رؤيتان أمريكيتان للمعضلة الأفغانية
إن عدم قدرة الاحتلال الأمريكي على حسم الحرب في أفغانستان منذ العام 2001 وحتى الآن، وتزايد قوة طالبان واكتسابها للمزيد من القدرات القتالية الهائلة، وتكبيدها للأمريكيين ولحلفائهم خسائر جسيمة في الأرواح والمعدات، كل ذلك أدَّى إلى انقسام الرأي العام الأمريكي بين مؤيد لاستمرار الحرب وبين معارض لها، وبين الانسحاب المبكر للأمريكيين من أفغانستان وبين الاستقرار اللانهائي فيها.
وقد انتقل النقاش بين الأمريكيين حول كيفية الخروج من المأزق الأفغاني من المستوى السياسي والعسكري إلى المستوى الفكري حيث أدلى أبرز مفكريْن سياسييْن أمريكيين بدلوهما في المسألة وهما مستشار الأمن القومي السابق زبيغنيو بريجنسكي والمحاضر الجامعي صاحب كتاب نهاية التاريخ فرانسيس فوكوياما.
وقد طرح عليهما رئيس مجلة (نيو برسبكتيف) ناتان غاردلس ثلاثة أسئلة محددة حول أفغانستان من خلال مقابلتين منفصلتين، وعكست أجوبتهما تبايناً كبيراً في الإجابات تمثل التباين في آراء الشارع الأمريكي حول المسألة.
فالسؤال الأول الذي طرحه غاردلس عليهما كان حول المخاوف المتزايدة من تحول المهمة الأمريكية في أفغانستان إلى مهمة إعادة بناء بلد، واضطلاع بالتزامات طويلة الأمد في المكان الخطأ، ومن الواضح أن هذا السؤال يعكس رغبة غالبية الأمريكيين بشتى مشاربهم لعدم تحملهم تكاليف البناء في أفغانستان، ولاقتصار تدخلهم في البلدان على الهدم والخراب، وأجاب بريجنسكي على هذا السؤال بقوله: "إن الخطر الذي يواجه الأمريكيين في أفغانستان وباكستان على حد سواء هو أن الناس بدؤوا في كلا البلدين ينظرون أكثر فأكثر لحركة طالبان بوصفها حركة مقاومة ضد محتل أجنبي كافر غالبية عناصره من الأمريكيين". فبريجنسكي تخوف من تحول صورة الأمريكان في ذهن الشخصية الأفغانية كما كانت صورة السوفيات الشيوعيين في أذهانهم، واعتبر ذلك بمثابة "هزيمة استراتيجية" للأمريكيين.
أما فوكوياما فلم يتخوف من تحول صورة الأمريكيين في أذهان الأفغان إلى اعتبارهم غزاة كفار، بل رأى بأن "ما تقوم به أمريكا في أفغانستان هو عين الصواب"، وأكَّد على أنها "تنفذ استراتيجية جيدة لمواجهة التمرد" وأنها تستهدف "كسب العقول والقلوب وهو ما يتطلب خلق الظروف المناسبة للحكم الرشيد للبلاد" على حد زعمه.
أما السؤال الثاني فكان عن (طول نفس الأفغان في الحرب). وأجاب عليه بريجنسكي بأن: "الحقائق السياسية الأفغانية التقليدية المعقدة تتطلب أخذ المصالح الجيوسياسية لباكستان في الاعتبار لإقناع جيشها بالعمل جدياً على وقف تدفق المقاتلين عبر الحدود مع أفغانستان". فبريجنسكي يرى في باكستان وجيشها الحل. أما فوكوياما، فاعتبر في إجابته على هذا السؤال أن "المهم هو تعزيز قوة الدولة الأفغانية"، ورأى أن "أمريكا لم تقم بما يكفي لمساعدة جيش أفغانستان"، وأكد بأنه "لا يزال بمقدور الشرطة الأفغانية ملء الفراغ".
أما السؤال الثالث فكان: "لماذا لا تقتصر أمريكا على تعقب القاعدة على غرار ما تفعل في الصومال واليمن بدل محاولة تغيير أفغانستان الأمر الذي قد يتطلب عقوداً من الزمن؟".
أجاب بريجنسكي على هذا السؤال بالقول "هذا ما يجب على الأمريكيين القيام به"، ورد بسؤال آخر عليه فقال: "بما أن القاعدة يمكنها أن تعيد التمركز في هذا البلد أو ذاك، فهل نحن مطالبون بشن حروب طويلة على كل بلد يختبىء فيه عناصر القاعدة؟".
وأما فوكوياما فرد على متسائلاً عما إذا كانت: "مصالحنا ستُخدم على نحو أفضل لو خرجنا من أفغانستان أو لو بقينا فيه؟" ثم أوضح فوكوياما بشكل صريح بأنه "يفضل بقاء أمريكا في أفغانستان".
وهكذا يمثل بريجنسكي وفوكوياما اتجاهين سياسيين فكريين متناقضين تماماً، فبريجنسكي متخوف من نظرة الأفغان إلى الأمريكيين كغزاة كفار، بينما فوكوياما لا يأبه لهذه النظرة ويرى أن بالإمكان تغييرها بمعركة كسب القلوب والعقول.
وبريجنسكي يعول على باكستان في مساعدة أمريكا في أفغانستان بينما فوكوياما يعول على أفغانستان وجيشها ونظام حكمها في فعل ذلك. وبريجنسكي يُفضل الانسحاب من أفغانستان بينما فوكوياما يفضل البقاء فيها.
إنهما مختلفان في كل شيء، في المخاوف، وفي الدولة التي يعول عليها، وفي الانسحاب.
ولعل سبب هذا الاختلاف بين هذين المفكرين أنهما ينتميان إلى مدرستين فكريتين مختلفتين، فبريجنسكي ينتمي إلى المدرسة الواقعية في السياسة الأمريكية والتي تعتمد على تسخير الآخرين لخدمة أمريكا، بينما ينتمي فوكوياما إلى المدرسة المثالية التي انحدر منها المحافظين الجدد والتي تفترض أن على أمريكا فرض ليبيراليتها الرأسمالية بقوة الجندي الأمريكي وصرامة المبدأ الرأسمالي وحضارته الغربية النفعية العنصرية.
هذه هي رؤية كلا المفكرين الأمريكيين لقضية مهمة من قضايا المسلمين، فما هي يا تُرى نظرة الإسلام لهذه القضية؟؟ ومن الذي سوف يتجشم تكاليف تطبيقها على الأرض؟
إن رؤية الإسلام تجاه هذه القضية وغيرها من القضايا المماثلة بسيطة وواضحة ، وهي أن الحكم الشرعي يقضي بجهاد الكفار الأمريكان حتى النهاية، وطردهم من أفغانستان كلياً، وكنس وجودهم منها كنساً كلياً بحيث لا يتبقى لهم أي اثر فيها، سواء أكان أثراً عسكرياً أم سياسياً أم ثقافياً أم اقتصادياً.
أما من يُطبِّق هذه النظرة الشرعية الملزمة للمسلمين فهي دولة الإسلام الحقيقية المغيبة الآن، والتي حان وقت قيامها، وحان وقت تخليصها للأمة من براثن أعدائها المستعمرين.
هناك تعليقان (2):
هل من رؤى أوروبية للمعضلة الافغانيةأم أن الامر محسوم للأمريكان ...والكل يعلم أن الامريكان يستغيثون بحلفائهم الأوروبيين للتخلص من المازق او على الاقل المعضلة كما تسميها فهل من رؤية أوروبية لهذه الورطة الامريكية مع تزايد الغضب الشعبي في امريكا لمثل هذه المجازفات التي غرق بها الجيش الامريكي على يد فرعون هذا الزمان ( بوش ) الصليبي ...
الرؤية الأوروبية تعتمد على ترك أمريكا وحدها في مجابهة الوضع في أفغانستان، وتحاول دعم أمريكا بأقل التكاليف.
إرسال تعليق