إشكالية الانتخابات في إيران
ما أُثير من لغط حول الانتخابات الإيرانية مسألة سياسية متعلقة بالمصالح والأهواء وليست نابعة من أصل المبدأ، فالاحتجاجات والمظاهرات والتدخلات الأجنبية كلها كانت حركات مقصودة ولا علاقة لها بصحة الفكرة أو فسادها. فمرشد الثورة علي خامينئي هو الحاكم الفعلي في إيران، وهو الآمر الناهي، وهو ولي الفقيه الذي لا يخطئ وفقاً لاجتهادات بعض المدارس الشيعية.
والضجة التي حصلت في الانتخابات الإيرانية لا علاقة لها بانتخاب المرشد وإنما لها علاقة بانتخابات الرئيس الذي لا يملك صلاحية البت بأي أمرٍ ذي قيمة إلا بعد الرجوع إلى المرشد.
فلو كانت الانتخابات تتعلق باختيار المرشد لكان الأمر مستحقاً لهذه الصخب وتلك الضجة وذلك الضجيج، ولكن لما كانت الانتخابات تتعلق برئيس لا سلطة حقيقية له في الواقع فالزوبعة حولها لم تكن ذات مصداقية وكان الغرض منها شيئاً آخر لا علاقة له بانتخاب الرئيس لا من قريب ولا من بعيد.
إن نظام الحكم في أية دولة ومهما كان نوعه وشكله من شأنه أن يفرز رأساً للدولة يكون الحاكم الحقيقي لها أياً كان اسمه. أما في إيران فالنظام مفبرك ومصطنع ولا علاقة له بالإسلام ولا بأي نظام حكم آخر.
فوجود مرشد له الكلمة النهائية في الحكم ورئيس له صلاحيات تنفيذية معينة لا تعلو على صلاحيات المرشد، وجود مثل هذه الصبغة من الحكم تجعله نظام حكم متهافت، يريد المرشد فيه أن يحكم باستخدام رئيس محدود الصلاحيات، وهذا غير موجود في أي نظام آخر، فضلاً عن نظام الحكم الإسلامي.
لذلك كان الأولى في الاحتجاجات التي عمت إيران أن تكون على منصب المرشد، وعلى كيفية اختياره أو انتخابه؛ لأنه هو الحاكم الحقيقي هناك، أما إثارة الاحتجاجات على منصب رئيس الجمهورية فالهدف منها خلخلة النظام نفسه وليس الهدف منها الحرص على من سيكون رئيساً للجمهورية.
إن الغرب وبشكل خاص الأوروبيين هم الذين افتعلوا الأزمة وهم الذين أشعلوا فتيل الاحتجاجات في الشارع الإيراني، وما ساعدهم على الاحتجاج هو وجود نظام حكم مهلهل مخالف لطبيعة أنظمة الحكم الطبيعية التي تفرز الانتخابات فيها حاكماً واحداً حقيقياً فيها.
لو كانت إيران تلتزم في أحكام نظام الحكم وفقاً للكتاب والسنة والإجماع لكان المرشد الأعلى للثورة هو الخليفة، ولكانت البيعة من أهل الحل والعقد أو من ممثلي الأمة والتي هي الطريقة الشرعية لتنصيب الإمام أو الخليفة والذي هو الحاكم الفعلي في نظام الحكم الإسلامي.
أما أن يتم ابتداع منصب المرشد ويختاره أعضاء صيانة الدستور، وأن يتم ابتداع رئيس الجمهورية ويختاره الشعب في انتخابات عامة فهذا النظام ليس من الإسلام في شيء، ولا علاقة له بأي شكل من أشكال أنظمة الحكم المعروفة. فأبو بكر وعمر وعثمان وعلي كانوا حكاماً حقيقيين، وكان الواحد منهم يعبر عن الدولة وتتجسد الدولة في شخصه، ولم يكن إلى جانبه حكام آخرون يتقاسمون معه صلاحيات الحكم.
أما وجود معاونين وولاة يعملون إلى جانبهم فإن وجودهم كان بتعيين الخليفة لهم كمساعدين له في الحكم ولم يكن وجودهم بانتخاب الناس المباشر لهم.
هذا هو واقع نظام الحكم الإسلامي المستمد من صيغة حكم الخلفاء الراشدين وهو واقع يتناقض تماماً مع ما هو موجود في إيران، ومع ما هو موجود في كل أنظمة الحكم في جميع الأقطار الإسلامية.وأي اختلاف عن هذه الصيغة في البلدان الإسلامية يجعل نظام الحكم فيها عرضة لعبث الأجانب ومن ثم عرضة للتخلخل والسقوط والاندثار.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق