الجمعة، 11 ديسمبر 2009

هشاشة الاقتصاد العالمي

هشاشة الاقتصاد العالمي
بالرغم من الاجراءات الصارمة التي اتخذت لمنع انهيار الاقتصاد الاعالمي بعد تفجر الازمة المالية العام الماضي، وبالرغم من اعلان الاقتصاديات الكبرى خروجها من حالة الكساد، الا أن الاقتصاد العالمي ما زال هشّاً وغير موثوق به، فالدولار الضعيف والخوف من تغير سعر الفائدة وصعوبة الائتمان ثلاثة عوامل رئيسية تُبقي الاقتصاد العالمي في حالة مضطربة، وتُبقي الوضع الاقتصادي العالمي في حالة عدم استقرار حقيقية لا يُدرى متى ستنتهي.
ومن أبرز مظاهر حالة الهشاشة التي تنتاب الاقتصاد العالمي ارتفاع نسب البطالة في الدول الصناعية الكبرى، وزيادة التضخم وارتفاع الأسعار في غالبية دول العالم، وتمديد العمل بخطط التحفيز وهو ما يعني استمرار العجز في الموازنات العامة لغالبية الدول ذات الاقتصاديات الكبرى.
وقد حذر وزير المالية الألماني الجديد ولفغانغ شوبل من احتمالات تعرض العالم لأزمة أصول جديدة مصدرها انخفاض الفائدة على الدولار وضعف العملة الأميركية وقال"إن الأزمة المالية العالمية سوف يكون لها تأثير زلزالي في العالم كالتأثير الذي سببه انهيار حائط برلين قبل عشرين سنة"، وأضاف في مقابلة مع صحيفة بلد أم سونتاغ الأسبوعية "إنني أعتقد أن الأزمة المالية ستغير العالم مثلما غيره سقوط حائط برلين". وأوضح "أن ميزان القوى بين أميركا وآسيا وأوروبا يتحول بصورة كبيرة, وأن التداعيات لم تنته بعد" وتابع:" إن الاقتصادات تتحسن لكن يجب أن تحصل الشركات على الائتمان الذي تحتاجه من البنوك".
واعتبر المدير العام لصندوق النقد الدولي دومينيك ستراوس كان الاثنين في لندن أن الاقتصاد العالمي لا يزال هشا للغاية على الرغم من أن عاصفة الأزمة المالية قد ولت. وقال ستراوس كان في كلمة في المؤتمر السنوي لكنفدرالية الصناعة البريطانية -أكبر رابطة عمالية في بريطانيا- "اليوم العاصفة مرت. الأسوأ تم تجاوزه بفضل رد جريء وسريع وأيضا بفضل التعاون". وتابع " أنه يمكن القول إن تعافي الاقتصاد العالمي قد بدأ لكن الكل مدرك أن هذا التعافي هش للغاية ويعتمد على سياسة داعمة"، في إشارة إلى برامج الحفز الضخمة التي أقرتها دول كثيرة للتغلب على أسوإ ركود منذ ثلاثينيات القرن الماضي. وقال المسؤول النقدي الدولي" إن الكل توحد وراء هدف واحد خلال الأزمة, ونبه إلى أن هذا التوحد قد يتبدد لتصبح معالم الطريق غير واضحة". وحث المدير العام لصندوق النقد الدولي دول العالم على:" أن تتعاون أكثر فيما بينها لدعم بوادر تعافي الاقتصاد العالمي، مشيرا إلى أن تحديات جديدة ومعقدة تقف في طريق التعافي الكامل من الأزمة".
وأما رئيس البنك الدولي روبرت زوليك فقد حذر:" من أن الاقتصاد العالمي في مرحلة ما بعد الأزمة يتعرض لأخطار جديدة مما يطلق عليه الفقاعات المالية أو الاستثمارية التي قد تدفع ملايين الناس إلى الفقر والجوع"، واستدل على هذا بزيادات عالية في أسعار السلع،وأوضح في مقال له نشرته يومية الفايننشال تايمز:" أن برامج الإنعاش غير المسبوقة التي اعتمدت في الولايات المتحدة وباقي أنحاء العالم خلصت الاقتصاد العالمي من ركود عميق لكنها في المقابل خلقت جملة من المخاطر"، وأشار رئيس البنك الدولي إلى:" أن آسيا تقود في الوقت الحاضر الاقتصاد العالمي بفضل ارتفاع في مؤشرات الإنتاج الصناعي والتجارة وهذا يعكس جزئيا النمو في الصين والهند".
وأما بخصوص العجز فقد ذكرت مصادر بالكونغرس الأميركي أن الموازنة الحكومية سجلت عجزا كبيرا في الشهرين الأولين من السنة المالية الحالية بعد عجز قياسي في موازنة العام الماضي التي انتهت في سبتمبر/أيلول. وقال مكتب الموازنة بالكونغرس" إن الحكومة الأميركية أنفقت فى أكتوبر/تشرين الأول ونوفمبر/تشرين الثاني مبلغ 292 مليار دولار أكثر مما كان متوقعا". وبلغ العجز في الموازنة وفقا لسجلات وزارة الخزانة 176.4 مليار دولار في أكتوبر/تشرين الأول, بينما قدر مكتب الموازنة العجز في نوفمبر/تشرين الثاني بحوالي 115 مليار دولار. وشهدت ميزانية السنة المالية الماضية عجزا قدر بـ1.4 تريليون دولار. وهو أكبر عجز تسجله واشنطن منذ 1945، ويعادل 10% من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي، وهذا الارتفاع الكبير في العجزمن الواضح أن سببه خطط التحفيز التي قامت بها الحكومة الأمريكية لمواجهة الأزمة المالية ودفعتها لضخ المليارات وتقليص الإيرادات.
وأما ارتفاع معدلات البطالة والفقر فهما أكبر أفة تُواجه الدول الصناعية الكبرى بعد هدؤ العاصفة، فقد قال البنك الدولي في تقديرات جديدة له الاثنين إن الأزمة العالمية ستضيف أكثر من 150 مليون شخص إلى صفوف الفقراء في العالم بحلول العام 2010, وأشار إلى أن أكثر من ثلاثين مليونا بأوروبا وآسيا سيكونون من ضحايا موجة الفقر الجديدة. ومن جهتها أكدت منظمة العمل الدولية اليوم الاثنين أن الأزمة الاقتصادية العالمية تسببت خلال عام في إلغاء ما لا يقل عن 20 مليون وظيفة, وحذرت من أن ملايين أخرى من الوظائف قد تلغى إذا عجلت الدول بوقف برامج الحفز الاقتصادي. وقالت المنظمة -وهي إحدى الوكالات التابعة للأمم المتحدة- في تقرير نشر اليوم تحت عنوان"أزمة الوظائف العالمية وما وراءها"، إن البيانات التي قدمتها 51 دولة تظهر أن 20 مليون شخص على أقل تقدير سرحوا من وظائفهم منذ أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي ورفعت الأزمة معدلات البطالة في الولايات المتحدة إلى مستويات لم تسجل منذ ربع قرن على الأقل إذ تعدت 10% أو أوشكت أن تبلغها.
هذه هي آفات الرأسمالية وهذه هي عيوبها، فهي مهما حاولت اصلاح نظاما فلن تنجح في ذلك مهما اتخذت من خطوات لأن الفساد ضارب في جذورها وجذوعها، وليس في ثمارها وأوراقها، والحل الوحيد لاصلاح الاقتصادالعالمي يكمن في نبذ هذه الرأسمالية المتوحشة ونبذ الدول الراعية لها.

ليست هناك تعليقات: