نصف
ثروة العالم يحوزها خمسة وثمانون شخصاً فقط
بمناسبة انعقاد المنتدى الاقتصادي العالمي أعماله في منتجع دافوس السويسري نشر تقرير صادر عن جمعية
"اوكسفام" لمحاربة الفقر:" أن 85 شخصاً في العالم يملكون
نصف ثروات العالم"، وبين التقرير أن الثروة العالمية نمت
بنسبة خمسة في المائة لتبلغ 241 تريليون دولار، خلال العام الماضي، إلا أن الملفت
للنظر هو أن 110 تريليونات دولار من هذه الثروات هي بيد واحد في المائة من أغنياء
العالم، وألقى التقرير الضوء على :" أن التركيز العالي للثروة
يعتبر تهديدا كبيرا على النظام الاقتصادي والسياسي في البلاد وما يترتب على ذلك من
رفع حالة التوتر في المجتمعات".
وقالت الرئيسة التنفيذية
لجمعية أوكسفام، ويني بيانيما، في تصريح لـCNN: "المخاطر المترتبة على هذه
الفجوة الكبيرة ليست فقط من ناحية فروقات الدخل وحسب، بل أننا وجدنا أن الأثرياء
في العالم يصلون إلى السلطة."
أي عالم خيالي هذا الذي
تتركز فيه نصف ثروة العالم بأيدي حفنة قليلة من البشر؟!، وأي نظام غريب هذا الذي
أفرز ذلك الواقع المأساوي العجيب ؟!
فسكان الكرة الأرضية الذين تجاوز تعدادهم حاجز
السبعة مليارات نسمة يستحوذ على نصف ثروتهم خمسة وثمانون شخصاً فقط، فسوء توزيع
الثروة هذا يُعتبر بحق أكبر سرقة قانونية تحدث في تاريخ البشرية، وإنّ هذه السرقة
العالمية الكبرى إنّما نتجت عن أسوأ نظام اقتصادي عالمي عرفته البشرية، ألا وهو
النظام الرأسمالي.
والمصيبة الكبرى أنّه لا
يوجد أحد من القادة السياسيين أو المفكرين العالميين الذين يُنَظرّون لهذا النظام
الفاسد من يعترف بأنّ هذه الحقائق الكارثية ناشئةً عن فساد نظرياتهم عن الحرية
الاقتصادية واقتصاد السوق، بل إنّهم على العكس من ذلك فهم ما زالوا يُدافعون عن أفكار الرأسمالية التعسة البائسة،
ويُروّجون لنشر نماذجها الفاشلة العفنة في مختلف مناطق المعمورة.
إنّ هذا النظام الرأسمالي
بطبيعته - ومنذ نشأته - يوصف بأنّه فردي الطابع، فهو يخص الفرد بنظرته، والدولة
فيه ما وجدت إلا من أجل الحفاظ على ثروات الأفراد الأثرياء، وحمايتها، وسن القوانين
التي تُحافظ عليها، وتحرسها من سلطان الجماعة، وتحرم الامة من الانتفاع بحقها في
تلك الثروة.
إنّ أصل البلاء وأس الداء
في أي نظام اقتصادي يكمن في معضلة توزيع الثروة، فالنظام الرأسمالي يحرم الجماعة
من الثروة لصالح الافراد، ويُركز الثروة بأيدي القلة، ويحرم الكثرة منها، فلا
يعترف بالملكية العامة، وإنّما يهبها للأفراد على شكل امتيازات استثمارية من خلال
سيطرة الشركات عليها، وهذه الشركات تتصرف بالثروة العامة بصفة احتكارية نيابة عن
الأفراد الذين يستحوذون على أكثر من تسعين بالمائة من الثروة الإجمالية، بينما يُلقى
بأقل الفتات للأكثرية.
ولم يكتف الأفراد في
النظام الرأسمالي بالسيطرة على الثروة، بل تعدوا ذلك إلى السلطة، فجمعوا بأيديهم
الثروة والسلطة معاً، وأحكموا قبضتهم على الدولة بذلك الجمع إحكاماً مطبِقاً، فيما
هم يُضلّلون الناس بشعارات الحرية الاقتصادية والنمو الاقتصادي والرخاء الاقتصادي.
إنّ مجرد ذكر مثل هذه
البيانات السنوية العابرة كالتي وردت في
تقرير جمعية أوكسفام يُثبت بما لا يدع مجالاً للشك أنّ الرأسمالية في وضع خطير وحرج،
وأنّ عليها إعادة النظر في نظامها ونظرياتها وقوانينها، فهي لا شك تتحمل وحدها
المسؤولية عن هذا الخلل الفظيع في سوء توزيع الثروة، وفي انتشار الفقر والمجاعات
الأمراض، وكل أشكال التخلف المتفشية في جميع المجتمعات سواء الموجودة منها في
البلدان المتأخرة أو المتقدمة.
وإنّ الحل لهذه المشكلة
العالمية المستعصية موجود فقط في النظام الاقتصادي الاسلامي، وهذا النظام لا يُطبق
الا بوجود دولة الإسلام، التي بمقدورها إعادة توزيع الثروة على الناس بطريقة
عادلة، فلا تحرم الجماعة من حقها في المال العام، في الوقت الذي تُمكن فيه الأفراد
من الملكية الفردية بضوابط شرعية، فالسياسة الاقتصادية الاسلامية توجد التوازن
الدائم في عملية التوزيع بين الفرد والجماعة، فلا يتم سحق الحوافز الفردية في
دولاب الجماعة، ولا تُحرم الجماعة من حقها بالانتفاع بالملكية العامة، وهذا لا
يوجد الا في نظام الاسلام.