الجمعة، 16 أكتوبر 2009

زيف الديمقراطية في لبنان وأفغانستان وفي كل مكان

زيف الديمقراطية في لبنان وأفغانستان وفي كل مكان

الديمقراطية كنظام حكم ما زالت تُثبت زيفها وفسادها مع خوض كل تجربة ديمقراطية جديدة، والتجربتان الديمقراطيتان في لبنان وأفغانستان تنطقان بهذه الحقيقة، ففي لبنان أُجريت الانتخابات الديمقراطية قبل عدة شهور، ولم تُفلح حتى الآن في إفراز حكومة تمثل الأغلبية. فما زالت المناورات والمداولات والمزايدات والمساومات تستحوذ على السياسيين وعلى الأحزاب والقوى الطائفية والجبهوية على حد سواء، والحديث عن الحقائب الوزارية والتوزير والاستيزار، وحسابات المصالح الشخصية والحزبية، و مقاييس النفوذ الداخلي والوجاهة والزعامة، ما زال كل ذلك يطغى على السياسة وعلى السياسيين، ولا ننسى إضافة إلى ذلك الحديث عن تدخلات القوى الإقليمية والعالمية التي باتت تلقي ظلالاً كثيفة وثقيلة من التعقيدات والاشتراطات السياسية اللا متناهية.
إن هذا الذي وجد إنما وجد بسبب الانتخابات الديمقراطية في لبنان، فأوجد حالة من الإرباك والتخبط والتنطع بين الفرقاء المتشاكسين، والتي ألقت بدورها ذيولاً من الشك والريبة انعكست على قرب أو بُعد الاستيلاد العسير للحكومة العتيدة المستعصية.
فالدولة بأسرها باتت تعيش في حالة شلل سياسي شامل تنتظر تأليف حكومة توافق بين المتناحرين والمتشاكسين، والسياسيون أصبحوا يتحدثون بلغة المطابخ والطَّباخين، فعلى سبيل المثال يلخص نواف الموسوي أحد نواب البرلمان المشهد السياسي اللبناني الحالي بمثل تلك المفردات فيقول: "إن مواد الطبخة أصبحت جاهزة ومؤمنة وعلى الطَّباخ أن يُحسن طبخها". هذه هي ديمقراطية لبنان التي تعتبر عند الكثيرين أفضل ديمقراطية عربية على الاطلاق، وهذا هو واقعها المزري.
أما في أفغانستان فالتجربة الثانية للديمقراطية فيها تدخل في حالة الموت السريري، بحيث أن ما يُسمى بالمجتمع الدولي الذي يرعاها وعلى رأسه أمريكا تتخبط في قبول نتائج الانتخابات، فمنهم من يرى قبولها ومنهم من يرى إعادتها، هذا هو لسان حال مبعوثها ريتشارد هولبروك الذي بات يشكك في نتائجها بصوت عال. فهذه الانتخابات الديمقراطية التي أُجريت قبل أكثر من شهر في أفغانستان أصبحت نتائجها جزءاً من المشكلة وليست جزءاً من الحل، وعملاء أمريكا في أفغانستان من الحكام والسياسيين المعارضين لم يعودوا يمثلون أي شيء في البلد أمام اللشعب الأفغاني الذي سئم منهم، ومن عمالتهم المفضوحة لأمريكا، وبلغ حالهم مستوى جعل الإدارة الأمريكية نفسها لم تعد تثق بهم. وتحولت ديمقراطيتهم (الواعدة) كما كانوا يصفونها في أفغانستان إلى ديمقراطية مع وقف التنفيذ!!.
لقد أثبتت هذه الانتخابات الديمقراطية في أفغانستان بالفعل أنها أكبر مهزلة ديمقراطية يُجريها الغرب بقيادة أمريكا في التاريخ، وغدت ألعوبة أمريكية مستهلكة وغير صالحة حتى للعبث فيها.
فهذا هو زيف الديمقراطية بدا واضحاً للعيان في بلاد المسلمين وبالذات في لبنان وأفغانستان. على أن فساد الديمقراطية ليس مقتصراً على تجاربها في البلدان الإسلامية وحسب، بل إن فسادها صار ينخر في كل بلد تبناها ويطبقها كنظام حكم. فقد أثبتت الديمقراطية أنها مصدر رئيس للانقسام الأهلي في كثير من البلدان غير الاسلامية التي طُبِّقت فيها مثل أوكرانيا وجورجيا في أوروبا، وكينيا وتنزانيا في أفريقيا، وتايلاند وميانمار في آسيا، وفنزويلا وبوليفيا في أمريكا اللاتينية، وأخيراً هندوراس في أمريكا الوسطى.
إن فساد الديمقراطية كامن في نفس فكرتها، وكامن أيضاً في آلية تطبيقها، وفي نتائجها، والتي غالباً ما تحرم الخاسرين في الانتخابات من حقوقهم السياسية، والذين قد يصل تعدادهم إلى ما يقارب نصف السكان، حيث يُحرمون من المشاركة في الحكم بحجة أنهم لم يفوزوا في الانتخابات.
أما ما يشيعونه عن نجاح الديمقراطية في أمريكا وأوروبا فهو زعم زائف لا أساس له؛ لأن حكمهم على نجاح تلك الديمقراطيات ليس مرده إلى صلاحية فكرة الديمقراطية نفسها كنظام حكم، بل مرده إلى تقدم تلك الدول وتطورها قياساً بالدول المتخلفة، فهو حكم على نجاح الدول في ازدهارها وغناها، وليس حكماً على نجاح الديمقراطية فيها، لذلك كان من الطبيعي أن يكون الحكم بالنجاح في هذه الحالة لصالح تلك الدول، وأن يكون الحكم بالفشل مقترناً بالدول المتخلفة؛ لأن مقارنة السيء بالأسوأ يُظهر دائماً عند العامة أن السيء أفضل من الأسوأ في كل الأحوال. ولو أن الناس عاشوا في ظل نظام الحكم الإسلامي، وعرفوه عن قرب، وعايشوه من ناحية واقعية لاستطاعوا - وبكل سهولة - أن يحكموا على الديمقراطية بالزيف والفساد وبشكل تلقائي، وذلك بعد أن يقارنوا بين الواقعين. ولكن في غياب دولة الاسلام الحقيقية، وغياب نظام الحكم الاسلامي جعلهم لا يجدون أمامهم سوى القبول بما هو موجود من ديمقراطية فاسدة ظالمة مدمرة.
ومن هنا فالمدقق في فكرة الديمقراطية، والمتعمق فيها، يجدها فكرة فاسدة عفنة، ويجد نظام الحكم المطبق لها هشاً ومضعضعاً، ويجد أن ما يُبقي الديمقراطية على قيد الحياة ما هو إلاّ غياب البديل الاسلامي الذي يتجسد في نظام حكم اسلامي حقيقي.

ليست هناك تعليقات: