجد الأحمر لا لشيء إلاّ أن يقولوا ربنا الله.
وهو أول رئيس يحارب المدارس الدينية ويسعى لتحويلها إلى مدارس علمانية تروّج مفاهيم الحضارة الغربية.
لكن كل هذا السبق الذي امتاز به مشرف في عدائه لأمته وولائه للأميركيين وكل هذه الخدمات ( الجليلة ) التي قدّمها لهم لم تشفع له في البقاء في الحكم والاستمرار فيه، ولم تسمح له أيضاً الخروج منه على الأقل خروجاً مشرفاً، فقد تخلى الأميركيون عنه بكل بساطة، وبمجرد أن انتهى دوره. وهذا هو المصير الطبيعي للعملاء والطغاة الذين عادوا شعوبهم ووالوا أعدائهم. فهذا الطاغية مشرف قد لفظه الباكستانيون وقاموا بثلاث محاولات لاغتياله، وأمّا أسياده الأميركيون فقد احتقروه وأهانوه، فقد قالت وزيرة الخارجية الأميركية كونداليزارايس: " إنّ الصراع على السلطة في باكستان شأن داخلي "، وقالت بأنّ الإدارة الأميركية غير معنية بمنح مشرف اللجؤ السياسي.
هذه هي نهاية الطغاة تنبذهم شعوبهم، ويحتقرهم أسيادهم. فهلاّ تعلم الحكام الطغاة الآخرون من هذا الدرس، وتأملوا في خاتمتهم كيف تكون لعلهم يرتجعون؟؟ أم أن قلوبهم طُبع عليها ورانت على أعينهم غشاوة فلم يعودوا يبصرون أو يدركون؟؟.



ليست هناك تعليقات: