برامج التبادل وصناعة العملاء
نشرت السفارة الأمريكية خبراً خطيراً على شكل تغريدة على تويتر لم يلق أي اهتمام إعلامي بالرغم من خطورته، ومفاده أنّ السفارة الأمريكية في الخرطوم: "تُعلن وبفخر أنّ العديد من الوزراء السودانيين الذين أدّوا اليمين الدستورية هم من خريجي برامج التبادل، وأنّنا لم يتوقف تعاوننا مع السودان من خلال هذه البرامج مُطلقاً، وسيقفز هذا التعاون للمضي قُدُماً في المُستقبل".
فهذا هو إذاً عمل برامج التبادل الأمريكية بكل بساطة، وهو تكوين عقليات وشخصيات على الطريقة الأمريكية، وتمكينهم من الوزارة والحكم في بلاد المسلمين وغيرها، وبمعنى آخر زراعة رجالها في الحكم في الدول التابعة لها، فلا تكتفي بتبعية شخص الرئيس أو القائد بل توجد مجموعة من الوزراء والمتنفذين التابعين لها وتزرعهم في مفاصل الدولة الرئيسية.
إنّ أمريكا تُنفق على هذه البرامج أموالاً هائلة، فقد أنفقت على برامج المخابرات في عام 2003 مثلاً 30 مليار دولار، بينما أنفقت في العام نفسه على برامج التبادل 230 مليار دولار، أي أكثر من سبعة أضعاف ما أنفقته على برامج المخابرات، وهو ما يدل على أهمية هذه البرامج لدى صُنّاع القرار في أمريكا.
ومنذ العام 2003 ساهمت هذه البرامج في إحضار 700000 موفد أجنبي إلى الأراضي الأمريكية تلقوا الثقافة الأمريكية من خلال هذه البرامج، منهم 200 رئيس دولة و1500 وزير.
وهم يقولون: إنّ مفهوم التبادل لا يعني بالضرورة تبادل الأشخاص وإنّما هو تبادل الثقافات، أي أنّ المقصود منه زرع الثقافة الأمريكية في عقول المشاركين بهذه البرامج، وبمعنى آخر فهو عبارة عن عملية غسيل أدمغة، وتهيئة رجال من الدمى العملاء لأمريكا.
وتقوم الجامعات والمعاهد بالدور الأبرز في هذه البرامج، ومُعظم الموفدين هم من خريجي هذه المؤسّسات التعليمية، ولو استعرضنا أسماء بعض الوزراء السودانيين الجدد وخبراتهم والجامعات التي درسوا فيها لوجدنا هناك علاقة ما بين الجامعات والمؤسسات الدولية التي تهيمن أمريكا عليها وبين هؤلاء الوزراء.
فمثلاً عمر مانيس وزير شؤون الرئاسة عمل مندوباً للسودان لدى الأمم المتحدة ومبعوثاً للسلام في الكونغو، وأسماء عبد الله وزيرة الخارجية لها علاقة بمنظمة كفاية الأمريكية، وإبراهيم البدروي كان خبيراً في إيجاد السلام، ونصر الله عبد الباري وزير العدل هو مستشار للقانون الدولي من جامعة هارفارد، وأكرم علي الدوح وزير الصحة درس الماجستير في جامعة جورج تاون الأمريكية وينوي إكمال الدكتوراه في الجامعة نفسها.
وهناك وزراء لهم علاقة بالجامعات البريطانية منهم وزير الثقافة فيصل محمد صالح الذي أنهى الماجستير في الدراسات من جامعة ويلز البريطانية، وولاء عصام البوشي التي تحمل الماجستير من جامعة إمبريال كوليج لندن، ولينا الشيح وزيرة التنمية معها ماجستير من جامعة مانشستر وكانت استشارية لدى مكتب اتفاق الأمم المتحدة.
فما علاقة هؤلاء بالثورة السودانية؟ وهل هؤلاء هم أبناء الثورة والتغيير أم هم صناعة برامج التبادل الأمريكية والبريطانية؟
لقد قام عبد الله حمدوك رئيس الوزارة السودانية الجديدة بأول زيارة خارجية له إلى جنوب السودان، واصطحب معه مجموعة من الوزراء ليؤكد على تكريس حكومة (الثورة الجديدة) الانفصال عن الجنوب، واعتبر من أهم أولوياته الخارجية فتح الحوار مع أمريكا لرفع اسم السودان من القائمة الأمريكية للدول الراعية (للإرهاب)، والتفاوض مع صندوق النقد والبنك الدوليين لأخذ قروض ربوية جديدة وإغراق البلد بالديون.
وفي السياسة الداخلية جعل حمدوك من أهم أولوياته مُساواة المرأة بالرجل، والهدف واضح وهو إبعاد أحكام الشريعة الإسلامية عن العلاقات الاجتماعية وإطلاق العنان لإفساد المرأة والأسرة ونشر الرذائل في المجتمع تحت شعار مساواة المرأة بالرجل.
فهل هذه أعمال وزارة خرجت من رحم الثورة أم هي أعمال وزارة خرجت بتوجيهات من المشرفين على برامج التبادل؟!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق