الجمعة، 20 فبراير 2009

إيران وتركيا والتمدد الإقليمي


إيران وتركيا والتمدد الإقليمي


المنطقة العربية هي أكثر المناطق الإقليمية تعقيداً وتشابكاً ومن أشدها تناقضاً وتجاذباً. فهي بحكم اعتبارات العقيدة والتاريخ والجغرافيا تمثل قوام أمة عريقة حية مُهابة الجانب، تثير مخاوف القوى الاستعمارية الكبرى من احتمالية استيقاظها وتحركها خاصة وأن كل محاولات ترويضها تبددت ولم تصب أي نجاح، وهي بحكم اعتبارات تبعية حكامها الحاليين وهزالهم وضعفهم وفشلهم تستثير مطامع القوى الدولية والإقليمية وتجتذب فضولهم ونهمهم للولوغ في مستنقعاتها واصطياد ما يمكن اصطياده من منافع سياسية واقتصادية.
فالمنطقة من فرط رخاوتها السياسية تحولت إلى قبلةٍ لكل القوى الكبرى والإقليمية، وأصبحت حقل تجارب سياسية تتدرب فيها القوى الصاعدة فضلاً عن تصارع القوى العظمى عليها منذ ما يزيد على مائتي عام.
ونظراً لغياب الدور العربي الفاعل فيها تقدمت قوى إقليمية من دول الجوار لملء الفراغ الجيوسياسي فيها، فكانت إيران هي الدولة الإقليمية الأولى السبّاقة في المنطقة ثم تلتها تركيا.
إن اجتياح أمريكا للمنطقة مطلع هذا القرن وإسقاط نظام صدام حسين، وهزال الدور المصري وانكفاء الدور السعودي، إن ذلك كله مهَّد السبيل لتقدم النفوذ الإيراني في العراق ولبنان وسوريا وفلسطين، فأصبح المحور الإيراني فيها بالغ التأثير لا سيما في المسائل اللبنانية والفلسطينية والعراقية. وانحاز لهذا المحور النظام السوري الهش انحيازاً أعمى، وأصبح بذلك يمثل الند الأقوى في مواجهة القوة الإقليمية الأولى في المنطقة وهي (إسرائيل).
وتحول الصراع بالتالي على الإقليم من صراع عربي (إسرائيلي) إلى صراع إيراني (إسرائيلي)، وأصبحت إيران العدو الأول (لإسرائيل)، كما أصبحت (إسرائيل) العدو الأول لإيران.
واصطف حكام مصر والسعودية والأردن إلى جانب القوة الإقليمية (الإسرائيلية) فيما اصطف قادة سوريا وحزب الله وحماس والجهاد إلى جانب القوة الإقليمية الإيرانية.
ولما كانت مشاكل المنطقة شائكة إلى درجة شديدة، ولما لم تستطع إيران من إيجاد التوازن الإقليمي المطلوب في المنطقة العربية نظراً للتدخلات الدولية المتعددة التي تأخذ أشكالاً مختلفة، تقدمت تركيا للعب دور يُوازن الدور الإيراني ويُساهم في تخفيف الطغيان (الإسرائيلي) ويُعيد حالة من الاستقرار النسبي المفقود في الإقليم.
إن تمدد الدور الإيراني والتركي في المنطقة لم يكن ليحصل لولا وجود موافقة أمريكية عليه، وإن موافقة أمريكا على ذلك التمدد ما كان لتحصل لولا ظهور العجز العربي الصريح، بتراجع دور مصر والسعودية والعراق كبرى الدول العربية عن القيام بمستلزمات ومتطلبات الدور الإقليمي.
فإيران لا شك بأنها أصبحت لاعباً إقليمياً مركزياً في المنطقة وأصبح من الصعب بل من العسير على (إسرائيل) وحكام مصر والسعودية والأردن استبعادها، فهي لا تتدخل فقط في مسائل الصراع العربي (الإسرائيلي) وحسب، بل إنها تتدخل أيضاً في الشؤون الأمنية الأفغانية والخليجية، وهذا التدخل الذي يتقاطع مع النفوذ الأمريكي ويرفده بعوامل قوة جديدة، من شأنه أن يُرسخ الدور الإقليمي لإيران في المنطقة، ويُجذر نفوذها فيها لآماد طويلة.
ومن آخر تصريحات المسؤولين الإيرانيين التي تؤكد على هذا الدور الإيراني المهم في المنطقة ما قاله الناطق باسم مرشد الثورة خامنئي من أن دولة البحرين هي المحافظة الرابعة عشرة إيران غير مبال بردات الفعل العربية المستنكرة لمثل هذه التصريحات الاستفزازية.
وأما تركيا فتحركت باتجاه المنطقة متأخرة، فاغتنمت حرب غزة وتحرشت (بإسرائيل) ببعض التصريحات والمواقف البسيطة فاكتسبت الأهلية للعب دور إقليمي إلى جانب إيران (وإسرائيل)، وتصرف حكامها تصرف الدول الكبرى، وهذا ما جعلها لاعب مرغوب فيه من جانب أطراف الصراع المختلفة بكل سهولة ويسر.
واستعان رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان بالموروثات العثمانية للتأكيد على دور تركيا في قيادة المنطقة، وفي تحمل مسؤولية شعوبها بما فيها الشعب اليهودي المعتدي، فقال بأنه سليل أسلافه السلاطين العثمانيين العظام الذين آووا اليهود كما آووا غيرهم من الشعوب المضطهدة بعد تعرضهم لمحاكم التفتيش في الأندلس.
وأكد أردوغان على تصميم تركيا للعودة إلى لعب دور الدولة الكبرى الإقليمية في تعاطيها مع المنطقة العربية، ومع المنطقة القوقازية، ومع المنطقة التركمانية في آسيا الوسطى بحكم صلات الدين والعرق، وقد لاقى أردوغان تشجيعاً من الشعب التركي للاستمرار في هذا الدور كونه أثار لديه مشاعر العظمة الدفينة منذ أيام الخلافة العثمانية.
وهكذا فالمنطقة العربية وإن كانت أمريكا هي المسيطرة الرئيسية فيها كقوة دولية عظمى إلى جانب نفوذ أدنى للقوى الأوروبية إلا أن القوة الإقليمية لا مجال للاستغناء عنها لإحداث التوازن والاستقرار فيها لخدمة القوى الدولية المختلفة ومن هنا كان مثلث (إسرائيل) – إيران – تركيا حالياً هو الذي يمثل رؤوس القوى الإقليمية الرئيسية في المنطقة والتي يرتبط كل منها بوشائج وروابط عضوية مع أمريكا القوة الدولية الأولى في العالم.

ليست هناك تعليقات: