التعليق السياسي
المصالحة الفلسطينية مضيعة للوقت وبعثرة للجهود
المصالحة الفلسطينية بين الفصائل والتنظيمات الفلسطينية في داخل فلسطين وخارجها ما هي سوى صورة مصغرة عن المصالحة العربية العقيمة التي لم ولن تثمر يوماً من الأيام عن أية نتيجة تؤدي إلى وحدة الأمة وتماسكها، فضلاً عن أن تؤدي إلى تحرير فلسطين من الاستعمار الصليبي والاستيطان اليهودي.
لقد انشغل الإعلام العربي طيلة السنوات الماضية في الحديث عن المصالحة بين حركتي فتح وحماس، وأوحى إلى الجماهير العربية بأن نجاح المصالحة يؤدي إلى حل جميع عقد الأمة ومشاكلها، ففي المصالحة يوجد الشفاء والبلسم، وفيها النجاة والخلاص، وكأن الوطن العربي لا توجد فيه قضايا تستحق البحث إلا هذه القضية، فمشاكل العراق والسودان والصومال وأريتريا وجزر القمر لا تستحق عناء البحث والنظر وكأنها بأمم أخرى، وأما قضية فلسطين ولبنان فقد عُلِّق حلها على نجاح المصالحة بين الفلسطينيين، لأن إيران وسوريا ومصر والسعودية وقطر ولبنان والأردن مشغولة بتأييد فصيل فلسطيني ضد فصيل آخر، فإذا ما اتفقت الفصائل الفلسطينية وتصالحت انسحب هذا الاتفاق والمصالحة على تلك الدول المتشاحنة، أو هكذا على الأقل توحي أبواق الأنظمة العربية الرسمية.
وهكذا فقد تم رهن قضايا الأمة المصيرية بهذه المسألة الهامشية، فإذا فشلت المصالحة ضاعت الأمة وضاعت قضاياها، واستحقت أن تظل إلى ما لا نهاية في تخلف وشقاء دائمين، واستحق عدوها بالمقابل أن يظل إلى ما لا نهاية ظاهراً عليها ينعم بالقوة والسيطرة ورغد العيش.
لقد تحولت المصالحة إلى سلعة رائجة يتاجر بها الجميع، فالمصالحة السعودية السورية الأخيرة يشارك في الحديث عنها على سبيل المثال لا الحصر خافيير سولانا المسؤول عن العلاقات الخارجية في الاتحاد الأوروبي، والمصالحة بين الفصائل الفلسطينية يدعمها وزير الخارجية البريطاني دافيد ميليباند، وأما المصالحة الجزائرية المغربية فإنها مستعصية على الحل ولا ينجح في اختراق بواباتها الموصدة بإحكام إلا قافلة شريان الحياة البريطانية التي شُرِّعت لها الأبواب.
وهكذا يتدخل الأمريكي والأوروبي والروسي وحتى الصيني في العبث بقضايا الأمة من بوابة كبيرة جديدة اسمها (بوابة المصالحة).
فكأن الشعوب العربية متخاصمة متحاربة متنابذة لا تحل مشاكلها إلا بالمصالحة التي تستدعي تدخل الأجنبي لإنجاحها.
لقد كان الإعلام قبل أكثر من نصف قرن يتحدث عن الوحدة بين الدول العربية وخدعت آنذاك الأنظمة العربية شعوبها بالحديث عن إنشاء الجامعة العربية لتسهل عملية التوحيد بين الشعوب العربية. إلا أننا وبعد مرور ستين عاماً على إنشاء الجامعة المفرقة غابت فكرة الوحدة تماماً عن أجندتها، فلم يعد أحد من الرسميين العرب يتحدث عن التنسيق العربي، أو عن التضامن العربي.
إن انطلاق مسيرة المصالحة الفلسطينية المتعثرة من القاهرة هذه الأيام تحت رعاية رئيس المخابرات المصرية وبمشاركة ثلاثة عشر فصيلاً فلسطينياً يراد لها تحقيق الأهداف السياسية التالية:
1- ترويض وتذويب الحركات الإسلامية في الإطارات العربية المهترئة لتطويق خطرها واستيعابها خشية من خروجها عن الطوق المضروب حولها من قبل أمريكا والدول الغربية الاستعمارية الكبرى.
2- فرض فكرة الدولة الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة على جميع تلك الحركات والتسليم الجماعي أو الإجماعي المباشر أو غير المباشر بفكرة أن فلسطين المحتلة عام 48 هي أراض يهودية.
3- إبعاد تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية في المناطق الفلسطينية بذريعة أن هناك فصائل وطنية غير إسلامية لا تقبل بالفكر الإسلامي كخيار سياسي واقتصادي واجتماعي لها.
4- إلهاء الفلسطينيين بالتصالح والمصالحة لأطول مدة زمنية ريثما يتم ترويض الطرف (الإسرائيلي) اليميني بقبول فكرة الدولة الفلسطينية.
5- ربط الملف الفلسطيني السياسي بالإطار الأمني وتحويله إلى يد المخابرات لتتصرف به بوصفه شأناً أمنياً أولاً وقبل أن يكون شأناً سياسياً، وذلك لطمأنة اليهود على أمنهم المهدد.
6- تحضير وتهيئة الحلبة السياسية الفلسطينية للحل الأمريكي المقبل على أساس فكرة الدولتين.
إن المصالحة الفلسطينية ما هي في الواقع سوى إحدى المؤامرات الأمريكية والغربية للمنطقة العربية، فلن تحرر أرضاً، ولن تعيد حقوقاً، ولن تقضي على عدواً، وما هي إلا حلقة من حلقات التآمر والاستعمار ضد أمتنا الإسلامية.
وهي إحدى محاولات اختزال قضية فلسطين المصيرية من مستوى التحرير إلى مستوى المصالحة وفك الحصار وفتح المعابر.
فالمطلوب ليس مصالحة تُفضي إلى بعثرة للجهود وإضاعة للوقت، وإنما المطلوب هو توحيد الأمة بشكل حقيقي من خلال دولة حقيقية واحدة تُحرك الجيوش فتحرر فلسطين مرة واحدة، فالمطلوب هو إعادة قضية فلسطين إلى صعيدها الأصلي وهو اعتبارها قضية الأمة الإسلامية جمعاء. بينما الدخول في مهاترات المصالحة ومتاهاتها لا يؤدي إلا المزيد من تمزيق الأمة وتفتيتها وتشرذمها وانحطاطها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق