لعبة كرة قدم كشفت مدى هشاشة القومية العربية
ومدى شوفينية الروابط الوطنية وعنصريتها
غالباً ما تعكس الألعاب الرياضية - التي يُفترض فيها الحيادية والحرفية - مضامين سياسية غاية في العمق والأهمية. فلعبة كرة قدم بين منتخبي مصر والجزائر التي تأهلت فيها الجزائر على حساب مصر لمونديال كأس العالم المقرر إجراؤه في جنوب أفريقيا في الصيف القادم تحولت إلى صراع سياسي عنيف بين البلدين وأدَّت إلى ما يشبه القطيعة السياسية بين الدولتين.
وتحدثت وكالات الأنباء عن أن الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة وعلى خلفية هذه المشاحنات يعتزم إعادة النظر في العلاقات الجزائرية المصرية، وأنه زعم أنه أُصيب بصدمة جرّاء ما حصل للفريق الجزائري وللجزائريين في مصر من إهانات واعتداءات على أيدي المصريين.وفي حين يتوجه الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز يوم الأحد المقبل الى القاهرة لإجراء مباحثات مع الرئيس المصري حسني مبارك وعدد آخر من كبار المسؤولين المصريين، ويُستقبل وكأنه ضيف وصديق على أهل مصر أعلنت القاهرة الخميس استدعاء سفيرها بالجزائر للتشاور ولإبلاغه بضرورة قيام حكومة بلاده بتحمل مسؤولياتها في حماية المصريين والمنشآت والمصالح المصرية بالجزائر.
ولأجل هذا هذا الغرض عقد الرئيس حسني مبارك اجتماعاً موسعاً مع عدد من كبار المسؤولين في الحكومة المصرية، بينهم رئيس الوزراء ورئيسي مجلسي الشعب والشورى، وعدد من الوزراء، إضافة إلى مدير المخابرات العامة، ورئيس أركان حرب القوات المسلحة، لبحث التداعيات الناجمة عن هذا الحدث ( الجلل )، والذي استدعى انعقاد مجلس الحرب هذا.
وانتقلت حالة العداء التي افتعلتها الزُمر السياسية الفاسدة في البلدين إلى الصحافة والإعلام أولاً، ثم إلى الجمهور في كلا البلدين ثانياً، فالصحف المصرية شنَّت هجوماً عنيفاً على الجزائر وذكَّرتها بأفضال مصر عليها في حرب التحرير في خمسينيات وستينيات القرن الماضي، والصحف الجزائرية ردَّت بهجوم معاكس على الصحف المصرية وادَّعت بأن مصر استفادت من الثورة الجزائرية في تأميم قناة السويس بعد علمها بأن فرنسا مشغولة بالجزائر ولا قدرة لديها للدخول في حرب جديدة مع مصر عام 1956م.
وأُقحم في النزاع المسؤولون الرياضيون في كلا البلدين، كما أقحم من يوصفون بالفنانين من خفاف العقول الذين شاركوا في تأجيج مشاعر الغضب والانفعال لدى الجماهير العريضة في مصر والجزائر على حد سواء، وفي إثارة الحقد والكراهية بين الشعبين.
وتحدثت الأنباء عن تسليح المشجعين من أتباع كل ناعق بالأسلحة البيضاء بعد نقل الحكومتين المصرية والجزائرية لهم بالطائرات إلى السودان وعلى نفقتيهما الخاصة، وكان الأحرى بهذا الإنفاق أن يُوجه لصالح ملايين الفقراء والمعدمين في البلدين.
وهكذا لعب الحكام العملاء في مصر والجزائر لعبة قذرة في بث عوامل الفرقة والانقسام بين الشعبين، وفي إثارة مشاعر الكراهية والحقد بين أعضاء جسم الأمة الإسلامية الواحد.
إن افتعال مثل هذه القلاقل السياسية بين الدولتين على يد القيادتين السياسيتين للحكومتين المصرية والجزائرية قد أظهرت مدى هشاشة الرابطة القومية العربية التي يتبجح بها النظامان، وتُظهر كذلك مدى اضمحلالها في أذهان ومشاعر الشعوب العربية، كما أظهرت هذه القلاقل من ناحية أخرى مدى عنصرية وشوفينية الروابط الوطنية المصرية والجزائرية والتي استطاعت أن تُحول حادث كروي رياضي عادي إلى نزاع عميق وجرح غائر بين أبناء الأمة الواحدة والشعب الواحد.
فتركيز الإعلام المصري على سبيل المثال على عظمة مصر وتاريخها وفرعونيتها وجاهليتها يثير عند الجزائريين وغيرهم من الشعوب العربية والمسلمة الأخرى مشاعر الغيرة والعصبية للدفاع عن هويتها.
وهذا هو حال الوطنية والقومية دائماً، وهذا هو ديدنها فهي سلاح يفتك أول ما يفتك بالشعوب المتمسكة به، ولا يصلح أبداً لتوحيد الأمة ضد أعدائها الحقيقيين.
إنها العصبية الجاهلية بكل تجلياتها وأهدافها قد تجسّدت تماماً من خلال حدث رياضي عابر، وتحوّلت إلى عنصرية واضحة، وحقد أعمى، حوّل - وبكل بساطة - علاقة الاخوة والعقيدة إلى علاقة العداوة والبغضاء.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق