الثلاثاء، 15 أكتوبر 2019

مغزى منح آبي أحمد جائزة نوبل للسلام



مغزى منح آبي أحمد جائزة نوبل للسلام





الخبر:
أعلنت الأكاديمية الملكية السويدية للعلوم - وهي الجهة المُختصة بمنح جائزة نوبل للسلام - يوم الجمعة الموافق 11/10/2019 عن فوز رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد بالجائزة للعام 2019، وذلك تقديراً لجهوده في ما يُسمّى بـ"تحقيق السلام والتعاون الدولي"، وخصوصاً مُبادرته الحاسمة في "تسوية النزاع مع إريتريا"، و"إصلاحاته التي منحت الأمل في حياة أفضل للإثيوبيين" وذلك وفقاً لما جاء في الخبر.
التعليق:
لمْ تُعط جائزة نوبل للسلام من قبل لشخصية قط إلا بناءً على إنجازات سياسية مُهمة يتمّ تنفيذها خدمةً للمصالح الأمريكية والغربية عموماً، فما هي إنجازات آبي أحمد السياسية المدعومة من أمريكا، والتي أهّلته لنيل أرفع جائزة عالمية مرموقة لا ينالها شخص إلاّ وقد خدم هذه المصالح؟
قبل ذكر أهم الإنجازات التي قام بها آبي أحمد لا بُدّ لنا من التذكير أولاً بأهمية إثيوبيا الجيوسياسية بالنسبة لأمريكا والغرب، فهذه الدولة الأفريقية الكبيرة تقع في شرق أفريقيا، ويزيد تعداد سكانها عن المائة مليون نسمة، وهي من أهم المصادر المائية لنهر النيل، وتؤثر على ربع دول القارة الأفريقية مباشرة، وفيها مقر الاتحاد الأفريقي، ويعيش فيها أكثر من أربع قوميات مُتناحرة ومُتنافسة على السلطة، وعدم استقرارها يعني عدم استقرار دول شرق أفريقيا جميعها، لذلك بدأت أمريكا بإعادة ترتيب أوضاعها لمنحها الاستقرار النسبي خوفاً من وقوعها بالفوضى، وخروجها من ثمّ من القبضة الأمريكية، لا سيما بعد وفاة رئيسها القوي، وانزلاق البلاد بعده في صراعات قبلية كادت تودي بأمنها ووحدة أراضيها واستقرارها، وهو ما شكّل خطراً على إمكانية انفلاتها من السيطرة الأمريكية، فوجدت أمريكا في شخصية آبي أحمد ضالتها، وهو السياسي المسلم (المُنفتح) المتزوج من نصرانية، والذي ينتمي إلى الأورمو وهي أكبر قومية من القوميات الأربع الرئيسية التي تُشكّل الدولة الإثيوبية.
استخدم آبي أحمد خطاباً سياسياً توحيدياً ابتعد فيه عن التعصب القومي، وقدّم نفسه لأهل إثيوبيا بصفته سياسياً جديداً لهم جميعا، وسُخّرت له الإمكانيات الخارجية الدولية والفنية للقيام بهذا الدور، وتمكّن من تثبيت أركان حكمه بالاعتماد على الأجهزة الأمنية التابعة لقومية التيغري القوية التي دعمته لتحصل على مكاسب ومراكز في الدولة في منافسة خصومها من القوميات الأخرى، وأوجد آبي أحمد تحالفاً عسكرياً ناجحاً مُوالياً له داخل الجيش يتكون من مجموعة ضباط تمت ترقيتهم إلى جنرالات من قوميات مختلفة تمكنوا من الإطاحة برئيس الأركان السابق الذي كان يتصرف كقائد عسكري متفرد بالسلطة، وكان محسوباً على طائفة بعينها، ثمّ بدأ بعد ذلك بتعيين قادة لأجهزة الأمن والاستخبارات من الموالين له مُستعيناً بأنظمة وبرامج كمبيوترية تجسسية، وقام بعد ذلك بتوسيع دائرة نفوذه بتعيين قيادات من جميع القوميات حتى المُهمّشة منها، وهو ما أدّى إلى تثبيت دعائم حكمه بشكلٍ أقوى.
بعد فرض سيطرته الأمنية والعسكرية بمساعدة وتوجيه من الدوائر الأمريكية استخدم لعبة الديمقراطية والانتخابات ففاز بالحكم وأصبح رجل الدولة الأقوى في البلد.
وعلى صعيد الجوار المُباشر قام وبتوجيه أمريكي بإنهاء النزاع مع الجارة إريتريا الذي أرهق الدولة، وأخّر نهوضها، فأوعزت أمريكا لرئيسها أفورقي وهو عميل أمريكي عريق بالتعاون والتصالح مع آبي أحمد، فلاقت هذه الخطوة ارتياحاً شعبياً كبيراً.
ثمّ شرع آبي أحمد بخصخصة القطاعات العامة للدولة لتتمكن الشركات الأمريكية والغربية من النفاذ بسهولة ويسر للاقتصاد الإثيوبي الكبير، بعيداً عن عوائق البيروقراطية العسكرية.
وأخيراً وجّهته أمريكا لمساعدة السودان في نقل هذا النموذج الإثيوبي الجديد في السلطة والقائم على المزج بين النفوذين العسكري والسياسي وإيجاد الاستقرار من خلال اللعبة الديمقراطية للاعبين المُتنفذين من عملاء أمريكا والغرب - عسكريين ومدنيين - للسيطرة على الحكم وتجاوز الثورة الشعبية.
هذه هي إنجازات آبي أحمد التي استحق عليها جائزة نوبل للسلام والتي جعلته نموذجاً يُحتذى في القارة الأفريقية، وهي كلها كما هو واضح جاءت بتوجيهات أمريكية.

ليست هناك تعليقات: