الأربعاء، 13 أغسطس 2008

تعليق سياسي / جورجيا والرهانات الخاسرة

جورجيا والرهانات الخاسرة

اندفعت جورجيا بحرقة الملهوف نحو أميركا والغرب منذ أن تولى الحكم فيها الرئيس ساكاشفيلي، فأدارت ظهرها لروسيا ومنظومتها ظانّة أن صنيعها هذا سيخرجها من بؤس الشرق وجحيمه إلى رغد الغرب ونعيمه. ووعدتها أميركا إن هي سارت في ركبها بجزيل العطاء، وبدعمها الفعلي ضد الروس ، وبمساعدتها في فرض سيادتها على إقليمي أوسيتيا الجنوبية و أبخازيا المنفصلين وذلك تمهيداً لضمها إلى حلف شمال الأطلسي ( الناتو ) وإلى مجموعة دول الإتحاد الأوروبي. وطلبت منها أميركا عدة طلبات منها إرسال قوات من جيشها الصغير إلى العراق، ومنها تعميق أواصرها مع كيان يهود، وبشكل عام اشترطت عليها تبني جميع السياسات الأميركية من الناحية الدولية. وقبلت القيادة الجورجية بتحمس وبلاهة تلك الإملاءات، وخاطرت بعلاقاتها مع جيرانها ورهنت مصيرها بالمصالح الأميركية.
وبعد أربعة أعوام من التزامها بالوصفة الأميركية وجدت جورجيا نفسها في وضع لا تحسد عليه، فأحوالها الاقتصادية ازدادت سوءاً حيث ارتفعت البطالة فيها إلى حوالي 40 % وزاد تخلفها بشكل عام عمّا كان عليه الوضع أيام حكم ادوارد شفاردنادزة الذي كان يوازن بحكمة علاقات بلاده بين القوى العظمى والإقليمية. وأمّا من ناحية سياسية فازدادت الأمور تعقيداً وبلغ التوتر بين جورجيا وروسيا أوجه ووصلت الكراهية بينهما إلى درجة يصعب معها التفاهم والتحاور. وكانت الطامّة الكبرى على جورجيا عندما أقحمت بحرب خاسرة في أوسيتيا الجنوبية بحيث أصبحت في مواجهة مع روسيا التي أثير غضبها من تصرفات ساكاشفيلي الاستفزازية الرعناء، فأرادت أن تنتقم منه و تثأر لنفسها وكرامتها، وأرادت أن تثبت قوة حضورها في ملعب تعتبره ملعبها و أن ترسل رسالة إلى أميركا وحلفها تبين لها فيها بعضاً من خطوطها الحمراء التي لا تسمح لأحد بتجاوزها فقامت بضرب جورجيا ضربةً موجعةً قصمت ظهرها، فأفقدت ساكاشفيلي صوابه، وراح يستغيث ويصرخ كالديك ( المنتوف ريشه ) أو كالطاووس الذي قُطع ذيله.
وانتظر ساكاشفيلي في محنته هذه أن تأتيه النجدة من أميركا الذي ركن إليها والتزم وصفتها لكن أميركا لم تقدم له سوى الكلام المعسول والوعود الزائفة. فيما قام الكيان اليهودي بقطع دعمه العسكري عن جيشه وهو في أمسّ الحاجة لهذا الدعم إرضاءً للروس وخوفاً من تعريض المصالح اليهودية للخطر.
إنّ أميركا التي ورّطت جورجيا ودفعت بها إلى حافة الهاوية لا يعنيها سوى مصالحها، فهي استخدمت جورجيا كحقل تجارب لها في علاقاتها مع روسيا، ولا يهمها كثيراً خسارة جورجيا أو تدمير جيشها، أو موت الآلاف من شعوب القوقاز في بضعة أيام، كما لا تبالي بتهجير مئات الآلاف عن منازلهم ولا بتقطيع أوصال القرويين في تلك المناطق أو في غيرها، ما يعنيها فقط هو مصالحها ولا شيء غير ذلك.
فأميركا التي خلقت الأزمة كانت تود منها اختبار ردة فعل روسيا لقياس مدى قدرتها والاستفادة منها في أزمات مستقبلية، فهي تريد في الوقت الحاضر إشغالها بأزمات تتعلق بجوارها وعلى أبوابها لأطول مدة ممكنة. ولا يضيرها إن حُلّت الأزمة لصالحها وعلى حساب جورجيا، فالمهم عندها أن تستمر في خلق الأزمات لروسيا حتى تُحجمها في أصغر مدى وأضيق دائرة و أقل نطاق.
لقد تصرف ساكاشفيلي في هذه المشكلة تصرف العميل الأحمق الذي رهن كل مقدرات بلاده لخدمة المصالح الأميركية، وهذا نوع من الانتحار السياسي حيث يضع العميل كل ما في جعبته من بيض في سلة واحدة. ولعل هذا الذي حدث في جورجيا يكون درساً وعبرةً للسياسيين في العالم الإسلامي فيدركوا أنّ أميركا لا يُؤمن جانبها حتى مع أصدقائها وحلفائها وشركائها في الحضارة والدين كالدول النصرانية التي على شاكلة جورجيا، فكيف يؤمن جانبها مع البلدان الإسلامية التي تعتبر من ألد خصومها و أعدائها؟؟!!.

هناك تعليقان (2):

غير معرف يقول...

شكرا لك اخي احمد الخطوانيز
لي سؤال:
ما علاقة الاتحاد الاوروبي بجورجيا؟ وهل له اي تأثير على مجريات الامور في تلك الدولة؟

احمد الخطواني يقول...

الاتحاد الاوروبي واقع بين نارين: نار اميركا التي تسخر الأحداث في جورجيا لتحجيم روسيا، ونار روسيا التي تقاوم المد الاميركي في فناء منزلها بقوة وعناد، لذلك كان طبيعيا أن تقف اوروبا موقف المهدئ والمصالح والوسيط.