" خطورة حرف الثورات عن مساراتها "
الثورة من حيث هي ثورة تعني التغيير الشامل الانقلابي الذي يتعدى الأفراد والقيادات ليشمل الأفكار والأنظمة والأوضاع والعلاقات.
والتغيير الحقيقي الذي يسعى إليه الثوار يجب أن يتناول جميع مشاكل الأمة الاقتصادية والاجتماعية فضلا عن المشاكل السياسية.
أما إسقاط رأس النظام أو استبدال النواب المعنيين من قبل شخص الحاكم وبطانته بنواب منتخبين من قبل الشعب فهو مجرد تغيير جزئي وليس تغييرا كليا بتاتا.
فبعد مرور عام على انطلاق الثورات العربية لا نجد تغييرا ثوريا جديا قد طرأ في المجتمعات التي وقعت فيها الثورات ففي مصر سقط مبارك وحاشيته لكن الجيش لم يسقط وبقي متماسكا وبيده مفاصل الدولة ولا يجرؤ أحد من الاقتراب منه.
وفي تونس سقط بن علي لكن الأفكار العلمانية التي أُسست الدولة على أساسها منذ أيام بورقيبة لم تسقط وبقي الإعلام علمانيا وظل النظام ديمقراطيا على الطريقة الأوروبية اللادينية.
وفي ليبيا سقط القذافي ولكن البديل لم يظهر بعد، والثوار ما زالوا يتخبطون.
وبقيت هذه الدول الثلاث التي نجحت فيها الثورات في إسقاط الحكام جزءا لا يتجزأ من المنظومة الإقليمية والدولية، فبقيت كل من مصر وتونس وليبيا أعضاء في الجامعة العربية المهترئة وفي منظمة التعاون الإسلامي الباهتة وفي الجمعية العمومية للأمم المتحدة التي تخضع للهيمنة الأمريكية والغربية. وبمعنى آخر بقيت تلك الدول في قبضة النظام العالمي الرأسمالي.
فأي تغيير هذا؟ وأي ثورة هذه؟
فالتغيير لم يُحدث انقلابا حقيقيا في الواقع والثورة لم ينشأ عنها أي تبديل في الأفكار والعلاقات.
ففي مصر أقسم النواب الجدد بالحفاظ على النظام الجمهوري، وفي تونس أرسل الحكام الجدد للغرب بكل التطمينات متعهدين بالحفاظ على الحرية والديمقراطية، وفي مؤتمر دافوس بسويسرا ظهروا كحمامات سلام ودعاة حرية وديمقراطية كما لو كانوا أوربيين.
لقد تبين لكل ذي لب أن لعبة الانتخابات والديمقراطية ما هي سوى مسرحية وملهاة تخدر الشعوب، وتحرف الثورات عن مساراتها وأهدافها وكأنك يا زيد ما غزيت.
فبدلا من التغيير الجذري الذي تنشده الشعوب راحوا يبحثون عن معالجة عوامل الفساد والفقر والبطالة بالأفكار الرأسمالية وبالسوق المفتوح وبالمعالجات الاقتصادية التي عفا عليها الزمن.
فاختزلوا الثورة بالاقتصاد واختزلوا السياسة بالفساد وتحول راشد الغنوشي وعبد المنعم أبو الفتوح وبنكيران إلى مبشرين للديمقراطية والحرية في مؤتمر دافوس بدلا من أن يكونوا حملة دعوة للإسلام.
إن التغيير الحقيقي الذي تحتاجه الأمة هو ذلك التغيير الذي يتمخض عنه ولادة دولة عظيمة من أول يوم ينجح التغيير فيه بإسقاط الأنظمة.
فأمة عظيمة كالأمة الإسلامية يجب أن تكون ثورتها عظيمة ودولتها عظيمة تتناسب مع عظمة الأفكار الإسلامية وإسقاط الأنظمة العميلة الفاسدة يجب أن يواكبه إسقاط بل استئصال كل النفوذ الغربي من بلاد الإسلام، أما أن نُسقط الحكام ونلجأ إلى الدول الغربية التي أسندتهم فهذا ليس من الحكمة في شيء.
فالتغيير المطلوب والجاد يقتضي إزالة كل أثر للوجود الغربي الرأسمالي الديمقراطي في بلادنا.