حكام العرب يتكلمون بشعارات الوحدة ويعملون بأجندة الانفصال
درجت العادة لدى جميع حكام الدول العربية في الستين عاماً الأخيرة –بعد نيل الاستقلال الشكلي لهذه الدول- أن يتحدثوا عن الوحدة العربية كلاماً بينما تكرس أفعالهم على أرض الواقع سياسات الانفصال.
وتحولت هذه العادة السياسية إلى قاعدة سياسية متينة لديهم بنوا على أساسها كل سياساتهم الانفصالية. لكن لوحظ أن هناك فرقاً بين أسلوب الحكام العرب في الخمسينات والستينات والسبعينات من القرن الماضي وبين أسلوب الحكام العربي في العقدين الأخيرين.
فبحسب الأسلوب الأول كان الحكام العرب يثرثرون بشعارات كبيرة عن الوحدة، بينما هم في الواقع ينفذون سياسات الانفصال، أما بحسب الأسلوب الثاني فأصبح يتحدث الحكام صراحة عن الانفصال ولكن في سياق الكلام عن الوحدة وشعاراتها الجوفاء.
ومن أمثلة الأسلوب الأول ما كان يفعله الرئيس المصري الأسبق جمال عبد الناصر والذي كان يعتبر بالنسبة للكثيرين نموذجاً للوحدة العربية حيث كان يُشَنِّف آذان الشعوب العربية بالكلام الطويل عن ضرورات الوحدة العربية، بينما يمارس على الأرض سياسات تُناقض كل معاني الوحدة، ومن الأمثلة على ذلك أن مصر والسودان كانتا حتى العام 1956 دولة واحدة من ناحية دستورية، وكان الملك فاروق ملكاً لمصر والسودان، لكن عبد الناصر وافق على ما أملاه عليه المستعمر الغربي من فصل مصر عن السودان، وتم إقرار ذلك في مؤسسات البلدين الشعبية والدستورية.
وفي العام 1958م لاحت لعبد الناصر فرصة ذهبية حيث عرض ضباط سوريون على عبد الناصر الوحدة مع مصر فأُعلنت الوحدة بين البلدين، ولكن سرعان ما وقع الانفصال بعد ثلاث سنوات فقط في العام 1961م نتيجة للسياسات الانفصالية التي تم تنفيذها على الأرض، وبهذا الانفصال المرير تلقت فكرة الوحدة العربية طعنة نجلاء أفقدتها توازنها ومصداقيتها بالنسبة للمواطن العربي.
وما زاد الطين بلة وقتل فكرة الوحدة العربية نهائياً تلك المزايدات البهلوانية للرئيس الليبي عن الوحدة العربية، حيث أنه أعلن عن خمس محاولات وحدوية فاشلة بين ليبيا وكل من مصر والسودان وتونس والجزائر، وحوَّل القذافي بتلك المحاولات العقيمة الكلام عن الوحدة إلى مجرد شعارات فارغة من أية مضامين.
هذا بالنسبة للأسلوب الأول الذي مارسته القيادات العربية الأولى في القرن الماضي، أما بالنسبة للأسلوب الثاني والذي مارسته القيادات العربية في العقدين الأخيرين فإن الأمثلة عليه كثيرة، حيث أن الكلام عن الانفصال أصبح مشروعاً لدى حكام الدول العربية ولكنهم يضعونه في سياق الحديث عن الوحدة العربية وإطاراتها الفدرالية الاتحادية.
ففي السودان مثلاً تم توقيع اتفاقية نيفاشا لفصل الجنوب السوداني وبرعاية أمريكية واضحة، ومع ذلك أخرج حكام السودان هذه الاتفاقية الانفصالية ضمن شعارات وحدة السودان وتحت ذرائع وقف الحرب الأهلية وضرورة تقاسم السلطة والثروة بين الشمال والجنوب.
وعندما يستمع المواطن العربي إلى وسائل الإعلام الحكومية السودانية يظن أن الذي يجري من انفصال ممنهج وواضح لجنوب السودان ما هو إلا شكل من أشكال الوحدة وذلك من فرط ما تبثه تلك الوسائل من أكاذيب. وحتى عندما اختلفت القيادة الانفصالية بزعامة سيلفاكير مع حكومة البشير بخصوص عدة مواضيع في خطة الانفصال كموضوع التعداد السكاني لجأت الحكومة السودانية والحركة الشعبية الانفصالية كلتاهما إلى الحكم الأمريكي في واشنطن ليبت لهم في شأن تلك الموضوعات، ولتستمر الخطة في طريقها لتحقيق الانفصال المنشود.
ومن أمثلة الأسلوب الثاني أيضاً ما يجري في اليمن حالياً حيث يمارس نظام علي عبد الله صالح خطة جهنمية على الأرض من شأنها أن تُعيد تقسيم اليمن إلى دولتين متنازعتين مرة ثانية.
فالحكومة اليمنية تعامل أهل الجنوب وكأنهم شعب من الدرجة الثانية أو كأنهم شعب تحت الاحتلال، وهو الأمر الذي مكَّن الانفصاليين الجنوبيين من الثورة ثانية ضد النظام، وجعلهم يعودون وبقوة لطرح فكرة الاستقلال عن اليمن بعد أن كادت الدعوى للانفصال أن تتلاشى.
فتصرفات نظام علي عبد الله صالح الاستعلائية الحمقاء ضد أهل الجنوب منحت القوى الانفصالية الجنوبية مبررات المطالبة بالانفصال، بينما يبقى الكلام عن الوحدة بين شطري اليمن مجرد شعارات لا تُغني ولا تُسمن اليمنيين من جوع.
إن الوحدة الحقيقية التي تريدها الشعوب العربية هي الوحدة التي تقوم على العدالة والمساواة بين الشعوب المتحدة وليس الوحدة التي تقوم على توافق مصالح الفئات الحاكمة.
وهذه الوحدة المبنية على العدالة والمساواة لا يمكن أن تكون على أسس عربية أو قبلية أو وطنية؛ لأن هذه الأسس واهنة وتدعو إلى الانفصال والتنازع على السيادة وتنتج الصدامات الدموية والحروب الأهلية.
أما الوحدة الصحيحة التي تريح الجميع، وتعدل بين الجميع، وتراعي مصالح الجميع فهي الوحدة القائمة على أساس الإسلام حيث لا محاباة فيها ولا مشاحنات ولا تمييز، والكل في نظام الإسلام الوحدوي سواء لا فرق بين فرد على آخر إلا بالتقوى.
هذه مدونة سياسية خاصة غير متأثرة بأي وجهة نظر سياسية حكومية ولا محسوبة على أية جهة رسمية. والمواد السياسية المنشورة فيها متجددة متنوعة تتضمن عناوين إخبارية وتعليقات سياسية وأبحاث سياسية ومواد أخرى.أرحب بجميع المشاركات والتعقيبات والاستفسارات ذات الصلة.
الخميس، 25 يونيو 2009
التعليق السياسي
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
هناك تعليق واحد:
merci de ce exposition c amel de algerie
إرسال تعليق