الخميس، 11 أغسطس 2016

معركة حلب وقلب الموازين


معركة حلب وقلب الموازين





تمكّن الثوار في مدينة حلب من كسر الحصار الخانق المضروب على المناطق الشرقية منها منذ قرابة الشهر، وذلك بعد أنْ كان نظام الطاغية بشّار - وبمساعدة من طيران العدو الروسي - قد تمكّن من قطع طريق الكاستيلو، والذي كان طريق الإمدادات الوحيد لتلك المناطق الخاضعة لسيطرة الثوار منذ أربع سنوات.
فقد خاض الثوار أشرس المعارك مع قوات النظام المجرم، ومع مليشيات إيران في الأيام الأولى من شهر آب/أغسطس الجاري، وتمكّنوا من اجتياح معاقله في حرب مصيرية خاطفة، قلبت كل الموازين المعهودة في الحروب، وأسقطت هيبة النظام، وهيبة داعميه، بعد أن سدّدت له ضربات موجعة في الصميم لم تكن تخطر على باله.
لقد تساقطت قلاع النظام الحصينة في حي الراموسة بمدينة حلب الواحدة تلو الأخرى، وفي زمنٍ قياسي، وأسفر هجوم الثوار الصاعق والمفاجئ على منطقة الكليات العسكرية، والثكنات المنيعة فيها، عن سقوط متسارع لكليات التسليح والمدفعية والبيانات، ولكتيبتي الصواريخ والتعيينات، ولمباني وقاعات الضباط، وأخيراً للكلية الفنية الجوية التي كانت آخر معقل عسكري كبير في الحي سقط بأيدي الثوار، وأدّى الهجوم كذلك إلى قتل المئات من ضباط النظام وجنوده ومرتزقته، كما أدّى إلى هروب جماعي للآلاف من أتباعه، مخلفين وراءهم كميات كبيرة من الأسلحة والذخائر والدبابات والمركبات والتجهيزات العسكرية المختلفة، حيزت كلها كغنائم ضخمة للثوار تُغنيهم وتكفيهم لخوض معارك عديدة وكبيرة في المستقبل.
إنّ نجاح الثوار هذا في فك الحصار عن ثلاثمائة ألف إنسان في مناطق حلب الشرقية، يُعتبر إنجازاً فريداً هو الأول من نوعه منذ بداية الثورة، وإنّ تمكنهم من السيطرة على أكبر مجمع عسكري للنظام في شمال سوريا والذي يُمثّل أهم حصون النظام العسكرية على الإطلاق في المنطقة، يُعدّ إنجازاً غير مسبوق للثوار، وهو الأول منذ ثلاثة أعوام، خاصّةً وأنّه طالما استُخدم - وعلى مدى السنوات الأربع الماضية - في شنّ الحملات العسكرية العدوانية ضد السكان في جميع المناطق الشمالية من البلاد.
إنّ هذا الانتصار المظفّر لا يُعتبر انتصاراً على النظام وحسب، بل هو انتصار على أمريكا، دولة الإرهاب والإجرام، وهو انتصار على روسيا المجرمة الحاقدة، وعلى إيران وحزبها في لبنان، وعلى مرتزقتها من مليشيات مُتعدّدة، لأنّها كلّها تُشارك النظام بشكلٍ حقيقي في الحرب.
وهذا الانتصار لم يكن ليتحقق لولا توحّد فصائل الثورة في هذه المعركة، وتوكل المقاتلين فيها على الله سبحانه وتعالى، واعتصامهم بحبله وحده، وقطعهم لحبال أمريكا وأتباعها وأشياعها، وانفكاكهم عن تعليمات وشروط الدول الإقليمية التابعة.
إنّ معركة حلب هذه هي معركة لكل سوريا، بل هي معركة لكل المنطقة، ولكل المسلمين، وهي معركة مصيرية ومفصلية، إنّها معركة حياة أو موت، خاضها الثوار بشجاعة واندفاع واقتدار، وحقّقوا فيها انتصارات غير مسبوقة، وتحوّلوا بعدها إلى مهاجِمين بعد أنْ كانوا مُدافِعين، وأصبحوا مُحاصِرين بعد أنْ كانوا مُحاصَرين.
وأمّا من ناحية سياسية فقد أسقطت هذه المعركة كل التفاهمات الأمريكية والروسية، والتي كان من بينها إعطاء الضوء الأخضر للنظام بالسيطرة الكاملة على كل مدينة حلب، وسحق الثورة فيها، وفرض الحلول الاستسلامية على المفاوضين.
لقد كشفت هذه المعركة - ولكل الناس - حقيقة الموقف الأمريكي الخبيث والصامت من العدوان الروسي الصارخ على المدينة، وقتلهم بالقنابل السامّة والحارقة، وكشفت كذلك حقيقة الموقف الأوروبي المتواطئ مع الموقف الأمريكي، والذي لم يصدر عنه إلا بعض الإدانات الخافتة لرفع العتب، وكشفت أيضاً حقيقة الموقف الأممي المتآمر على أهل حلب، والذي لم يصدر عن أمينه العام حتى مجرد القلق الذي لا يُجيد سوى إبدائه عند وقوع المصائب.
ولإجهاض هذا الانتصار الذي رفع رؤوس المسلمين وأدخل الفرح إلى قلوبهم، فقد بدأ الحديث يكثر عن هدن جديدة، وعن مفاوضات جديدة، بين المعارضة والنظام، وظهرت تسريبات بشأن اتفاق روسي أمريكي يقضي بفرض هدنة شاملة في مدينة حلب خلال الأيام القادمة، بعد أنْ كان الروس قبل هذا الانتصار يُعلنون على الملأ رفضهم لأية هدنة تتعلق بمدينة حلب على وجه الخصوص، وقد قال الرئيس الأمريكي باراك أوباما يوم الجمعة الماضي: "علينا أنْ نجري تقييماً بشأن ما إذا كنّا سنتمكّن من الوصول إلى وقف فعلي للأعمال العدائية أم لا".
إنّ على الثوار والفصائل المقاتلة أنْ لا ينخدعوا هذه المرة بعروض أمريكا وأتباعها كما انخدع كثير منهم بمثلها في السابق، فعليهم أنْ لا يقبلوا بأية هدنة وبأي تفاوض، فكلها مُغريات مُضلّلة تهدف إلى الحفاظ على النظام المُتداعي وفرضه على الثوار، وقبولهم بالهدن من جديد يعني إعطاء النظام جرعة حياة جديدة لإطالة عمره، وقد أثبتت معارك حلب الأخيرة أنّ هذا النظام لم يعد يقوى على تحمّل ضربات الثوار، وأنّه بلغ من الهشاشة مبلغاً جعله يفقد أعظم تحصيناته من دون أدنى مُقاومة، وأنّ مظاهر الإعياء والإرهاق والإجهاد قد بانت عليه، وكشفت عن حجم التآكل في بنيته العسكرية والسياسية والاقتصادية، وكشفت كذلك عن مدى الهزال الذي أصاب حلفاءه من المليشيات الطائفية المرتزقة الذين لم يعودوا يُحسنون سوى فنّ الهروب من ميادين القتال.
إنّنا ننصح إخواننا الثوار، وعموم قيادات الفصائل، أنْ يستمروا في توحيد بنادقهم في قتال نظام الطاغية الإجرامي حتى النهاية، وأنْ لا يلتفتوا بشكلٍ قطعي إلى أي حل سياسي مهما كان، وندعوهم لأنْ يتوجهوا بعد انتصارهم الميمون هذا مجتمعين إلى العاصمة دمشق، فيقتلعوا أصل النظام من جذوره، وهم بعون الله على ذلك قادرون، وأنْ يقيموا دولة الإسلام؛ الخلاف الراشدة على منهاج النبوة، على أنقاضه، والتي بها فقط تتحقّق أهداف الأمّة في النصر و النهضة والوحدة والتحرير.